بارك الله فيكم شيخنا ..... وجدت الشيخ الألباني رحمه الله قد أشار إلى كلام عائشة رضي الله عنها في تعليلها ضرب عمر من صلى الركعتين في السلسلة الصحيحة حديث 3488:
....... وفي قول عائشة الموقوف فائدة عزيزة لم يذكرها (*) الحافظ في «فتح الباري» ، وهي
أن عمر رضي الله عنه لم ينه عن الركعتين بعد العصر إنكاراً لشرعيتهما ، وإنما من باب سد الذريعة ، وخشية أن يصلوها في وقت التحريم ، وهو عند غروب الشمس . وقد جاء ما يشهد له من رواية تميم الداري ، وزيد بن خالد الجهني ، وقد سكت عنهما الحافظ في «الفتح» (2/65) ، وحسن إسناد زيد : الهيثميُّ ؛ كما يأتي .
أما حديث تميم ؛ فيرويه هشام بن عروة عن أبيه قال :
خرج عمر على الناس يضربهم على السجدتين بعد العصر ، حتى مربـ (تميم
الداري) ، فقال :
لا أدعهما ، صليتها مع من هو خير منك ؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم !
فقال عمر : إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبالِ .
أخرجه أحمد (4/101) بإسناد رجاله ثقات رجال الشيخين . لكن قال
الهيثمي (2/222) :
«وعروة لم يسمع من عمر» .
لكن رواه عبد الله بن صالح : حدثني الليث عن أبي الأسود عن عروة بن
الزبير أنه قال : أخبرني تميم الداري - أو أخبرت- :
أن تميماً الداري ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب عن الصلاة بعد
العصر ، فأتاه عمر ، فضربه بالدَّرَّة ، فأشار إليه تميم : أن اجلس ، وهو في صلاته ،
فجلس عمر حتى فرغ تميم ، فقال لعمر : لم ضربتني؟! قال : لأنك ركعت هاتين
الركعتين ؛ وقد نهيت عنهما ، قال : ... (فذكره ، وزاد) فقال عمر :
إني ليس بي إياكم أيها الرهط ! ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون بعد
العصر إلى المغرب ؛ حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصلوا فيها ، كما
يصلون بين الظهر والعصر ، ثم يقولون : قد رأينا فلاناً وفلاناً يصلون بعد العصر !
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/48/ 281 1) ، و«الأوسط» (8/296/8684 - ا لحرمين) ، وقال :
«لا يروى عن تميم إلا بهذا الإسناد ، تفرد به الليث» .
قلت : هو ومن فوقه ثقات رجال الشيخين ، فهو إسناد صحيح إن سلم من
الانقطاع ، ومن ضعف في ابن صالح - وهو كاتب الليث- .
و به أعله الهيثمي ، فقال بعدما عزاه لـ «المعجمين» :
«وفيه عبد الله بن صالح ، قال فيه عبد الملك بن شعيب : «ثقة مأمون» ،
وضعفه أحمد وغيره» .
وأما حديث زيد بن خالد الجهني ؛ فيرويه أبو سعد الأعمى عن رجل يقال
له : السائب مولى الفارسيين عنه :
أنه رآه عمر بن الخطاب - وهو خليفة- ركع بعد العصر ركعتين ، فمشى إليه
فضربه بالدرة ، وهو يصلي كما هو ، فلما انصرف قال زيد : اضرب يا أمير المؤمنين !
فو الله ! لا أدعهما أبداً بعد إذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما ، قال : فجلس إليه
عمر ، وقال :
يا زيد ! لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سُلَّماً إلى الصلاة حتى الليل ؟ لم
أضرب فيهما .
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (2/ 431- 432) - والسياق له- ، وعنه وعن
غيره : أحمد (4/115)، والطبراني في «المعجم الكبير» (5/260/5166 و 67 51) .
وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد والطبراني :
«وإسناده حسن» .
قلت : أبو سعد الأعمى لم يوثقه أحد ولا ابن حبان ، ولذلك قال الحافظ في
«ا لتقريب» :
«مجهول» .
فلعل الهيثمي يعني أنه حسن لغيره بالنظر إلى ما تقدم . والله أعلم .
________
(*) لعل الشيخ الألباني رحمه الله لم يقف على كلام الحافظ في الفتح فقد نبه على هذا فقال : (2/373) ط.دار طيبة
( تَنْبِيهٌ ) :
رَوَى عَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث زَيْد بْن خَالِد سَبَب ضَرْبِ عُمَرَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عَنْ زَيْد بْنِ خَالِد : إِنَّ عُمَر رَآهُ وَهُوَ خَلِيفَة رَكَعَ بَعْدَ الْعَصْر فَضَرَبَهُ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَقَالَ عُمَر : يَا زَيْدُ لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّخِذَهُمَا النَّاس سُلَّمًا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِب فِيهِمَا " فَلَعَلَّ عُمَر كَانَ يَرَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاة بَعْدَ الْعَصْر إِنَّمَا هُوَ خَشْيَةَ إِيقَاع الصَّلَاة عِنْدَ غُرُوب الشَّمْس ، وَهَذَا يُوَافِق قَوْل اِبْن عُمَر الْمَاضِي وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ اِبْن الْمُنْذِرِ وَغَيْره ، وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْث عَنْ أَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَةَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ نَحْوَ رِوَايَة زَيْد بْن خَالِد وَجَوَاب عُمَر لَهُ وَفِيهِ " وَلَكِنِّي أَخَاف أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَكُمْ قَوْم يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْعَصْر إِلَى الْمَغْرِب حَتَّى يَمُرُّوا بِالسَّاعَةِ الَّتِي نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلَّى فِيهَا " وَهَذَا أَيْضًا يَدُلّ لِمَا قُلْنَاهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .