خطبة الجمعة ( و انذرهم يوم الحسرة ) 17/5/1439
لفضيلة الشيخ / ماهر بن ظافر القحطانى حفظه الله
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وسلم وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ
يا أيها الناس اتقوا الله و اتقوا اعظم خسارة و حسرة تمر على ولد آدم لا أقول حسرة خبر يأتيه فجأة بأنه وتر أهله و ماله و جاهه و ذهب سلطانه بل هى حسرة أعظم من ذلك كله بل ان هذه الحسرة لو كانت لكانت قطرة فى بحر تلك الحسرة العظيمة الكبيرة التى لا تمر على ولد آدم حسرة مثلها تلك الحسرة هى يوم القيامة " قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غ— أَلَا ذَظ°لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " يوم يخسر نفسه فلا تتنعم ابدا سرمدا و تبقى فى العذاب المهين يوم يخسر ولده و أهله اذا كانوا من أهل الجنة و هو فى الجحيم من الخالدين و قد ذكر هذه الحسرة رب العالمين سبحانه فى سورة مريم فقال لا اله الا هو " وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " و فسر تلكم الحسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخير ما يفسر به القرآن بعد كلام الرحمن فى القرآن كلام الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام فقد جاء فى تفسير هذه الحسرة ما رواه البخارى في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالموتِ كهيئةِ كبشٍ أملحَ ، فينادي منادٍ : يا أهلَ الجنَّةِ ، فيشرئبون وينظرون ، فيقولُ : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموتُ ، وكلُّهم قد رآه . ثم ينادي : يا أهلَ النارِ ، فيشرئبون وينظرون ، فيقولُ : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموتُ ، وكلُّهم قد رآه ، فيذبحُ . ثم يقولُ : يا أهلَ الجنَّةِ خلودٌ فلا موتَ ،
ويا أهلَ النارِ خلودٌ فلا موتَ . ثم قرأ : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ - وهؤلاء في غفلةِ أهل الدنيا - وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
حينئذ اذا رأى الرجل من أهل جهنم الموت يذبح أمام عينيه يستيأس ان يستريح من عذاب الله بالموت فلا موت و لا فناء للنار فيبقى فيها من المعذبين ابد الآبدين لا تقول مليون و لا مليارات السنين بل قل ابد الآبدين و مع ذلك لا يفتر عنهم العذاب و ما هم منها بمخرجين و يقولون لخازن جهنم مالك " يا مالك ليقضى علينا ربك "و ينادو الرب " ربنا أخرجنا منها "فيرد عليهم " اخسئوا فيها و لا تكلمون "فيعذبون بنار تلظى لا يصلاها الا الأشقى
يعذبون بنار ناركم هذه عباد الله التى توقدون لطعامكم جزء من سبعين جزء منها كما خرج ذلك مسلم فى صحيحه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال نارُكم هذِه ، الَّتي يوقِدُ ابنُ آدمَ ، جزءٌ من سبعينَ جزءًا مِن حرِّ جَهنَّم . قالوا : واللَّهِ ! إن كانت لَكافيةً ، يا رسولَ اللَّهِ ! قال : فإنَّها فُضِّلت عليها بتسعةٍ وستِّينَ جزءًا . كلُّها مثلُ حرِّها . وفي رِوايَةٍ : كلُّهنَّ مثلُ حرِّها .
و روى مسلم فى صحيحه و ما جاء فى الترهيب من صفتها عن عتبة بن غزوان رضى الله عنه قال فإنه قد ذُكر لنا أنَّ الحجرَ يُلقى من شِفَّةِ جهنم َ. فيهوي فيها سبعين عامًا لا يُدرَك لها قعرٌ وواللهِ ! لتُملأنَّ.
كما قال تعالى " لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" " فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَظ°ذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ غ– وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" و يضخم فيها المعذب من الكفار فيصبح ضرسه كضخامة جبل أحد و مقعده من النار كما بين مكة و المدينة و سمك جلده مسيرة ثلاثة أيام كما نحو ما بين جده والطائف بل أبعد كل هذا ليذوقوا العذاب و قال الرب " كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ " اذ لو أن جلده رقيق كما فى الدنيا لربما احترق من مكان بعيد و لكن يعظم و يتخن جلده ليذوق العذاب و مع ذلك يبقى فيها ابد الآبدين
طعامهم فيها الزقوم و هى شجرة خبيثة تنبت فى أصل الجحيم طلعها كأنه روؤس الشياطين و شرابهم المهل يغلى فى البطون كغلى الحميم و يعذبون بالصهر و هو الزيت المغلى يصب على روؤسهم يذيب كل ما يقابله حتى يخرج من أقدامهم و عقارب تلدغهم و حييايا كبار كالبخت اذا لدغ أحدهم او عضته حية ذاق ألم سمها أربعين عاما و مع ذلك ما هم منها بمخرجين و أشدهم عذابآ المنافقون فهم فى الدرك الأسفل من النار
عباد الله و لن يخلد فيها الا من مات مشركا او كافرا فاتقوا الكفر فهو اما شرك بدعاء غير الله او الذبح له أو إلحاد كمن ينكر وجود الله او السخرية بالله او ملائكته او كتبه او رسله و لو بدعوى التسلية فى المجالس و المزاح قال تعالى " وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ غڑ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ , لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ غڑ" أو يموت يهوديا او يموت نصرانيا او يموت عابد ضريح يذبح له من دون الله او يموت و هو تارك للصلاة و العهد الذى بيننا و بينهم الصلاة من تركها فقد كفر او يموت و هو يعتقد أن رأيه او رأى فلان من العلماء او الملوك خيرا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم او رأيه أفضل مما جاء فى الشريعة فهؤلاء كلهم كفار و حينئذ يخلدون فى نار جهنم و بئس المصير فعلى المسلم أن يتقى الكفر و يتقى كل وسيلة تؤدى اليه و من تلك الوسائل العظيمه المفضية الى الكفر التشبه بالكفارفى لباسهم او رقصهم واستماعهم الأغانى و فى أعيادهم و كريسمسهم و تهانيهم فيما بينهم و طريقتهم وغير ذلك فيما اختصوا به كما جاء فى مسند أحمد عن عبدالله بن عمر رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال " بُعثتُ بينَ يدَي الساعةِ بالسيفِ حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريكَ له وجُعِل رزقى تحتَ ظلِّ رمحى وجُعِل الذُّلُّ والصغارُ على مَن خالف أمرى ومن تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم " فلما كان التشبه فى الظاهر كما قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله يفضى الى التشبه بهم فى الباطن فالموافقه فى الظاهر يفضى الى انجذاب و مشابهه فى الباطن فأمرت الشريعة بمخالفة الكفار و فى صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو قال رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عليَّ ثوبَينِ مُعصفَرينِ . فقال (إنَّ هذه من ثيابِ الكفارِ ، فلا تلبسْها ).و فى صحيح البخارى عن بن عمر رضى الله عنه قال خالفوا المشركين : وفروا اللحى ، وأحفوا الشواربَ .و لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان اليهود يصومون يوم عاشوراء امر بمخالفتهم و قال لإن عشت الى قابل لأصومن التاسع اى مع العاشر و نفر من مزدلفه قبل طلوع الشمس مخالفة للمشركين فكانوا ينتظرون فى مزدلفه حتى تطلع الشمس و يقولون أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ فكان النبى عندما يصفر الصبح جدا يفيض لرمى الجمرة كل ذلك مخالفة للمشركين
فهذه السلوكيات الخاطئة التى نراها من شبابنا من الرقص فى الشوارع و رفع الصوت بالأغانى و مخالطة النساء بين ذلك كل ذلك بضاعة مزجاة لم تكن فينا استحسنها بعض من لا علم عنده من شباب الإسلام و غرتهم دعايا الكفار و دعايا التغريب فلأمر خطير جد خطير فإن هذا الشباب اذا استمر على تقليدهم وبتلك السلوكيات الخاطئة اعجابا بهم قد يفضى بهم الى الكفر و بالفعل اعلنت بعض الصحف او المجلات تنصر شاب من دولة عربيه و سبب ذلك انه كان يلبس لباسهم و يحضر كريسمسهم و تعجبه لغتهم و رقصاتهم حتى صار واحد منهم و هذا الذى خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة فيتشبه بهم فى الظاهر فيودهم و المحب لمن يحب مطيع فينقاد لهم فى الباطن فقطعت الشريعة الذريعة بالنهى عن مشابهتهم لأنه قد يفضى الى الكفر المخلد فى النار المحبط للأعمال المسخط المغضب للعلى القهار
اسئله سبحانه ان شبابنا من التغريب و يهديهم الى الإسلام و السنة و ان يجمع كلمتهم على ما كان عليه سلف الأمة
و الحمد لله رب العالمين
إن الحمد لله نحمده و نستعين به و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبده و رسوله
عباد الله من الضرورات الخمس التي اجتمع عليها الفقهاء رحمهم الله حفظ النفس قال الله تعالى " وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ" و في سنن الترمذي من قتلَ نفسهُ بحديدةٍ فحديدتُهُ في يدِهِ يَجَأ بها في بطنِهُ في نارِ جهنمَ خالدا مُخلّدا فيها أبدا ( نسأل الله العافيه ) ومن قتلَ نفسهُ بِسُمّ فسُمّهُ في يدهِ يتحسّاهُ في نارِ جهنمَ خالدا مُخلّدا فيها أبدا
فالشريعه امرت بحفظ النفس و لم تجعل للمكلف المسلم حريه الرأي في نفسه بل نفسك التي بين جنبيك أمانه استودعك الله اياها فليس له ان يحملها من البلاء ما لا تطيق و ليس له ان يتلفها او يهلكها ويعرضها للأخطار التي تهدد حياتها
فمن ذلك السرعه الجنونيه التى يئز الشيطان بها بعض الشباب في الطرقات
فانه قد تقرر في الشريعه انها اذا حرمت مقصد كقتل النفس حرمت جميع الوسائل المؤديه اليه فيها كما فى الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَن باتَ على ظهرِ جدارٍ وليسَ ما يدفعُ رجلَيْهِ فوقعَ فماتَ فقد برِئتْ منهُ الذِّمَّةُ )رجل يبيت على السطح و ليس بينه و بين حافته الا اذرع فليس له شيء يرده فربما و هو نائم لا يشعر تقلب حتى سقط فحرمت الشريعه النوم على السطح فان مات فلا يلومن الا نفسه فقد برئت منه الذمه عياذا بالله
و قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري فى الأدب المفرد ( و من ركب البحرَ حين يرتَجُّ يعني يغْتَلِمُ فهلك بَرِئَتْ منه الذِّمَّةُ ) اى غامر يريد الصيد او التسلية فركب البحر و امواجه تتلاطم فغرق فمات فقد برئت منه الذمه
الا يدل ذلك على أن العبد ينبغي الا يقدم على هلاك نفسه بالسرعه الجنونيه و مخالفه ما اجتهده اهل هذا الفن في القواعد المروريه التي تدخل تحت الأحكام السلطانيه التي يجب طاعته فيها كما امرت الشريعه قال الله تعالى في كتابه" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ" فمن خالف تلك الأنظمه فقطع اشارة او أسرع سرعه جنونية او جاوز فى مكان لا يجوز له ان يتجاوز فيه كما فى المنحنى في الطلوع و هو لا يري ما يقابله من السيارات فخالف فمات الا يخاف أن يقال له كما قيل فى هؤلاء فقد برئت منه الذمه
و المغامرة بالبدن أشد من المغامرة بالمال فإذا حرم الله القمار و الميسر لأن فيه مغامرة بالمال فلأن يحرم على الرجل ان يغامر ببدنه فيعرضها للهلاك من باب أولى و أحرى
اللهم أصلح قلوبنا و أعمالنا و اهدنا سبيل الرشاد من خطبة الجمعة ( و انذرهم يوم الحسرة ) 17/5/1439
لفضيلة الشيخ / ماهر بن ظافر القحطانى حفظه الله