|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
باب ماجاء في المصورين لفضيلة الشيخ الدكتور / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب ما جاء في المصورين لفضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؛ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" (١) أخرجاه. مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: لما كان التصوير وسيلة الشرك المضاد للتوحيد، ناسب أن يعقد المؤلف هذا الباب؛ لبيان تحريمه وما ورد فيه من الوعيد الشديد. ما جاء في المصورين: أي: من الوعيد الشديد. ومن أظلم: أي: لا أحد أظلم منه. يخلق كخلقي: أي: لأن المصور يضاهي خلق الله. فليخلقوا: أمرُ تعجيز وتحدّ وتهديد. ذرة: هي: النملة الصغيرة. أو ليخلقوا: تعجيزٌ آخر. حبة: أي: حبة حنطةٍ فيها طعم ومادة نبات وإنتاج. أو ليخلقوا: تعجيزٌ آخر. شعيرة: نوع آخر من الحبوب. المعنى الإجمالي للحديث: يروي النبي –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ربه عز وجل أنه يقول: لا أحد أشد ظلماً ممن يصور الصور على شكل خلق الله؛ لأنه بذلك يحاول مشابهة الله في فعله، ثم يتحداه الله –عز وجل- ويبين عجزه عن أن يخلق أصغر شيء من مخلوقاته وهو الذرة، بل هو عاجز عن أن يخلق ما هو أدنى من ذلك وهو الجماد الصغير، ومع ذلك لا قدرة لهم على ذلك كله؛ لأن الله هو المتفرد بالخلق. مناسبة ذكر هذا الحديث في الباب: أنه يدل على تحريم التصوير، وأنه من أظلم الظلم. ما يستفاد من الحديث: ١- تحريم التصوير، وبأي وسيلة وجد وأن المصور من أظلم الظالمين. ٢- وصف الله أنه يتكلم. ٣- أن التصوير مضاهاةٌ لخلق الله، ومحاولةٌ لمشاركته في الخلق. ٤- أن القدرة على الخلق من خصائص الله سبحانه وتعالى. (١) أخرجه البخاري برقم "٥٩٥٣"، ومسلم برقم "٢١١١". ولهما عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله" (١) . ولهما: أي: البخاري ومسلم. يضاهئون بخلق الله: أي: يشابهون بما يصنعونه ما يصنعه الله. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبراً معناه: النهي والزجر، أن المصورين أشد الناس عذاباً في الدار الآخرة، لأنهم أقدموا على جريمة شنعاء وهي صناعتهم ما يشابه لخلق الله في صناعة الصور. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على شدة عقوبة المصورين، مما يفيد أن التصوير جريمة كبرى. ما يستفاد من الحديث: ١- تحريم التصوير بجميع أشكاله وبأي وسيلة وُجد، وأنه مضاهاة لخلق الله. ٢- أن العذاب يوم القيامة يتفاوت بحسب الجرائم. ٣- أن التصوير من أعظم الذنوب، وأنه من الكبائر. (١) أخرجه البخاري برقم "٢٤٧٩"، ومسلم برقم "٢١٠٧". ولهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "كل مصوِّر في النار، يُجعل له بكل صورة صوَّرها نفس يُعذَّب بها في جهنم" (١) . ولهما عنه مرفوعاً: "من صوّر صورة في الدنيا؛ كُلِّف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" (٢) . كل مصوّر: أي: لذي روح. في النار: لتعاطيه ما يشبه ما انفرد الله به من الخلق والاختراع. يجعل له بكل صورة نفسٌ يعذّب بها: الباء بمعنى "في" أي: يُجعل له في كل صورة روحٌ تعذِّبه نفس الصورة التي جُعلت فيها الروح. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن مآل المصورين يوم القيامة إلى النار، يعذَّبون فيها بأشد العذاب بأن تُحضر جميع الصور التي صوَّروها في الدنيا، فيُجعل في كل صورة منها روحٌ ثم تُسلّط عليه بالعذاب في نار جهنم، فيعذب بما صنعت يده والعياذ بالله. ومن تعذيبه أيضاً أن يكلّف ما لا يطيق وهو نفخ الروح في الصورة التي صورها. مناسبة الحديث للباب: أن فيه دليلاً على تحريم التصوير ووعيد المصورين. ما يستفاد من الحديث: ١- تحريم التصوير وأنه من الكبائر. ٢- تحريم التصوير بجميع أنواعه: تماثيل أو نقوش، وسواء كان رسماً باليد أو التقاطاً بآلة التصوير الفوتوغرافية، إذا كانت الصورة من ذوات الأرواح، إلا ما دعت إليه الضرورة. ٣- تحريم التصوير لأي غرض كان إلا لدفع ضرورة. ٤- في الرواية الأخيرة دليلٌ على طول تعذيب المصورين وإظهار عجزهم. ٥- فيها أن الخلق ونفخ الروح لا يقدر عليهما إلا الله تعالى. (١) أخرجه البخاري برقم "٢٢٢٥"، ومسلم برقم "٢١١٠". (٢) أخرجه البخاري برقم "٥٩٦٣"، ومسلم برقم "٢١١٠/١٠٠". ولمسلم عن أبي الهيَّاج؛ قال: قال لي عليّ –رضي الله عنه-: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مُشْرِفاً إلا سويته" (١) . التراجم: أبو الهيّاج هو: حيَّان بن حُصين الأسدي تابعيّ ثقة. ألا: أداة تنبيه. أبعثك: أوجِّهك. لا تدع: لا تترك. إلا طمستها: أي: أزلتها ومحوتها. مشرفاً: أي: مرتفعاً. إلا سوَّيته: أي: جعلته مساوياً للأرض. المعنى الإجمالي للحديث: يعرض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- على أبي الهياج أن يوجهه إلى القيام بالمهمة التي وجّهه رسول الله –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقيام بها وهي: إزالة الصور ومحوُها؛ لما فيها من المضاهاة لخلق الله والافتتان بها بتعظيمها؛ مما يؤول بأصحابها إلى الوثنية. وتسوية القبور العالية حتى تصير مساوية للأرض؛ لما في تعلِيتها من الافتتان بأصحابها واتخاذهم أنداداً لله في العبادة والتعظيم. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على وجوب طمس الصور وإتلافها. ما يستفاد من الحديث: ١- تحريم التصوير ووجوب إزالة الصور ومحوها بجميع أنواعها. ٢- التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ العلم. ٣- تحريم رفع القبور ببناءٍ أو غيره؛ لأنه من وسائل الشرك. ٤- وجوب هدم القباب المبنية على القبور. ٥- أن التصوير مثل البناء على القبور وسيلة إلى الشرك. (١) أخرجه مسلم برقم "٩٦٩"، وأبو داود برقم "٣٢١٨"، والترمذي برقم "١٠٤٩"، وأحمد "١/٩٦، ١٢٩". المصدر : الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ الدكتور / صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله ورعاه - رابط تحميل الكتاب http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#2
|
|||
|
|||
تعديل الرابط
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه / صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله ورعاه - التحميل المباشر : http://waqfeya.com/book.php?bid=1980 رابط تحميل الكتاب : http://www.archive.org/download/emsktemskt2/mskt.pdf |
#3
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الجديد في شرح كتاب التوحيد باب ما جاء في المصورين ص -440- باب ما جاء في المصورين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة ". أخرجاه1. شرح الكلمات: ومن أظلم: الاستفهام للإنكار والنفي أي لا أحد أظلم. ممن ذهب يخلق كخلقي: أي ممن أخذ يصور تصويرا يضاهي به خلقي. فليخلقوا ذرة: أي فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كالذرة التي خلق الله. أو ليخلقوا حبة: أي فليخلقوا حبة حنطة تبذر وتنبت وتؤكل، وفيها ما في حبة الحنطة من الخصائص والمميزات. الشرح الإجمالي: يخبرنا الله تعالى في هذا الحديث القدسي على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا أحد أظلم من أولئك المصورين، الذين أرادوا بتصويرهم أن يشابهوا الله في خلقه، ثم يتحداهم عزوجل بأن يخلقوا مثل أضعف مخلوقاته الحبة المنظورة وهي البذرة، أو يخلقوا مثل أضعف مخلوقاته النباتية وهي حبة الحنطة أو الشعير، وذلك تعجيزا لهم وتحقيرا لشأنهم. 1 رواه البخاري (الفتح 10/ 5953) في اللباس، باب نقض الصور. ومسلم (2111) في اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان. ص -441- الفوائد: 1. تحريم التصوير. مناسبة الحديث للباب: حيث دل الحديث على تحريم التصوير. مناسبة الحديث للتوحيد: حيث حرم الحديث التصوير؛ لأن فيه مشابهة لخلق الله، وذلك شرك مع الله في ربوبيته. المناقشة: أ. اشرح الكلمات الآتية: ومن أظلم، ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة. ب. اشرح الحديث شرحا إجماليا. ج. استخرج فائدة من الحديث مع ذكر المأخذ. د. وضح مناسبة الحديث للباب وللتوحيد. ولهما عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله"1. شرح الكلمات: يضاهئون بخلق الله: أي يقصدون في تصويرهم مشابهة خلق الله. 1 رواه البخاري (الفتح 10/ 5954) في اللباس، باب ما وطئ من التصاوير. ومسلم (2106) في اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان. ص -442- الشرح الإجمالي: يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أولئك المصورين الذين قصدوا في تصويرهم مشابهة الله في خلقه هم أشد الناس عذابا يوم القيامة وأعظمهم عقوبة؛ لأنهم أقبح الناس أدبا مع الله وأجرأهم على محارم الله، لذا استحقوا ما ذكر من العذاب جزاءا وفاقا. الفوائد: 1. التغليظ في تحريم التصوير. 2. بيان علة تحريم التصوير. 3. تفاوت العذاب يوم القيامة بتفاوت الذنوب. مناسبة الحديث للباب: حيث دل الحديث على تحريم التصوير. مناسبة الحديث للتوحيد: حيث حرم الحديث التصوير؛ لأنه مشابهة لخلق الله، وذلك شرك مع الله في ربوبيته. ملاحظة: يكون المصور أشد الناس عذابا يوم القيامة إذا صنع الصورة لتعبد؛ لأنه بذلك يكفر، أو قصد بتصويره مضاهاة خلق الله فإنه مستحق للعذاب. المناقشة: أ. اشرح الكلمات الآتية: يضاهئون بخلق الله. ب. اشرح الحديث شرحا إجماليا. ص -443- ج. استخرج ثلاث فوائد من الحديث مع ذكر المأخذ. د. وضح مناسبة الحديث للباب وللتوحيد. ولهما عن ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم"1. شرح الكلمات: كل مصور في النار: أي كل مصور صورة لذي روح فهو في النار لتعاطيه ما انفرد الله به من الخلق والاختراع. يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم: أي يجعل الله في كل صورة صورها روحا فتعذبه تلك الصورة، أو يجعل الله له بعدد كل صورة صورها شخص يعذبه يوم القيامة. الشرح الإجمالي: لما كان المصورون أقبح الناس أدبا مع الله وأجرأهم على محارم الله، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل من يصور صورة فإن الله ينفخ فيها روحا يوم القيامة، ثم يسلط عليه تلك الصورة فتعذبه في النار جزاء ما عمل، لذا فإن على كل مصور أن يتقي الله عزوجل وأن يترك هذه المهنة الخسيسة، فإن الله سيعوضه خيرا منها؛ لأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. 1 رواه البخاري (الفتح 4/ 2225) في البيوع، باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح. ومسلم (2110) في اللباس والزينة, باب تحريم تصوير صورة الحيوان. ص -444- الفوائد: 1. تحريم تصوير ذوات الأرواح. 2. جواز تصوير غير ذات الأرواح. 3. الجزاء من جنس العمل. 4. تحريم كسب المصور؛ لأن العمل إذا حرم حرم كسبه. مناسبة الحديث للباب: حيث دل الحديث على تحريم التصوير لذوات الأرواح. مناسبة الحديث للتوحيد: حيث حرم الحديث التصوير؛ لأن ذلك مشابهة لخلق الله، وذلك شرك مع الله في ربوبيته. المناقشة: أ. اشرح الكلمات الآتية: كل مصور في النار: يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم. ب. اشرح الحديث شرحا إجماليا. ج. استخرج ثلاث فوائد من الحديث مع ذكر المأخذ. د. وضح مناسبة الحديث للباب وللتوحيد. ولهما عن ابن عباس مرفوعا: " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ "1. ـ 1 رواه البخاري (الفتح 10/ 5963) في اللباس، باب من صوّر صورة كُلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ. ومسلم (2110) في اللباس والزينة, باب تحريم تصوير صورة الحيوان. ص -445- الشرح الإجمالي: يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من صور في الدنيا صورة من ذوات الأرواح، فإن الله عزوجل يلزمه يوم القيامة بأن ينفخ فيها روحا، وقد علم الله أن المصور لا يستطيع ذلك، وإنما كلفه بذلك تعجيزا وتوبيخا له وإظهارا لحقارته وضعفه. الفوائد: 1. تحريم تصوير ذوات الأرواح. 2. جواز تصوير غير ذوات الأرواح. 3. الجزاء من جنس العمل. مناسبة الحديث للباب: حيث دل الحديث على تحريم تصوير ذوات الأرواح. مناسبة الحديث للتوحيد: حيث حرم الحديث التصوير؛ لأن ذلك مشابهة لخلق الله، وذلك شرك في الربوبية. المناقشة: أ. اشرح الحديث شرحا إجماليا. ب. استخرج ثلاث فوائد من الحديث مع ذكر المأخذ. ج. وضح مناسبة الحديث للباب وللتوحيد. ص -447- ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي علي: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته"1. شرح الكلمات: ألا أبعثك: ألا أرسلك. طمستها: أزلتها ومحوتها. مشرفا: أي مرتفع عن القدر المشروع وهو شبر. سويته: أي هدمت ما عليه من البناء وسويته بالأرض. الشرح الإجمالي: لما كان الإسلام حريصا على سد كل باب يؤدي إلى الشرك خفيا أو ظاهرا، أخبرنا علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله وأمره بأن يمحو كل صورة وجدها ويهدم كل بناء بني على قبر، وذلك ليبقى للمسلمين إسلامهم وتصفو عقيدتهم؛ وذلك لأن تصوير الصور والبناء على القبر يؤدي إلى تعظيمها وتقديسها ورفعها فوق منزلتها، وإعطائها حقا من حقوق الله، والذي يسيح في البلاد الإسلامية يجد شيئا كثيرا من ذلك مما تقشعر له الجلود وتحزن له القلوب، فسيرى قبورا يطاف بها كما يطاف بالبيت الحرام وينحر لها كما ينحر لله عزوجل، وذلك شرك بالله –سبحانه-، وبدعة لم يفعلها رسول الله ولا أصحابه ولا التابعون. 1 رواه مسلم (969) في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر. ص -448- الفوائد: 1. وجوب إنكار المنكر. 2. تحريم التصوير. 3. تحريم البناء على القبور. مناسبة الحديث للباب: حيث دل الحديث على تحريم التصوير واتخاذ الصور. مناسبة الحديث للتوحيد: حيث حرم الحديث التصوير؛ لأنه مشابهة لخلق الله، وذلك شرك مع الله في ربوبيته. ملاحظة: ويحرم من الصور ما كان لذي روح ولم يمتهن، ولم يزل منه ما تبقى معه الحياة سواء في ذلك ما كان له ظل أو ما ليس له ظل. المناقشة: أ. اشرح الكلمات الآتية: ألا أبعثك، طمستها، مشرفا، سويته. ب. اشرح الحديث شرحا إجماليا. ج. استخرج ثلاث فوائد من الحديث مع ذكر المأخذ. د. وضح مناسبة الحديث للباب وللتوحيد. المصدر : الجديد في شرح كتاب التوحيد تاليف: الشيخ محمد بن عبد العزيز القرعاوي -رحمه الله- رابط التحميل بصيغةpdf http://www.archive.org/download/tskttskt/kskt.pdf |
#4
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
القول المفيد على كتاب التوحيد شرح فضيلة الشيخ العلامة/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- باب: ما جاء في المصورين ج / 2 ص -435- باب: ما جاء في المصورين وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي;..... قوله: "باب ما جاء في المصورين ": يعني: من الوعيد الشديد. ومناسبة هذا الباب للتوحيدأن في التصوير خلقا وإبداعا يكون به المصور مشاركا لله في ذلك الخلق والإبداع. قوله في الحديث: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي": ينتهي سند هذا الحديث إلى الله عز وجل ويسمى حديثا قدسيا، وسبق الكلام عليه في باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب. قوله: "ومن أظلم": "من": اسم استفهام والمراد به النفي; أي: لا أحد أظلم، وإذا جاء النفي بصيغة الاستفهام كان أبلغ من النفي المحض; لأنه يكون مشربا معنى التحدي والتعجيز. فإن قيل: كيف يجمع بين هذا الحديث وبين قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ}1 وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}2 وغير ذلك من النصوص؟ فالجواب من وجهين: الأول: أن المعنى أنها مشتركة في الأظلمية، أي أنها في مستوى واحد في كونها في قمة الظلم. 1 سورة البقرة آية: 114. 2 سورة الأنعام آية: 21. ج / 2 ص -436- فليخلقوا ذرة،....... ــ الثانية: أن الأظلمية نسبية، أي أنه لا أحد أظلم من هذا في نوع هذا العمل لا في كل شيء، فيقال مثلا: من أظلم في مشابهة أحد في صنعه ممن ذهب يخلق كخلق الله، ومن أظلم في منع حق ممن منع مساجد الله، ومن أظلم في افتراء الكذب ممن افترى على الله كذبا. قوله: "يخلق": حال من فاعل ذهب; أي: ممن ذهب خالقا. والخلق في اللغة: التقدير، قال الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت وبعض الناس يخلق ثم لا يفري تفري; أي: تفعل، ما خلقت; أي: ما قدرت. ويطلق الخلق على الفعل بعد التقدير، وهذا هو الغالب، والخلق بالنسبة للإنسان يكون بعد تأمل ونظر وتقدير، وأما بالنسبة للخالق; فإنه لا يحتاج إلى تأمل ونظر لكمال علمه، فالخلق بالنسبة للمصور يكون بمعنى الصنع بعد النظر والتأمل. قوله: "يخلق كخلقي": فيه جواز إطلاق الخلق على غير الله، وقد سبق الكلام على هذا والجواب عنه في أول الكتاب. قوله: "فليخلقوا ذرة": اللام للأمر، والمراد به التحدي والتعجيز، وهذا من باب التحدي في الأمور الكونية، وقوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ}1 من باب التحدي في الأمور الشرعية. والذرة: واحدة الذر، وهي النمل الصغار، وأما من قال: بأن الذرة هي ما تتكون منها القنبلة الذرية فقد أخطأ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة بلغة العرب وهم لا يعرفون القنبلة الذرية، وذكر الله الذرة لأن فيها روحا، وهي من أصغر الحيوانات. 1 سورة الطور آية: 34. ج / 2 ص -437- أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة"12 أخرجاه. قوله: "أو ليخلقوا حبة": "أو" للتنويع; أي: انتقل من التحدي بخلق الحيوان ذي الروح إلى خلق الحبة التي هي أصل الزرع من الشعير وغيره وليس لها روح. قوله: "أو ليخلقوا شعيرة": يحتمل أن المراد شجرة الشعير، فيكون في الأول ذكر التحدي بأصل الزرع وهي الحبة، ويحتمل أن المراد الحبة من الشعير ويكون هذا من باب ذكر الخاص بعد العام; لأن حبة الشعير أخص من الحب. أو تكون "أو" شكا من الراوي. فالله تحدى الخلق إلى يوم القيامة أن يخلقوا ذرة أو يخلقوا حبة أو شعيرة. فإن قيل: يوجد رز أمريكي مصنوع. أجيب: إن هذا المصنوع لا ينبت كالطبيعي، ولعل هذا هو السر في قوله: "أو ليخلقوا حبة"، ثم قال: "أو ليخلقوا شعيرة"; لأن الحبة إذا غرست في الأرض فلقها الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}3 وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}4 أي: اجتمعوا لخلقه متعاونين عليه وقد هيئوا كل ما عندهم، {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}5. قال العلماء: لو أن الذباب وقع على هذه الأصنام فامتص شيئا من طيبها ما استطاعوا أن يستنقذوه منه، فيكون الذباب غالبا لها، {ضَعُفَ الطَّالِبُ} أي: العابد والمعبود، {وَالْمَطْلُوبُ} أي: الذباب. 1 البخاري: التوحيد (7559) , ومسلم: اللباس والزينة (2111) , وأحمد (2/232 ,2/259 ,2/391 ,2/451 ,2/527). 2 أخرجه: البخاري في (اللباس, باب نقض الصور, 4/ 82), ومسلم في (اللباس والزينة, باب تحريم تصوير صورة الحيوان, 3/1671). 3 سورة الأنعام آية: 95. 4 سورة الحج آية: 73. 5 سورة الحج آية: 73. ج / 2 ص -438- ويستفاد من هذا الحديث، وهو ما ساقه المؤلف من أجله: تحريم التصوير لأن المصور ذهب يخلق كخلق الله ليكون مضاهيا لله في صنعه، والتصوير له أحوال: الحال الأولى: أن يصور الإنسان ما له ظل كما يقولون; أي: ما له جسم على هيكل إنسان أو بعير أو أسد أو ما أشبهها; فهذا أجمع العلماء فيما أعلم على تحريمه، فإن قلت: إذا صور الإنسان لا مضاهاة لخلق الله، ولكن صور عبثا; يعني: صنع من الطين أو من الخشب أو من الأحجار شيئا على صورة حيوان وليس قصده أن يضاهي خلق الله، بل قصده العبث أو وضعه لصبي ليهدئه به ; فهل يدخل في الحديث؟ فالجواب: نعم، يدخل في الحديث; لأنه خلق كخلق الله، ولأن المضاهاة لا يشترط فيها القصد، وهذا هو سر المسألة، فمتى حصلت المضاهاة ثبت حكمها، ولهذا لو أن إنسانا لبس لبسا يختص بالكفار ثم قال: أنا لا أقصد التشبه بهم; نقول: التشبه منك بهم حاصل أردته أم لم ترده، وكذلك لو أن أحدا تشبه بامرأة في لباسها أو في شعرها أو ما أشبه ذلك وقال: ما أردت التشبه; قلنا له: قد حصل التشبه، سواء أردته أم لم ترده. الحال الثانية: أن يصور صورة ليس لها جسم بل بالتلوين والتخطيط فهذا محرم لعموم الحديث، ويدل عليه حديث النمرقة حيث "أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فلما أراد أن يدخل رأى نمرقة فيها تصاوير، فوقف وتأثر، وعرفت الكراهة في وجهه، فقالت عائشة رضي الله عنها: ما أذنبت يا رسول الله; فقال: ج / 2 ص -439- إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم"1 فالصور بالتلوين كالصور بالتجسيم، وقوله في "صحيح البخاري": "إلا رقما في ثوب2 "، إن صحت الرواية هذه; فالمراد بالاستثناء ما يحل تصويره من الأشجار ونحوها. الحال الثالثة: أن تلتقط الصور التقاطا بأشعة معينة بدون أي تعديل أو تحسين من الملتقط; فهذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين: فالقول الأول: أنه تصوير، وإذا كان كذلك; فإن حركة هذا الفاعل للآلة يعد تصويرا; إذ لولا تحريكه إياها ما انطبعت هذه الصورة على هذه الورقة، ونحن متفقون على أن هذه صورة; فحركته تعتبر تصويرا، فيكون داخلا في العموم. القول الثاني: أنها ليست بتصوير; لأن التصوير فعل المصور، وهذا الرجل ما صورها في الحقيقة وإنما التقطها بالآلة، والتصوير من صنع الله. ويوضح ذلك لو أدخلت كتابا في آلة التصوير، ثم خرج من هذه الآلة; فإن رسم الحروف من الكاتب الأول لا من المحرك، بدليل أنه قد يشغلها شخص أمي لا يعرف الكتابة إطلاقا أو أعمى في ظلمة، وهذا القول أقرب; لأن المصور بهذه الطريقة لا يعتبر مبدعا ولا مخططا، ولكن يبقى النظر: هل يحل هذا الفعل أو لا؟ والجواب: إذا كان لغرض محرم صار حراما، وإذا كان لغرض مباح ـ 1 أخرجه: البخاري في (اللباس, باب من كره القعود على الصور, 4/82), ومسلم في (اللباس, باب تحريم تصوير صورة الحيوان, 3/1669); عن عائشة رضي الله عنها. 2 أخرجه: البخاري في الموضع السابق, ومسلم في الموضع السابق (3/1665). ج / 2 ص -440- . صار مباحا; لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وعلى هذا; فلو أن شخصا صور إنسانا لما يسمونه بالذكرى، سواء كانت هذه الذكرى للتمتع بالنظر إليه أو التلذذ به أو من أجل الحنان والشوق إليه; فإن ذلك محرم ولا يجوز لما فيه من اقتناء الصور; لأنه لا شك أن هذه صورة ولا أحد ينكر ذلك. وإذا كان لغرض مباح كما يوجد في التابعية والرخصة والجواز وما أشبهه; فهذا يكون مباحا، فإذا ذهب الإنسان الذي يحتاج إلى رخصة إلى هذا المصور الذي تخرج منه الصورة فورية بدون عمل لا تحميض ولا غيره، وقال: صورني، فصوره; فإن هذا المصور لا نقول: إنه داخل في الحديث; أي: حديث الوعيد على التصوير، أما إذا قال: صورني لغرض آخر غير مباح; صار من باب الإعانة على الإثم والعدوان. الحال الرابعة: أن يكون التصوير لما لا روح فيه وهذا على نوعين: النوع الأول: أن يكون مما يصنعه الآدمي; فهذا لا بأس به بالاتفاق; لأنه إذا جاز الأصل جازت الصورة; مثل أن يصور الإنسان سيارته; فهذا يجوز; لأن صنع الأصل جائز، فالصورة التي هي فرع من باب أولى. النوع الثاني: ما لا يصنعه الآدمي وإنما يخلقه الله، فهذا نوعان: نوع نام، ونوع غير نام، فغير النامي; كالجبال، والأودية، والبحار، والأنهار; فهذه لا بأس بتصويرها بالاتفاق، أما النوع الذي ينمو; فاختلف في ذلك أهل العلم، فجمهور أهل العلم على جواز تصويره لما سيأتي في الأحاديث. ج / 2 ص -441- وذهب بعض أهل العلم من السلف والخلف إلى منع تصويره، واستدل بأن هذا من خلق الله عز وجل والحديث عام: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"1 ولأن الله عز وجل تحدى هؤلاء بأن يخلقوا حبة أو يخلقوا شعيرة2 والحبة أو الشعيرة ليس فيها روح، لكن لا شك أنها نامية، وعلى هذا; فيكون تصويرها حراما، وقد ذهب إلى هذا مجاهد رحمه الله - أعلم التابعين بالتفسير-، وقال: إنه يحرم على الإنسان أن يصور الأشجار، لكن جمهور أهل العلم على الجواز، وهذا الحديث هل يؤيد رأي الجمهور أو يؤيد رأي مجاهد ومن قال بقوله؟ الجواب: يؤيد رأي مجاهد ومن قال بقوله أمران: أولا: العموم في قوله: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"3. ثانيا: قوله: "أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة"، وهذه ليست ذات روح; فظاهر الحديث هذا مع مجاهد ومن يرى رأيه، ولكن الجمهور أجابوا عنه بالأحاديث التالية، وهي أن قوله: "أحيوا ما خلقتهم4 "، وقوله: "كلف أن ينفخ فيها الروح5 " يدل على أن المراد تصوير ما فيه روح، وأما قوله: "أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة"; فذكر على سبيل التحدي; أي: أن أولئك المصورين عاجزون حتى عن خلق ما لا روح فيه. ـــ 1 البخاري: اللباس (5953) , ومسلم: اللباس والزينة (2111) , وأحمد (2/232 , 259 , 391 , 451 , 527). 2 سبق (ص 437). 3 البخاري: اللباس (5953) , ومسلم: اللباس والزينة (2111) , وأحمد (2/232 ,2/259 ,2/391 ,2/451 ,2/527). 4 سبق تخريجه. 5 سيأتي (ص 446). ج / 2 ص -442- ولهما عن عائشة رضي الله عنها; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله"1. قوله: "أشد": كلمة أشد اسم تفضيل بمعنى أعظم وأقوى. قوله: "الناس": للعموم، والمراد الذين يعذبون. وقوله: "عذابا": تمييز مبين للمراد بالأشد; لأن التمييز كما قال ابن مالك: اسم بمعنى من مبين نكرة ينصب تمييزا بما قد فسره2 والعذاب يطلق على العقاب ويطلق على ما يؤلم ويؤذي وإن لم يكن عقابا; فمن الأول قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}3 أي: العقوبة والنكال; لأنه يدخل النار والعياذ بالله; كما قال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}4 ومن الثاني قول النبي عليه الصلاة والسلام: "السفر قطعة من العذاب"5 وقوله: "الميت يعذب بالنياحة عليه"6. قوله: "يوم القيامة": هو اليوم الذي يبعث فيه الناس، وسبق وجه تسميته بذلك. وقوله: "أشد" مبتدأ، و"الذين يضاهئون" خبره، ومعنى يضاهئون; أي: يشابهون. "بخلق الله"; أي: بمخلوقات الله -سبحانه وتعالى-. والذين 1 أخرجه: البخاري في (اللباس, باب ما وطئ من التصاوير, 4/82), ومسلم في (اللباس, باب تحريم تصوير صورة الحيوان, 3/1668). 2 "ألفية ابن مالك" (ص 31). 3 سورة غافر آية: 46. 4 سورة هود آية: 98. 5 أخرجه: البخاري في (العمرة, باب السفر قطعة من العذاب, 1/545), ومسلم في (الإمارة, باب السفر قطعة من العذاب, 3/1526); عن أبي هريرة رضي الله عنه. 6 أخرجه: البخاري في (الجنائز, باب ليس منا من شق الجيوب, 1/398), ومسلم في (الإيمان, باب تحريم ضرب الخدود, 1/ 99); عن عمر رضي الله عنه. ج / 2 ص -443- يضاهئون بخلق الله هم المصورون; فهم يضاهئون بخلق الله سواء كانت هذه المضاهاة جسمية أو وصفية; فالجسمية أن يصنع صورة بجسمها، والوصفية أن يصنع صورة ملونة; لأن التلوين والتخطيط باليد وصف للخلق، وإن كان الإنسان ما خلق الورقة ولا صنعها لكن وضع فيها هذا التلوين الذي يكون وصفا لخلق الله عز وجل. هذا الحديث يدل على أن المصورين يعذبون، وأنهم أشد الناس عذابا، وأن الحكمة من ذلك مضاهاتهم خلق الله عز وجل وليست الحكمة كما يدعيه كثير من الناس أنهم يصنعونها لتعبد من دون الله; فذلك شيء آخر، فمن صنع شيئا ليعبد من دون الله; فإنه حتى ولو لم يصور كما لو أتى بخشبة وقال: اعبدوها; فقد دخل في التحريم; لقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}1 لأنه أعان على الإثم والعدوان. وقوله: "يضاهئون": هل الفعل يشعر بالنية بمعنى أنه لا بد أن يقصد المضاهاة، أو نقول: المضاهاة حاصلة سواء كانت بنية أو بغير نيه؟ الجواب: الثاني; لأن المضاهاة حصلت سواء نوى أم لم ينو; لأن العلة هي المشابهة، وليست العلة قصد المشابهة، فلو جاء رجل وقال: أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله، أنا أصور هذا للذكرى مثلا وما أشبه ذلك; نقول: هذا حرام; لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم; لأن الحكم يدور مع علته كما قلنا فيمن لبس لباسا خاصا بالكفار: إنه يحرم عليه هذا اللباس، ولو قال: إنه لم يقصد المشابهة; نقول: لكن حصل التشبه; فالحكم المقرون بعلة لا يشترط فيه القصد، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم. ــــــ 1 سورة المائدة آية: 2. ج / 2 ص -444- فيستفاد من الحديث: 1- تحريم التصوير، وأنه من الكبائر لثبوت الوعيد عليه، وأن الحكمة من تحريمه المضاهاة بخلق الله عز وجل. 2- وجوب احترام جانب الربوبية وأن لا يطمع أحد في أن يخلق كخلق الله عز وجل لقوله: "يضاهئون بخلق الله"، ومن أجل هذا حرم الكبر; لأن فيه منازعة للرب عز وجل وحرم التعاظم على الخلق; لأن فيه منازعة للرب -سبحانه وتعالى-، وكذلك هذا الذي يصنع ما يصنع فيضاهي خلق الله فيه منازعة لله عز وجل في ربوبيته في أفعاله ومخلوقاته ومصنوعاته; فيستفاد من هذا الحديث وجوب احترام جانب الربوبية. قوله: "أشد الناس عذابا": فيه إشكال; لأن فيهم من هو أشد من المصورين ذنبا; كالمشركين والكفار، فيلزم أن يكونوا أشد عذابا، وقد أجيب عن ذلك بوجوه: الأول: أن الحديث على تقدير "من"; أي: من أشد الناس عذابا بدليل أنه قد جاء ما يؤيده بلفظ: "إن من أشد الناس عذابا". الثاني: أن الأشدية لا تعني أن غيرهم لا يشاركهم، بل يشاركهم غيرهم، قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}1 ولكن يشكل على هذا أن المصور فاعل كبيرة فقط; فكيف يسوى مع من هو خارج عن الإسلام ومستكبر؟! الثالث: أن الأشدية نسبية، يعني أن الذين يصنعون الأشياء ويبدعونها أشدهم عذابا الذين يضاهئون بخلق الله، وهذا أقرب. 1 سورة غافر آية: 46. ج / 2 ص -445- ولهما عن ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم"1. الرابع: أن هذا من باب الوعيد الذي يطلق لتنفير النفوس عنه، ولم أر من قال بهذا، ولو قيل بهذا; لسلمنا من هذه الإيرادات، وعلى كل حال ليس لنا أن نقول إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله". قوله: "ولهما": أي: للبخاري ومسلم. قوله: " كل مصور في النار": "كل": من أعظم ألفاظ العموم، وأصلها من الإكليل، وهو ما يحيط بالشيء، ومنه الكلالة في الميراث للحواشي التي تحيط بالإنسان. فيشمل من صور الإنسان أو الحيوان أو الأشجار أو البحار، لكن قوله: "يجعل له بكل صورة صورها نفسا" يدل على أن المراد صورة ذوات النفوس; أي: ما فيه روح. قوله: "يجعل له بكل صورة صورها نفس": الحديث في "مسلم" وليس في "الصحيحين"، لكنه بلفظ "يجعل" بالبناء للفاعل، وعلى هذا تكون "نفسا" بالنصب، وتمامه: فتعذبه في جهنم. قوله: "يعذب بها": كيفية التعذيب ستأتي في الحديث الذي بعده أنه يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ. وقوله: "كل مصور في النار": أي: كائن في النار. وهذه الكينونة 1 أخرجه: البخاري (5963), ومسلم (2110). ج / 2 ص -446- ولهما عنه مرفوعا: "من صور صورة في الدنيا; كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" 1. ولمسلم عن أبي الهياج; قال: قال لي علي:.... عند المعتزلة والخوارج كينونة خلود; لأن فاعل الكبيرة عندهم مخلد في النار، وعند المرجئة أن المراد بالمصور الكافر; لأن المؤمن عندهم لا يدخل النار أبدا، وعند أهل السنة والجماعة أنه مستحق لدخول النار وقد يدخلها وقد لا يدخلها، وإن دخلها لم يخلد فيها. وقوله: "بكل صورة صورها": يقتضي أنه لو صور في اليوم عشر صور ولو من نسخة واحدة; فإنه يجعل له في النار عشر صور يقال له: انفخ فيها الروح، وظاهر الحديث أنه يبقى في النار معذبا حتى تنتهي هذه الصور. قوله: "كلف": أي: ألزم، والمكلف له هو الله عز وجل. قوله: "وليس بنافخ": أي: كلف بأمر لا يتمكن منه زيادة في تعذيبه، وعذب بهذا العذاب ليذوق جزاء ما عمل، وبهذا تزداد حسرته وأسفه، حيث إنه عذب بما كان في الدنيا يراه راحة له; إما باكتساب، أو إرضاء صاحب، أو إبداع صنعة. قوله: "عن أبي الهياج": هو من التابعين. 1 أخرجه: البخاري في (اللباس, باب من لعن المصور, 4/83), ومسلم في اللباس, باب تحريم تصوير صورة الحيوان, 3/1671). ج / 2 ص -447- "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة; قوله: "قال لي علي": هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قوله: "ألا أبعثك": البعث: الإرسال بأمر مهم; كالدعوة إلى الله، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً}1. قوله: "على ما بعثني": يحتمل أن تكون "على" على ظاهرها للاستعلاء; لأن المبعوث يمشي على ما بعث عليه، كأنه طريق له، وهذا هو الأولى; لأن ما وافق ظاهر اللفظ من المعاني فهو أولى بالاعتبار، ويحتمل أن "على" بمعنى الباء; أي: بما بعثني عليه. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن بعد قسمة غنائم حنين، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة في حجة الوداع2. قوله: "أن لا تدع": "أن": مصدرية، "لا": نافية، "تدع": منصوب بأن المصدرية وهي بدل بعض من كل من "ما" في قوله: "على ما بعثني"; لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب بأكثر من ذلك، لكن هذا مما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "صورة": نكرة في سياق النفي فتعم. وجمهور أهل العلم: أن المحرم هو صور الحيوان فقط; لما ورد في "السنن" من حديث جبريل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فمر برأس التمثال يقطع، فيصير كهيئة الشجرة"3 وسبق بيان ذلك قريبا. ـ 1 سورة النحل آية: 36. 2 أخرجه: البخاري في (المغازي, باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن, 3/162), ومسلم في (الحج, باب بيان وجوه الإحرام, 2/883). 3 أخرجه: أحمد (2/305), وأبو داود في (اللباس, باب في الصور, 4/388), والترمذي في (الأدب, باب ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة, 8/35)- وقال: "حسن صحيح"-. ج / 2 ص -448- إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا; إلا سويته"1. قوله: "إلا طمستها": إن كانت ملونة فطمسها بوضع لون آخر يزيل معالمها، وإن كانت تمثالا فإنه يقطع رأسه، كما في حديث جبريل السابق، وإن كانت محفورة فيحفر على وجهه حتى لا تتبين معالمه; فالطمس يختلف، وظاهر الحديث سواء كانت تعبد من دون الله أو لا. قوله: "ولا قبرا مشرفا": أي: عاليا. قوله: "إلا سويته" له معنيان: الأول: أي سويته بما حوله من القبور. الثاني: جعلته حسنا على ما تقتضيه الشريعة، قال تعالى: {الذي خلق فسوى}2 أي: سوى خلقه أحسن ما يكون، وهذا أحسن، والمعنيان متقاربان. والإشراف له وجوه: الأول: أن يكون مشرفا بكبر الأعلام التي توضع عليه، وتسمى عند الناس (نصائل) أو (نصائب)، ونصائب أصح لغة من نصائل. الثاني: أن يبني عليه، وهذا من كبائر الذنوب; لأن النبي صلى الله عليه وسلم "لعن المتخذين عليها المساجد والسرج"3. الثالث: أن تشرف بالتلوين، وذلك بأن يوضع على أعلامها ألوان مزخرفة. الرابع: أن يرفع تراب القبر عما حوله فيكون بينا ظاهرا. فكل شيء مشرف; أي: ظاهر على غيره متميز عن غيره يجب أن يسوى بغيره، لئلا 1 أخرجه: مسلم في (الجنائز, دار الأمر بتسوية القبر, 2/ 666). 2 سورة الأعلى آية: 2. 3 سبق (1/428). ج / 2 ص -449- يؤدى ذلك إلى الغلو في القبور والشرك. ومناسبة ذكر القبر المشرف مع الصور: أن كلا منهما قد يتخذ وسيلة إلى الشرك، فإن أصل الشرك في قوم نوح أنهم صوروا صور رجال صالحين، فلما طال عليهم الأمد عبدوها، وكذلك القبور المشرفة قد يزداد فيها الغلو حتى تجعل أوثانا تعبد من دون الله، وهذا ما وقع في بعض البلاد الإسلامية، وقد أطال الشارح رحمه الله في هذا الباب في البناء على القبور، وذلك لأن فتنتها في البلاد الإسلامية قديمة وباقية، ما عدا بلادنا ولله الحمد; فإنها سالمة من ذلك، نسأل الله أن يديم عليها وأن يحمي بلاد المسلمين من شرها. عقوبة المصور ما يلي: 1- أنه أشد الناس عذابا أو من أشدهم عذابا. 2- أن الله يجعل له في كل صورة نفسا يعذب بها في نار جهنم. 3- أنه يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ. 4- أنه في النار. 5- أنه ملعون; كما في حديث أبي جحيفة في "البخاري" وغيره. فائدتان: الأولى: "كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" يقتضي أن المراد التصوير تصوير الجسم كاملا وعلى هذا; فلو صور الرأس وحده بلا جسم أو الجسم وحده بلا رأس فالظاهر الجواز، ويؤيده ما سبق في الحديث: "مر برأس التمثال فليقطع"، ولم يقل: فليكسر، لكن تصوير ج / 2 ص -450- الرأس وحده عندي فيه تردد، أما بقية الجسم بلا رأس; فهو كالشجرة لا تردد فيه عندي. الثانية: تؤخذ من حديث علي رضي الله عنه وهو قوله: "أن لا تدع صورة إلا طمستها" أنه لا يجوز اقتناء الصور، وهذا محل تفصيل; فإن اقتناء الصور على أقسام: القسم الأول: أن يقتنيها لتعظيم المصور; لكونه ذا سلطان أو جاه أو علم أو عبادة أو أبوه أو نحو ذلك; فهذا حرام بلا شك، ولا تدخل الملائكة بيتا فيه هذه الصورة; لأن تعظيم ذوي السلطة باقتناء صورهم ثلم في جانب الربوبية، وتعظيم ذوي العبادة باقتناء صورهم ثلم في جانب الألوهية. القسم الثاني: اقتناء الصور للتمتع بالنظر إليها أو التلذذ بها; فهذا حرام أيضا; لما فيه من الفتنة المؤدية إلى سفاسف الأخلاق. القسم الثالث: أن يقتنيها للذكرى حنانا أو تلطفا، كالذين يصورون صغار أولادهم لتذكرهم حال الكبر فهذا أيضا حرام للحوق الوعيد به في قوله صلى الله عليه وسلم "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة"1. القسم الرابع: أن يقتني الصور لا لرغبة فيها إطلاقا، ولكنها تأتي تبعا لغيرها; كالتي تكون في المجلات والصحف ولا يقصدها المقتني، وإنما يقصد ما في هذه المجلات والصحف من الأخبار والبحوث العلمية ونحو ذلك; فالظاهر أن هذا لا بأس به; لأن الصور فيها غير مقصودة، لكن إن أمكن طمسها بلا حرج ولا مشقة; فهو أولى. 1 أخرجه: البخاري في (اللباس, باب من لم يدخل بيتا فيه صورة, 4/83), ومسلم في (اللباس, باب تحريم تصوير صورة الحيوان, 3/1669); عن عائشة رضي الله عنها. ج / 2 ص -451- فيه مسائل: الأولى: التغليظ الشديد في المصورين. القسم الخامس: أن يقتني الصور على وجه تكون فيه مهانة ملقاة في الزبل، أو مفترشة، أو موطوءة; فهذا لا بأس به عند جمهور العلماء، وهل يلحق بذلك لباس ما فيه صورة لأن في ذلك امتهانا للصورة ولا سيما إن كانت الملابس داخلية؟ الجواب: نقول: لا يلحق بذلك، بل لباس ما فيه الصور محرم على الصغار والكبار، ولا يلحق بالمفروش ونحوه; لظهور الفرق بينهما، وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بتحريم لباس ما فيه صورة، سواء كان قميصا أو سراويل أم عمامة أم غيرها. وقد ظهر أخيرا ما يسمى بالحفائظ; وهي خرقة تلف على الفرجين للأطفال والحائض لئلا يتسرب النجس إلى الجسم أو الملابس; فهل تلحق بما يلبس أو بما يمتهن؟ هي إلى الثاني أقرب، لكن لما كان امتهانا خفيا وليس كالمفترش والموطوء صار استحباب التحرز منها أولى. القسم السادس: أن يلجأ إلى اقتنائها إلجاء; كالصور التي تكون في بطاقة إثبات الشخصية والشهادات والدراهم فلا إثم فيه لعدم إمكان التحرز منه، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}1. فيه مسائل: الأولى: التغليظ الشديد في المصورين تؤخذ من قوله: "أشد الناس عذابا..." الحديث. 1 سورة الحج آية: 78. ج / 2 ص -452- الثانية: التنبيه على العلة، وهي ترك الأدب مع الله; لقوله: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي". الثالثة: التنبيه على قدرته وعجزهم; لقوله: " فليخلقوا ذرة أو شعيرة". الرابعة: التصريح بأنهم أشد الناس عذابا. الخامسة: أن الله يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور في جهنم. السادسة: أنه يكلف أن ينفخ فيها الروح. الثانية: التنبيه على العلة، وهو ترك الأدب مع الله، تؤخذ من قوله: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي": فمن ذهب يخلق كخلق الله; فهو مسيء للأدب مع الله عز وجل لمحاولته أن يخلق مثل خلق الله تعالى، كما أن من ضاده في شرعه فقد أساء الأدب معه. الثالثة: التنبيه على قدرته وعجزهم; لقوله: "فليخلقوا ذرة أو شعيرة": لأن الله خلق أكبر من ذلك وهم عجزوا عن خلق الذرة أو الشعيرة. الرابعة: التصريح بأنهم أشد الناس عذابا: لقوله: "أشد الناس عذابا..." الحديث. الخامسة: أن الله يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور في جهنم: لقوله: "يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم". السادسة: أنه يكلف أن ينفخ فيها الروح: لقوله: "كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ"، وهذا نوع من التعذيب من أشق العقوبات. ج / 2 ص -453- السابعة: الأمر بطمسها إذا وجدت. السابعة: الأمر بطمسها إذا وجدت: لقوله: "أن لا تدع صورة إلا طمستها": ويؤخذ من حديث الباب أيضا: الجمع بين فتنة التماثيل وفتنة القبور; لقوله: "أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته"; لأن في كل منهما وسيلة إلى الشرك. ويؤخذ منه أيضا: إثبات العذاب يوم القيامة، وأن الجزاء من جنس العمل; لأنه يجعل له بكل صورة صورها نفس فتعذبه في جهنم. ويؤخذ منه: وقوع التكليف في الآخرة بما لا يطاق على وجه العقوبة. المصدر : كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد رابط التحميل المباشر http://waqfeya.com/book.php?bid=1979 |
#5
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ الدكتور /صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- باب ما جاء في المصورين ج / 2 ص -262- [الباب الواحد والستون:] * باب ما جاء في المصورين هذا الباب عقده المصنِّف رحمه الله في "كتاب التّوحيد" لأنّ التصوير سببٌ من أسباب الشّرك، ووسيلةٌ إلى الشّرك الذي هو ضدّ التّوحيد، كما حدث لقوم نوح لَمّا صوّروا صور الصالحين ونصبوها في مجالسهم وآل بهم الأمر إلى أنْ عبدوهم من دون الله، فأوّلُ شركٍ حصل في الأرض كان بسبب الصور وبسبب التّصوير. وكذلك قوم إبراهيم الذين بعث إليهم الخليل- عليه الصلاة والسلام- كانوا يعبدون التماثيل التي هي صور مجسّمة لذوات الأرواح، وكذلك بنو إسرائيل عبدوا التمثال الذي هو على صورة عجل صنعه لهم السامري. فدلّ هذا: على أنّ التصوير سببٌ لحُدوث الشرك ووسيلةٌ إلى الشّرك، وذلك أنه إذا صنعت الصورة وعلِّقت أو نُصبت وهي صور للزُّعماء والصّالحين والعلماء فإنّها في النهاية تعظُّم، ثم الشيطان يأتي النّاس ويقول لهم: إنّ هذه الصور فيها نفعٌ لكم، وفيها دفعُ ضرر، فيعظِّمونها ويتبرّكون بها، ويذبحون لها وينذرون لها، حتى تُصبح أوثاناً تعبد من دون الله. فلهذا السبب عقد المصنِّف رحمه الله هذا الباب في "كتاب التّوحيد"، لأنّ هذا الكتاب في بيان التّوحيد وبيان الشرك ووسائل الشرك، ومن أعظم وسائل الشرك وأسبابِه التّصوير ونصب الصور وتعليقها. فقوله رحمه الله: "باب ما جاء في المصوِّرين" يعني: من الوعيد الشديد والنّهي والزّجر عن ذلك. قال: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى"" مثل هذا الحديث الذي يرويه النّبي صلى الله عليه وسلم عن ربّه يسمّى بالحديث القُدْسي، نسبةً إلى القدس وهو الطهر، لأنّه من كلام الله سبحانه وتعالى الذي رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. والأحاديث القدسيّة معروفة عند أهل العلم، وأُلِّفتْ فيها مؤلّفات، جُمعت فيها الأحاديث القدسيّة، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو دون ذلك. وهذا الحديث من الأحاديث القدسيّة الصحيحة لأنّه في "الصحيحين ". ج / 2 ص -263- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممّن ذهب يخلُق كخلقي؛ فليخلقوا ذرّة، أو ليخلُقوا حبّة، أو ليخلُقوا شعيرة" أخرجاه. فقوله: "قال الله تعالى" هذا فيه إثبات الكلام لله عزّ وجلّ، وأنّه يقول ويتكلّم كما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، ليس ككلام المخلوق، وإنّما هو كلام الخالق جل وعلا. "ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي" هذا استفهام إنكار بمعنى النفي، أي: لا أحد أشدُّ ظلماً من المصوِّر، مثل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ} أي: لا أحد اظلم من هذا، فهو أظلمُ الظّالمين. قوله تعالى: "يخلُق كخلقي" يعني بذلك المصوِّر، لأنّ المصور يحاول أن يوجد صورة تشبه الصورة التي خلقها الله سبحانه وتعالى، لأنّ الله جل وعلا تفرّد بالخلْق، وتفرّد بالتّصوير: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، فالله جل وعلا هو المصوِّر، فالذي يحاول أن يضع شكلاً يشبه الصورة التي خلقها الله جل وعلا يجعل نفسَه شريكاً لله في التّصوير، ولهذا يجعل الصورة على شكل المصوِّر من إنسان أو حيوان، فيجعل لها رأساً ووجهاً وعينين وأنفاً وشفتين وأُذنين ويدين ورجلين، ثم يلوِّنُها بالتلوينات إذا كانت رسماً، وإن كانت بناءً فإنّه يبني تمثالاً مكوّناً من أعضاء وتقاطيع يحاولُ بها مشابهة خلق الله سبحانه وتعالى ومشاركة الله جل وعلا فيما اختصّ به وتفرّد به، فإنّ الله جل وعلا هو الخالق وحدَه، لا أحد يخلُق غيرُه: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}. هو يستطيع أن يرسم شكلاً أو يبني تمثالاً، ولكنّه لا يستطيع أن يجعله حيَّاً متحركاً عاقلاً مفكِّراً يأكُل ويشرب ويعمل كما يعمل خلقُ الله سبحانه وتعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}. وقوله: "فليخلقوا ذرة" هذا أمر تعجيز وتحدٍّ، وهو تحدٍّ قائم إلى يوم القيامة. ج / 2 ص -264- ولهما عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشدُّ النّاس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله ". "أو ليخلُقوا حبّة" حبّة من النّبات: حبّة بُرّ أو دخن أو غير ذلك من الحبوب. "أو ليخلُقوا شعيرة" أي: حبّة شعير، هم يستطيعون أن يعملوا صورة حبّة، صورة شعيرة، صورة ذرّة، لكن لا يستطيعون أن يجعلوا فيها الخواصّ التي يجعلها الله في هذا المخلوق، وإنّما عمله أن يستطيع أن يجعل مجرّد شكل ورسم أو تمثال فقط. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}، فالله وحده يجعل حبّة فيها خصائص الحبّة من الحياة والنموّ والطعم، لأنّ الحبّة فيها حياة، ولذلك إذا بُذِرَتْ نبتَتْ، وتسمّى حياة نموّ، أمّا حياة الحيوان فإنّها تسمّى حياة حركة، فالحياة على قسمين: حياةُ حركة، وهذه في ذوات الأرواح، وحياةُ نموّ وهي في الحبُوب والبُذور التي جعلها الله سبحانه وتعالى لإنباتِ الأشياء. ولو أن هذا الإنسان الذي يسمّونه الفنّان صرف جهده لأشياء نافعة، صرف جهده لاختراع، صناعة تنفع، ينفع نفسه وينفع النّاس بها لكان هذا عملاً جيِّداً، ومع النيّة والإيمان يكون عبادة ويؤجَرُ عليها. أمّا أنْ يصرف جُهده ووقته وتعلُّمه في إيجاد هذه الصور ونحت هذه الصور فهذا عبثٌ فارغ وعملٌ محرّم، وهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة، فبئسما اختار لنفسه من هذا الفنّ الممقوت. "أخرجاه" أي: أخرجه البخاري ومسلم- رحمهما الله-. "ولهما" أي: البخاري ومسلم: "أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله ". قوله صلى الله عليه وسلم: "أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة" في الحديث الأوّل: "ومن أظلم"، وفي هذا أنّهم أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة، فيدلّ على أنّ التصوير حرامٌ مغلّظ التحريم وأنّه كبيرة من كبائر الذُّنوب، فهذا الذي يعتبرونَه فنَّاً ويتعلّمونه ويتفاخرون به هو أعظم الذُّنوب. ج / 2 ص -265- ولهما عن ابن عبّاس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ مصوِّرٍ في النّار، يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسٌ يعذّب بها في جهنّم ". وهم أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة إن لم يتوبوا إلى الله عزّ وجلّ. "الذين يضاهئون بخلق الله" "يضاهئون" يعني: يحاولون أنْ يوجدوا صورة تشبه خلق الله سبحانه وتعالى، فالمضاهاة معناها: المشابهة، كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} يعني: يشابهون من سبقهم من الكُفّار. فهذا فيه: بيان علّة تحريم التصوير؛ أنّ فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وإساءة أدب مع الله عزّ وجلّ. قال: "ولهما عن ابن عبّاس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ مصوِّرٍ في النّار، يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسٌ يعذّب بها في جهنّم". هذا الحديث- أيضاً- فيه وعيدٌ شديد؛ فقوله: "كلّ مصوّر" هذا يشمل جميع أنواع التصوير، سواءً كان نحتاً وتمثالاً، وهو ما يسمّونه: مجسّماً، أو كان رسماً على ورق، أو على لوحات، أو على جُدران، أو كان التقاطاً بالآلة الفوتوغرافية التي حدَثت أخيراً، لأنّ من فعل ذلك يسمّى مصوِّراً، وفعله يسمّى تصويراً، فما الذي يخرج التصوير الفوتوغرافي كما يزعم بعضهم. فما دام أنّ عمله يسمّى تصويراً فما الذي يُخرِجُه من هذا الوعيد؟. وكذلك قوله: "بكل صورة صوّرها" عامٌّ أيضاً لكل صورة أيًّا كانت، رسماً أو نحتاً، أو التقاطاً بالآلة، غاية ما يكون أنّ صاحب الآلة أسرع عملاً من الذي يرسُم، وإلا فالنتيجة واحدة، كلٌّ من هؤلاء قصده إيجاد صورة، فالذي ينحت أو يبني التمثال قصده إيجاد صورة، والذي يرسم قصده إيجاد صورة، والذي يلتقط بالكاميرا قصده إيجاد الصّورة، لماذا نفرّق بينهم والرّسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ مصوِّرٍ في النّار؟"، ما هو الدليل المخصص إلاّ فلسفة يأتون بها، وأقوالاً يخترعونها يريدون أن يخصّصوا كلام الرّسول صلى الله عليه وسلم برأيهم، والمحذور الذي في الصور الفوتوغرافية والتمثاليّة أو المرسومة هو محذور واحد، وهو أنّها وسيلةٌ إلى الشرك، وأنّها مضاهاةٌ لخلق الله تعالى، كلٌّ منهم مصوِّر، والنتيجة واحدة، والمقصود واحد، فما الذي ج / 2 ص -266- يخصّص صاحب الآلة عن غيره؟، إن لم يكن صاحب الآلة أشد، لأنّ صاحب الآلة يأتي بالصورة أحسن من الذي يرسم، فهو يحمّضُها ويلوّنُها، ويتعب في إخراجها حتى تظهر أحسن من التي تُرسم، فالمعنى واحد، ولا داعي لهذا التكلُّفَ أو هذا التمحُّل في التفريق بين الصور. ومعلومٌ أنّ كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخصّص إلاّ بدليل من كلام الله أو كلام رسوله، لا باجتهادات البشر وتخرُّصات البشر وفلسفات البشر، هذا مردود على صاحبه، وهذا معروف من أُصول الحديث وأُصول التفسير أنّ العامّ لا يخَصَّص إلاّ بدليل، ولا يخصّص العامّ باجتهادات من النّاس يقولونها، هذه قاعدة مسلّمةٌ مجمَعٌ عليها، فما بالُهم تغيب عنهم هذه القاعدة ويقولون: "إن التصوير بالآلة الفوتوغرافية لا يدخل في الممنوع" إلى آخره؟، كلّ هذا كلام فارغ لا قيمة له عند أهل العلم وعند الأُصوليّين. القواعد الأُصولية تأبى هذا كلّه، وهم يعرفون هذا، ولكن- سبحان الله- الهوى والمغالَطة أحياناً يذهبان بصاحبهما مذهباً بعيداً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل مصوِّرٍ في النّار" ويأتي فلان ويقول: "لا، المصوِّر بالفوتوغرافي ليس في النّار". وقوله: "يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسٌ يعذّبُ بها في جهنّم" أي: كلّ صورة صوّرها بأي وسيلة إمّا بنحت وإمّا برسم وإمّا بالتقاطٍ بالآلة الفوتوغرافية، كثرت الصور أو قلّت، تحضر هذه الصور التي صوّرها يوم القيامة، ويُجعل في كل صورة نفس يعذّب بها في جهنّم، هذه الصور تصلاه بالعذاب يوم القيامة، كما أنّ صاحب المال الذي لا يزكِّيه يجعل الله مالَه ثُعباناً يوم القيامة- أو في القبر- فيسلِّطُه عليه: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، كذلك الصور هذه تجعل فيها نفوس وتسلّط عليه تعذّبه في نار جهنّم، فما بالُكم بالذي صنع آلات الصّور؟، سيعذّب بها يوم القيامة- والعياذُ بالله- كلِّها. وهل يخلصه الذي يقول: الصورة الفوتوغرافية لا يعذب بها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "يُجعل له بكل صورة " قيل: إنّ الباء سببيّة، أي: بسبب كلّ ج / 2 ص -267- ولهما عنه مرفوعاً: "من صوّر صورة في الدنيا؛ كُلِّف أن ينفُخ فيها الروح، وليس بنافخ ". ولمسلم عن أبي الهيّاج قال: قال لي عليّ: "ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟: أن لا تدع صورةً إلاّ طمستها، ولا قبراً مشرِفاً إلاّ سوّيتَه". صورة، وقيل: إنّ الباء بمعنى (في)، أي: في كل صورة نفس يعذب بها. قوله: "ولهما عنه مرفوعاً: من صوّر صورة" هذا نوعٌ آخر من الوعيد. "كُلِّف أن ينفُخ فيها الرّوح، وليس بنافخ" أي: تحضّر الصور كلّها التي صنعها، ويؤمر بأن ينفخ فيها الأرواح، وهل يستطيع أن ينفخ الأرواح؟، ولكن هذا من باب التعجيز والعذاب، بأن يُحمّل ما لا يستطيع وما لا يُطيق- والعياذ بالله- فيطولُ عذابُه. ولولا أنّ في التصوير خُطورة وفيه فتنة لَمَا رأيتُم فتنة النّاس به وكثرتُه، لأنّ الشيطان يحثّ عليه ويحرِّض عليه، لأنّ فيه ضرراً على بني آدم، فهو يحثُّهم على فعله وعلى صنعتِه من أجل أن يتحمّلوا هذه الأوزار - والعياذُ بالله-. وتتلخص أنواع الوعيد التي وردت في حق المصور فيما يلي: أنه لعنه صلى الله عليه وسلم أنه أشد النّاس ظلماً، أنه أشد النّاس عذاباً، أنه يجعل له بكل صورة صوّرها نفس يعذب بها في النار، أنه يكلّف نفخ الروح بكل صورة صوّرها ويقال له: أحي ما خلقت؟. قوله: "عن أبي الهيّاج" الأسدي: تابعيّ جليل، وهو كاتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. "قال: قال لي عليّ: "لا أبعثُك" أي: أُرسلك. "على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" أي: أرسلني إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكلّفني به، فعليّ رضي الله عنه يريد أن يكلِّف أبا الهيّاج بهذه المهمة التي كلّفه بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. "أن لا تدع صورةً" "صورة" نكرة في سياق النفي، فتعُمّ كلّ صورة مجسّمة أو مرسومة أو ملتقطة بالآلة. ج / 2 ص -268- "إلاَّ طمستَها" وطمسُها يكون بإتلافها، أو بقطع رأسها، حتى تصبح مجّرد شكل بدون رأس، لأنّ الصورة تتمّ وتتكامل بالرأس والوجه. وليس معنى طمس الصورة كما يفعله بعض الجُهّال أو المتحيِّلين أنّه يجعل خطَّاً في عُنُق الصورة فيُصبح كالطّوق، لأن الطمس: أن تُزيل الرأس إمّا بقطعهِ، وإمّا بتلطيخِه وإخفائه تماما. فقوله: "ولا قبراً مشرِفاُ إلاّ سوّيته" المشرف: المرتفع، بأن يُبنى على القبر بناية من أجل تعظيم القبر، كما يفعل من بناء الأضرحة، أو يزاد عليها غير ترابها حتى تصبح مرتفعة أكثر من شبر، أو تجصص القبور ويكتب عليها، وما أشبه ذلك، فهذا كله حرام، لأنّه وسيلة إلى الشرك. ولاحظوا كون الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين طمس الصورة وتسوية البناء على القبور مما يدلُّكم على أنّ من العلل العظيمة في منع التصوير أنّه وسيلة إلى الشرك، فكما أن البناء على القبور وسيلة إلى الشرك، فكذلك التصوير وسيلة إلى الشرك. وأيضاً كون الرسول صلى الله عليه وسلم كلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه المهمة مما يرد به على الذين يغلون في أهل البيت ويزعمون أن لهم خاصية تسوغ الغلو في قبورهم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا قبراً مشرِفاً" يعني: مرتفعاً بالبناء، أو بالتّراب، ففي هذا: الأمر بهدم القباب التي على القبور والأمر بهدم الأضرحة، وأنّ هذا من مهمّة ولاة الأُمور ومن مهمّة كلّ مسلم أن يعمل على إزالة هذا الشيء فإن كان له سلطة وقدرة فيزيله باليد، وإن كان ليس له سُلطة فإنّه يتصل بولاة الأمور ويبلِّغ ويبِّين أن هذا أمر يلزمهم إزالته، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإزالته. ويحذر المسلمين من البناء على القبور ويبيِّن لهم السنّة في دفن الموتى وما يلزم اتخاذه وعمله نحو القبور مما هو مشروع. فهذه الأحاديث فيها فوائد ومسائل عظيمة: المسألة الأولى: فيها إثبات الكلام لله عزّ وجلّ، وأنه يتكلم، وكلامه سبحانه وتعالى كسائر صفاته، يليق بجلاله سبحانه وتعالى ليس ككلام المخلوق. المسألة الثانية: في الحديث دليلٌ على تحريم التّصوير بجميع أنواعه، لا يُستثنى شيءٌ من التصوير، لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مصوّرٍ في النار"، "من صوّر صورة"، "لا تدع ج / 2 ص -269- صورة"، "أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة المصورون" وهذا عام في كل مصور، وكل صورة بأي وسيلة كان إيجادها، لكن ما دعت الضّرورة إليه من التصوير؛ فإنه يرخص فيه، مثل: الصورة التي توضع في الجواز، أو إثبات الشخصية، لأنّ النّاس يُمنعون من حوائجهم ومن أسفارهم ومن وظائفهم، بل حتّى من دخولهم في المدارس والمعاهد إلاّ بهذا، فكان هذا من باب الضّرورة، فيجوز بقدر الضّرورة فقط، وما عداه من التصوير فهو حرام، سواء كان للذكريات- كما يقولون-، أو لأجل الفنّ أو لغير ذلك من الأغراض أو لتجميل الجدران أو ما أشبه ذلك، فكلّه حرام. المسألة الثالثة: في الأحاديث بيان علّة تحريم التصوير، وهي: أنّه مضاهاة لخلق الله، وأيضاً هو وسيلةٌ من وسائل الشرك وهذه أشّد. المسألة الرابعة: في الأحاديث: دليل على أنّ التصوير من كبائر الذّنوب، وذلك لأمور: أوّلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن ربِّه: "من أظلمُ ممّن ذهب يخلُق كخلقي"، هذا يدلّ على أنّ التصوير كبيرة. وثانياً: وعيدُه بالنّار، والوعيد بالنّار إنّما يكون على كبيرة. المسألة الخامسة: في الحديث دليلٌ على وجوب طمس الصور، والرّسول صلى الله عليه وسلم لَمّا رأى في بيت عائشة قراماً فيه تصاوير؛ تغيّظ صلى الله عليه وسلم وأبى أن يدخُل البيت حتى هُتِك هذا القِرام وأُزيلت الصور المعلقة. ففي هذه الأحاديث: وُجوب إتلاف الصّور أو امتهانُها، لأنّ الصورة إذا كانت ممتهنة توطأ وتُداس ويُجلس عليها فإنها تكون ممتهنة، كما إذا كانت في فِراش أو في إناء يُشرب به أو يُطبخ به فإنها ممتهنة لا قيمةَ لها، والرّسول صلى الله عليه وسلم لَمّا أُميط القِرام وجُعِل وسائد جلس عليه صارت الصور مهانة. المسألة السادسة: في الحديث دليل على وُجوب هدم الأضرحة المبنيّة على القُبور، لأنّها وسيلةٌ من وسائل الشّرك فيجب هدمُها، ممن يقدِر على ذلك بسلطتِه، ومن لا سُلطة له فإنّه يبيِّن ويدعو إلى هدمِها ويراجع السلطة في هدمِها. المصدر : كتاب : إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد رابط تحميل الكتاب http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/.../mostafeed.pdf |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[جمع] الجمع الثمين لكلام أهل العلم في المصرّين على المعاصي والمدمنين | أبو عبد الودود عيسى البيضاوي | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 0 | 13-09-2011 08:33PM |
أقوال العلماء السلفيين في حكم من حكَّم القوانين | أبو حمزة مأمون | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 10-06-2010 12:51AM |
(الشيخ ربيع بين ثناء العلماء ووقاحة السفهاء) | أبوعبيدة الهواري الشرقاوي | منبر الجرح والتعديل | 0 | 20-12-2008 11:07PM |
شرح كتاب ثلاثة الأصول | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 3 | 13-10-2007 07:38PM |
صحيح المقال في مسألة شد الرحال (رد على عطية سالم ) | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر البدع المشتهرة | 0 | 12-09-2004 11:02AM |