عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 04-05-2015, 04:06AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
ليلة القدر شريفة معظمة




ليلة القدر شريفة معظمة، زاد في «المستوعب» وغيره: والدعاء فيها مستجاب، قيل: سورتها مكية، قال الماوردي: هو قول الأكثرين، وقيل: مدنية، قال الثعلبي: هو قول الأكثرين، قال مجاهد والمفسرون في قوله: {خير من ألف شهر} [القدر: 3] أي: قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها، وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»


وسميت ليلة القدر:
لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، روي عن ابن عباس، قال صاحب «المحرر»: وهو قول أكثر المفسرين؛ لقوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 3-4]؛

فإن المراد بذلك ليلة القدر عند ابن عباس، قال ابن الجوزي: وعليه المفسرون؛ لقوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1]، وما روي عن عكرمة وغيره: أنها ليلة النصف من شعبان ضعيف(320)، وقيل: سميت ليلة القدر؛ لعظم قدرها عند الله، وقيل: القدر بمعنى الضيق؛ لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها، فروى أحمد عن أبي هريرة مرفوعا: «إن الملائكة تلك الليلة أكثر من عدد الحصى»، ولم ترفع ( و ) (321) للأخبار بطلبها وقيامها، وعن بعض العلماء: رفعت، وحكي روايةً عن أبي حنيفة (322)، وهي في رمضان ( و ) لا في كل السنة خلافا لابن مسعود، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد كقوله، وجزم به ابن هبيرة عن أبي حنيفة،


وذكر صاحب «المحرر»: أن الأول أشهر عنه وعن أصحابه، وهي مختصة بالعشر الأخير منه عند أحمد، وأكثر العلماء من الصحابة وغيرهم ( وم ش )، وليالي وتره آكد وأرجاها ليلة سبع وعشرين. نص عليه، لا ليلةُ إحدى وعشرين ( ش )، واختار صاحب «المحرر»: كلُ العشر سواء(323) ( وم )، ومذهب ( م ) أرجاها في تسع بقين أو سبع أو خمس، وقال أبو يوسف ومحمد: هي في النصف الثاني من رمضان،


وعن العلماء فيها أقوال كثيرة، وقال ابن الجوزي في «تفسيره»: قال الجمهور: تختص برمضان، وقال الجمهور منهم: تختص بالعشر الأخير منه، وأكثر الأحاديث الصحاح تدل عليه، وقال الجمهور منهم: تختص بليالي الوتر منه، والأحاديث الصحاح تدل عليه. كذا قال(324)، والمذهب: لا تختص، بل المذهب أنها آكد، وأبلغ من ليالي الشفع، وعلى اختيار صاحب «المحرر» كلها سواء(325)،


وقال في «المغني» و«الكافي»: تطلب في جميع رمضان، قال في «الكافي»: وأرجاه الوتر من ليالي العشر الأخير. كذا قال(326)، قال: وتنتقل فيها، وقال غيره: تنتقل ليلة القدر في العشر الأخير، قاله أبو قلابة التابعي، وحكاه ابن عبد البر وغيره عن مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور،


وقاله أبو حنيفة، وظاهر رواية حنبل: أنها ليلة متعينة، ذكره صاحب «المحرر» وقاله أبو يوسف ومحمد والشافعية(327)، فعلى هذا لو قال: أنت طالق ليلة القدر قبل مضي ليلة العشر، وقع في الليلة الأخيرة، ومع مضي ليلة منه يقع في السنة الثانية ليلة قوله فيها، وعلى أصل أبي يوسف ومحمد: النصف الثاني من رمضان كالعشر عندنا، وحكى صاحب «الوسيط» الشافعي عن الشافعي: إن قال في نصف رمضان: أنت طالق ليلة القدر لم تطلق ما لم تنقضِ سنة؛ لاحتمال كونها في جميع الشهر، فلا تقع بالشك، وهذا معنى قول أبي حنيفة: إلا في كونها تنتقل، وعلى قولنا الأول: إنها في العشر، وتتنقل إن كان قبل مضي ليلة منه، وقع في الليلة الأخيرة، ومع مضي ليلة منه يقع في الليلة الأخيرة من العام المقبل،


واختاره صاحب «المحرر»، وهو أظهر للأخبار أنها في العشر، وأنها في ليال معينة منه، قال صاحب «المحرر»: ويتخرج حكم العتق واليمين على مسألة الطلاق(328)، ومن نذر قيام ليلة القدر قام العشر، ونذره في أثناء العشر كطلاق على ما سبق، ذكره القاضي في «تعليقه» في النذور، وقال شيخنا: الوتر يكون باعتبار الماضي،


فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى وليلة ثلاث إلى آخره، ويكون باعتبار الباقي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لتاسعة تبقى» الحديث، فإذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك لياليَ الأشفاع، فليلة الثانية تاسعة تبقى، وليلة أربع سابعة تبقى، كما فسره أبو سعيد الخدري، وإن كان تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي(329)،


ويستحب أن يدعو فيها؛ لقول عائشة: يا رسول الله، إن وافقتها ما أقول؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، وعنها: يا رسول الله، إن علمت ليلة القدر ما أقوله؟ قال: «قولي...» وذكره،


قال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها» رواه مسلم وغيره، وصححه الترمذي، ولأحمد من رواية ابن عقيل عن عمر بن عبدالرحمن - والظاهر: أنه لم يروِ عنه غيره، وحديثه في أهل الحجاز - عن عبادة مرفوعا: «من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، وله أيضا من رواية خالد بن معدان عن عبادة ولم يدركه، وقال فيه: «واحتسابا، ثم وقعت له»، وذكره، وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة، كأن فيها قمرا ساطعا، ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس فيها شعاع، مثلَ القمر ليلة البدر، لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ(330) ».


قال بعضهم: ويسن أن ينام متربعا، مستندا إلى شيء. نص عليه أحمد، ويأتي في المعتكف (331).




-------------------------



(320) هذا ضعيف وباطل؛ لأن الآية صريحة: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [ القدر:1]، وقال في الآية الثانية: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان :3]، فيتعين أن تكون الليلة المباركة هي ليلة القدر.


(321) هذا - إن صح الحديث - فقد يقال: إنه من القدر، وهو الضيق؛ لقول الله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] أي: ضيق، لكن المعنيان الأولان هما الصحيحان، أنها من التقدير، والقدر الذي هو الشرف فهي ليلة قدر؛ لأنه مقدر فيها ما يكون في تلك السنة، وليلة القدر لأنها شريفة، كما يقول قائل: لك عندي قدر عظيم، أي: منزلة وشرف، فتكون قد سميت بهذا للمعنيين جميعاً، أما الضيق - إن صح الحديث - فإننا لا نعرف عن أجسام الملائكة، هل هي أكبر من الحصى فتضيق عليهم، أو دون؟ فالله أعلم.


(322) والصواب - بلا شك - أنها لم ترفع، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ثم رفعت» أي: علمها في تلك السنة؛ لأنه خرج صلى الله عليه وسلم ليخبر أصحابه بها، فتلاحى رجلان من الصحابة، فرفعت [أخرجه البخاري في فضل ليلة القدر/باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس (2023).] ،
والمعنى: رفعت، أي: رفع علمها في تلك السنة، هذا هو المعنى، ولو قدر أنها رفعت في تلك السنة لم ترفع فيما بعد، وكيف نقول: إنها رفعت والنبي صلى الله عليه وسلم يحث ويرغب أمته في قيامها إلى يوم القيامة.



(323) ما اختاره صاحب «المحرر» هو المتعين، أنها ترجى في كل ليالي العشر؛ لأنه لا يمكن أن تجتمع الأحاديث إلا على هذا القول، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأول والأوسط، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، ورأى أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين،

فأمطرت السماء ليلة إحدى وعشرين، ووكف المسجد، ونزل المطر في الأرض، وسجد النبي صلى الله عليه وسلم صبيحتها في ماء وطين، ورئي بعد انصرافه من الصلاة وعلى جبهته أثر الماء والطين صلوات الله وسلامه عليه [أخرجه البخاري في الأذان/باب هل يصلي الإمام بمن حضر (669)؛ ومسلم في الصيام/باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (1167).]، إذن نجزم أنها في تلك السنة ليلة واحد وعشرين، لا إشكال، ورآها نفر من أصحابه في السبع الأواخر، وأخبروه (، فقال صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» [أخرجه البخاري في فضل ليلة القدر/باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر (2015)؛ ومسلم في الصيام/باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (1165).]

يعني: في تلك السنة خاصة، وإلا فهي في العشر كلها، لكن من الجائز أن تكون ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو ليلة أربع وعشرين، أوست وعشرين، أوثمان وعشرين، أوثلاثين، كل هذا ممكن.




مسألة: لو قال قائل: إن الصيام يختلف من مكان إلى آخر، فيكون الصيام متقدماً في مكان ومتأخراً في مكان آخر، فكيف تكون ليلة القدر عندهم؟

نقول: الواجب علينا أن نتبع ما جاءت به النصوص، ولا نتعمق في السؤال عن هذه المسائل، ونقول ليلة القدر - مثلاً - عندنا في السعودية هي نهار، وفي جانب آخر من الأرض ليل، لكن إذا مرت بهم تكون ليلة القدر عندهم، وهذه المسائل لا نتعمق فيها.



(324) قوله: «كذا قال» يعني: أنه تعقبه، وهو جدير بالتعقب؛ لأن الأحاديث تأتي هنا وهنا.
(325) الصواب أنها ليست كلها سواء، فهي في العشر الأواخر، وأرجاها الأوتار، وأرجى الأوتار ليلة سبع وعشرين.
(326) قوله: «كذا قال» هنا تعقب قوله: «تطلب في جميع رمضان» لا أن أرجاها الوتر من العشر الأواخر.
(327) هذا ضعيف بلاشك؛ لأنه لو كانت ليلة معينة لكان القيام والاعتكاف في ليلة معينة.


(328) كونهم رحمهم الله يقولون: «يقع في الليلة الأخيرة من العام المقبل» قد يقال: في هذا نظر؛ لأن الظاهر من المتكلم أنه يريد عامه هذا، وهذا هو الظاهر، لكن يقال: يبعد هذا الظاهر أنه قال ذلك بعد تمام العشر، وبعد تمام العشر لا يوجد ليلة قدر، وكل هذه المسائل التي يذكرها العلماء في مثل هذه الصور يقصدون بها تمرين طالب العلم، وإلا فإن هذا لا يقال.


(329) يعني: يكون التاريخ في الماضي، فالأوتار: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين.


(330) إذا قال قائل: هذه العلامة متأخرة، فما الفائدة من ذكرها؟ يقال: الفائدة من ذكرها قوة الرجاء، إذا كان الإنسان قد قام في تلك الليلة، فيكون قوي الرجاء أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه؛ لأن العلامات التي في نفس الليلة تبعث الرجل على العمل وتقوي همته، أما التي بعدها فإنها تقوي أمل الإنسان ورجاءه بأن يكون قد أصابها.


وهنا لو قال قائل: إذا عرف الأمارات ووقعت، فهل يترك القيام بقية الليالي؟ قد يقول قائل هكذا، فمادام أنه كان يقوم من أجل تحري ليلة القدر فقد حصلت وانتهت، فيقال: لعله لا يصيب أجرها وثوابها إلا إذا ضم إليها بقية الأيام العشر، فتكون بقية ليالي العشر كأنها الراتبة لصلاة الفريضة، ولهذا علم النبي صلى الله عليه وسلم بأماراتها ليلة إحدى وعشرين، ومع ذلك أتم اعتكافه وقيامه عليه الصلاة والسلام،


ثم إن في رواية الإمام أحمد - رحمه الله - إشارة إلى أن الحكمة من ذلك أن الشيطان لا يحل له أن يطلع معها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع بين قرني شيطان [أخرجه البخاري في بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده (3099)؛ وله شواهد متعددة.] فكأنها في تلك الليلة لا يخرج معها الشيطان، فتكون صافية.



(331) هذا إن أراد أن ينام، فينام متربعاً مستنداً إلى شيء؛ لأجل أن لا يستغرق في النوم، أما إذا كان لا يريد النوم فلا، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل، كان إذا دخل العشر أيقظ أهله وأحيا ليله وشد المئزر [أخرجه البخاري في فضل ليلة القدر, باب العمل في العشر الأواخر من رمضان (2024)، ومسلم في الإعتكاف/باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان (1174).]


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18324.shtml







رد مع اقتباس