عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 24-10-2003, 05:47AM
عبد الله بن حميد الفلاسي
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

تابع/ كتاب الطهارة

الْحَدِيثُ السَّابِعُ : عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا ، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا ، ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ:

{مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }


-------------

غريب الحديث:

1- وَضوء: بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به.

قال النووي: يقال: الوضوء والطهور بضم أولهما، إذا أريد الفعل الذي هو المصدر. وبفتح أولهما، إذا أريد الماء الذي يتطهر به. وأصل الوضوء من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة فسمي وضوء الصلاة وضوءاً لأنه ينظف صاحبه.

2- فأفرغ: قلب من ماء الإناء على يديه.

3- لا يحدِّث فيهما نفسه: حديث النفس، هو الوسواس والخطرات. والمراد بها هنا ما كان في شؤون الدنيا.

يعني، فلا يسترسل في ذلك، وإلا فالأفكار يتعذر السلامة منها.

4- إلى المرفقين: ((إلى)) بمعنى ((مع)) يعني مع المرفقين.

5- ثم: لم يقصد بها هنا التراخي كما هو الأصل في معناها، وإنما قصد بها مجرد الترتيب. وقد أشار ابن هشام في المغني والرضي في شرح الكافية إلى أنها قد تأتي لمجرد الترتيب.

6- نحو وضوئي: جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث ((مثل وضوئي هذا)) ومعنى (( نحو)) و((مثل)) متفاوت: فإن لفظة ((مثل)) تقتضي ظاهر المساواة من كل وجه، أما (( نحو)) فما تعطي معنى المثلية إلا مجازاً. والمجاز هنا متعين، لارتباط الثواب بالمماثلة.

المعنى الإجمالي:

اشتمل هذا الحديث العظيم على الصفة الكاملة لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم. فإن عثمان رضي الله عنه - من حسن تعليمه وتفهيمه - علمهم صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة عملية، ليكون أبلغ تفهماً، وأتم تصوراً في أذهانهم.

فإنه دعا بإناء فيه ماء ولئلا يلوثه، لم يغمس يده فيه. وإنما صب على يديه ثلاث مرات حتى نظفتا، وبعد ذلك أدخل يده اليمنى في الإناء، وأخذ بها ماء تمضمض منه واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يديه مع المرفقين ثلاثاً، ثم مسح جميع رأسه مرة واحدة، ثم غسل رجليه مع الكعبين ثلاثاً.

فلما فرغ (رضي الله عنه) من هذا التطبيق، أخبرهم أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مثل هذا الوضوء.

ولما فرغ (صلى الله عليه وسلم) من هذا الوضوء الكامل، أخبرهم أنه من توضأ مثل وضوئه، وصلى ركعتين، مُحضِراً قلبه بين يدي ربه عز وجل فيهما - فإنه - بفضله تعالى يجازيه على هذا الوضوء الكامل، وهذه الصلاة الخالصة بغفران ما تقدم من ذنبه.

اختلاف العلماء:

ذهب الأئمة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وسفيان، وغيرهم إلى أن الاستنشاق مستحب في الوضوء لا واجب.

والمشهور عند الإمام أحمد الوجوب، فلا يصح الوضوء بدونه وهو مذهب ابن أبي ليلى، وإسحاق وغيرهما.

استدل الأولون على قولهم بحديث: " عشر من سنن المرسلين " ومنها الاستنشاق، والسنة غير الواجب واستدل الموجبون بقوله تعالى: (( فاغسلوا وجوهكم )) والأنف من الوجه، وبالأحاديث الكثيرة الصحيحة من صفة فعله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك. وأجابوا عن دليل غير الموجبين بأن المراد بالسنة في الحديث الطريقة، لأن تسمية السنة لغير الواجب اصطلاح من الفقهاء المتأخرين.

ولهذا ورد في كثير من الأحاديث ومنها " عشر من الفطرة ". ولا شك في صحة المذهب الأخير لقوة أدلته، وعدم ما يعارضها - في علمي - والله أعلم.

وقد اتفق العلماء على وجوب مسح الرأس، واتفقوا أيضاً على استحباب مسح جميعه، ولكن اختلفوا: هل يجزئ مسح بعضه أو لابد من مسحه كله؟

فذهب الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، إلى جواز الاقتصار على بعضه، على اختلافهم في القدر المجزئ منه.

وذهب مالك، وأحمد، إلى وجوب استيعابه كله.

استدل الأولون بقوله تعالى: ((وامسحوا برءوسكم)) على أن الباء للتبعيض، وبما رواه مسلم عن المغيرة بلفظ: " أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة ". واستدل الموجبون لمسحه كله بأحاديث كثيرة، كلها تصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديث الباب، ومنها ما رواه الجماعة: " مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر. بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ".

وأجابوا عن أدلة المجيزين لمسح بعضه، بأن الباء لم ترد في اللغة للتبعيض وإنما معناها في الآية، الإلصاق أي: ألصقوا المسح برؤوسكم والإلصاق هو المعنى الحقيقي للباء. وقد سئل نفطويه وابن دريد عن معنى التبعيض في الباء فلم يعرفاه. وقال ابن برهان: من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء من أهل العربية بما لا يعرفونه.

قال ابن القيم: لم يصح في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبته.

ما يؤخذ من الحديث:

1- مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما في ماء الوضوء عند التوضؤ.

2- التيامن في تناول ماء الوضوء لغسل الأعضاء.

3- مشروعية التمضمض، والاستنشاق، والاستنثار على هذا الترتيب.

ولا خلاف في مشروعيتهما، وإنما الخلاف في وجوبهما، وتقدم أنه هو الصحيح.

4- غسل الوجه ثلاثاً، وحده من منابت شعر الرأس إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، وكذلك يثلث في المضمضة والاستنشاق، لأن الأنف والفم من مسمى الوجه، فالوجه عند العرب، ما حصلت به المواجهة.

5- غسل اليدين مع المرفقين ثلاثاً.

6- مسح جميع الرأس مرة واحدة، يقبل بيديه عليه، ثم يدبر بهما.

7- غسل الرجلين مع الكعبين ثلاثاً.

8- وجوب الترتيب في ذلك، لإدخال الشارع الممسوح، وهو الرأس بين المغسولات، ملاحظةً للترتيب بين هذه الأعضاء.

9- إن هذه الصفة هي صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم الكاملة.

10- مشروعية الصلاة بعد الوضوء.

11- إن سبب تمام الصلاة وكمالها، حضور القلب بين يدي الله تعالى وفيه الترغيب بالإخلاص، والتحذير من عدم قبول الصلاة ممن لها فيها بأمور الدنيا. ومن طرأت عليه الخواطر الدنيوية وهو في الصلاة فطردها يرجى له حصول هذا الثواب.

12- فضيلة الوضوء الكامل، وأنه سبب لغفران الذنوب.

13- الثواب الموعود به يترتب على مجموع الأمرين، وهما الوضوء على النحو المذكور، وصلاة ركعتين بعده على الصفة المذكورة ولا يترتب على أحدهما فقط، إلا بدليل خارجي. وقد خص العلماء الغفران الذي هنا بصغائر الذنوب، أما الكبائر فلابد لغفرانها من التوبة منها. قال تعالى: (( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم )).

تم بحمد الله شرح الحديث السابع ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الثامن
رد مع اقتباس