عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 30-05-2009, 04:29PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
::: آخر الفوائد المختارة من سورة النبإ :::

[تذكيرٌ وبيان لقدرة الله تعالى وسعة عِلمه عَزَّ وجل، وأنَّه لا يفوته شيٌْ قط،
وأنَّه يعلم بالجزئيات علمه بالكليات ... فهلا فقهنا ذلك وعملنا بمقتضاه؟!!]


قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا):
(وَكُلَّ شَيْءٍ): يشمل ما يفعله الله عَزَّ وَجلَّ من الخلق والتدبير في الكون، ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال، ويشمل كل صغير وكبير.
(أَحْصَيْنَاهُ): أي ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف.
(كِتَابًا): يعني كتبًا، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة[1] ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة، بل كل قول يكتب، قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]. رقيب يعني مراقب، والعتيد يعني الحاضر.
ودخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله وهو مريض يئن من مرضه فقال له: يا أبا عبدالله إن طاووسًا ـ وهو أحد التابعين المشهورين ـ يقول: إن أنين المريض يكتب، فتوقف رحمه الله عن الأنين خوفًا من أن يكتب عليه أنين مرضه.
فكيف بأقـوال لا حـدّ لهـا ولا ممسـك لهـا؟!
ألفـاظٌ تتـرى طـوال الليـل والنهار ولا يحسب لهـا الحســاب،
فكُلُّ شيء يُكتب حتـى الهـم يُكتب إمـا لك وإمـا عليك،
من همّ بالسيئة فلم يعملها عاجزًا عنها فإنها تكتب عليه،
وإن هَـمَّ بهـا وتـركها لله فإنها تُكتب لـه[2]
فلا يضيع شيء كل شيء أحصيناه كتابًا.

*** ــــــــــــــــ ***

[ما هي الوجوه المستفادة من قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ)؟!]


بعد أن تكلم الشيخ رحمه الله تعالى عن الآية (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) ذَكَرَ رحمه الله تعالى كيف أنَّ أهل النَّارِ يقولون لخزنة جهنم كما ورد ذلك في آية آخرى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) [غافر: 49] يقول الشيخ:
تأمـلْ هـذه الكلمـة مـن عـدة أوجـه:
أولًا: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم؛ لأن الله قال لهم: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون: 108]. فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلًا لأن يسألوا الله ويدعوه بأنفسهم بل لا يدعونه إلا بواسطة.
ثانيًا: أنهم قالوا: (ادْعُوا رَبَّكُمْ) ولم يقولوا: ادعوا ربنا؛ لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتحدث أو أن تتكلم بإضافة ربوبية الله لهم أي بأن يقولوا: ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلًا لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا: (رَبَّكُمْ).
ثالثًا: لم يقولوا يرفع عنا العذاب بل قالوا: (يُخَفِّفْ) لأنهم آيسون ـ نعوذ بالله ـ، آيسون من أن يرفع عنهم.
رابعًا: أنهم لم يقولوا يخفف عنا العذاب دائمًا، بل قالوا: (يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) يومًا واحدًا، بهذا يتبين ما هم عليه من العذاب والهوان والذل (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) [الشورى: 45] أعاذنا الله منها.

*** ــــــــــــــــ ***

[فائـدة بلاغيـة وتربويـة: ما الحكمـة في أنَّ القـرآن العظيم مثـاني؟!]

ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم بعد قوله: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآَبًا)؛ لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب، وإذا ذكر الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر أهل الخير ذكر أهل الشر، وإذا ذكر الحق ذكر الباطل، مثاني حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف والرجاء؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء وقع في الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف وقع في القنوط من رحمة الله، وكلاهما من كبائر الذنوب، كلاهما شر، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه)؛ لذلك تجد القرآن الكريم يأتي بهذا وبهذا، ولئلا تمل النفوس من ذكر حال واحدة والإسهاب فيها دون ما يقابلها ... وهكذا، لأجل أن يكون الإنسان حين يقرأ القرآن راغبًا راهبًا، وهذا من بلاغة القرآن الكريم.

*** ــــــــــــــــ ***

[تنـوع ذكـر الله سبحانه وتعالى لمعنى التقوى في القـرآن الكريـم]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا):
المتقون: هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه.
وأحيانًا يأمر الله بتقواه، وأحيانًا يأمر بتقوى يوم الحساب، وأحيانًا يأمر بتقوى النار، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ) [آل عمران: 130-131]، فجمع بين الأمر بتقواه والأمر بتقوى النار.
وقال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة: 281]، فأمر بتقوى يوم الحساب.
وكل هذا يدور على معنى واحد وهو: أن يتقي الإنسان محارم ربه فيقوم بطاعته وينتهي عن معصيته، فالمتقون هم الذين قاموا بأوامر الله واجتنبوا نواهي الله.

*** ــــــــــــــــ ***

[فائـدة عقديـة: من عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ مشيئةَ العبدِ تابعـةٌ لمشيئةِ الرَّبِّ]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا):
قوله: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا) وهذه المشيئة المطلقة هنا قيدتها آية أخرى وهي قوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 28، 29].
يعني أننا لنا الخيار فيما نذهب إليه لا أحد يكرهنا على شيء؛ لكن مع ذلك خيارنا وإرادتنا ومشيئتنا راجعة إلى الله (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وإنما بين الله ذلك في كتابه من أجل أن لا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى مشيئته بل يعلم أنها مرتبطة بمشيئة الله، حتى يلجأ إلى الله في سؤال الهداية لما يحب ويرضى ـ لا يقول الإنسان أنا حر أريد ما شئت وأتصرف كما شئت، نقول: الأمر كذلك لكنك مربوط بإرادة الله عز وجل، فما نشاء من شيء إلا وقد شاؤه الله من قبل.

*** ــــــــــــــــ ***

[يوم القيامـة قريب، فما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت ...
فهلا سعينا حثيثًا لفعل الخيرات وطلب النجاة قبل العرض على ربِّ البريات؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا):
أي خوفناكم من عذاب قريب وهو يوم القيامة. ويوم القيامة قريب، ولو بقيت الدنيا ملايين السنين فإنه قريب (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعات: 46]. فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب، ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.

*** ــــــــــــــــ ***

[ما المعاني التي يحتملها قول الكافر يوم القيامة: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)؟!]

تحتمل ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: يا ليتني كنت ترابًا فلم أُخلق، لأن الإنسان خُلق من تراب.
المعنى الثاني: ياليتني كنت ترابًا فلم أُبعث، يعني كنت ترابًا في أجواف القبور.
المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني ترابًا فكانت ترابًا قال: ليتني كنت ترابًا أي كما كانت هذه البهائم، والله أعلم.

وإلى هنا تنتهي سورة النبأ، وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل ما يكون موجبًا للإيقان والإيمان،
نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه،
وأن يجعله موعظة لقلوبنا، وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم.

ــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه مسلم: كتاب (القدر)، باب (حجاج آدم وموسى صلى الله عليهما وسلم (2653).
[2] أخرجه البخاري: كتاب (الرقاق)، باب (من هم بحسنة أو بسيئة (6491)، وأخرجه مسلم: كتاب (الإيمان)، باب (إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب (203)، (128).
رد مع اقتباس