عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 23-11-2015, 01:38PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -


[272]الحديث الثالث :

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جاء بلال إلى رسول الله ﷺ بتمر برني فقال له النبي ﷺ من أين هذا ؟ قال بلال كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي ﷺ فقال النبي ﷺ عند ذلك أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به .


موضوع الحديث :
تحريم ربا الفضل فيما إذا اتحد الجنس واختلف النوع


المفردات
قوله بتمر برني : نوع من أنواع التمر جيد
قوله كان عندنا تمر رديء وفي رواية جمع فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي ﷺ : فسرت الرداءة بالرواية الأخرى وهو أن الجمع نوع رديء من التمر
قوله أوّه أوّه : قال الأمير الصنعاني قال أهل اللغة هي كلمة توجع وتحزن وهي بفتح الهمزة وواو مفتوحة مشددة وهاء ساكنة وفيها لغات هذه أصحها . قلت : هذه الكلمة تنطق عندنا بضم الواو ويقصد بها الاحتقار كأنه يقول لم تصنع شيئاً ولعلها تأتي بالمعنيين .



قوله عين الربا : أي ما فعلته هو عين الربا الذي نهى الله عنه في القرآن وتوعد عليه بالنار والتكرار يراد به التأكيد والإفهام
قوله لا تفعل : هذا نهي عن الوقوع في مثل هذا ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به


المعنى الإجمالي
جاء بلال رضي الله عنه إلى النبي ﷺ بتمر جيد وما كان يعهده ﷺ عندهم فسأل بلالاً عن مصدره فأخبره أنه باع صاعين من التمر الذي عندهم بصاع من هذا الجيد لكي يطعم النبي ﷺ ذلك التمر الجيد فأرشده ﷺ إلى الطريقة التي يعملها حتى لا يقع في الربا وأنه يبيع ما عنده من التمر ثم يشتري بالثمن التمر الذي يريد .


فقه الحديث
أولاً : يؤخذ من هذا الحديث تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلاً فالرديء تمر والجيد تمر ولكن الجيد مرغوب فيه والرديء مزهود فيه فلا يمكن مبادلة بعضه ببعض متساوياً لأن النفوس تشح فصاحب التمر الجيد يشح بأن يبادل به في تمر رديء متساوياً فأخبر النبي ﷺ بلالاً بأنه يبيع الرديء بثمن ثم يشتري بالثمن ما شاء وهذه هي الطريقة للتخلص من الوقوع في الربا

واعلم أن الربويات تنحصر في ثلاثة أقسام وهي :

القسم الأول : بيع الجنس بجنسه مع اتحاد النوع أو اختلافه وهذا يمثل له بحديثنا هذا وهو يحرم فيه التفاضل والنسأ فلا يجوز أن يباع الجنس بجنسه متفاضلاً حالاً ولا نسيئة


القسم الثاني : أن يختلف المبيعان في الجنس ويتحدا في العلة كالذهب والفضة والبر والتمر والشعير والملح وما أشبه ذلك فالذهب والفضة جنسان مختلفان في الجنس ومتحدان في العلة فيجوز أن تبيع كيلو من الذهب بأربعة كيلو من الفضة إذا كان قد حصل بين البائعين التقابض في المجلس .


القسم الثالث :أن يختلف المبيعان في الجنس والعلة كالتمر بالورق أو بالذهب فهنا يجوز التفاضل ويجوز النسأ علماً بأن العلة في الذهب والفضة الوزن عند قوم والنقدية عند قوم آخرين والعلة في البر والشعير والتمر والملح هو الكيل عند قوم والاقتيات عند قوم آخرين والادخار عند قوم آخرين أيضاً وهنا حصل الاختلاف بين أهل العلم في القياس على المنصوص عليه فمن قال العلة في البر والشعير والتمر الكيل قاس ما كان مكيلاً ومن قال العلة الاقتيات قاس ما كان مقتاتاً كالذرة والدخن والأرز وما أشبه ذلك .


ومن قال أن العلة فيما ذكر هو الادخار ولو لم يكن مقتاتاً قاس عليه ما كان مدخراً كالسدر والحنّا والقشر وما إلى ذلك وللعلماء في هذه المسائل اختلاف كثير كما أن بعضهم يقتصر على ما ذكر في الحديث وهي الستة الأنواع الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح والبعض الآخر قاس بنوع من المشابهة كما عرفتم وأن كل قوم قاسوا بحسب ما رجحوه باجتهادهم أو متابعة إمامهم ومذهبهم وعلى هذا فإن ما اختلف فيه الجنس والعلة لا يدخل فيه الربا أصلاً كما سبق أن أشار الصنعاني رحمه الله إلى هذه المسألة واستدل عليها بعد أن استشكلها استدل على جواز النسيئة في بيع ما اختلف جنساً وعلة بأن النبي ﷺ مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير أخذها ﷺ قوتاً لأهله فدل على أنه يجوز بيع ما اختلف في الجنس والعلة تفاضلاً ونسئاً ولا يدخل فيه الربا .


ثانياً : يدخل تحت عموم هذا الحديث بيع الذهب بالذهب فإنه يحرم فيه التفاضل ويحرم فيه النسأ وما أكثر ما يقع الناس في هذا فتجد أن باعة الذهب يذهب الواحد منهم إلى الذين يبيعون الذهب بالكيلوات فيشتري منهم كمية كبيرة مثلاً بأربعة مليون ريال يدفع لهم منها مليونين ويؤخر مليونين إلى أن يبيع وقد صدرت فتوى في هذه المسالة بأنها حرام وأنها ربا ولكن قاتل الله الهوى كذلك أيضاً هذا الذي يشتري الكمية يأتي إلى مكانه فيأتيه الذي يريد الزواج فيعطيه عشرة آلاف مثلاً ويقول له أعطني ذهباً بخمسة وعشرين ألفاً أدفع لك العشرة الآلاف وأقسط لك خمسة عشر ألفاً وهذا أيضاً من الربا الواضح ومثل ذلك من يريد أن يبدل ذهب زوجته بذهب جديد واعتاد أصحاب الترف أنهم في نهاية كل سنة يغيرون الذهب فيذهب بالكمية التي معه ويعطيها بائع الذهب بقيمة أدنى ويشتري منه بقيمة أعلى ويحسم قيمة الذهب الملبوس ثم يكمل عليه وهذا كله محرم وأكثر الناس واقعون فيه إذ أن الكثير منهم لا ينظر إلى التحريم والتحليل وإنما ينظر إلى تمشية حاله فقط وأذكر أنه جرى حوار بيني وبين أحد المشائخ الخريجين من كلية الشريعة وأخبرت عن آخر أيضاً وهو خريج من كلية الشريعة يفعل ذلك فنهيتهم عن ذلك الأمر لأنه من الربا الواضح فلم يصدقوني


فكتبت سؤالاً لهيئة كبار العلماء بواسطة رئيسهم في ذلك الزمن الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وذلك قبل ما يقارب عشرين سنة وذكرت فيه ما يقع فيه هؤلاء فأجابت هيئة كبار العلماء بأن هذا هو الربا المحرم وقد وزعت الفتوى في ذلك الوقت بعد أن صورت تلك الفتوى وزعت كثيراً منها على كثير من المساجد فنسأل الله للناس الهداية وإنه ليؤسف لهذا الأمر أن تجد ممن يتسمون بالعلم ويحملون الشهادة العليا في الشريعة يقعون في ذلك غير مبالين فإذا عذر العامة في الجهل بذلك على فرض وإلا فإنهم لا يعذرون ما دام أهل العلم عندهم فكيف يعذر الذين يحملون الشهادات العليا في ذلك إلا أنه قلة الاعتناء بالدين وعدم المبالاة وإنا لله وإنا إليه راجعون .



ثالثاً : أرشد النبي ﷺ إلى طريقة التخلص من الربا في قوله ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به فقوله ببيع آخر أي بيع لا يكون فيه ربا وهذا يدل على تحريم الحيل التي تتنافى مع الشرع أو يكون فيها شيء من الشبهة .


رابعاً : يؤخذ من الحديث أن التفاضل في الصفات لا اعتبار به في تجويز الزيادة فإذا كان التمر البرني تمر فاخر لما فيه من الصفات العالية لكن هذه الصفات لم تجوز زيادة الرديء على الجيد في الكم ليقابل جودة الجيد في الكيف فلقد أنكر النبي ﷺ على بلال كونه اشترى صاعاً بصاعين وقال له أوّه عين الربا عين الربا فهذا دليل واضح على أنه يجب على المسلم التحرز من الوقوع في المعاملات المحرمة ولا يتم ذلك إلا بمعرفة الشرع وما يحل فيه وما يحرم لذلك فقد أوجب الله على فئة من الناس غير معينة أن يتفقهوا في الدين ليكونوا مرجعاً لأقوامهم في التمييز بين الحلال والحرام وفي إرشادهم إلى ما يحل من تلك المعاملات وما يحرم وبالله التوفيق .


--------


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ.

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 4 ]

[ المجلد الرابع ]

رابط تحميل الكتاب :


http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam4.pdf









رد مع اقتباس