عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 13-04-2015, 05:22PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -




[107] : عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره
من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه ، فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان ".


موضوع الحديث :

سترة المصلي ومشروعية دفع من أراد أن يمر بين يدي المصلي وبين سترته .


المفردات :

إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس : أي يمنع قطع صلاته .
فليدفعه : أي يمنعه من المرور أمامه .
فليقاتله : أي ليدفعه دفعاً شديداً .
فإنما هو شيطان : أي مدفوع بأمر الشيطان فصار لذلك شيطاناً ، والشيطان مأخوذ من شَطَنَ ، بمعنى بعُدَ أي
بعيد عن الله وعن رحمته .


المعنى الإجمالي :

يأمر الشرع باتخاذ الحزم والحيطة في الأمور كلها ، وأهم أمور الدين والدنيا الصلاة ، لذل حث الشارع الحكيم
على العناية بها واتخاذ السترة لها قبل الدخول فيها والدنو من السترة ومنع من أراد قطع صلاته بالمرور بينه وبينها ،
ومقاتلته إن أصر على ذلك بالدفع الشديد ، فإنما هو شيطان ، فالشيطان هو الذي يحرص على قطع أعمال
الخير وأهمها الصلاة .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه ..."
يؤخذ منه أن الدفع لا يجوز إلا إذا صلى إلى سترة معتبرة شرعاً ، وقد ورد تقييد جواز الدفع بوجود السترة
من رواية سليمان بن المغيرة وهو هذا اللفظ ، وورد من رواية يونس غير مقيد أخرجها البخاري في بدء
الخلق ، نبَّه على ذلك الحافظ ، وذكر عن الإسماعيلي أن سليم بن حيان تابع يونس على عدم التقييد عن
حميد بن هلال قال : والمطلق محمول على المقيد .


قلت : وهي القاعدة الأصولية ، ولكن الذي يظهر لي أن التقييد إنما هو لوجوب الدفع أو استحبابه .
وإذا قصر بترك السترة فإنه لا يستحب له الدفع مع تقصيره ، وهل يجوز للمار أن يمر بين يديه ؟ في هذه الحالة
لا يحرم والأولى تركه ، هذا هو ظاهر كلام الحافظ فيما نقله عن الشافعية في الروضة ، وتعقبه الشيخ عبد العزيز
بن باز وقال : اللهم إلا أن يضطر المار إلى ذلك لعدم وجود متسع إلا ما بين يديه .

قلت : الظاهر من حديث أبي جهيم السابق عدم جواز المرور وإن لم يجد متسعاً ، وهو الذي فهمه راوي
الحديث أبو سعيد الخدري كما يتضح من قصته مع الشاب .

وماذا يضير المار لو وقف حتى يسلم المصلي والنبي ﷺ يقول : " لكان أن يقف أربعين خير له من
أن يمر بين يديه " .



ثانياً : يؤخذ من قوله : " إلى شيء يستره من الناس " أن الدفع لا يجوز إلا عند وجود السترة المعتبرة شرعاً
وهي قدر مؤخر الرَّحل ، كما ثبت عند مسلم من طريق عائشة وطلحة بن عبيد الله وأبي ذر رضي الله عنهم
أجمعين ، ولفظ حديث عائشة : سئل رسول الله ﷺ. ، وفي لفظ : في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال :
" مثل مؤخرة الرَّحل " والرَّحْل : بالراء المشددة والحاء المهملة هو الذي يوضع على ظهر الجمل للركوب عليه .


وبهذه الأحاديث أخذ الجمهور فقالوا أقل ما يجزئ في سترة المصلي مثل مؤخرة الرحل ، وذلك ذراع أو
ثلثي ذراع على خلاف .

واختلفوا في جلة هذه السترة ، فقال مالك : كجلة الرمح ، وروى عبد الرازق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي ﷺ قال : " يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرحل في دقة الشعرة " .

قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين وليس عندهما آخره ، وهو يدل على عدم التحديد في الجلة .
والله أعلم .


وقد ذهب الإمام أحمد وإسحاق إلى حديث الخط الذي رواه أبو داود وفيه : " فمن لم يجد فليخط خطا " وقد
ضُعَّف هذا الحديث بجهالة حريث بن عمار الراوي له عن أبي هريرة وحفيده أبي محمد بن عمرو بن حريث ،
أو أبي عمرو بن محمد بن حريث ، ورواه عبد الرازق في المصنف من طريق ابن جريج قال : أخبرني إسماعيل
بن أمية عن حريث بن عمار عن أبي هريرة فأسقط الواسطة وهو ابن حريث ، ورجح ابن خزيمة رواية بشر بن
المفضل وسماه أبي عمرو بن حريث عن أبيه ، وضعفه الألباني وقال : إنه مضطرب ، ونقل الحافظ في
التهذيب عن الطحاوي أنه قال :مجهول ، ونقل الخلال عن أحمد أنه قال : حديث الخط ضعيف . وقال الدارقطني :
لا يصح ولا يثبت ، وقال الشافعي في سنن حرملة : ولا يخط المصلي بين يديه إلا أن يكون في حديث
ثابت فيتبع . اهـ تهذيب (12/181) .


وسئل الإمام أحمد عن الخط فوصفه مقوساً كالمحراب ، وهو أولى من قول من قال يكون مستقيماً عن يمين
المصلي ، ألا أن دليله ضعيف كما تقدم .


ثالثاً : يؤخذ منه مشروعية المدافعة لمن أراد المرور بينه وبين سترته ، وهل تجب أو تُسنّ ؟
ذهبت الظاهرية إلى الوجوب ، وذهب الجمهور إلى السنية ، حتى قال النووي : لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بوجوب
هذا الدفع ، وتعقبه الحافظ بأن المعروف عن الظاهرية القول بالوجوب .

قلت : الوجوب أظهر هنا لورود الأمر ، ولا صارف ، وعلى هذا فيأثم المصلي إن قصر فيه ، فإن قيل الإجماع
على عدم الوجوب يصلح لصرفة من الوجوب إلى الندبية ، قلنا : وأين الإجماع والظاهرية تقول بالوجوب ؟
والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ من قوله : "فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان " جواز المقاتلة بدفع أشد من الدفع الأول كما فسره
فعل الراوي في صدر هذا الحديث عند البخاري ،



وحاصل القصة : أن أبا سعيد كان في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس ، فأراد شاب من بني أبي
معيط أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره ، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديه فعاد ليجتاز ،
فدفعه أبو سعيد أشدّ من الأولى ، فنال من أبي سعيد ، ودخل على مروان فشكى إليه ما لقي من أبي سعيد ،
ودخل أبو سعيد خلفه على مروان ، فقال مالك : ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي ﷺ يقول :
"... الحديث " ،

وتتمة حديث الباب ، ولم يصب من حمل المقاتلة على ظاهرها فإن ذلك يتنافى مع خشوع الصلاة .
والله أعلم .


خامساً : يؤخذ من قوله : "فإنما هو شيطان" جواز هذه التسمية لكل من حاول قطع عمل خيري ، أو فتح
باب شر ، وإن هذا الاسم لا يختص بالشيطان الجني والله تعالى يقول : _ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً
شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا
يَفْتَرُونَ _ (الأنعام:112) .


سادساً : يؤخذ منه مشروعية الدفع في الحرم المكي لعموم حديث أبي سعيد ، وبه أخذ جماعة من السلف ، وحكى
عن ابن عمر أنه دفع في الكعبة أي عندها .

وقد ذهب آخرون إلى سقوط الدفع والسترة في الحرم المكي ، وأن ذلك عفو وممن قال بهذا القول ابن الزبير
وطاووس وابن جريج ومحمد بن الحنفية ، مستدلين بما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وعبد الرازق في المصنف
من طريق كثير بن كثير بن عبد المطلب بن أبي وداعة عن أبيه عن جده قال : رأيت رسول الله ﷺ يصلي
في المسجد الحرام ، والناس يطوفون بالبيت بينه وبين القبلة بين يديه ، ليس بينه وبينهم سترة . هذا لفظ
عبد الرزاق ، ولفظ النسائي : رأيت رسول الله ﷺ طاف بالبيت سبعاً ، ثم صلى ركعتين بحذائه في
حاشية المقام ، وليس بينه وبين الطواف أحد .



وقد أشار محقق المصنف حبيب الأعظمي إلى أن فيه علة ، وقال الشوكاني في النيل الحديث من رواية
كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده ، وفي سنده مجهول .

قلت : الروايات التي رأيتها كلها متفقة على أن الحديث عن كثير بن أبي كثير ، عن أبيه ، عن جده ، ألا رواية
عند أبي داود قال فيها : عن بعض أهله ، عن جده ، وقد اتفق على الرواية الأولى ثلاثة من الحفاظ هم
سفيان بن عيينة وعمرو بن قيس الملائي عند عبد الرزاق ، وابن جريج عند النسائي وابن ماجة ، وهؤلاء
الثلاثة كلهم ثقاة أئمة مخرج لهم في الصحيحين وغيرهما ، وكثير بن كثير ثقة ، وأبوه مقبول ، وجده صحابي
من مسلمة الفتح .


فتبين بهذا صحة الحديث ، وإن كان قد ورد في بعض الروايات عن بعض أهله كما في سنن أبي داود فإن ذلك
البعض قد تعين بالرواية الآخرى أنه أبوه ، وإن كان غير أبيه فإن ذلك يحمل على أن الحديث كان مشهوراً
عند أهل بيت المطلب فحمله عن أبيه وعن غيره ، وحدَّث به تارة عن أبيه ، وتارة عن بعض أهله ، والذي
يخشى منه تدليس ابن جريج ، وبالمتابعة له قد زال ، علماً بأن ابن جريج وكثير مكيّان وقد عاشا في
زمن واحد ، وبلد واحد ، فاتضح بذلك صحة الحديث ، وتعين الأخذ به ولعل السبب في العفو عن ذلك
في الحرم ؛ لأنه مثابة المسلمين ومجتمعهم ، فيقع فيه من الزحام ما يصعب الاحتراز معه، والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf






رد مع اقتباس