01-05-2015, 09:32AM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه
لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-
فصل:
صوم رمضان فرض
صوم رمضان فَرْضٌ ( ع )، فُرِضَ في السنة الثانية من الهجرة ( ع )، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات ( ع ) (101).
ويجب صومه برؤية هلاله، فإن لم ير مع الصحو ليلة الثلاثين من شعبان، أكملوه ثلاثين، ثم صاموا، وصلوا التراويح (و) كما لو رأوه.
وإن حال دون مطلعه غيم، أو قَتَرٌ أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان، وجب صومه بنية رمضان، اختاره الأصحاب، وذكروه ظاهر المذهب، وأن نصوص أحمد عليه.
كذا قالوا، ولم أجد عن أحمد أنه صرَّحَ بالوجوب، ولا أمَرَ به، فلا تتوجه إضافته إليه(102)؛ ولهذا قال شيخنا: لا أصل للوجوب في كلام أحمد، ولا في كلام أحد من الصحابة - رضي الله عنهم -.
واحتج الأصحاب بحديث ابن عمر وفعله، وليس بظاهر في الوجوب(103)، وإنما هو احتياط قد عورض بنهيٍ(104)، واحتجوا بأقيسة تدل على أن العبادات يحتاط لها، واستشهدوا بمسائل، وهي إنما تدل على الاحتياط، فيما ثبت وجوبه، أو كان الأصل، كثلاثين رمضان، وفي مسألتنا لم يثبت الوجوب، والأصل بقاء الشهر(105).
ومما ذكروه: الشكُّ في انقضاء مدَّةِ المسح يمنع المسح، وإنما كان؛ لأن الأصل الغسل، فمع الشك يُعْمَلُ به، ويأتي: هل يتسَحَّر مع الشك في طلوع الفجر(106)؟
قال القاضي وغيره: وإنما لم تجب الطهارة مع الشك احتياطا للعبادة؛ لأنه حقٌّ لآدمي، فلا يبطله بالشك، فيقال: وجواز الأكل والجماع حق لآدمي، فلا يحرمه بالشك (107).
وقال القاضي وابن شهاب وغيرهما: لأن الطهارة غير مقصودة في نفسها، وقد قال القاضي وغيره في أنه لا يلزم النفل بالشروع: الطهارة مقصودة في نفسها(108)، ولهذا يستحب تجديدها، بخلاف إزالة النجاسة، وتأتي فيما يُفعَلُ عن الميت.
وقيل لمن نظر من الأصحاب في كتب الخلاف: صوم يوم الغيم يلزم عليه نذر صوم رجب أو شعبان، فإنه إذا غُمَّ أوَّلُه، لم يلزم، فقال: كذلك قال أصحابنا، والنُّذورُ لا تبنى إلا على أصولها من الفروض.
كذا قال، ويتوجه: يلزم؛ لأنه فرض شرعي عندهم، فعلى هذا: يصومه، حكماً ظنياً بوجوبه احتياطاً، ويجزئه.
وقيل للقاضي: لا يصح إلا بالنية، ومع الشك فيها لا يحرم بها. فقال: لا يمنع التردُّدُ فيها؛ للحاجة، كالأسير، وصلاةٍ من خمس.
كذا قال.
وذكر في «الانتصار»: أنه يجزئه إن لم تُعتبَرْ نيَّةُ التعيين، وإلا فلا.
كذا قال(109).
وتصلى التراويح ليلتئذ في اختيار ابن حامد، والقاضي، وجماعة، قال صاحب «المحرر»: وهو أشبه بكلام أحمد - في رواية الفضل -: القيام قبل الصيام؛ احتياطا لسُنَّةِ قيامه، ولا يتضمن محذورا، والصوم نهي عن تقدمه. واختار أبو حفص العكبري، والتميميون وغيرهم: لا تُصلَّى اقتصاراً على النص.
ولا تثبت(110) بقية الأحكام من حلول الآجال، ووقوع المعلقات، وانقضاء العدة، ومدة الإيلاء، وغير ذلك، وذكر القاضي احتمالاً: تثبت كما يثبت الصوم وتوابعه، من النية، وتبييتها، ووجوب الكفارة بالوطء فيه، ونحو ذلك، والأوَّلُ أشهَرٌ؛ عملاً بالأصل، وخولف للنص، واحتياطاً لعبادةٍ عامَّةٍ.
وعنه: ينويه حكماً جازماً بوجوبه، وذكره ابن أبي موسى عن بعض أصحابنا، فيصلي التراويح إذن، وقيل: لا(111).
وعنه: لا يجب صومه قبل رؤية هلاله، أو إكمال شعبان، اختاره صاحب «التبصرة» وشيخنا، وقال: هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه (وهـ)، وأوجب طلب الهلال ليلتَئذٍ (112).
وعنه: الناس تبَعٌ للإمام، فإن صام، وجب الصوم وإلا فلا، فيتَحرَّى في كثرة كمال الشهور قبله ونقصها، وإخبارِهِ بمن لا يكتفى به، وغير ذلك من القرائن(113)، ويعمَلُ بظنه، ويأتي: المنفرد برؤيته هل يصومه؟
وعنه: صومه منهي عنه، اختاره أبو القاسم بن مَنْدةَ الأصفهاني، وأبو الخطاب، وابن عقيل، وغيرهم، فقيل: يكره، وذكره ابن عقيل رواية.
وعمِلَ أيضا في موضع من «الفنون» بعادة غالبة، كمُضيِّ شهرين كاملين، فالثالث ناقص، وأنه معنى التقدير(114)، وقال أيضاً: البُعدُ مانعٌ كالغيم، فيجب على كل حنبلي يصوم مع الغيم، أن يصوم مع البعد، لاحتماله، والشهور كلها مع رمضان في حق المطمور، كاليوم الذي يُشكُّ فيه من الشهر في التحرُّزِ، وطلَبِ التحقيق، ولا أحد قال بوجوب الصوم عليه، بل بالتأخير؛ ليقع أداءً، أو قضاءً، كذا لا يجوز تقديم يوم لا يَتحقَّقُ من رمضان. وقال في مكانٍ آخر: أو يظُنُّه؛ لقبولنا شهادة واحدٍ.
وقيل: النهي عنه للتحريم، ونقله حنبل، ذكره القاضي (و م ش).
وأوجب (م) الصوم على من شكت في انقطاع حيضها قبل الفجر، وإذا لم يجب صومه، وجب بأداء الشهادة بالرؤية، وإن لم يسأل عنها.
ومن نواه احتياطاً بلا مستند شرعي، فبان منه، فعنه: لا يجزئه (و م ش)، وعنه: بلى (و هـ)، وعنه: يجزئه، ولو اعتبرت نية التعيين، وقيل: في الإجزاء وجهان، وتأتي المسألة.
ويدخل فيها قوله في «الرعاية»: مَنْ صام بنجوم، أو حساب، لم يجزئه وإن أصاب، ولا يحكم بطلوع الهلال بهما، ولو كثُرَتْ إصابتهما. وهذا معنى كلامه في «منتهى الغاية» قال: لأنه ليس بمستندٍ شرعي(115).
-----------------------
(101) هنا ثلاث إجماعات.
الأول: أن صوم رمضان فرض.
الثاني: أنه فُرض في السنة الثانية.
الثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات.
(102) قوله: «فإن لم ير مع الصحو ليلة الثلاثين» إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان صحواً فإنهم لا يصومون، وإن حال دون رؤية الهلال غيمٌ أو قترٌ فإنهم يصومون، ويقول - رحمه الله -: «وجب صومه بنية رمضان، اختاره الأصحاب» أي أصحاب الإمام أحمد «وذكروه ظاهر المذهب، وأن نصوص أحمد تدل عليه» فنقول: هنا لا يتوجه أن نقول: إن مذهب الإمام أحمد إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين غيم أو قتر هو وجوب الصوم، مع أن الأصحاب - رحمهم الله - نصروا هذا القول نصراً عظيماً، وقالوا: نصوص أحمد تدل عليه.
(103) بدأ المؤلف - رحمه الله - بذكر الحجج، فالأصحاب - رحمهم الله - احتجوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما – وفعله، فحديث ابن عمر رضي الله عنه «فإن غم عليكم فاقدروا له» [أخرجه البخاري في الصوم/باب هل يقال: رمضان, أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا (1900)؛ ومسلم في الصوم/باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال, والفطر لرؤية الهلال, وأنه إذا غم أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (1080) (8).] قالوا: معنى «اقدروا له» أي: ضيقوا عليه، فاجعلوا شعبان تسعةً وعشرين، وقالوا: «القدر» هنا بمعنى: التضييق، كقوله – تعالى -: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق:7].
أما فعله فابن عمر رضي الله عنه كان إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان أرسل من يتحرى الهلال، فإن كانت السماء صحواً ولم يره لم يصم، وإن كانت السماء غائمةً صام [أخرجه أحمد (2/5, 13)؛ وأبو داود في الصيام/باب الشهر يكون تسعا وعشرين (2320)؛ والدارقطني (2/161)؛ والبيهقي (4/204).] ، لكن ابن عمر فعله على سبيل الاحتياط؛ لأنه لم يَأمر به ولا أهل بيته، فحتى أهل بيته لم يأمرهم أن يصوموا، مما يدل على أنه فعله على سبيل الاحتياط، أما النص النبوي: «فاقدروا له» فلا يدل على الوجوب، بل ولا على الاستحباب.
فإذا قال قائل: معناه: ضيقوا عليه.
قلنا: يصح أن نقلب المسألة، ونقول: اقدروا له أي: ضيقوا رمضان، فلا تصوموا، ثم إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً، وقد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» [أخرجه البخاري في الصوم/باب قول النبي صلى الله عليه وسلم :«إذا رأيتم الهلال فصوموا, وإذا رأيتموه فأفطروا» (1909).] .
وهذا يدل على أن معنى: «اقدروا له» أي: أكملوا ثلاثين؛ لأن الحديث يفسر بعضه بعضاً، وقال بعض المتأخرين: معنى «اقدروا له» أي: اعملوا بما يقتضيه الحساب، فيكون هذا من باب التقدير، فـ «اقدروا له» أي: قدروا هل هلَّ أو لم يهل؟ وهذا ليس ببعيد، وهو متمشٍ على القواعد، أنه إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن، ولا شك أن الحساب يوجب غلبة الظن.
(104) النهي هو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك، فقال: «لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين» [أخرجه البخاري في الصوم/باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين (1914)؛ ومسلم في الصيام/باب «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» (1082).] ، ومعلوم أن من صام قبل أن يرى الهلال فقد تقدمه.
(105) أي: شهر شعبان.
(106) والصواب: أن له أن يتسحر مع الشك في طلوع الفجر، فلكَ أن تأكل وتشرب؛ لقول الله – تعالى -: {حتى يتبين لكم} [البقرة: 187]، فما دام عندك واحد في المائة أن الفجر لم يطلع فكل.
(107) هذا الذي ذكره المؤلف رد على القاضي واضح جداً، وهو أن الأكل والشرب حق للآدمي أباحه الله له، فيتمتع به، فلا نحرمه ونقول: صم يوم الثلاثين من رمضان مع الشك؛ لأننا إذا قلنا ذلك حرمناه مما أحل الله له، ومن ذلك - أيضاً - أذان الفجر الآن، فإن كثيراً من الإخوة في بلادنا ألحوا علينا بأن هذا الأذان متقدم على الوقت، فبعضهم يقول: بربع ساعة، وبعضهم يقول: بعشر دقائق، وبعضهم يقول: بثلث ساعة، وهذا فرق عظيم، وأقرب شيء أنه متقدم خمس دقائق، كما حرره بعض الفلكيين، وعلى هذا فلا يحل لنا أن نحرم الناس ما أحل الله لهم في مدة خمس دقائق، بل ولا دقيقة واحدة؛ لأن الأصل بقاء الليل، وفيه - أيضاً - من الخطر - وهو الأذان قبل الوقت،
وصلاة الفجر- وهذا أعظم من أكل الإنسان الذي يريد أن يصوم؛ فإن كثيراً من الناس يرتقب الأذان، فإذا أذن صلى، إما لكونه مريضاً في بيته، أو امرأة، أو ما أشبه ذلك، فهذه المسائل ينبغي للإنسان أن يعرف حدود الله فيها، حتى لا يحرم الناس ما أحل الله - عز وجل – لهم، ولا يحل لهم ما حرم الله عليهم .
(108) وهذا تناقض، فكونه يقول: «الطهارة غير مقصودة بنفسها»، وهو في موضع آخر قال: «الطهارة مقصودة في نفسها»، فيكون هذا منه تناقضاً، ومع ذلك لا نسلم أن الطهارة غير مقصودة، بل الطهارة مقصودة بنفسها، تحط الخطايا، وإذا انتهى الإنسان وشهد بالتوحيد فتحت له أبواب الجنة، فهي مقصودة بنفسها بلا شك، والإنسان - دائماً - ينبغي له أن يكون على طهارة.
(109) إذا قال - رحمه الله -: «كذا قال» يعني: أنه لم يرتضه، فهو نَظَّر
في كلام القاضي، وكذلك في «الانتصار» له أيضاً.
(110) هنا فُهِمَ أن الصوم يجب احتياطاً، والتراويح فيها خلاف هل يصليها أو لا؟ و بقية الأشياء المتعلقة بالشهر – كالعدة، وحلول آجال الديون، وغيرها - لا يحكم فيها بهذا الحكم؛ ولهذا قال: «لا تثبت».
(111) المذهب: إذا كانت ليلة الثلاثين غيم أو قتر فإن الإنسان ينوي الصوم حكماً ظنياً احتياطاً، وقيل: إنه ينوي حكماً جازماً بوجوبه، وهذا غريب، إذ كيف يجزم بوجوبه؟ لكن يقولون: يجزم بوجوبه لا بكونه من رمضان، فالجزم عندهم بالوجوب لا بكونه من رمضان، والخلاف قريب من اللفظي، وكل هذه الأقوال ضعيفة لا أصل لها.
(112) إذن هذا القول هو المختار: وهو أن صومه لا يجب، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد رحمه الله، إلاَّ إذا رئي الهلال أو أكمل شعبان ثلاثين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا هو اصطلاحه رحمه الله، وهو إذا قال: «شيخنا» فهو ابن تيمية، وإذا قال: «الشيخ» فهو الموفق صاحب «المغني»، بخلاف ما يقوله صاحب «الإقناع» والمتأخرون، فإذا قالوا: «الشيخ» فيعنون به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(113) هذا القول هو الذي عليه عمل الناس الآن في الغالب، فالإمام يتحرى الهلال، ثم يَأمر بالصوم، فإذا أمر وجب، فيكون الناس تبعاً للإمام، حتى من يرى أنه لا يصام إلا برؤية الهلال، فإذا أمر الإمام بالصوم وجب أن يصوم من أجل اتحاد كلمة الناس وعدم الاختلاف.
(114) قوله - رحمه الله -: «معنى التقدير» يعني: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «اقدروا له» يعني: إذا تم شهران فالثالث ناقص، هذا في الغالب.
(115) قوله - رحمه الله -: «لأنه ليس بمستند شرعي» مثل: أن يكون يوم الثلاثين ليس فيه غيم ولا قتر، فقال: لعله رئي في مكان آخر، فصام احتياطاً، ثم تبين أنه من رمضان فإنه لا يجزئُه؛ لأنه ليس له مستند شرعي؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن غُم عليكم» وهذا لم يغم علينا فيه، فلو صام احتياطاً، ثم ثبت أنه من رمضان فإنه لا يجزئه، وهذا واضح؛ لأنه ليس على مستند شرعي.
المصدر :
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18287.shtml
|