عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 08-05-2015, 09:54PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-




الحديث الثالث :
في بيان الذكر عقب الصلاة



[129] : عن سُمَيّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن فقراء المسلمين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، قال : "
وما ذاك ؟ " قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال
رسول الله ﷺ : " أفلا أعلمكم شيئاً تدركون من سبقكم ، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من
صنع كما صنعتم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة" .

قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال رسول الله ﷺ :
"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" قال سُميّ : فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث . فقال وهمت إنما قال :

" تسبح الله ثلاثاً وثلاثين ، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين " ، فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك ،
فقال : قل الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين.



موضوع الحديث :

الذكر بعد الصلاة وفضله .


المفردات :

أهل الدثور : أهل الأموال .
بالدرجات العلى : أي في الجنة . والنعيم المقيم : أي فيها .
ويتصدقون بفضول أموالهم : أي بما فضل عن حاجتهم . وفي هذه الرواية "ويتصدقون ولا نتصدق" .
ويعتقون ولا نعتق : العتق هو تحرير الرقاب المرققة .


المعنى الإجمالي :

فهم الصحابة أن التسابق والتنافس إنما يكون في الأعمال التي تقرب من الله وترفع الدرجات في الجنة ، لا في الدنيا
الفانية وحطامها الزائل أو جاهها المشوب بالأخطاء والممزوج بالأكدار ، فذهبوا إلى رسول الله ﷺ شاكين سبق
الأغنياء لهم لا بالمال ، ولكن بما يكسبونه من أجر بسبب ما أوتوا من المال ؛ لأنهم يساوونهم في الصلاة والصوم
ويزيدون عليهم بالصدقة والعتق ، فأعلمهم رسول الله ﷺ. بهذا الذكر الذي يدركون به من سبقهم ويسبقون به
من بعدهم ، ولا يكون أحد أفضل منهم إلا من عمل كعملهم ، لكن أصحاب الأموال حينما سمعوا بهذه الفضيلة بادروا
إليها فعملوا بها ، فبقي الفضل لهم على الفقراء ، فجاء الفقراء شاكين مرة أخرى لكي يجدوا عند النبي ﷺ حلاً
آخر يساوونهم به ، فقال رسول الله صلى " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " .



فقه الحديث :

أولاً : في هذا الحديث مسألة المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر ، وهي مسألة مشهورة تكلم الناس فيها
وألّف فيها بعضهم ، وممن علمناه ألّف في هذه المسألة كتاباً مستقلاً العلامة ابن القيم – رحمه الله – ألف فيها كتاب
"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" ، وألف الصنعاني – رحمه الله- أيضاً كتاباً سماه "السيف الباتر في المفاضلة بين
الفقير الصابر والغني الشاكر" ذكره في العدة ، وذكر أنه اختصره من كتاب ابن القيم وقال : وهو كتاب بديع ليس
له نظير ألّفناه في مكة سنة 1135هـ.



ومما احتج به لتفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر قوله تعالى :
_ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا _ (الفرقان: من الآية75) . قال محمد بن علي بن الحسين : الغرفة الجنة ، بما
صبروا : على الفقر في الدنيا .



ومنها أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو مقدار خمسمائة سنة ، وورد بأربعين خريفاً حتى يتمنى
الأغنياء من المسلمين أنهم كانوا فقراء ، ومنها أن الله ما ذكر الدنيا إلا على سبيل الذم فتارة يذكر المال أنه سبب
للطغيان كقوله تعالى : _ كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى _ (العلق:6-7) . وتارة يذكر أنه سبب
للبغي قال تعالى : _ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ _ (الشورى: من الآية27) ، وتارة يذكر المال بأنه فتنة
_ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة _ (التغابن: من الآية15) ، وتارة يذكر بأن الأموال والأولاد لا تقرب إلى الله تعالى :
_ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً _ (سـبأ: من الآية37) .



ومما استدل به أيضاً على تفضيل الفقير الصابر أن النبي ﷺ اختار الله له أن يكون فقيراً ، فقد عرضت عليه
مفاتيح خزائن الأرض فأباها وقال : "بل أجوع يوماً وأشبع يوماً ، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت
حمدتك وشكرتك" .



هذا خلاصة ما استدل به من فضل الفقير الصابر .
وقد أجاب من فضل الغني الشاكر على أدلة من فضل الفقير الصابر فقالوا : أما الآية فلا دليل لكم فيها ؛ لأن الصبر
فيها عام في جميع أنواع الصبر فهو يعم الصبر عن المحارم لمن هو قادر عليها بالمال والصبر على أداء الطاعة والصبر
على الابتلااءت بأنواعها كالأمراض والأوصاب والفقر والحاجة وغير ذلك .

وأما دخول الفقراء إلى الجنة فلا يلزم
من ذلك نقص درجة الغني ، بل ربما كان الغني الذي يدخل الجنة متأخراً أعلى درجة من الفقير الذي سبقه بالدخول ،
وأما ما ذمّ الله به الدنيا والمال فإنما تكون مذمومة في حق من أنفق المال في معصية الله ، أما من أنفقه في طاعة الله
فهو محمود قال سبحانه وتعالى : _ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ _ (المعارج:24-25) ،
وقال تعالى : _ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى _ (الليل:5-7) .



وأما النبي ﷺ فقد جمع الله لـه بين درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر فكم قد أتاه من المال فأباه وأنفقه في
طاعة مولاه – عليه الصلاة والسلام – ومن الأدلة على ذلك أن النبي ﷺ كان يجهز كل الوفود على كثرتهم في
السنوات الأخيرة بعد فتح مكة ، ومع ذلك فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير أخذها
نفقة لأهله ، ومن الأدلة على تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر ، قول النبي _ : " ذلك فضل الله يؤتيه
من يشاء " في هذا الحديث .


قال الصنعاني في العدة : قال من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر لنا أدلة واسعة وكلمات للخير جامعة :
الأول أن الله أثنى على أعمال في كتابة لا تتم إلا للأغنياء ، كالزكاة والإنفاق في وجوه البر والجهاد في سبيل الله
بالمال وتجهيز الغزاة ورعاية المحاويج وفك الرقاب والإطعام في يوم المسغبة ، وأين يقع صبر الفقير من فرحة المضطر
الملهوف المشرف على الهلاك ، وأين يقع صبره من نفع الغني بماله في نصرة دين الله وإعلاء كلمته وكسر أعدائه ؟
وأين يقع صبر أهل الصفة من إنفاق عثمان رضي الله عنه تلك النفقات حتى قال النبي ﷺ : " ما ضر عثمان ما عمل
بعد اليوم " ؟ .



قالوا : والأغنياء الشاكرون سبب لطاعة الفقراء الصابرين إياهم بالصدقة عليهم والإحسان إليهم ورعايتهم على طاعتهم ،
فلهم نصيب وافر من أجور الفقراء زيادة على أجورهم بالإنفاق وطاعتهم التي تخصهم ، كما يفيده ما أخرجه ابن
خزيمة – رحمه الله – من حديث سلمان رضي الله عنه مرفوعاً : " من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته
من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء " فقد حاز الغني الشاكر بضيافة هذا مثل أجل
الفقير الذي فطره .


قالوا : وفضائل الصدقة معلومة ، وفوائدها لا تحصى ، وهي ثمرة من ثمرات الغني الشاكر . اهـ من العدة للصنعاني
(3/88) بتصرف قليل .



وهذه خلاصة ما احتج به الفريقان ، وتبين مما ذكرناه رجحان الغني الشاكر على الفقير الصابر ، ومعلوم أنه لا مكان
للفقير غير الصابر ولا للغني غير الشاكر في هذه المفاضلة .



ثانياً : يؤخذ من الحديث مشروعية هذا الذكر عقب الصلاة المفروضة ، وأن من سبح الله وحمده وكبره ثلاثاً وثلاثين مرة
فتلك تسع وتسعون كلمة ، وقال تمام المائة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت
وهو على كل شيء قدير" عقب كل فريضة مخلصاً فيها فإنه قد أصاب خيراً كثيراً , وحاز أجراً وفيراً .



ثالثاً : اختلف في كيفية هذا الذكر ، هل يكون بإفراد التسبيح حتى يبلغ من مجموعه ثلاثاً وثلاثين ، ومثل ذلك التحميد
والتكبير ؟ أو يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يبلغ من مجموعهن ثلاثاً وثلاثين ، ثم يقول تمام المائة لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ؟.

والذي يظهر لي جواز الجميع ، وإن كان أبو صالح – رحمه الله – قد فضل الجمع . والله أعلم .



رابعاً : أن درجات الجنة لا تنال إلا بالعمل لقوله ﷺ : " ألا أعلمكم شيئاً
تدركون به من سبقكم وتسبقون به
من بعدكم .." الحديث .



خامساً : يؤخذ منه ما كان عليه الصحابة – رضوان الله عليهم – من المنافسة
على أعمال الخير التي تقرب من
الله عز وجل .



سادساً : أن المنافسة في أعمال الآخرة محمودة ؛ بل مطلوبة ومأمور بها ، بخلاف المنافسة في الدنيا فإنها
مذمومة .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf








رد مع اقتباس