عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-03-2007, 10:24PM
ابو رقية عاصم السلفي ابو رقية عاصم السلفي غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 80
افتراضي مشروعية الرد على أهل الأهواء وإن اقتضى الأمر تعيينهم بأسمائهم وأن ذلك من منهج السلف ا

فهذه بعض النقول عن السلف والخلف وضعتها بين يدي الإخوة الكرام لتوضح لهم مشروعية الرد على أهل البدع والأهواء ولو اقتضى الأمر ذكرهم بأسمائهم وتعيينهم وأن ذلك من أصول منهج السلف الصالح رحمهم الله، ومنه يتبين للقارئ الكريم بيان شطط من كره ذلك وتصنع الورع في أنه لا يرد على أحد ولا يتكلم في أحد ! وهو مستفاد من بحث لنا بعنوان "البدعة وأثرها السيء في فساد العقيدة" يسر الله خروجه.
فأقول مستعينًا بالله:

قال الله عز وجل:
((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الَّلاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [البقرة: 159-160]
وقال سبحانه:
((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [البقرة: 174]
وقال سبحانه وتعالى:
((وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) [آل عمران: 187].
وقد أوجب الله على طائفة من الأمة الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه وتعالى:
((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [آل عمران: 104].

وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))، وهذا الحديث يبين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على كل أحدٍ على حسب هذه الدرجات.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريُّون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبهم فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّةُ خردل)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سُئِلَ عن علم يعلمُهُ فكتمه ألجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نار))

وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله عن الاتحادية وهي قاعدة عامة في أهل البدع:
(ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذَبَّ عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظّم كتبهم، أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو، أو من قال أنه صنف هذا الكتاب وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات) .
[مجموع الفتاوى 2/132]

وبعضهم يزعم أن النهي عن البدع والمحدثات (كالكلام في الفرق والأحزاب الضالة)، يشتت شمل الأمة ويقوي شوكة أعدائها ويشمتهم فيها، وكذبوا، فلا يجتمع شمل الأمة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على المخالف كائنا من كان، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)).

”وعن عقبة بن علقمة قال: (كنت عند أرطاة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنّة ويخالطهم، فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، قال: يقول أرطأة: هو منهم لا يلبّس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطاة، قال: فقدمت على الأوزاعي، وكان كشّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته، فقال: صدق أرطأة والقول ما قال، هذا يَنهى عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يشد بذكرهم!!)
[تاريخ دمشق (8/15) بواسطة "إجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء" للأخ خالد بن ضحوي الظفيري]

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى:
(اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره، محرم؛ إذا كان المقصود منه مجرد الذم، والعيب، والنقص.
فأما إذا كان فيه مصلحة لعامة المسلمين، أو خاصة لبعضهم، وكان المقصود به تحصيل تلك المصلحة؛ فليس بمحرم، بل مندوب إليه.
وقد قَرَّرَ علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل، وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة، وردوا على من سوى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه .
ولا فرق بين الطعن في رواة ألفاظ الحديث، ولا التمييز بين ما تُقبل روايته منهم ومن لا تُقبل، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة، وتأول شيئاً منها على غير تأويله، وتمسك بما لا يتمسك به؛ ليحذر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه.
وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً.
ولهذا تجد في كتبهم المصنَّفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير، وشروح الحديث، والفقه، واختلاف العلماء، وغير ذلك؛ ممتلئة من المناظرات، وردّوا أقوال من تضعف أقواله من أئمة السلف والخلف، من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ولم يترك ذلك أحد من أهل العلم، ولا ادعى فيه طعناً على من رد عليه قوله، ولا ذماً، ولا نقصاً، اللهم إلا أن يكون المصنِّف ممن يفحش في الكلام، ويسيء الأدب في العبارة؛ فيُنكَر عليه فحاشته وإساءته، دون أصل رده ومخالفته؛ إقامة بالحجج الشرعية، والأدلة المعتبرة .
وسبب ذلك: أن علماء الدين كلهم مجمعون على قصد إظهار الحق، الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمته هي العليا ...
فحينئذٍ فَرَدُّ المقالات الضعيفة، وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية، ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء، بل مما يحبونه ويمدحون فاعله، ويثنون عليه؛ فلا يكون داخلاً في باب الغيبة بالكلية ...
وهذا من النصيحة لله، ولكتابه، ورسوله، ودينه، وأئمة المسلمين، وعامتهم، وذلك هو الدين، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله، إذا تأدب في الخطاب، وأحسن الرد والجواب؛ فلا حرج عليه، ولا لوم يتوجه إليه، وإن صدر منه من الاغترار بمقالته فلا حرج عليه .
وإما إذا كان مراد الراد بذلك: إظهار عيب من رَدَّ عليه وتنقصه، وتبيين جهله، وقصوره في العلم، ونحو ذلك، كان محرما، سواء كان رده لذلك في وجه من رَدَّ عليه أو في غيبته، وسواء كان في حياته أو بعد موته، وهذا داخل فيما ذمه الله في كتابه، وتوعد عليه، في الهمز واللمز، ودخل أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه؛ لا تؤذوا المسلمين، لا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته))
وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين.
فأما أهل البدع والضلالة، ومن تَشَبَّه بالعلماء وليس منهم، فيجوز بيان جهلهم، وإظهار عيوبهم، تحذيراً من الاقتداء بهم.
ومن عُرف منه أنه أراد برده على العلماء النصيحة لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه يجب أن يعامل بالإكرام، والاحترام، والتعظيم، كسائر علماء المسلمين الذين سبق ذكرهم، وأمثالهم، ومن تبعهم بإحسان.
ومن عُرف أنه أراد برده عليهم التنقيص، والذم، وإظهار العيب؛ فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة؛ ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة.) ا.هـ
[من رسالة "الفرق بين النصيحة والتعيير" للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله]

وقال الشاطبي رحمه الله:
(حين تكون الفِرقة تدعو إلى ضلالتها، وتزينها في قلوب العوام، ومن لا علم عنده؛ فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس؛ فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدع والضلالة، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت الشهود على أنهم منهم .
فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم، والتشريد بهم؛ لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تُرِكوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير منهم؛ إذا كان سبب ترك التعيين والخوف من التفرق والعداوة .
ولا شك أن التفرق بين المسلمين، وبين الداعين إلى البدعة وحدهم إذا أقيم عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين، ومن شايعهم واتبعهم .
وإذا تعارض الضرران فالمرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه، كقطع اليد المتآكلة؛ إتلافها أسهل من إتلاف النفس.
وهذا حكم الشرع أبداً، يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل)
[الاعتصام للشاطبي 2/228-229]

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وأما الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع:
... ومنها أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم، كما في الحديث عن فاطمة بنت قيس، لما استشارت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تنكح، وقالت إنه خطبني معاوية وأبو جهم، فقال: ((أما معاوية، فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم، فرجل ضراب للنساء)) وروي ((لا يضع عصاه عن عاتقه)) فبين لها أن هذا فقير قد يعجز عن حقك، وهذا يؤذيك بالضرب، وكان هذا نصحا لها، وإن تضمن ذكر عيب الخاطب.
وفى معنى هذا، نصح الرجل فيمن يعامله ومن يوكله ويوصى إليه ومن يستشهده، بل ومن يتحاكم إليه، وأمثال ذلك.
وإذا كان هذا في مصلحة خاصة، فكيف بالنصح فيما يتعلق به حقوق عموم المسلمين من الأمراء، والحكام، والشهود، والعمال أهل الديوان، وغيرهم!، فلا ريب أن النصح في ذلك أعظم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) ، وقد قالوا لعمر بن الخطاب في أهل الشورى أمّر فلاناً وفلاناً، فجعل يذكر في حق كل واحد من الستة - وهم أفضل الأمة - أمراً جعله مانعاً له من تعيينه.
وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية، الخاصة والعامة، مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: (سألت مالكاً، والثوري، والليث بن سعد - أظنه -، والأوزاعي، عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ، فقالوا: بَيِّن أمره)، وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: (إنه يثقل علىَّ أن أقول فلان كذا وفلان كذا) فقال: (إذا سكتَّ أنت، وسكتُّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟!).
ومثل أئمة البدع، من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: (الرجل يصوم، ويصلى، ويعتكف، أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع، فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل)، فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله، ودينه، ومنهاجه، وشرعته، ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك، واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء، لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء ...
فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم، بل ولو لم يكن قد تلقّوا تلك البدعة عن منافق، لكن قالوها ظانين أنَّها هدى وأنَّه خير، وأنَّها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها) ا.هـ
[مجموع الفتاوى 28/229-233]

وقال أيضاً رحمه الله:
(لهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة، كما روي ذلك عن الحسن البصري وغيره؛ لأنه لما أعلن ذلك، استحق عقوبة المسلمين له، وأدنى ذلك أن يذم عليه لينزجر، ويكف الناس عنه وعن مخالطته، ولو لم يذم ويذكر بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة، لاغتر به الناس، وربما حمل بعضهم على أن يرتكب ما هو عليه، ويزداد –أيضًا- هو جرأة وفجوراً ومعاصي، فإذا ذكر بما فيه انكف، وانكف غيره عن ذلك، وعن صحبته ومخالطته، قال الحسن البصري ‏:‏ (أترغبون عن ذكر الفاجر‏؟‏ اذكروه بما فيه كي يحذره الناس)، وقد روي مرفوعًا، و‏‏الفجور‏‏: اسم جامع لكل متجاهر بمعصية، أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور قلب قائله‏.‏
ولهذا كان مستحقاً للهجر إذا أعلن بدعة، أو معصية، أو فجوراً، أو تهتكاً، أو مخالطة لمن هذا حاله، بحيث لا يبالي بطعن الناس عليه، فإن هجْره نوع تعزير له، فإذا أعلن السيئات، أعلن هجره، وإذا أسر، أسر هجره، إذ الهجرة هي الهجرة على السيئات، وهجرة السيئات هجرة ما نهى الله عنه، كما قال تعالى: ((وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)) [المدّثر: 5]، وقال تعالى: ((وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)) [المزّمِّل: 10]، وقال: ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ)) [النساء: 140]) ‏ ا.هـ
[مجموع الفتاوى 15/268]

وروى الدارقطني بإسناده في مقدمة كتاب (الضعفاء والمتروكين) عن محمد بن يوسف قال: (كان سفيان الثوري يقول: فلان ضعيف، وفلان قوي، وفلان خذوا عنه، وفلان لا تأخذوا عنه، وكان لا يرى ذلك غيبة)
[مقدمة كتاب: "الضعفاء والمتروكين" للدار قطني، تحقيق: الصباغ: ص 13]

وروى الإمام اللالكائي عن ”عاصم الأحول قال: (قال قتادة: يا أحول، إن الرجل إذا ابتدع بدعة، ينبغي لها أن تذكر حتى تحذر).
وعن إبراهيم قال: (ليس لصاحب البدعة غيبة).
وعن الحسن البصري قال: (ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة، أحدهم صاحب بدعة الغالي ببدعته).
وعنه أيضاً قال: (ليس لصاحب بدعة ولا لفاسق يعلن بفسقه غيبة).
وعنه أيضاً قال: (ليس لأهل البدع غيبة).“
[اعتقاد أهل السنة للالكائي 1/135-144]

وقال ابن الجوزي عن الإمام أحمد: (وقد كان الإمام أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنّة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنّة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين)
[مناقب الإمام أحمد 253]

وقال الإمام أحمد: (لا غيبة لأصحاب البدع)
[طبقات الحنابلة ( 2/274)]

وقال القاضي أبي الحسن الزرويلي رحمه الله: (فإن قيل: قد نهي عن الغيبة، ولِمَ تغتابوهم؟
فالجواب: أن نقول لا غيبة فيهم إذا ذكروا في حال بدعتهم وزيغهم، بل الخائض فيهم مأجور، ليقع الحذر منهم ومن مذهبهم الفاسد ... وإنما الغيبة إذا ذكروا بشيء من أبدانهم، وأما بدعتهم فلا)
[من رسالة (بعض القواعد والفوائد السلفية من رسالة لعلي الزرويلي [ت:719 هـ] في ذمّ البدعة وأهلها) للأخ خالد الظَفيري ص:237-238]

وقال الإمام ابن أبي زمنين رحمه الله: (ولم يـزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عـن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبـة لـهم، ولا طعناً عليهم)
[أصول السنة ( ص: 293 )]

وقال أبو صالح الفراء: (حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ فقال: لم يا أحمق! أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم)
[السير 7/364]

وقال بشر الحارث: (كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه)، قال الذهبي في ابن حي: (مع جلالته وإمامته، كان فيه خارجية)
[تذكرة الحفاظ (1/216)]

وقد جمع أحدهم مواضع جواز الغيبة الستة في بيتين:

القـدح ليس بغيبـة في ستـة #### متظلـم ومعـّرف ومحـذّر
ومجاهر فسقـاً ومستفت ومن #### طلب الإعانـة في إزالة منكر


نماذج يسيرة من قدح السلف في أهل البدع وغيرهم، وبيان أنه ليس بالغيبة المحرمة:

”روى ابن عدي في كامله بإسناده إلى سعيد بن جبير، قال: (قلت لابن عباس: إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس صاحب الخضر، فقال: كذب عدو الله).
وساق بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتيت الطور؛ فوجدت بها كعب الأحبار (فذكره بطوله)، فلقيت عبد الله بن سلام، فذكرت له أني قلت لكعب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن في الجمعة ساعة لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه)). فقال: ذاك يوماً في كل سنة. فقال عبد الله بن سلام: كذب كعب ..)
ثم روى بإسناده عن ابن محيريز، (أن رجلاً من بني كنانة لقي رجلاً من الأنصار يقال له أبو محمد، فسأله عن الوتر؛ فقال: إنه واجب. فقال الكناني: فلقيت عبادة بن الصامت فذكرت ذلك له؛ فقال: كذب أبو محمد).
ثم روى بإسناده إلى عاصم، قال: (سألت أنس بن مالك عن القنوت، قلت: قبل الركوع أو بعده ؟ قال: قبله. قال: فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع. قال: كذب، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الركوع شهراً)
[الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 1/61-62]

ثم روى بإسناده إلى أبي مسهر، (أنه سئل عن رجل يغلط، ويَهِم، ويصحف. قال: (بَيِّن أمره). قلت له: أترى ذلك من الغيبة ؟ قال: لا)
ثم قال: (شعبة بن الحجاج)، وذكر فضائله ومزاياه ثم ذكر قوله: (لا تأخذوا عن سفيان الثوري إلا عن رجل تعرفون؛ فإنه لا يبالي عمن حَصَّل الحديث).
وفيه عن النضر بن شميل: (سمعت شعبة يقول: تعالوا حتى نغتاب في الله)
[الكامل 1/81-84]

وسُئل شعبة أن يكف عن إبان؛ فقال: (لا يحل الكف عنه؛ لأن الأمر دين)
قال ابن مهدي: مررت مع سفيان الثوري برجل؛ فقال: (كذاب، والله لولا أنه لا يحل لي أن أسكت، لسكت)
[الموضوعات لابن الجوزي 1/50]

ثم قال: (سفيان الثوري)، وذكر له من نقده قوله: (عبد الوهاب بن مجاهد، كذاب)
[الجرح والتعديل 1/76]

وذكر ابن أبي حاتم في (ترجمة الإمام مالك) بإسناده إلى عبد الرحمن بن القاسم قال: (سألت مالكاً عن ابن سمعان، فقال: كذاب)
[المصدر السابق 1/23]

ثم ذكر ابن عدي (ابن المبارك)، ومن أقواله في الجرح ما قاله الطالقاني: (سمعت ابن المبارك يقول: لو خُيِّرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة؛ فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه)

[كثير مما سبق بتصرف من رسالة (المحَجَّة البَيضَاء في حمَاية السُّنَّة الغَرّاء من زَلاَّتِ أهلِ الأَخْطَاء وَزَيغِ أهلِ الأَهْوَاءِ) للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله]

وقال سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز يرحمه الله تعالى: (ليس من أهل العلم السلفيين من يكفّر هؤلاء الذين ذكرتهم، وإنَّما يوضّحون أخطائهم في تأويل الكثير من الصفات، ويوضّحون أنَّ ذلك خلاف مذهب سلف الأمة، وليس ذلك تكفيرًا لهم، ولا تمزيقـًا لشمل الأمة، ولا تفريقـًا لصفّهم، وإنَّما في ذلك النصح لله ولعباده، وبيان الحق، وعدم كتمانه، والقيام بالدعوة إلى الله، والإرشاد إلى سبيله .
ولو سكت أهل الحق عن بيانه لاستمر المخطئون على أخطائهم، وقلّدهم غيرهم في ذلك، وباء الساكتون بإثم الكتمان الذي توعّدهم الله في قوله سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) (البقرة: 159،160)
وقد أخذ الله على علماء أهل الكتاب الميثاق لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وذمّهم على نبذه وراء ظهورهم، وحذرنا من اتّباعهم .
فإذا سكت أهل السنة عن بيان أخطاء من خالف الكتاب والسنة شابهوا بذلك أهل الكتاب المغضوب عليهم والضالين) اهـ
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (3/72)]

وقال أيضاً: أما من تمسّك بالحق، ودعا إليه، وأوضح بطلان ما خالفه؛ فهذا لا لوم عليه، بل هو مشكور وله أجران: أجر اجتهاده، وأجر إصابته للحق) اهـ
[المصدر السابق (3/59)]

وقال رحمه الله:
(( فالواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة، ومناقشة كل جماعة، أو جمعية ونصح الجميع؛ بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده، ودعا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله - فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة ، حتى يتجنب الناس طريقهم وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله جل وعلا : ((وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)) ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولاً وأعداء الإسلام من الإنس ثانياً ، لأن اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن ، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر أسباب العداوة بينهم ، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلالة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه )) .
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/202)]

ويقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه "الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات" (ص107):
((لا شك ان الضوابط لهذا الخلاف هي الرجوع إلى ما أرشد الله إليه في قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً))، وفي قوله : ((وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى الله)) فالواجب على من خرج عن الصواب في العقيدة أو في العمل أي في الأمور العلمية والعملية أن يناقش حتى يتبين له الحق فيرجع إليه أما خطؤه فيجب علينا أن نبين الخطأ وأن نحذر من الخطأ بقدر الاستطاعة ، ومع ذلك لا نيأس ، فإن الله قد رد أقواماً لهم بدع كبيرة حتى صاروا من أهل السنة ...الخ ).

وقال أيضاً في نفس المصدر ( ص116 ) :
(إذا كان الخلاف في مسائل العقائد فيجب أن تصحح وما كان على خلاف مذهب السلف فإنه يجب إنكاره والتحذير ممن يسلك ما يخالف مذهب السلف في هذا الباب) اهـ


منقول من أحد المواقع
رد مع اقتباس