عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 19-01-2015, 10:42PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

ج / 1 ص -204- [الباب الخامس عشر:] * بابٌ قول الله تعالى {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً} الآية.

ما في هذا الباب من الأدلة من الكتاب والسنّة أراد الشيخ رحمه الله من سياقها بيان أدلة بُطلان الشرك، لأن القرآن الكريم جاء بالدعوة إلى التّوحيد، وعبادة الله وحدة لا شريك له، وجاء بالنهي عن الشرك، وهو عبادة غير الله سبحانه وتعالى، والنهي عن ذلك.
فقوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} هذا استفهام، معناه: الإنكار.


"{مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً}" أي: هذا الشرك باطل؛ بدليل أن هذه المعبودات من دون الله لا تخلق شيئاً، فهي عاجزة لأن الذي يستحق العبادة هو الخالق، فالذي يقدر على الخلق هو الذي يستحق العبادة، أما الذي لا يقدر على الخلق فهذا لا يستحق العبادة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} لا تجعلوا لله شركاء وأنتم تعلمون أن هذه الشركاء لا تقدر على خلق شيء، ولا على رَزْق، ولا على إحياء، ولا إماتة، فهي عاجزة، وكما في قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ(17)}، فالذي يستحق العبادة هو الخالق، أما الذي لا يقدر على الخلق فهذا عاجز لا يستحق العبادة، فكيف يُسَوَّى العاجز بالقادر؟، كيف يُسَوَّى المخلوق بالخالق سبحانه وتعالى؟: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ(20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)}، وقال تعالى في تعجيز المشركين وآلهتهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73)}، فهذه المعبودات بجميع أنواعها سواءً كانت أحجاراً، أو أشجاراً، أو قبوراً وأضرحة، أو ملائكة، أو أنبياء، أو صالحين من المؤمنين، كلهم يدخلون تحت هذا الوصف؛ لا يقدرون على خلق شيء، لأن المخلوق لا يستطيع أن يخلق، فكيف يُتخذ معبوداً مع الله سبحانه وتعالى؟.



ج / 1 ص -205- وفي هذه الآية يقول: "{لا يَخْلُقُ شَيْئاً}" وشيئاً نَكِرَة في سياق النفي تَعُم، يعني: لا يخلقون أي شيء ولو كان قليلاً، ولو يجتمع العالم كله بما فيهم المَهَرة والصنّاع والمهندسون والأطباء، ويُطلب منهم أن يخلقوا حبة شعير ما استطاعوا.
ثم قال: "{وَهُمْ يُخْلَقُونَ}" أي: هذه المعبودات التي تعبدونها مخلوقات لله سبحانه وتعالى: فهم لم يخلقوا أنفسهم، ولم يخلقوا غيرهم، فكيف تتّخذونهم مع الخالق سبحانه وتعالى؟، هل هذا إلاّ من باب المكابرة، ومن باب العِناد.
فالذي يُشرك بالله أيًّا كان هذا الشيء قد قامت عليه هذه الحجة في أن هذا المعبود عاجز، لكن أين العقول التي تفكِّر؟، هؤلاء الذين يزعمون أنهم مفكِّرون، وأنهم مَهَرَة، وأنهم مثقفون، وأنهم.. وأنهم، تجدهم يخضعون للقبور، ويعبدون الأموات، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويستغيثون بها، وهم يسمعون هذا القرآن.


ثم قال سبحانه وتعالى: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً} أي: هذه المعبودات وهذه الأصنام لا تملك نصراً لمن دعاها، إذا وقع المشرك في كُربة، أو في ضيق، أو في مرض، لا يستطيع أحد من الخلق أن يُنقذه إلاّ بإذن الله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلاّ إِيَّاهُ}، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62)}، {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}، وهنا يقول: "{وَلا يَسْتَطِيعُونَ}" لا يملك المعبودون "{لَهُمْ}" للعابدين {نَصْراً} عندما يتسلط عليهم عدو، أو يتسلط عليهم سَبُع، أو يتسلط عليهم خوف، فإنها لا تستطيع هذه المعبودات أن تنصرهم على عدوهم، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ}، {وَمَا النَّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فالنصر من الله سبحانه وتعالى، ولو كانت هذه المعبودات تُغني عن المشركين شيئاً ما انهزموا في بدر، ولا انهزموا في الأحزاب، ولا انهزموا يوم فتح مكة، وفي يوم حنين، وأما المؤمنون فالله نصرهم سبحانه وتعالى، وهم قِلّة، كانوا في بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، والمشركون يزيدون على الألف، والمسلمون ليس معهم عُدّة ولا سلاح إلاّ قليل، والمشركون مُدَجَّجُون بالسلاح: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ

ج / 1 ص -206- وقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} الآية.


يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ(13)}، حتى الشيطان لما تراءى الجمعان قال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ}، أما الله جل وعلا فكان مع أوليائه، وكان مع عباده، فنصرهم على عدوّهم مع قلّة عددهم وضعف عُددهم، والمشركون لم يجدوا من ينصرهم، أين ذهبت آلهتهم؟
"{وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}"أي: هذا المعبود الضعيف إذا نزل به آفة لا يستطيع أن يُنقذ نفسه، فكيف ينقذكم؟
هذا الميت المقبور المدفون لا يستطيع أن يتخلص من الموت ومن القبر ومما هو فيه، مشغول عنكم بنفسه؛ إما في عذاب وإما في نعيم، لا يسمع دعاءكم.
وهذه الأشجار والأحجار التي تعبدونها جمادات لا تستطيع نصركم ولا تنصر نفسها، الصنم الكبير يحطمه الطفل ولا يستطيع أن ينصر نفسه، يقع عليه الذباب ويقذِّره ولا يستطيع أن يَنْفي عن نفسه، الذباب الضعيف: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}.


يُروى أن بعض المشركين له صنم، فجاء الثعلب وبال عليه، فلما رآه عابده فكّر وقال:

أرب يبول الثعلبان برأسه لقد هان من بالت عليه الثعالب
فعند ذلك فكّر وترك عبادة الأصنام.
ويدخل في هذه الآية كل ما عُبد من دون الله من الملائكة، والأنبياء، والصالحين، والأشجار، والأحجار، كلها مخلوقات ضعيفة، لا تستطيع أن تنصر نفسها، فكيف تنصر غيرها؟
وقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} أي: غير الله سبحانه وتعالى، وهذا يشمل كل ما عُبد من دون الله، لأن الاسم الموصول من صيغ العموم، فيشمل كل ما عُبد من دون الله من آدميِّين، أو أحجار، أو أشجار، أو ملائكة، أو غير ذلك. والقطمير هو الغشاء الرقيق الذي يكون على النواة وهو شيء حقير: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ}.



ج / 1 ص -207- يُشترط في المدعُو ثلاثة شروط:
الأول:
أن يكون مالكاً لما يطلب منه.
الثاني: أن يكون يسمع الداعي.
الثالث: أن يكون يقدر على الإجابة.


وهذه الأمور لا تتّفق إلاّ في الله سبحانه وتعالى، فإنه المالك، السميع، القادر على الإجابة، أما هذه المعبودات فهي أولاً: فقيرة، ليس لها ملك. ثانياً: لا تسمع من و دعاها. وثالثاً: لو سمعت فإنها لا تقدر على الإجابة.
ففي قوله تعالى: {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} انتفى الشرط الأول.
وفي قوله: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} انتفى الشرط الثاني.
وفي قوله: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} انتفى الشرط الثالث.
إذاً بَطل دعاؤها.


ثم قال سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} إذا جاء يوم القيامة يتبرّؤون منكم، وكل المعبودات من دون الله تتبرّأ ممن عبدها يوم القيامة، حتى الشيطان يتبرأ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ}، يعني: ما أنا بمغيثكم. والصريخ: المغيث. يعني: لا أقدر على إغاثتكم {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} أنتم لا تقدرون على إغاثتي، كقوله سبحانه: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.


وكذلك الملائكة يتبرؤون ممن عبدهم يوم القيامة، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ(40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ(41)}، يعني: يعبدون الشياطين التي دعتهم إلى هذا، أما نحن براء منهم، وحاشا وكلا أن ترضى ملائكة الرحمن بأن تُعبد من دون الله، فضلاً عن أن تدعَو إلى ذلك، وإنما هذا من عمل الشياطين.
وعيسى عليه السلام يقول الله له يوم القيامة: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ

ج / 1 ص -208- وفي الصحيح عن أنس قال: شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكُسِرت رباعيته،


إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)}.


وكذلك سائر المعبودات: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا} يتمنون {كَرَّةً} يعني: رجوعاً إلى الدنيا { فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ} نتبرّأ من هذه الأصنام والمعبودات، {كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا} لكن أين؟، {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} نعوذ بالله.


{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ(5)} لا يسمعون دعاءهم في الدنيا، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ(6)} هذا خبر من الله سبحانه وتعالى عن مصير هؤلاء المشركين يوم القيامة، يُخبرهم بما يكون إليه الأمر يوم القيامة من أجل أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا رحمة منه بعباده، ولهذا قال: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} لا ينبئك ويُخبرك عن الأشياء مثل خبير بها وهو الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعلم الأشياء والعواقب، ويعلم المآل والمصير، وهو يُخبركم أيها الناس بأن من عبد غير الله فإنه سيتبرّأ منه يوم القيامة، فخذوا حذركم. وهذا رحمة من الله سبحانه وتعالى، وأخبر أنه لا ينبئك بالأمور وعواقبها ونتائجها وثمراتها إلاّ الخبير بالأمور، أما الجاهل فإنه لا يستطيع أن يُخبرك عن شيء، ولو أخبرك فإن خبره يكون غير صحيح، أما الله جل وعلا إذا أخبر بخبر فإنه يكون واقعاً لابد منه، وكذلك رُسُلُه، لأنهم يخبرون عن الله سبحانه وتعالى.


أما هؤلاء المشعوذون والصوفيّة والمخرّفون الذين يُدعون الناس إلى عبادة الأضرحة والمقامات، ويقولون: هذه فيها بركة، وفيها.. وفيها. هؤلاء كذبة، فلا تصدقوهم.
قال: "وفي الصحيح" يعني: الصحيحين.
"عن أنس قال: شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم" الشَّجَّة هي: الجرْح في الرأس والوجه خاصة،

ج / 1 ص -209- أما الجرح إذا كان في البدن فهذا لا يُسمى شَجَّةً، وإنما يُسمى جراحة.


"يوم أحد": جبل يقع في الشمال الشرقي من المدينة، حصلت عنده وقعة أحد في السنة التي بعد وقعة بدر، فالمشركون تجمعوا وأرادوا الانتصار لأنفسهم، وجمعوا جنوداً بقيادة أبي سفيان بن حرب، وجاءوا يريدون الانتقام من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين أصابوهم يوم بدر، جاءوا ونزلوا عند هذا الجبل، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الكرام من المهاجرين والأنصار، والْتقى بهم في هذا المكان، ونظّم صلى الله عليه وسلم المقاتلين، وجعل على الجبل الذي خلفهم جماعة من الرُّماة يحمون ظهور المسلمين، ودارت المعركة، والرُّماة على الجبل يحرسون المسلمين، وصار النصر في الأول للمسلمين لما كانوا يمشون على خُطّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشرعوا يجمعون الغنائم، فلما رآهم الرُّماة الذين على الجبل ظنُّوا أن المعركة انتهت، فقالوا: نَنْزِل نساعد إخواننا على جمع الغنائم، فقال لهم قائدهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه: لا تنزلوا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا: لا تتركوا الجبل، سواءً انتصرنا أو هُزمنا. ولكنهم خالفوا قائدهم ونزلوا، فلما رأى خالد بن الوليد- وكان يوم ذاك مشركاً-، لما رأى الجبل فَرَغ- وهو كان من الشُّجعان وساسة الحرب- عرف أن هذه الثغرة انفتحت لهم، فدار بمن معه، وانقضوا على المسلمين من الخلف، وما شعر المسلمون إلاّ والمشركون يضربونهم من الخلف،
فحينئذ اختلط الجمعان: المسلمون والكفّار، ودارت المعركة من جديد، وأصيب المسلمون عقوبة لهم بسبب مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا نزل قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ}، يعني: تقتلونهم، وهذا في أول المعركة، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} عقوبة لكم.


والنبي صلى الله عليه وسلم شُجَّ في رأسه، وهشم المغفرُ على رأسَه، وغاصت حلقتان في وجنته صلى الله عليه وسلم، وكُسِرت رُباعِيّته- عليه الصلاة والسلام-، ووقع في حفرة، وأشاع المشركون أن محمداً قد قُتل، فلما أشاع المشركون هذه الشائعة وصاح الشيطان بذلك، حصل على المسلمين مصيبة أكبر من مصيبة القتل، كل هذا بسبب المعصية.



ج / 1 ص -210- فقال: "كيف يُفلح قوم شَجُّوا نبيهم؟" فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.


انظروا يا عباد الله، معصية واحدة وليست من الجميع، وإنما هي من بعض الصحابة حصل بسببها هذه العقوبة على خير الخلق، فكيف بنا نحن، ونحن نرتكب من المعاصي والمخالفات الشيء الكثير؟، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، فهذا فيه خطورة المعاصي، ومخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} هذا تطمين لهم بع ما وَبَّخهم صلى الله عليه وسلم، لأنهم أحبابه وأولياؤه.
وقد "شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعاً، فلا تجوز عبادته.


وهذا من أدلة بطلان الشرك؛ أن المخلوق وإن بلغ من المنزلة العالية فإنه مخلوق، لا يستحق شيئاً من العبادة، فأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وقع عليه الضرر، ج وجُرح- عليه الصلاة والسلام-، فدلّ على أنه لا تجوز عبادته من دون الله، وإذا كان كذلك فغيره من باب أولى، فلا تجوز عبادة الأولياء والصالحين ومَن دون ذلك، لأن كل الخلق لا تجوز عبادتهم، لا الملائكة، ولا النبييون، ولا الأولياء، ولا الصالحون. العبادة حق لله سبحانه وتعالى، لا يجوز صرفها لغيره، وقال تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(188)}.


فإذا كان الرسول لا تجوز عبادته من دون الله عزّ وجلّ، فكيف بغيره من الخلق؟، والرسول لم يستطع الدفع عن نفسه: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22)}.
ولما شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال- عليه الصلاة والسلام-: "كيف يُفلح قوم شَجُّوا نبيهم؟" استبعد صلى الله عليه وسلم فلاحهم، واستبعد استجابتهم للدعوة، لأنهم بلغوا من العناد، وبلغوا من المشاقة إلى هذا الحد، فهؤلاء بعيد أن يستجيبوا، وإذا لم يستجيبوا فلن يفلحوا، ولكن الله جل وعلا يعلم المستقبل وما يكون، فعاتبه وقال: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} وهذا- أيضاً- دليل آخر على عدم استحقاقه لشيء من العبادة، الأمر في هذا الكون والتدبير لله سبحانه وتعالى،



ج / 1 ص -211- وفيه عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: "اللهم العَنْ فلاناً وفلاناً" بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.


وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم مبلِّغ عن الله، والأمر لله سبحانه وتعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فالأمر لله {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، وإنما الرسل- عليهم الصلاة والسلام- مبعوثون عن الله فقط، ودعاة إلى الله.
"{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}" لا أمر النصر، ولا أمر الهزيمة، ولا أمر التوبة، ولا أمر الفلاح، ولا أمر الدخول في الإسلام والهداية، وإنما كل هذا بيد الله سبحانه وتعالى، أنت ليس عليك إلاّ البلاغ: {إِنْ عَلَيْكَ إلاّ الْبَلاغُ}، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}، هذه وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مبلِّغ عن الله فقط، أما أنه يملك النفع والضَّر والنصر والرَّزق والحياة والموت؛ فهذا لا يملكه أحد إلاّ الله سبحانه وتعالى.


قال "وفيه" أي: في الصحيح، يعني: صحيح مسلم.
"عن ابن عمر" هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما-، من فقهاء الصحابة، ومن العُبّاد.
"أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم على فلان وفلان أن يطردهم الله من رحمته؛ بسبب أنهم أَلَّبُوا المشركين، وجاءوا لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوْقعوا بالمسلمين هذه المصيبة.


فيه دليل على مشروعيّة القنوت في صلاة الفجر عند النوازل، أي:ما تنزل بالمسلمين نازلة من مداهمة عدو، أو حصول بلاء فيه خطورة على المسلمين، فإنهم يُشرع لهم أن يقنتوا في صلاة الفجر، بمعنى أنهم يدعون في صلاة الفجر لرفع هذا البلاء الذي عليهم، أو على إخوانهم من المسلمين، فالقنوت عند النوازل من سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في هذا الحديث، أما القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل على صفة مستمرّة؛ فهذا ليس بمشروع عند جمهور أهل العلم.



ج / 1 ص -212- وفي رواية: يدعو على صفوان بن أُميّة، وسُهيل بن عمرو، والحارث بن هشام. فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.


قال: "وفي رواية: يدعو على صفوان بن أُميّة، وسُهيل بن عمرو، والحارث بن هشام" هذا تفسير لقوله:
"اللهم العن فلاناً وفلاناً"، وأن المراد بهم هؤلاء الأشخاص، لأنهم من قادة المشركين يوم أحد مع أبي سفيان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم لمِا وقع منهم، ولكن الله يعلم من حال هؤلاء وما يؤول إليه أمرهم ما لا يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هؤلاء تاب الله عليهم وأسلموا، وحسُن إسلامهم رضي الله عنهم.


ولما ارتدّ الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقف سهيل بن عمرو خطيباً في أهل مكة يُثبِّتهم على الإسلام، وقال لهم: يا أهل مكة لا تكونوا آخر من أسلم وأوّلُ من ارتد. فثبت أهل مكة على الإسلام، ولم يرتدُّوا بسب هذا الرجل الذي جعل الله فيه الخير.
فهذا دليل على أن الإنسان مهما بلغ من الضلال، ومهما بلغ من الكفر، فإنه لا ييأس من هدايته، لأن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى.


وهذا دليل على أنه لا يعلم الغيب إلاّ الله سبحانه وتعالى، وأنك لا تحكم على المعينين بالنار إلاّ من حكم عليه الله سبحانه وتعالى في القرآن، أو حكم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولهذا من عقيدة أهل السنّة والجماعة: أنهم لا يشهدون لأحد بجنة ولا نار إلاّ من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يرجون للمحسنين، ويخافون على المسيئين، ولا يجزمون لأحد لأن العواقب بيد الله سبحانه وتعالى، والإنسان مهما بلغ من الكفر والشرك والعناد، فإنه قد يهديه الله سبحانه وتعالى، ويُصبح من أولياء الله الصالحين.


فهؤلاء أسلموا، وحسُن إسلامهم- رضي الله تعالى عنهم-، مع أنهم آذوا الرسول، وقاتلوه، وآذوا المسلمين، ولكن منّ الله عليهم بالهداية.
فالحاصل؛ أن هذه الآية الكريمة وما جاء في سبب نزولها فيها دليل على بُطلان الشرك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه سادة المهاجرين والأنصار حصل عليهم من الضرر والهزيمة في وقعة أحد ما حصل، وهم سادات الأولياء، فدلّ على أنه لا يجوز التعلق بغير الله سبحانه وتعالى، لأن هؤلاء لم يستطيعوا الدفع عن أنفسهم، فكيف يدفعون عن غيرهم، لأن المخلوق مهما كان فإنه مخلوق، وهو فقير إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(15)}.

ج / 1 ص -213- وفيه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)} فقال:
قوله: "وفيه" يعني: في صحيح البخاري.


"عن أبي هريرة" أبو هريرة اشتهر بكنيته، أما اسمه فاختلف فيه العلماء على أقوال كثيرة، أصحها أنه: عبد الرحمن بن صخر، من قبيلة دوس المشهورة، قَدِم على النبي وأعلن إسلامه، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة، يروي عنه الأحاديث، واهتمّ بذلك اهتماماً عظيماً، حتى أصبح من أكثر الصحابة رواية للحديث، فإنه يوجد له في كتب السنّة ما يزيد على خمسة آلاف حديث، فهو أكثر الصحابة رواية للحديث، لأنه تفرغ لذلك، تفرّغاً تامّاً، واهتم به، اهتماماً تاماً، فأعانه الله على ذلك، وحفظ لهذه الأمة قسماً كبيراً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو راوية الإسلام- رضي الله تعالى عنه-.


وقد تعجّب بعض الجهّال في هذا العصر، الذين تأثروا بدعايات المستشرقين، أو بدعايات المبتدعة، فاستغربوا كثرة الأحاديث التي رواها هذا الصحابي الجليل، فصاروا يتكلمون كلاماً سيّئاً في حق أبي هريرة رضي الله عنه، ولكن الله قيِّض من علماء الإسلام من دحض هذه الشبهات، وردها في نحورهم، وبيّن منزلة هذا الصحابي الجليل من بين الصحابة، واهتمامه بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك كتابات كثيرة تدافع عن مرِويّات هذا الصحابي الجليل وتدحض شبهات المستشرقين والمبتدعة من الشيعة وغيرهم.
"قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم" جاء في الحديث الآخر: أنه قام على الصفا.


"حين أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)}" أمره الله سبحانه وتعالى أن يُنذر عشيرته الأقربين، كما أمره الله أن يُنذر الناس عامة، لأنه رسول إلى العالم كله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}، رسالته صلى الله عليه وسلم عامة للثقلين الجن والإنس، وقد بلّغ البلاغ المبين، ولكنه اختص عشيرّته، لأمر الله له بذلك.


وفي هذا دليل على وجوب المبادرة إلى فعل الأوامر، فإنه صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه "{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)}" بادر بتنفيذ ذلك وإبلاغه، ففيه دليل على وجوب المبادرة بامتثال أوامر الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان لا يتوانى إذا بلغه أمر من أوامر الله، أو

ج / 1 ص -214- أمر من أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يبادر إلى تنفيذه، ولا يتوانى، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
والإنذار معناه: الإخبار والتحذير من وقوع أمر مكروه، وأما البشارة فهي الإخبار عن أمر سار، فالله جل وعلا بعث هذا النبي بشيراً ونذيراً، بشيراً للمؤمنين بالخير والجنة، ونذيراً للكافرين بالنار والعذاب إلاّ أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى.


والعشيرة: جماعة الرجل الذين ينتسب إليهم.
والأقربين يعني: أقرب الناس إلى الإنسان، لأن القرابة تتفاوت، منها القرابة القريبة كالآباء، والأمهات، والإخوان، والأخوات، والأعمام، والعمّات، ومنهم أقارب أباعد مثل أبناء الأعمام، وأبناء أبناء الأعمام إلى آخره، فهم أقارب، ولكنهم أقارب بعيدون.


وفى هذا دليل على أن الداعية والأمر بالمعروف والناهي عن المنكر يبدأ بأهل بيته وخاصته أوّلاً، ثم بجيرانه وأهل بلده، ثم يتمدّد بالخير إلى من حوله من البلاد، أما العكس وهو أن يذهب إلى الأباعد أو إلى البلاد البعيدة ويترك أهله، ويترك بلده، ويترك أقاربه، فهذا خلاف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى به في هذه الآية، فمن منهج الدعوة البداية بالأقارب، وبأهل البيت، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} أمر بوقاية النفس أوّلاً، ثم بوقاية الأهلين، وذلك لأن الأقارب لهم حق، ومن أعظم حقوقهم: إرشادهم إلى ما فيه خيرهم، وصلاحهم، وفلاحهم، فهذا أنفع من أن تعطيهم الذهب والفضة والأموال، بل تبدأ بإرشادهم، وتوجيهم، ودعوتهم إلى الله تعالى، لأن لهم حقًّا عليك، وليس حقهم مقصوراً على الإنفاق وإعطائهم المال.


وثانياً: لأجل القدوة، لأنك إذا دعوت الناس وتركت أهل بيتك، فإن الناس سينقمون عليك، ولا يقبلون دعوتك، ولا توجيهاتك، يقولون لو كان صادقاً لبدأ بأهل بيته، يذهب إلى الناس ويترك أهل بيته على المخالفات، وعلى المنكر، وعلى الجهل، ويذهب إلى الناس يدعوهم إلى الله، هذا ليس من منهج الدعوة، منهج الدعوة أن تبدأ بالأقربين، ثم ينتشر الخير شيئاً فشيئاً على من حولهم، هذا المنهج

ج / 1 ص -215- "يا معشر قريش (أو كلمة نحوها) اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً.


السليم، أما الذي يتعدّى بيته،. ويتعدّى بلده، ويذهب إلى الناس البعيدين يدعوهم إلى الله، وبيته فيه الجهل، وفيه الأخطاء الكثيرة، والمخالفات، أو في بلده وجماعته الأخطاء الكثيرة والمخالفات، فهذا ليس من منهج الدعوة.
هذا أمر يجب أن نتفطّن له، فمنهج الدعوة يُؤخذ من الكتاب والسنّة، لا يؤخذ من الاصطلاحات والآراء، كما عليه كثير من الدعاة اليوم، يأخذون مناهجهم من العادات والآراء والمقترحات، لا من الكتاب والسنّة، انظروا إلى هذه الآية: "{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)}"، وانظروا إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وانظروا إلى قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ(44)}، فهذا من أعظم مناهج الدعوة.


لما نزلت عليه هذه الآية الكريمة بادر -عليه الصلاة والسلام- بامتثال أمر الله، وصعد على الصفا، الجبل المعروف، وكونه "صعد الصفا" فيه مشروعية أن يكون الخطيب والمبلّغ على مُرْتَفَع من أجل أن يراه الناس، ومن أجل أن يَبْلُغ صوته إلى الحاضرين والمستمعين.
فقال: "يا معشر قريش" المعشر: الجماعة، أي: يا جماعة قريش، يقال: إنهم من العشرة فأكثر. وقريش: القبيلة المشهورة التي بُعث منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وبنو هاشم من قريش، صميم العرب، وجيران بيت الله العتيق.


"اشتروا أنفسكم" أي: افتدوها من عذاب الله، أنقذوها من عذاب الله. بماذا يشترون أنفسهم؟، يشترون أنفسهم بالدخول في الإسلام، وتوحيد الله عزّ وجلّ، وترك عبادة ما سواه، هذا هو الذي يشترون به أنفسهم، فافتداء الإنسان نفسه من النار إنما يكون بطاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبدون ذلك لا يمكن أن ينجوَ من عذاب الله، ولو قدّم الأموال الطائلة، فمن مات على الكفر، فإنه لو قدّم ملء الأرض من الذهب يشتري نفسه من النار لا يمكن هذا، لكن لو مات على التّوحيد، وعلى العقيدة الصحيحة، فقد اشترى نفسه من النار، فلا نجاة من النار إلاّ بطاعة الله وطاعة
ج / 1 ص -216- رسوله صلى الله عليه وسلم، والموت على عقيدة التّوحيد الخالص، والسلامة من الشرك: "من مات وهو لا يدعو لله نِدًّا دخل الجنّة، ومن مات وهو يدعو لله نِدًّا دخل النار".


"لا أُغني عنكم من الله شيئاً" أي: لا ينفعكم أني منكم، وأنتم قبيلتي، هذا لا ينفعكم عند الله شيئاً.
وفي هذا دليل على بُطلان التعلق على الأشخاص، والتعلق على الأولياء والصالحين، واعتقاد أنهم يقرِّبون إلى الله زُلفى، كما يفعله المشركون قديماً وحديثاً، الذين يتعلقون على الأولياء والصالحين، ويعتقدون أنهم يشفعون لهم عند الله، وأنهم يتوسّطون لهم عند الله، ويتقرّبون إلى الأولياء والصالحين بالذبح، والنذر، والاستغاثة، والاستعاذة، والدعاء، كما قال الله سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، هذا زعمهم.


ولا يزال هذا عند بعض الناس إلى اليوم، هناك طوائف كثيرة من عُبّاد القبور، والصوفية، وغيرهم يعتقدون أن الأولياء والسادة أنهم يُكْفونهم المؤنة، ويذهبون إلى أضرحتهم، ويتمسحون بها، ويذبحون عندها، وينذرون لها، ويهتفون بأسمائهم ويظنون أن هذا ينفعهم عند الله تعالى، وفي هذا الحديث وغيره ردٌّ على هؤلاء، لأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق، وأقرب الخلق إلى الله، وأكرمهم على الله يقول لعشيرته وأقاربه: "لا أُغني عنكم من الله شيئاً" فكيف يتعلق الناس على المخلوقين؟.


فالواجب أن يتعلق الناس بربهم سبحانه وتعالى، وأن يتقربوا إليه بالطاعة والعبادة، ويُخلصوا له التّوحيد، هذا هو طريق النجاة، أما التعدي عدى المخلوقين، ولو كانوا أنبياء أو صالحين أو أولياء، فإنهم لا ينفعون من تعلق بهم، وتوسل بهم، أو بجاههم أو بحقهم، هذا كله باطل، وتعبٌ بلا فائدة، بل هو ضلالة، وقد صرّح الله جل وعلا في القرآن بهذا، حينما قال لنبيه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}، قال تعالى: { قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ

ج / 1 ص -217- يا عباس بن عند المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً.


يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ}، هذا صريح لا يحتاج إلى كثير تأمّل، لأنه واضح من الكتاب والسنّة، ولكن الشيطان سَوَّل لهم وأملى لهم، اتبعوا العوائد، واتبعوا وقلّدوا أهل الضلال، ومشوا على طريقهم، وتركوا الكتاب والسنّة والله جل وعلا قريب مجيب، لا يحتاج إلى من يبلّغه عن خلقه، هو سبحانه وتعالى قريب مجيب: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)}، "ينزل سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: "هل من سائل فأعطيه؟، هل من مستغفر فأغفر له؟، هل من تائب فأتوب عليه؟"، لم يقل لنا قدِّموا حوائجكم إلى الأولياء والوسائط، وهم يقدِّمونها لي، بل إنه سبحانه هو الذي تكفّل بالإجابة، وطلب من عباده أن يتقرّبوا إليه، وأن يدعوه، وأن يستغفروه، وأن يسألوه، لماذا يذهب المخلوق إلى غير الله سبحانه وتعالى؟، هذا من غرور الشيطان، نسأل الله العافية والسلامة، الحق واضح - ولله الحمد-، ما فيه خفاء، لو أن الناس سَلِمُوا من دعاة الضلال، ومن المخرفين، ومن الدجالين، لو أن الناس استعملوا عقولهم وبصائرهم، وأقبلوا على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوجدوا الحق واضحاً لا خفاء فيه.


فقوله: "يا معشر قريش، لا أُغني عنكم من الله شيئاً" عمّم صلى الله عليه وسلم في الإنذار لجميع قريش، وجميع بطونها، وجميع أفخاذها وقبائلها.
ثم خص صلى الله عليه وسلم الأقربين إليه، فقال: "يا عبّاس ابن عبد المطلب، لا أُغني عنك من الله شيئاً" العبّاس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا كان لا يُغني عن عمه شيئاً، فكيف يغني عن غيره؟، وإذا كان أبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، ولكنه أبى أن يدخل في الإسلام، واستمر على الشرك وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل الله فيه سورة تُقرأ إلى يوم القيامة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)}، التَّبْ هو: الخسارة، {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ(3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ(4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}، هذا عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه كان كافراً، فلم ينفعه قرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك أبو طالب مع قُرْبِه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وحمايته للرسول، ودفاعه عنه، لما أبى أن يُسلم، وقال: "هو على ملّه عبد المطلب" وأراد

ج / 1 ص -218- يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أُغني عنك من الله شيئاً. ويا فاطمة بنت محمد؛ سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنك من الله شيئاً".


النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له، أنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(113)}. وقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
ثم قال: "يا صفية عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أُغني عنك من الله شيئاً" مثل عمه العباس.


ثم خص أقرب من هؤلاء، وهي بنته، التي هي بَضْعَة منه، فقال: "يا فاطمة بنت محمد؛ سليني من مالي" يعني: اطلبي مني شيئاً أملكه وهو المال، أما النجاة من النار فهذه لا أملكها: "لا أُغني عنك من الله شيئاً" أما الآخرة، والنجاة من النار، والدخول في الجنة، فهذا إنما يُطلب من الله سبحانه وتعالى، ويحصل عليه بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.


انظروا كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمّم أوّلاً جميع قريش، ثم خصّ عمه وعمّته ثم خصّ بنته، فهذا بيان واضح بأنه صلى الله عليه وسلم لا يملك النجاة والإنقاذ من النار لمن هُم أقرب الناس إليه: قبيلته قريش، وعمه وعمته إخوان أبيه، بل ولده، عمّم وخصص صلى الله عليه وسلم في هذا. فأين من يقول:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فهذا فيه دليل على مسألة مهمة وهي: أنه لا يجوز الاعتماد على النسب والقرابة من الأنبياء والصالحين، لأنه لا يُغني عند الله شيئاً: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ(101)}، هذا عام في كل الناس وقرابات الأنبياء وغيرهم، وقال صلى الله عليه وسلم: "من بَطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه"، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، فالاعتبار بالتقوى لا بالنسب، النسب إنما يُستعمل في الدنيا: {لِتَعَارَفُوا} يعرف بعضكم بعضاً، كلٌّ يعرف قرابته وقبيلته، أما في الآخرة فلا {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ}، لا يبقى إلاّ الأعمال فقط، {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً}، فالله سبحانه وتعالى لا ينفع عنده إلاّ العمل الصالح.
ج / 1 ص -219- وقال الخليل - عليه الصلاة والسلام-: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}، يقول بعضهم: أنا من أهل البيت، ويتكّل على هذا، ولا يَحْفَل بالأعمال الصالحة، يظن أن كونه من أهل البيت يكفي، وهذا غرور من الشيطان، هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لابنته سيدة نساء العالمين، يقول لها: "سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنك من الله شيئاً" وهي بنته، أليست في مقدمة أهل البيت؟، "لا أُغني عنك من الله شيئاً" فكيف يأتي من يأتي ويقول: أنا من أهل البيت، ويتكِّل على هذا، ويتبرك الناس به، ويتمسّحون به، ويَلْحَسُون أقدامه، ويظنون أن هذا ينجيهم من عذاب الله، هذا باطل وغرور، ولا نجاة إلاّ بالأعمال الصالحة.


هذا أبو لهب، وأبو طالب، وهم أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم، لما لم يؤمنوا لم ينفعهم قرابتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا بلال، وعمّار بن ياسر، وصُهَيب، وخبّاب موالي، وصاروا من سادات المهاجرين، ومن سادات المؤمنين، ما ضرهم أنهم موالي، وقال في سلمان الفارسي: "سلمان منّا أهل البيت" رضي الله تعالى عن الجميع، والسبب: الإيمان والعمل الصالح، فمجرد كون الرجل من أهل البيت، أو من قرابة الرسول لا يُغني عنه شيئاً، ولا ينفعه شيئاً، كما لم ينفع أبا طالب وأبا لهب وغيرهم من عشيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لما لم يؤمنوا، بل إن بعض الغُلاة يقول: إن التسمي بمحمد يكفي، يقول صاحب "البُرْدة":

فإن لي ذمّة منه بتسميتي محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
لا ينفع عند الله إلاّ العمل الصالح، لا الأسماء، ولا القبائل، ولا شرف النسب، ولا كون الإنسان من بيت النبوّة، كل هذا لا ينفع إلاّ مع العمل الصالح والاستقامة على دين الله عزّ وجلّ.


نعم، القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانت مع العمل الصالح لها فضل لا شك فيه، فأهل البيت الصالحون المستقيمون على دين الله لهم حق، ولهم شرف، ولهم كرامة، ويجب الوفاء بحقهم، طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه أوصى بقرابته وأهل بيته، لكن

ج / 1 ص -220- يريد القرابة وأهل البيت المستقيمين على طاعة الله عزّ وجلّ، أما المخرّف والدجّال والمشعوذ الذي يعتمد على قرابته من الرسول، ولكنه في العمل مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يُغنيه شيئاً عند الله، لو كان هذا ينفع لنفع أبا لهب، ونفع أبا طالب، ونفع غيرهم ممن لم يدخلوا في دين الله، وهم من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالواجب أن نتنبّه لهذا.


فهدا الحديث اشتمل على مسائل عظيمة- كما ذكرت-:
المسألة الأولى:
المبادرة إلى تنفيذ أمر الله، وأن الإنسان لا يتوانى في ذلك.
المسألة الثانية: أن الداعية يبدأ بأقرب الناس إليه، وبأهل بيته أوّلاً.
المسألة الثالثة: أنه لا يجوز الاعتماد على الأشخاص والأولياء والصالحين، واعتقاد أنهم يقرِّبون إلى الله، بل على الإنسان أن يعمل لنفسه، وأن يتقّي الله في نفسه، وأن يتقرّب إلى الله مباشرة، بدون واسطة أحد، لأن الله قريب مجيب.


المسألة الرابعة:- وهي مهمة جدًّا-: أن الانتساب إلى أهل البيت، أو القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنفع إلاّ مع العمل الصالح، أما بدون ذلك فإنها لا تنفع عن الله.
والواجب أن يتنبّه المسلمون لهذه الأمور.




المصدر :

كتاب :
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

رابط تحميل الكتاب

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/.../mostafeed.pdf




رد مع اقتباس