16-04-2015, 05:32PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
[109] : وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله ﷺ ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد
غمزني ، فقبضت رجلي ، فإذا قام بسطتهما ، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح .
موضوع الحديث :
سترة المصلي ، وأن الاضطجاع أمام المصلي لا يعد قطعاً ولو كان من امرأة .
المفردات :
بين يدي رسول الله ﷺ : أي أمامه .
ورجلاي في قِبلته : أي في محل سجوده .
فقبضت رجلي : سحبتها من محل سجوده .
بسطتهما : أي أعدتهما إلى مكانهما الأول .
المعنى الإجمالي :
تخبر عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنام أمام النبي ﷺ وهو يصلي صلاة الليل ، وليس له مكان يسجد
فيه إلا موضع رجليهما ولم يَعُدُّه النبي ﷺ قطعاً .
فقه حديثي عائشة وابن عباس رضي الله عنهما :
أولاً : يؤخذ من الحديث أن المرأة والحمار لا يقطعان الصلاة ، وهو معارض لحديث أبي ذر عند مسلم بلفظ :
قال رسول الله ﷺ : " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره من الناس إذا كان بين يديه مثل آخرة الرَّحل ،
فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود " .
قلت : يا أبا ذر : ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ ، قال : يا ابن أخي
سألت رسول الله ﷺ كما سألتني ، فقال : "الكلب الأسود شيطان" .
وحديث أبي هريرة عنده أيضاً بلفظ قال : قال رسول الله ﷺ : " يقطع الصلاة المرأة والحمار
والكلب ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ".
وقد ورد تقييد المرأة بالحائض عند أبي داود من طريق ابن عباس ، قال الزيلعي في "نصب الراية" : قال يحيى
بن سعيد لم يرفعه غير شعبة ، وقال أبو داود : وقفه سعيد وهشام وهمام ، عن قتادة ، عن ابن عباس .
قلت : وإذ قد صح موقوفاً فإنه مما لا مجال للرأي فيه ، فله حكم الرفع والله أعلم .
وقد اختلف العلماء في القطع المنصوص هنا هل المراد به نقص الأجر أو الإبطال .
فذهب الجمهور إلى أن المراد به نقص الأجر ، وممن قال بذلك الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي .
وذهب داود الظاهري إلى أن المراد بالقطع الإبطال بالكلية ، فمن مرت واحدة من هذه الثلاث بين يديه وهو
بدون سترة ، أو كانت له سترة فمرت بينه وبين سترته بطلت صلاته ، ماعدا المرأة المضطجعة ، صرح بذلك
ابن حزم في المحلى ، وذهب الإمام أحمد إلى الإبطال بالكلب الأسود ، واختلف قوله في المرأة والحمار .
وقد استدل الجمهور على عدم الإبطال بأحاديث :
1-2: منها هذان الحديثان واعتذر القائلون بالقطع عن الحديثين بما يلي :
قالوا حديث عائشة ليس فيه حجة ؛ لأنه لم يكن فيه مرور ، والقطع مقيد بالمرور لأنه يحصل به شدة
التشويش دون الاضطجاع أمام المصلي .
أما حديث ابن عباس فإنه ليس فيه حجة أيضاً ؛ لأنه لم يقطع بين الإمام وبين سترته ، ولا بين المأمومين
والإمام ؛ بل كان مروره بين يدي بعض الصف ، وهذا المرور لا يقطع الصلاة .
موقفه ................................................
3- ومنها حديث أبي سعيد الخدري عند أبي داود بلفظ قال : قال رسول الله ﷺ : " لا يقطع الصلاة شيء ،
وادرؤوا ما استطعتم فإنما هو شيطان " . وفي سنده مجالد بن سعيد الهمداني أخرج له مسلم مقروناً ، وقال الحافظ :
ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره ، وأبو الوداك جبر بن نوف البكالي أخرج له مسلم أيضاً ، وقال
فيه الحافظ : صدوق يهم .
قلت : مثل هؤلاء لا يطرح حديثهم بل يرتفع بالشواهد لدرجة الصحيح لغيره .
4- ومنها حديث أبي أمامة عند الطبراني في "الكبير" من طريق عفير بن معدان ، عن سليم بن عامر ،
عن أبي أمامة ، عن النبي ﷺ قال : " لا يقطع الصلاة شيء" ، وقد نقل الشيخ أحمد شاكر في تعليقة
على الترمذي أن الهيثمي قال في مجمع الزوائد : إسناده حسن وضعفه ابن الجوزي بعفير بن معدان ،
وقال الحافظ في التقريب : عفير بن معدان الحمصي المؤذن ضعيف من السابعة .
5- ومنها حديث أنس قال في "نصب الراية" : وأما حديث أنس فأخرجه الدارقطني عن صخر بن عبد الله
بن حرملة ؛ أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول ، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ صلى بالناس فمر
بين أيديهم حمار ، فقال عياش ابن أبي ربيعة : سبحان الله ، سبحان الله ، فلما سلّم رسول الله ﷺ
قال : من المسبح آنفاً ؟ قال : أنا يا رسول الله ، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة . قال : "لا يقطع الصلاة شيء" .
وضعفه ابن الجوزي بصخر بن عبد الله ، وقال ابن عدي : يحدث عن الثقات بالأباطيل ، عامة ما يرويه منكراً
ومن موضوعاته ... وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه قال الزيلعي وتعقبه صاحب التنقيح وقال : إنه
وهم في صخر هذا ، فإن صخر بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز لم يتكلم فيه ابن عدي
ولا ابن حبان بل ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي : هو صالح .
وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة
روى عن مالك والليث وغيرهما . اهـ.
وقال الحافظ : صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجي ،حجازي مقبول ، غلط ابن الجوزي فنقل عن ابن عدي
أنه اتهمه وإنما المتهم صخر بن عبد الله الحاجبي .
وبهذا يتبين أن الحديث من قبيل الحسن إن شاء الله .
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله – في تعليقه على المحلى والترمذي – بعد أن ساق
الكلام المتقدم : ثم إن الباغندي قال من مسند عمر بن عبد العزيز : حدثنا هشام بن خالد الأزرق ، أنبأنا
الوليد بن مسلم ، عن بكر بن مضر المصري ، عن صخر بن عبد الله المدلجي ، قال سمعت عمر
بن عبد العزيز يحدث عن عياش بن ربيعة قال : بينما رسول الله ﷺ يصلي يوماً بأصحابه .. الحديث . مثل
ما تقدم ، قال : وهذا إسناد صحيح ، إلا أن عمر بن عبد العزيز لم يسمع من عياش بن ربيعة فقد مات سنة
15هـ ، ولكنه محمول على الرواية الأخرى عن أنس ، وكأن عمر لما سمعه من أنس صار مرة يرويه عن أنس ،
ومرة يرسله عن عياش يريد بذلك رواية القصة لا ذكر الإسناد ، وهذا كثير عند رواة الحديث وخصوصاً
القدماء ، وهو صريح في أن الأحاديث التي فيها الحكم بقطع الصلاة بالمرأة والحمار والكلب منسوخة
فقد سمع عياش أن الحمار يقطع الصلاة ، وعياش من السابقين الأولين هاجر الهجرتين ثم حبس بمكة
وكان النبي ﷺ. يدعو لـه كما ثبت في الصحيحين ، فعلم الحكم الأول ثم غاب عن نسخه ، فأعلمه
الرسول ﷺ أن الصلاة لا يقطعها شيء ، وهذا تحقيق دقيق واستدلال طريف لم أر من سبقني إليه . اهـ.
من تعليق أحمد شاكر على المحلى والترمذي .
6- ومنها ما رواه أبو داود والنسائي من طريق عبد الملك بن شعيب بن الليث قال : حدثني أبي ، عن جدي ،
عن يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عمر بن علي ، عن العباس بن عبيد الله بن عباس ، عن الفضل بن عباس
رضي الله عنه قال : أتانا رسول الله ﷺ ونحن في بادية لنا ومعه العباس ، فصلى في صحراء ليس بين
يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه ، فما بالى ذلك .
سند هذا الحديث رجاله كلهم ثقات . ولهذا فإن ابن حزم الظاهري لم يجد شيئاً يضعفه به غير أنه أعله
بالانقطاع بين عباس بن عبيد الله وبين عمه الفضل بن العباس .
وقد ذكر الحافظ بن حجر في الإصابة عباساً ممن روى عن عمه الفضل وكذلك قال ابن أبي حاتم في
الجرح والتعديل عن أبيه أن عباساً سمع من عمه الفضل ، وقال في تهذيب التهذيب (5/123) ، قال
أعله ابن حزم بالانقطاع ، قال : لأن عباساً لم يدرك عمه الفضل ، وهو كما قال ، وقرر في المصدر نفسه
(5/280) في ترجمة الفضل أن رواية العباس عن عمة مرسلة .
7- ومنها حديث الشيطان الذي عرض للنبي ﷺ في صلاته ، وفي لفظ صححه الألباني في صفة الصلاة
وعزاه إلى أحمد والدارقطني والطبراني ولفظه : " وصلى صلاة مكتوبة فضم يده ، فلما صلى ، قالوا يا رسول الله ،
أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته .." الحديث ، والمروي
في الصحيحين أنه في صلاة الليل .
قلت : هذه الأحاديث يعضد بعضها بعضاً ، وتبلغ بمجموعها درجة الصحة التي لا سبيل إلى ردها وهي
تفيد مفاداً واحداً هو عدم القطع الذي هو الإبطال سواء سلكنا مسلك الجمع ، وقلنا المراد بالقطع الوارد
في حديثيي أبي ذر وأبي هريرة النقص بما يحصل للعبد من التشويش كما هو مذهب الجمهور ، أو سلكنا
مسلك النسخ الذي مال إليه الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – وبه يقول بعض العلماء . والله أعلم .
ثانياً : يؤخذ من قوله : "فمررت بين يدي بعض الصف .." الحديث ، أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ،
أو أن الإمام سترة لمن خلفه .
أما حديث " سترة الإمام سترة لمن خلفه " عزاه في جمع الفوائد إلى الطبراني في الأوسط بضعف ، وقال في
أعذب الموارد : في سنده سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف ، كذا في مجمع الزوائد .
ثالثاً : يؤخذ منه أن لمس المرأة لا يبطل الوضوء إلا إذا كان بشهوة ، وذهب الشافعي إلى الإبطال بمطلق اللمس
مستدلاً بآية التيمم _ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ _ ويرده تفسير ابن عباس للملامسة بالجماع .
وفي الحديث دليل واضح على أن مطلق اللمس لا يبطل الوضوء ، فالحق ما ذهب إليه الإمام أحمد أن
اللمس لا يبطل الوضوء ، إلا إذا كان بشهوة وذلك والله أعلم لا يكون إلا بدون حائل ، ومع
وجود الحائل لا تحصل الشهوة .
رابعاً : يؤخذ منه ما كان عليه النبي ﷺ من التقلل من الدنيا ، حتى أن بيته لا يتسع لمكان يصلي
فيه غير مضجع زوجته ، والله أعلم .
خامساً : يؤخذ منه أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح في باب الجمعة ، والله أعلم .
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf
|