عرض مشاركة واحدة
  #76  
قديم 27-05-2015, 02:29AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 66 )



تفصيل مراتب القدر
الدرجة الأولى وما تتضمنه

فالدرجة الأولى‏:‏ الإيمان بأن الله تعالى عليم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلًا وأبدًا‏.‏
وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال‏.‏
ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق‏.‏ فأول ما خلق الله القلم، قال له‏:‏ اكتب‏.‏ قال‏:‏ ما أكتب‏ ؟‏
قال‏:‏ اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة‏.‏ فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه‏.‏ وما أخطأه لم يكن ليصيبه‏.‏
جفت الأقلام وطويت الصحف‏.‏



كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏
وقال‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلًا‏.‏ فقد كتب في اللوح
المحفوظ ما شاء‏.‏


وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكًا فيؤمر بأربع كلمات فيقال له‏:‏ اكتب رزقه وأجله وعمله
وشقي أو سعيد‏.‏ ونحو ذلك‏.‏ فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكروه اليوم قليل‏.‏



[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏أزلًا‏)‏ الأزل‏:‏ القدم الذي لا بداية له‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏أبدًا‏)‏ الأبد‏:‏ هو الدوام في المستقبل الذي لا نهاية له‏.‏
و ‏(‏الطاعات‏)‏‏:‏ جمع طاعة وهي موافقة الأمر‏.
‏ و ‏(‏المعاصي‏)‏‏:‏ جمع معصية وهي مخالفة الأمر، و ‏(‏الأرزاق‏)‏‏:‏ جمع رزق وهو ما ينفع‏.
‏ ‏(‏والآجال‏)‏‏:‏ جمع أجل وهو مدة الشيء‏.‏
وأجل الإنسان نهاية وقته في الدنيا بالموت‏.‏
و ‏(‏اللوح المحفوظ‏)‏ وهو أم الكتاب ‏(‏محفوظ‏)‏ من الزيادة والنقصان فيه‏.‏
ذكر الشيخ هنا ما تتضمنه الدرجة
الأولى من درجتي الإيمان بالقدر وأنها تتضمن شيئين أي مرتبتين‏.‏


المرتبة الأولى‏:‏ الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء من الموجودات والمعدومات، هذا العلم الذي
هو صفة من صفاته تعالى الذاتية التي لا يزال متصفا بها أزلًا وأبدًا‏.‏ ومن ذلك علمه بأعمال الخلق من الطاعات
والمعاصي وعلمه بأحوالهم من الأرزاق والآجال وغيرها‏.‏


المرتبة الثانية‏:‏ مرتبة الكتابة‏.‏ هي أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فما يتحدث شيء في الكون
إلا وقد علمه الله وكتبه قبل حدوثه‏.‏

ثم استدل الشيخ ـ رحمه الله ـ على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة‏.‏ فمن أدلة السنة على ذلك الحديث الذي
ذكر الشيخ معناه‏.‏

ولفظه كما رواه أبو داود في سننه عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏أول ما خلق الله القلم‏.‏ فقال له‏:‏ اكتب‏.‏ قال‏:‏ وما أكتب‏؟‏ قال‏:‏ اكتب مقادير
كل شيء حتى تقوم الساعة‏)‏ فهذا الحديث يدل على مرتبة الكتابة وأن المقادير كلها مكتوبة‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏أول ما خلق الله القلم قال له اكتب‏)‏ روي بنصب ‏(‏أول‏)‏ و ‏(‏القلم‏)‏ على أن الكلام جملة واحدة
ومعناه‏:‏ أنه عند أول خلقه القلم قال له‏:‏ اكتب‏.‏ وروي برفع ‏(‏أول‏)‏ و ‏(‏القلم‏)‏ على أن الكلام جملتان‏:‏ الأولى
‏(‏أول ما خلق الله القلم‏)‏، و ‏(‏قال له اكتب‏)‏ جملة ثانية‏.‏ فيكون المعنى‏:‏ أن أول المخلوقات من هذا العالم القلم‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ من كلام عبادة بن الصامت راوي الحديث‏.‏ أي‏:‏
ما يصيب الإنسان مما ينفعه أو يضره فهو مقدر عليه لابد أن يقع به ولا يقع به خلافه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏جفت الأقلام
وطويت الصحف‏)‏ كناية عن سبق كتابة المقادير والفراغ منها‏.‏ وهو معنى ما جاء في حديث ابن عباس‏:‏
‏(‏رفعت الأقلام وجفت الصحف‏)‏ رواه الترمذي‏.‏


ثم ذكر الشيخ من أدلة القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي
كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ‏}‏‏:‏ الاستفهام للتقرير‏.‏ أي‏:‏ قد علمت يا محمد وتيقنت ‏{‏أَنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ‏}‏ فيه إحاطة علمه بالعالم العلوي والعالم السفلي وهذه مرتبة العلم ‏
{‏إِنَّ ذَلِكَ‏}‏ أي‏:‏ الذي في السماء والأرض من معلوماته ‏{‏فِي كِتَابٍ‏}‏ أي‏:‏ أن إحاطة علمه بما في السماء
والأرض وكتابته يسير عليه‏.‏



والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات علم الله بالأشياء وكتابتها في اللوح المحفوظ، وهذا هو ما تتضمنه
الدرجة الأولى

واستدل الشيخ أيضًا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ
أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ‏}‏ من قحط مطر وضعف نبات ونقص
ثمار ‏{‏وَلا فِي أَنفُسِكُمْ‏}‏ بالآلام والأسقام وضيق العيش ‏{‏إِلاَّ فِي كِتَابٍ‏}‏ أي‏:‏ إلا وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ
‏{‏مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا‏}‏ أي‏:‏ قبل أن نخلقها ونوجدها ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ أي‏:‏ أن لإثباتها في الكتاب على
كثرتها يسير على الله سبحانه‏.‏

والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها دليلًا على كتابة الحوادث في اللوح المحفوظ قبل وقوعها‏.‏ ويتضمن
ذلك علمه بها قبل الكتابة فهي دليل على مرتبتي العلم والكتابة‏.‏


ثم بعد ذلك أشار الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى أن التقدير نوعان‏:‏ تقدير عام شامل لكل كائن، وهو الذي تقدم
الكلام عليه بأدلته وهو المكتوب في اللوح المحفوظ، وتقدير خاص، وهو تفصيل للقدر العام،
وهو ثلاثة أنواع‏:‏ تقدير عمري، وتقدير حولي، وتقدير يومي‏.‏
هذا معنى قول الشيخ‏.‏ ‏(‏وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة‏)‏ أي‏:‏ تقديرًا عامًا
وهو المكتوب في اللوح المحفوظ يعم جميع المخلوقات ‏(‏وتفصيلًا‏)‏ أي‏:‏ تقديرًا خاصًا مفصلًا للتقدير
العام وهو‏:‏

1 ـ التقدير العمري، كما في حديث ابن مسعود في شأن ما يكتب على الجنين في بطن أمه من
أربع الكلمات‏:‏ رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته‏.‏


2 ـ تقدير حولي، وهو ما يقدر في ليلة القدر من وقائع العام كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ
حَكِيمٍ‏}‏ الآية ‏(‏4‏)‏ من سورة الدخان‏.‏

3 ـ تقدير يومي وهو ما يقدر من حوادث اليوم من حياة وموت وعزل وذل إلى غير ذلك‏.‏ كما في قوله تعالى‏:‏
‏{‏كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏}‏ الآية ‏(‏29‏)‏ من سورة الرحمن‏.‏ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ‏:‏ ‏(‏إن الله خلق لوحًا
محفوظًا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابته نور وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر في
كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء‏.‏ فكذلك قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏كُلَّ
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏}‏‏)‏ رواه عبد الرزاق وابن المنذر والطبراني والحاكم ‏[‏رواه الحاكم ‏(‏2/474‏)‏ و ‏(‏519‏)‏
ـ وصححه‏!‏ ـ وابن جرير الطبري ‏(‏27/135‏)‏ وأبو الشيخ في ‏(‏العظمة‏)‏ ‏(‏2/492‏)‏ والبيهقي في
‏(‏الأسماء والصفات‏)‏ ‏(‏828‏)‏‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فهذا القدر‏)‏ أي‏:‏ الذي سبق بيانه بنوعيه العام والخاص ‏(‏قد كان ينكره غلاة القدرية‏)‏ أي‏:‏ المبالغون
في نفي القدر فنكرون علم الله بالأشياء قبل وجودها وكتابته لها في اللوح المحفوظ وغيره، ويقولون‏:‏ إن الله
أمر ونهى وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه فالأمر أنف‏.‏ أي‏:‏ مستأنف لم يسبق في علم الله وتقديره‏.‏
وهؤلاء كفرهم الأئمة لكنهم انقرضوا، ولهذا قال الشيخ‏:‏ ‏(‏ومنكروه اليوم قليل‏)‏ وبقيت الفرقة التي تقر
بالعلم، ولكن تنفي دخول أفعال العباد في القدر وتزعم أنها مخلوقة لهم استقلالًا لم يخلقها الله ولم
يردها‏.‏ كما يأتي بيانه‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf







رد مع اقتباس