عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-09-2003, 07:23AM
عبد الله بن حميد الفلاسي
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

كتاب الطهارة


الْحَدِيثُ الأَوَّلُ : عَنْ أمير المؤمنين أبي حفص عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ )) .


-----------------------------------

غريب الحديث:

1- إنما الأعمال بالنيات: كلمة ((إنما)) تفيد الحصر، فهو هنا قصر موصوف على صفة، وهو إثبات حكم الأعمال بالنيات، فهو في قوة (ما الأعمال إلا بالنيات) وينفي الحكم عما عداه.

2- النية:

لغة: القصد. ووقع بالإفراد في أكثر الروايات. قال البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً لغرض من جلب نفع أو دفع ضر. أ.هـ

وشرعاً: العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى.

3- فمن كانت هجرته ... الخ: مثال يقرر ويوضح القاعدة السابقة.

4- فمن كانت هجرته: جملة شرطية.

5- فهجرته إلى الله ورسوله: جواب الشرط، واتحد الشرط والجواب؛ لأنهما على تقدير (من كانت هجرته إلى الله ورسوله –نيةً وقصداً – فهجرته إلى الله ورسوله – ثواباً وأجراً).

المعنى الإجمالي:

هذا حديث عظيم وقاعدة جليلة من قواعد الإسلام، هي القياس الصحيح لوزن الأعمال، من حيث القبول وعدمه، ومن حديث كثرة الثواب وقلته.

فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن مدار الأعمال على النيات: فإن كانت النية صالحة، والعمل خالصاً لوجه الله تعالى، فالعمل مقبول. وإن كانت غير ذلك، فالعمل مردود. فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك.

ثم ضرب صلى الله عليه وسلم مثلاً يوضح هذه القاعدة الجليلة بالهجرة. فمن هاجر من بلاد الشرك، ابتغاء ثواب الله، وطلباً للقرب من النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعلم الشريعة، فهجرته في سبيل الله، والله يثيبه عليها. ومن كانت هجرته لغرض من أغراض الدنيا، فليس له عليها ثواب. وإن كانت إلى معصية، فعليه العقاب.

والنية تميز العبادة عن العادة، فالغُسل مثلاً يقصد عن الجنابة، فيكون عبادة، ويراد للنظافة أو التبرد، فيكون عادة.

وللنية في الشرع بحثان:

أحدهما: الإخلاص في العمل لله وحده، وهو المعنى الأسمى، وهذا يتحدث عنه علماء التوحيد، والسير، والسلوك.

الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض، وهذا يتحدث عنه الفقهاء.

وهذا من الأحاديث الجوامع، التي يجب الاعتناء بها وتفهمها، فالكتابة القليلة لا تؤتيه حقه.

وقد افتتح به الإمام البخاري (رحمه الله تعالى) صحيحه لدخوله في كل مسألة من مسائل العلم وكل باب من أبوابه.

ما يؤخذ من الحديث:

1- أن مدار الأعمال على النيات، صحةً وفساداً، وكمالاً ونقصاً، وطاعةً ومعصيةً فمن قصد بعمله الرياء أثم، ومن قصد بالجهاد مثلاً إعلاء كلمة الله فقط كمل ثوابه. ومن قصد ذلك والغنيمة معه نقص ثوابه. ومن قصد الغنيمة وحدها لم يأثم ولكنه لا يعطى أجر المجاهد. فالحديث مسوق لبيان أن كل عمل، طاعة كان في الصورة أو معصية يختلف باختلاف النيات.

2- أن النية شرط أساسي في العمل، ولكن بلا غُلُو في استحضارها يفسد على المتعبد عبادته. فإن مجرد قصد العمل يكون نية له بدون تكلف استحضارها وتحقيقها.

3- أن النية محلها القلب، واللفظ بها بدعة.

4- وجوب الحذر من الرياء والسمعة والعمل لأجل الدنيا، ما دام أن شيئاً من ذلك يفسد العبادة.

5- وجوب الاعتناء بأعمال القلوب ومراقبتها.

6- أن الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، من أفضل العبادات إذا قصد بها وجه الله تعالى.

فائدة:

ذكر ابن رجب أن العمل لغير الله على أقسام:

فتارة يكون رياء محضاً لا يقصد به سواء مراءاة المخلوقين لتحصيل غرض دنيوي، وهذا لا يكاد يصدر عن مؤمن ولا شك في أنه يحبط العمل وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة. وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فإن النصوص الصحيحة تدل على بطلانه، وإن كان أصل العمل لله ثم طرأ عليه نية الرياء، ودفعه صاحبه فإن ذلك لا يضره بغير خلاف. وقد اختلاف العلماء من السلف في الاسترسال في الرياء الطارئ، هل يحبط العمل أو لا يضر فاعله ويجازى على اصل نيته؟ أ.هـ بتصرف.

تم بحمد الله شرح الحديث الأول ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الثاني
رد مع اقتباس