عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 07-05-2015, 09:53PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-




[128] : وعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال أملى عليّ المغيرة بن شعبة من كتاب معاوية رضي الله عنهما أن النبي
ﷺ كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على
كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ، ثم وفدت بعد ذلك على
معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك .


وفي لفظ كان ينهى عن : قيل وقال : وإضاعة المال ، وكثرة السؤال ، وكان ينهى عن عقوق الأمهات ، ووأد البنات ،
ومنعٍ وهات .


موضوع الحديث :

فضيلة الذكر بعد السلام من الصلاة المفروضة .


المفردات :

دبر الصلاة : دبر كل شيء آخره ، والمراد به هنا ما بعد لسلام من الصلاة المفروضة .
مكتوبة : أي مفروضة .
لا إله : لا معبود بحق في الوجود .
إلا الله : تثبت الألوهية لله رب العالمين وحده لا شريك له .
لا شريك له : لا مشارك له في ملكه ولا نضير له في أسمائه وصفاته .
له الملك والحمد : أي هو المنفرد بهما دون سواه .
وهو على كل شيء قدير : أي لا يفوت قدرته شيء فكل مستحيل عليه سهل وكل عسير عليه يسير .
لا مانع لما أعطيت : لا حابس لما أردت إيصاله ولا موصل لما أردت حبسه .
ذا الجد : لا ينفع ذا الحظ لا ينفعه منك حظه .
قيل وقال : كثرة نقل الكلام .
إضاعة المال : إتلافه فيما لا ينفع .
كثرة السؤال : سؤال المال وطلبه من الناس استكثاراً .
عقوق الأمهات : عصيانهن .
وأد البنات : دفنهن أحياء .
ومنعٍ وهات : إمساك ما في يدك بخلاً ، وطلب ما في أيدي الناس جشعاً .


المعنى الإجمالي :

يخبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يذكر الله بعد كل صلاة بهذا الذكر المتضمن لكمال
التوحيد وأنه كان ينهى عن هذه الست الخصال لما فيها من صفات الذم والمقت والإثم والعار . والله أعلم .



فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من هذا الحديث مشروعية هذا الذكر لما تضمنه من الاعتراف لله تعالى بالوحدانية وإفراده بالألوهية
دون من سواه ، لتوحده بصفات الكمال والجلال ، وانفراده بالملك والتصرف ، وتفضله بالنعم ، واتصافه بجمع الكمالات ،
فلا يستطيع أحد منع ما أعطى ، أو إعطاء ما منع ؛ لأن له مطلق التصرف ، فلا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، بيده
الإعزاز والإذلال ، والإعطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والتمليك والسلب ، ومن أجل تضمن هذا الدعاء لأعلى
مقامات التوحيد شرع بعد كل صلاة مكتوبة . الله أعلم .


ثانياً : معنى قوله : " لا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا ينفع ذا الحظ منك حظه ، سواء كان ذلك الحظ ملكاً
وسلطاناً ، أو كنوز وأعوانا ، أو نسباً وشرفا أو غير ذلك ، فلم يُغْنِ عن فرعون ملكه ، ولا عن قارون ماله وأعوانه ،
ولا عن أبي جهل شعبيته وشرفه ، ولا عن قوم عاد قوتهم وضخامة أجسامهم ، بل قال الله فيهم : _ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا
فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ *
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ
لا يُنْصَرُونَ _ (فصلت:15-16) .


ثالثاً : يؤخذ من قوله : " وكان ينهى عن قيل وقال " كراهة نقل الإنسان لكل ما يسمعه ، فإنه يدخل في ذلك الحق
والباطل ، والصدق والكذب ، قال ابن دقيق العيد – رحمه الله - : الأشهر فيه فتح اللام على سبيل الحكاية ،
وهذا النهي لابد من تقييده بالكثرة التي لا يؤمن معها الخلط والخطأ ، والتسبب في وقوع المفاسد من غير تعيين
والإخبار بالأمور الباطلة ، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال : " كفى بالمـرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " . اهـ


وقال الصنعاني في العدة : دليل التقييد ما علم من الإجماع على وقوع نقل أقاويل الناس ، بل قد وقع في التنـزيل
من نقل مقالات الأمم وأنبيائهم ما لا يحصى كثره . اهـ



قلت : إنما يتجه النهي على ما لا مصلحة في نقله ، وهو ثلاثة أنواع :
ما تحققت فيه المفسدة أو رجحت
فيحرم نقله ، وما كان احتمال المفسدة فيه مرجوحاً فيكره نقله ، وما خلا من المفسدة ولم يكن في نقله مصلحة
فيكره الإكثار من نقله ، أما ما تحققت في نقله المصلحة أو رجحت فيجب نقله أو يستحب تبعاً لتلك المصلحة ،
ومن هذا ما ذكره الله في القرآن من نقل أقاويل الأمم ، إما لبيان فسادها والرد عليها ، أو لبيان ما فيها من حق
ونشره والدعوة إليه . والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ من قوله : " وإضاعة المال " عطفاً على ما كان ينهى عنه نهي تحريم وهو إضاعة المال بأي وجه
من وجوه الإضاعة ، ذلك لأن الله – جل شأنه – جعل الأموال قياماً لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت لتلك المصالح ،
إما في حق مضيعها أو في حق غيره بإنفاق المال فيما لا نفع فيه لا في الدين ولا في الدنيا ، لا بالنسبة للفرد ولا
بالنسبة للمجتمع يعد إسرافاً وتضييعاً للمال ، ووضعاً له في غير موضعه .


وكذلك الإنفاق فيما ثبت ضرره وانعدم نفعه ، كالقات والدخان بجميع أنواعه كالشيشة والسيجارة والغليون ومطحون
التبغ كالبردقان وما يسمى بالعنجر أو النشوق ، وأشد من ذلك ما سبب انتشار الفساد في المجتمعات الإسلامية
كأفلام المسارح الغنائية ، وتمثيليات الحب والعشق الهابطة ، والكتب القصصية سواء في ذلك قصص العشق
والغرام ، أو قصص المغامرات في السرقة والنهي والغصب وسفك الدماء ومثل ذلك الجرائد والمجلات التي تحمل
الصورة الخليعة وأشرطة الفيديو والسينما الخليعة وما استجد من ذلك أيضاً في هذا الزمن كالدش والإنترنت التي
تنشر الفساد والدعارة وتجرد الناس من الإيمان والحياء ، وَتُعَوِدهُم على الخلاعة ، والوقاحة وعدم المبالاة
بارتكاب الفواحش ، والانحدار في حمأة الفساد بعد أن تقضي على بقية الإيمان والحياء الموجودين في القلوب
حتى تصبح القلوب عاطلة من كل خير ، متصفة بكل شر .


ومن ذلك أيضاً الإسراف في المباحات والإنفاق فيها أكثر من الحاجة . والله أعلم .
أما قوله : " وكثرة السؤال " فهو يحتمل أمرين :

الأمر الأول : أن يكون المقصود به السؤال عن العلم ، فإن كان كذلك فلابد أن يحمل على نوع مخصوص من
السؤال ؛ لأن الله تعالى أمر بسؤال أهل الذكر فقال : _ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ _ (النحل: من الآية43) .


وعلى هذا فإن كان النهي عن السؤال هنا يراد به السؤال عن العلم فهو يحتمل على ما قصد به التعجيز أو المعايات
أو الاشتهار أو التعمية والتشكيك .



الأمر الثاني : أن يكون المقصود به سؤال المال ، إلا أن طلب العطاء من الناس قد ذم كثيره وقليله إلا ما لابد
منه كحديث : " إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة .." الحديث .

أما إن دخل فيه غير العطاء : كناولني السفرة يا غلام ، وما أشبه ذلك ، فلابد أن يحمل الحديث على سؤال
المال وتقييده بالكثرة احترازاً عما فيه ضرر . والله أعلم .


وأما قولـه : " وكان ينهى عن عقوق الأمهات " فالعقوق مأخوذ من العق وهو القطع ، ولا يختص النهي عن العقوق
بالأمهات بل أن عقوق الآباء محرم أيضاً كعقوق الأمهات ، ولكن في هذا التخصيص تنبيه على عظيم حق
الأمهات وأن عقوقهن أفظع وأعظم بشاعة لعظم حقهن ، وقد نبه القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى :
_ وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً _ (الأحقاف: من الآية15) .


أما "وأد البنات" فهو دفنهن أحياء ، وهذا الصنيع رغم فحشه فقد فعله كثير من أهل الجاهلية وعابهم الله به
فقال : _ .. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ _ (النحل: من الآية59) .
وقد جاء الإسلام باجتثاث هذه العادة المنكرة وقلعها من أصلها ، بل بذر في قلوب أتباعه المودة والرحمة للبنات
ووعد على ذلك الخير كله ، فقد روى أحمد وابن ماجة عن عقبة بن عامر مرفوعاً : " من كان له ثلاث بنات
فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جِدَته ، كن له حجاباً من النار يوم القيامة " .‏



ثم إن الواجب على الولي التأدب بالآداب الإسلامية وتأديب البنات بأدب الإسلام لكي يكنّ أعضاء صالحات
في المجتمع ، وهنا التعليم والتأديب لا يقل وجوبه عن وجوب النفقة والكسوة والمسكن الذي يطالب به كل ولي
لموليته ، والمقصود تعليم ما لابد منه من أمور الدين ، أما التوغل في التعليم لأخذ الشهادة العالية لتعمل موظفة
وتترك الزواج والذرية والقيام بشؤون البيت الذي كلفت بالاستقرار فيه لتكون سكناً للزوج ومربية للأولاد فهذا ليس
بمحمود ؛ لأنه ترك للوظيفة الإسلامية التي خلقت لها المرأة

وفيه عدة محاذير :


المحذور الأول : أن ذلك تركٌ للوظيفة الأساسية التي خلقت لها المرأة وهيئت لها وهي أن تكون سكناً للزوج يسكن
إليها وتسكن إليه قال تعالى : _ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ _ (الروم:21) .



وإن هذه الآية لأكبر شاهد بأن الرجل لا يستقيم حاله ولا يذوق لذة العيش إلا بالحياة الزوجية الكريمة ، وكذلك المرأة .


المحذور الثاني : ترك النسل والذرية ، والنسل وهم الأولاد لا تطيب الحياة الزوجية إلا بهم ، وقد قال النبي _ : "
تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " ، فالمرأة مهما حصل لها من شهادات فإن الحياة لا تطيب لها إلا
بالبنين والبنات ، ولقد سمعت أن امرأة درست وتدرجت في الشهادات حتى أخذت أعلاها وفي النهاية قالت :
خذوا شهادتي كلها وأعطوني طفلاً ألاعبه .


ولقد خلق الله النساء ليكن أمهات مربيات وحاضنات ماهرات ، فإذا خرجت عن هذه الوظيفة وتركتها ندمت بعد
ذلك وحنت إليها بعد أن ذهب الزمن وبلي الشباب . فالله المستعان .



المحذور الثالث : ترك البيت بدون حارس أمين وسائس حكيم يجلب إليه وإلى أهله الصلاح ويدفع عنه الفساد ،
فالله سبحانه أمر النساء بالاستقرار في البيوت ولا تكون المرأة سكناً للزوج إلا إذا كانت مستقرة في البيت ، تربي
الأولاد ، وتحفظ البيت ، وتنظفه وتقوم بشؤونه وترصد حاجة الزوج فيه .



المحذور الرابع : أنه تنكر للفطرة والجبلية التي خلق الله عليها الأنثى لحكمة يعلمها هو تعالى ، فهي مهيئة خلقة
لبيت ومحضن الزوجية ، فإذا أخرجت نفسها عن هذا المحضن فإنها تكون قد عصت خالقها ، وجنت على مجتمعها
وكانت نشازاً فيه بإعراضها عن الأمر الذي خلقت له ، ولهذا جاء في الحديث : " لعن الله المترجلات من النساء ،
والمخنثين من الرجال " لأن كلا منهما خرج عن فطرته التي هُيأ لها ، وأراد أن يجعل لنفسه فطرة غير ما اختار الله له .



وأخيراً ، فإن من منع ابنته من النكاح الشرعي فقد جنى عليها جناية عظيمة ، وعرضها للوقوع في الفاحشة ، وحرمها
لذة الزوج والبيت والأولاد ، ولا ينتظر إلا المقت من الله والفضيحة في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً . وبالله التوفيق .


ومعنى قوله : "ومنعٍ وهات" أن يمنع العبد ما في يديه بخلاً ، ويطلب ما في يد غيره جشعاً ، وكفى بهذا ذماً .

وهذا يتضمن شيئين :

أولها : البخل وهو ما عبر عنه بالمنع ، والمنع يكون مذموماً إذا كان منعاً عن الواجبات ، فهذا يسمى بخلاً ،
قال الله تعالى : _ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ _ (الحديد:24) .


وقال تعالى : _ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا
يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ _ (محمد: من الآية38) .


والثاني : الطلب والسؤال وهو المعبر عنه بقوله "وهات" وهذا مذموم أشد الذم ، وقد جاء في الحديث : " لا يزال
الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم " .


وفي الحديث أيضاً : " من سأل الناس
أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمر جهنم ، فليستقل منه أو ليستكثر".



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf










رد مع اقتباس