عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30-10-2011, 08:40AM
أبو همام فوزي أبو همام فوزي غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: لـيـبـيـا
المشاركات: 114
افتراضي يتبع

ومن أعظم الأصول الشرعية: حث المسلمين على القيام بدينهم، والقيام بحقوق الله وعبوديته،
والقيام بحقوق العباد، والحث على الاتفاق واجتماع الكلمة، والسعي في أسباب الألفة والمحبة،
وإزالة الأحقاد والضغائن، قال تعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ( [الحجرات:10]. )وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا( [آل عمران: 103]. )فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ( [الأنفال:1]. )وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْـدِ مَا جَاءَهُـمْ الْبَيِّنَاتُ( [آل عمران: 105]. )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا( [آل عمران:103]. إلى غير ذلك من النصوص الدالة على هذا الأصل العظيم الذي به تستقيم الأحوال ويرتقي به المسلمون إلى أعلى الكمال.
وقال تعالى: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَكُـونُوا
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(
[الأنفال:45-47]. فأمر بطاعته وطاعة رسوله، ويدخل في ذلك جميع الدين، ونَهَى عن التنازع الذي يوجب تفرق القلوب، وحدوث العداوات المحللة للمعنويات، وأمر بكثرة ذكره المعين على كل أمر من
الأمور، وبالصبر الذي يتوقف عليه كل أمر.
وأمر بالإخلاص والصدق، ونَهَى عما يضاد ذلك من الرياء والفخر والبطر والمقاصد السيئة وإرادة
إضلال الخلق، وقال تعالى: )وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ( [الأنفال:60]. فأمر بإعداد المستطاع من القوة، فيشمل القوة السياسية والعقلية،
والصناعات، وإعداد الأسلحة، وجميع ما يتقوى به على الأعداء، وما به يرهبونَهُم، وهذا يدخل فيه
جميع ما حدث ويحدث من النظم الحربية، والفنون العسكرية، والأسلحة المتنوعة، والحصون
والوقايات من شرور الأعداء، قال تعالى: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ( [النساء:71].
ولكل وقت ومكان من هذه الأمور ما يناسب ذلك، فانظر كيف كانت هذه التعاليم الشرعية هي السبب الوحيد والطريقة المثلى لسلوك أقوى السياسات الداخلية والخارجية، وأنَّ الكمال والصلاح بالاهتداء بِهَا، والاسترشاد بأصولها وفروعها، وأنَّ النقص الحاصل والنقص المتوقع إنما يكون بإهمالها وعدم العناية، ومن السياسة الشرعية: أنَّ الله أرشد العباد إلى قيام مصالحهم الكلية بأن يتولى كل نوع منها طائفة تتصدى للإحاطة علمًا بحقيقتها وما تتوقف عليه، وما به تتم وتكمل، وتبذل جهدها
واجتهادها في ترقيتها بحسب الإمكان، قال تعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر( [آل عمران:104]. وقال تعالى: )وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ( [التوبة:122]. ولا شك أن القيام بالمصالح العامة على هذا الوجه الذي أرشد الله إليه هو السبب
الوحيد للكمال الديني والدنيوي، كما هو مشاهد يعرفه كل أحد.
ومن ذلك قوله تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( [النحل:125]. وهذا يشمل دعوة المسلمين الذين حصل منهم إخلال ببعض أمور الدين، ويشمل دعوة
الكفار الأولون يُدْعَون إلى تكميل دينهم، والآخرون يدعون إلى الدخول في دين الإسلام الذي به صلاح البشر، وتكون هذه الدعوة بالحكمة التي هي سلوك أقرب طريق وأنجح وسيلة يحصل بِهَا تحصيل الخير أو تكميله، وإزالة الشر أو تقليله، بحسب الزمان والمكان، وبحسب الأشخاص والأحوال والتطورات.
وكذلك بالموعظة الحسنة، والموعظة بيان وتوضيح المنافع والمضار، مع ذكر ما يترتب على المنافع
من الثمرات النافعة عاجلاً وآجلاً، وما يقترن بالمضار من الشرور عاجلاً وآجلاً، ووصفها الله بأنَّهَا
موعظة حسنة؛ لأنَّهَا نفسها حسنة وطريقها كذلك، وذلك بالرفق واللين والحلم والصبر، وتصريف أساليب الدعوة.
وكذلك إذا احتيج في الدعوة إلى مجادلة لإقناع المدعو، فلتكن المجادلة بالتي هي أحسن: يدعى المجادل إلى الحق، ويبين محاسن الحق ومضار ضده، ويجاب عن ما يعترض به الخصم من الشبهات، كل ذلك بكلام لطيف، وأدب حسن، لا بعنف وغلظة أو مشاحنة أو مشاتمة، فإن ضرر ذلك
عظيم، قال تعالى: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ( [آل عمران:159]. ولنقتصر على هذا الأنموذج، فإنه يحصل به المقصود، والله أعلم وصلى الله على محمد وسلم.
رد مع اقتباس