عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 22-01-2015, 01:58AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

باب لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه

ج / 2 ص -304- [الباب الخامس والستون:]
*باب لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه

عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال؛ فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله.


الاستشفاع: طلب الشفاعة.
والشفاعة: هي الوساطة في قضاء الحوائج عند من هي بيده.
وهي بحسب المشفوع فيه؛ فإن كان المشفوع فيه خيراً فالشفاعة حسنة وفيها أجر، قال سبحانه وتعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}، وقال صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا ".
أمّا إنْ كانت الشفاعة في أمر محرَّم فإنّها محرَّمة، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}، كالذي يشفع في إسقاط حد من حدود الله كحدّ الزنا، وحدّ السرقة، وحدّ الشرب، فأراد أحدٌ أن يبُْطِلَه، وذهب إلى الحاكم من أجل أن يترك إقامة الحدّ بعدما تقرّر وثبت؛ فهذه شفاعة محرّمة، قال صلى الله عليه وسلم: "تعافوا الحدود فيما بينكم، وما بلغني من حدٍّ فقد وجب"، وقال: "إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشّافع والمشفَّع".


هذا في الشفاعة عند المخلوق:
أمّا الاستشفاع بالله على أحدٍ من خلقه: فهذا منكر عظيم، لأنّ المشفوع عنده يكون أعظم من الشّافع، فإذا استشفع بالله إلى أحدٍ من خلقه فمعناه: أن هذا المخلوق عنده أعظم من الله، فهذا تنقُّصٌ لجناب الله سبحانه وتعالى، وهذا مخلٌّ بالتّوحيد.
قوله: "جاء أعرابي" الأعرابي هو: ساكن البادية، والغالب على سُكّان البادية الجهل.
"نَهِكَت الأنفس" يعني: ضغُفت.


"وجاع العيال، وهلكت الأموال" وذلك بسبب تأخُّر المطر، لأنّ عيشة البادية
ج / 2 ص -305- على ما ينزّله الله سبحانه وتعالى في الأمطار، والمطر لا يستغني عنه أحد لا أصحاب الحاضرة ولا أصحاب البادية، كلُّهم بحاجة إلى المطر، فإذا تأخّر المطر تضرّر النّاس، وإذا نزل المطر وأنزل الله فيه البركة انتفع النّاس وانتعشوا، فالأمطار فيها خيرٌ للعباد.
ولا يحبسها الله جل وعلا إلاّ بسبب الذنوب والمعاصي: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً(16)}.
"فاستسق لنا ربك" وهذه عادة الصّحابة رضي الله عنهم، أنهم كانوا إذا تأخّر المطر أو أنحبس المطر طلبوا من النّبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقيَ لهم.
والاستسقاء هو: طلب السُّقيا.
والاستسقاء: سنّة قديمة فقد استسقى موسى- عليه الصلاة والسلام- لقومه، واستسقى سليمان لقومه، واستسقى نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم لأمّته، فالاستسقاء مشروع.


وذلك بأن يأتوا إلى النّبي صلى الله عليه وسلم في حياتِه ويطلبوا منه أن يدعو الله لهم بنزول المطر، فالنّبي صلى الله عليه وسلم يُجيبُهم إلى ذلك، تارةً يدعو وهو جالس بين أصحابه، وتارة يدعو في خطبة الجمعة بنزول المطر، وتارة يخرُج إلى المصلَّى في الصحراء فيصلَّي بالنّاس صلاة الاستسقاء، ثم يخطُب ويدعو الله سبحانه وتعالى ويسقيهم الله عزّ وجلّ.


وبعد وفاة النّبي صلى الله عليه وسلم كانوا يأتون إلى الخلفاء الراشدين: يأتون إلى عمر فيطلُبون منه أن يدعوَ الله لهم، وعر يطلب من العبّاس عمّ النّبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ الله لقرابَتِه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك المسلمون يطلُبون من علمائهم ووُلاة أمورهم ومن الصالحين منهم أن يدعو ربّهم بالسقيا، وهذه سنّة ثابتة.
فمجيء هذا الأعرابي إلى النّبي صلى الله عليه وسلم وطلبه من الرّسول أن يستسقيَ لهم، أمرٌ معروف مستقرّ.


ولكن هذا الأعرابي لم يقتصر على ذلك بل قال: "فإننّا نستشفع بالله عليك" وهذه هي الكلمة المنكَرة، لأنه جعل الله شافعاً عند الرّسول صلى الله عليه وسلم، والشّافع أقلّ درجة من المشفوع عنده، فهذا تنقُّصٌ لله سبحانه وتعالى.
وقوله: "ونستشفع بك على الله" هذا أيضاً لا إنكار فيه في حياة النّبي صلى الله عليه وسلم،
ج / 2 ص -306- فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، سبحان الله" فما زال يسبِّح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه.
ثم قال النّبي صلى الله عليه وسلم: "ويحك!، أتدري ما الله؟!، إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه" وذكر الحديث. رواه أبو داود.


لا بعد موته. ومعناه: طلب الدعاء من الرّسول لهم بالسقيا، كذلك طلب الدعاء من الصالحين الأحياء، لا بأس به.
ثم إنّه صلى الله عليه وسلم نزّه الله عن هذا التنقُّص وهذا الجهل الذي وقع من هذا الأعرابي في حقِّ الله، وقال: "سبحان الله! سبحان الله!" وهذه عادته صلى الله عليه وسلم، أنّه كان إذا استنكر شيئاً يسبِّح، أو أعجبه شيء يسبِّح أو يكبِّر.
قوله: "حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابِه" لَمّا تأثَّر وغضب، غضبوا لغضب الرّسول صلى الله عليه وسلم، وتأثّروا من تأثُّر الرّسول صلى الله عليه وسلم، وظهر ذلك على وجوههم رضي الله عنهم.
ثم قال: "ويحك!" (ويح) كلمة يُراد بها العِتاب، أو يراد بها الشَّفَقة أحياناً.
"أتدري ما الله؟" هذا استنكار من النّبي صلى الله عليه وسلم وبيان لجهل هذا الأعرابي في حق الله.


"شأنُ الله أعظم من ذلك، إنّه لا يستشفع بالله على أحدٍ من خلقه" لَمّا أنكر صلى الله عليه وسلم ذلك ونزّه ربّه علّم هذا الجاهل ما يجب عليه من تعني الله.


فهذا الحديث فيه مسائل عظيمة:

المسألة الأولى:
في الحديث دليل على مشروعيّة الاستسقاء عند تأخُّر المطر، فهو سُنّة ثابتة، وأن الطّلب من الصالحين الأحياء الحاضرين أن يدعو الله للمسلمين، لا بأس به، أمّا المِّيت فلا يُطلب منه شيء، لا شفاعة ولا دعاء.
والدليل على ذلك: أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لَمّا تُوفّي الرّسول صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يذهبون إلى قبره إذا أجدبوا أو احتاجوا إلى شيء، ما كانوا يذهبون إلى قبره مثل ما كانوا يأتونه وهو حيّ ويطلبون منه الدعاء، وإنّما عدلوا إلى العبّاس عمّه لأنّه حيٌّ موجود بينهم وطلبوا منه أن يدعو الله لهم.


ج / 2 ص -307- المسألة الثانية: في الحديث دليل على إنكار المنكر، فإنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أنكر على هذا الأعرابي ولم يسكُت عنه.

المسألة الثالثة:
في الحديث دليل على تحريم الاستشفاع بالله على أحدٍ من خلقه، وأنّ هذا يُخِلُّ بالعقيدة وينقِّص التّوحيد، وفيه إساءةُ أدبٍ مع الله سبحانه وتعالى، وهذا الذي عقد المصنِّف هذا الباب من أجله.

المسألة الرابعة:
في الحديث دليل على أنّ طلب الدعاء والاستشفاع بالحيّ جائز، لأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على هذا الأعرابي قوله: (ونستشفع بك على الله)، وإنّما أنكر عليه الجملة التي قبلَها: "إنا نستشفع بالله عليك"، أمّا الاستشفاع بطلب الدعاء من الحي الحاضر فلا بأس بذلك، وهذا فعل الصّحابة مع الرّسول صلى الله عليه وسلم ومع غيرِه إذا احتاجوا إلى ذلك.

المسألة الخامسة:
فيه مشروعيّة تعليم الجاهل، فإنّ النّبي صلى الله عليه وسلم علَّم هذا الجاهل بعدما أنكر عليه ونبهه على الخطأ الذي حصل منه من أجل أن يتجنَّبه.

المسألة السادسة:
فيه مشروعية التسبيح والتكبير عند حصول أمرٍ منكر أو أمرٍ عجيب، بدل التصفيق الذي أحدثه من يقلدون الكفار.



المصدر :

كتاب :
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

رابط تحميل الكتاب

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/.../mostafeed.pdf




رد مع اقتباس