عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 27-09-2003, 04:38AM
عبد الله بن حميد الفلاسي
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

تابع/ كتاب الطهارة

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ} .

وَلِمُسْلِمٍ: { لا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ} .


------------------------------

غريب الحديث:

1- لا يبولن: ((لا)) ناهية، والفعل مجزوم المحل بها، وحُرك بالفتح، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة.

2- الذي لا يجري: تفسير للدائم، وهو المستقر في مكانه كالغُدران في البرية، أو الموارد.

3- ثم يغتسل منه: برفع الفعل على المشهور، والجملة خبر مبتدأ تقديره: هو يغتسل منه. وجملة المبتدأ والخبر محلها الجزم. عطفاً على ((لا يبولن)).

4- لا يغتسل: مجزوم لفظاً بـ ((لا)) الناهية.

5- وهو جنب: الجملة في موضع نصب على الحال.

المعنى الإجمالي:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم، الذي لا يجري، كالخزانات والصهاريج، والغدران في الفلوات، والموارد التي يستسقى منها الناس لئلا يلوثها عليهم ويكرهها. لأن هذه الفضلات القذرة سبب في انتشار الأمراض الفتاكة.

كما نهى عن الاغتسال بغمس الجسم أو بعضه في الماء الذي لا يجري، حتى لا يكرهه ويوسخه على غيره، بل يتناول منه تناولاً، وإذا كان المغتسل جنباً فالنهي أشد.

فإن كان الماء جارياً، فلا بأس من الاغتسال فيه والتبول، مع أن الأحسن تجنيبه البول؛ لعدم الفائدة في ذلك وخشية التلويث وضرر الغير.

اختلاف العلماء:

اختلف العلماء، هل النهي للتحريم أو الكراهية؟

فذهب المالكية: إلى أنه مكروه.

وذهب الحنابلة والظاهرية: إلى أنه للتحريم.

وذهب بعض العلماء: إلى أنه محرم في القليل، مكروه في الكثير.

وظاهر النهي، التحريم في القليل والكثير، لكن يخص من ذلك المياه المستبحرة باتفاق العلماء. واختلفوا في الماء الذي بيل فيه: هو هو باقٍ على طهوريته أو تنجس؟

فإن كان متغيراً بالنجاسة، فإن الإجماع منعقد على نجاسته، قليلاً كان أو كثيرا.

وإن كان غير متغير بالنجاسة وهو كثير (1) فالإجماع أيضاً على طهوريته. وإن كان قليلاً غير متغير بالنجاسة. فذهب أبو هريرة، وابن عباس، والحسن البصري، وابن المسيب، والثوري، وداود، ومالك والبخاري: إلى عدم تنجسه. وقد سرد البخاري عدة أحاديث رداً على من قال إنه نجس. وذهب ابن عمر ومجاهد والحنفية والشافعية والحنابلة: إلى أنه تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير، ما دام قليلاً، مستدلين بأدلة، منها حديث الباب. وكلها يمكن ردها.

واستدل الأولون بأدلة كثيرة.

منها: ما رواه أبو داود، والترمذي وحسنه {الماء طهور لا ينجسه شيء}.

وأجابوا عن حديث الباب بأن النهي لتكريهه على السقاة الواردين لا لتنجيسه.

والحق ما ذهب إليه الأولون، فإن مدار التنجس على التغير بالنجاسة، قل الماء أو كثر. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله. ومن هذا نعلم أن الراجح أيضاً طهورية الماء المغتسل فيه من الجنابة، وإن قل خلافاً للمشهور من مذهبنا، ومذهب الشافعي، من أن الاغتسال يسلبه صفة الطهورية، ما دام قليلاً.

ما يؤخذ من الحديث:

1- النهي عن البول في الماء الذي لا يجري وتحريمه، وأولى بالتحريم التغوط سواء أكان قليلاً أو كثيراً، دون المياء المستبحرة فإن ماءها لا يتنجس بمجرد الملاقاة، بل ينتفع به لحاجات كثيرة غير التطهر به من الأحداث.

2- النهي عن الاغتسال في الماء الدائم بالانغماس فيه، لا سيما الجنب ولو لم يبل فيه كما في رواية مسلم. والمشروع أن يتناول منه تناولاً.

3- جواز ذلك في الماء الجاري، والأحسن اجتنابه.

4- النهي عن كل شيء من شأنه الأذى والاعتداء.

5- جاء في بعض روايات الحديث: {ثم يغتسل منه} وجاء في بعضها: {ثم يغتسل فيه} ومعنياهما مختلفان، إذا أن {في} ظرفية فتفيد الانغماس في الماء المتبول فيه، و{من} للتبعيض فتفيد معنى التناول منه. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن رواية {فيه} تدل على معنى الانغماس بالنص وتمنع معنى التناول بالاستنباط، ورواية {منه} بعكس ذلك.

تم بحمد الله شرح الحديث الخامس ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث السادس

----------------------

1) للعلماء تحديدات للقليل والكثير، مختلفة التقادير.
رد مع اقتباس