عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 09-04-2015, 11:34PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي

-رحمه الله -


باب ترك الجهر بـ [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ]


[104] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه ؛ أن النبي ﷺ وأبا بكر ، وعمر كانوا يستفتحون الصلاة
بالحمد لله رب العالمين ، وفي رواية : صليت مع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم.


ولمسلم : صليت خلف النبي ﷺ وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فكانوا يستفتحون بـ[ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ]، لا يذكرون [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ] في أول قراءة ولا في آخرها .


موضوع الحديث :

إسرار البسملة في الصلاة الجهرية .

المفردات :

يستفتحون : يدخلون أو يبدؤون الصلاة على حذف مضاف أي القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين ،
ويجوز في الحمد الرفع على الحكاية إذا كان المعنى أنه يبدأ بهذا اللفظ ، ويجوز فيه الجر إذا كان المعنى
يبدؤون بالفاتحة قبل السورة ، والحمد لله رب العالمين : اسم لها في أول قراءة هي الفاتحة ولا في آخرها
هي السورة .


المعنى الإجمالي :

يخبر أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يدخلون في قراءة الصلاة بالحمد لله
رب العالمين أي يبدؤون بهذا اللفظ دون ذكر البسملة ، أو دون إسماعها ، وعلى الوجه الثالث تحمل
الروايتان الأخيرتان .


فقه الحديث :

اعلم أن بحث الإسرار بالبسملة بحث كبير وهام ، ولذلك فقد أفرده جماعة من العلماء بالتأليف ،
كابن عبد البر ، والدارقطني، والمقدسي ، وغيرهم ، ومدار البحث في هذا الموضوع يرتكز على أمرين :



الأمر الأول : قرآنية البسملة .

الأمر الثاني : قراءتها في الصلاة ، وهل تسر أو تجهر ؟ .
فأما الأمر الأول : وهو قرآنية البسملة ، فقد اختلف العلماء فيه .
فذهب مالك في المشهور عنه
أنها ليست قرآناً إلا من سورة النمل ، ونقل هذا القول عن الأوزاعي ، وابن جرير الطبري ، وداود الظاهري وحكاه
الطحاوي. عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، وهو رواية عن أحمد ، وقول لبعض أصحابه ، واختاره ابن
قدامة في "المغني" ، وذهب أحمد إلى أنها آية من الفاتحة وليست قرآناً من باقي السور ، وهو قول إسحاق ،
وأبي عبيد ، وأهل الكوفة وأهل مكة وأهل العراق ، قال : وهو أيضاً رواية عن الشافعي ، وقال الشافعي هي
آية من كل سورة سوى براءة ، قال : وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء وطاووس
ومكحول قال : وحكاه ابن كثير عن أبي هريرة وعلي وسعيد بن جبير والزهري وهو رواية عن أحمد .
اهـ نقلاً من تعليقات أحمد شاكر على الترمذي .


وإذ قد سردنا مذاهب العلماء فسنستعرض الأدلة ونؤيد ما تؤيده فنقول وبالله التوفيق :


وقال الشافعي هي آية من كل سورة سوى براءة ، قال : وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن
الزبير وعطاء وطاووس ومكحول



روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : بينا رسول الله بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ، ثم
رفع رأسه فضحك . فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : " أنزلت عليّ آنفا سورة " فقرأ [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ] " الحديث ، وعزاه في المنتقى للنسائي وأحمد ، فهذا يدل على أن البسملة من السورة
حيث قال : أنزلت عليّ سورة ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم منها ، وهذا دليل واضح على قرآنيتها ، ويضاف
إلى ذلك إجماع الصحابة على كتابتها في أول كل سورة ماعدا براءة ، وزعم القرطبي أن ذلك لا يدل
على قرآنيتها فقال : فإن قيل إنها تثبت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله كما نقلت
في النمل وذلك متواتر عنهم .

قلنا : ما ذكرتموه صحيح ولكن لكونها قرآناً ولكونها فاصلة بين السور ... أو للتبرك (94/95) .

قلت : ما قرر القرطبي مردود ؛ لأن الأمة أجمعت على أنه لم يدخل المصحف شيء سوى القرآن ، حتى لقد استبعدوا
حين كتبوا المصاحف في عهد عثمان _ ما كتب على المصاحف من تفسير وإيضاح ، فلو كانت البسملة من
غير القرآن لاستبعدوها ، ومن هنا تبين ضعف ما ذهب إليه مالك ومن نحى منحاه من قولهم أن البسملة
غير قرآن إلا في سورة النمل فقط .


أما كونها من الفاتحة فقد دل عليه مارواه الدارقطني والبيهقي ، من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :
"إذا قرأتم _ الحمد لله _ فاقرأوا _ بسم الله الرحمن الرحيم _ فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني
_ وبسم الله الرحمن الرحيم _ إحدى آياتها " . ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم (742) وقال :
صحيح ، وأومأ أنه في الأحاديث الصحيحة (1183) .


وقال الحافظ في التلخيص : وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات وصححه غير واحد من الأئمة ورجح وقفه
على رفعه ، وأعله ابن القطان بتردد نوح فيه ، فإنه رفعه تارة ووقفه أخرى . قال : وأعله ابن الجوزي من
أجل عبد الحميد بن جعفر فإن فيه مقالاً ومتابعة نوح له مما يقويه . اهـ .



قلت : يظهر لي من إسناده أن نوح بن أبي بلال شيخه فيه وليس بمتابع ، وقد اقتنيت سنن الدارقطني بعد
فرأيت الحديث فيه (1/312) ونوح بن أبي بلال شيخ عبد الحميد بن جعفر فيه وفي آخره قال أبو بكر الحنفي
ثم لقيت نوحاً فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله ولم يرفعه وقال الحافظ ويؤيده
رواية الدارقطني من طريق أبي أويس عن العلائي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان إذا
قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم قال أبو هريرة هي الآية السابعة .



قلت : رواه الدارقطني عن منصور بن أبي مزاحم عن أبي أويس من طريقين الأول من طريق أبي طالب أحمد
بن نصر حدثنا أحمد بن محمد ابن منصور بن أبي مزاحم حدثنا جدي حدثنا أبو أويس والطريق الثاني حدثنا
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي حدثنا عثمان ابن خُرّزاذ حدثنا منصور بن مزاحم .



وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي في التلعيق المغني على الدارقطني (ص306) على الحديث :
أبو أويس وثقه جماعة وضعفه آخرون ، وممن ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم الرازي ،
وممن وثقه الدارقطني وأبو زرعة ، وقال ابن عدي : يكتب حديثه ، وروى له مسلم في صحيحه ومجرد
الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة إذا لم يسلم من كلام الناس
إلا من عصمه الله . قاله الزيلعي . اهـ .


وحديث أم سلمة أنه ﷺ : كان إذا قرأ القرآن بدأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فعدها آية ثم قرأ الحمد لله
رب العالمين فعدها ست آيات . أخرجه الشافعي من رواية البويطي أخبرني غير واحد عن حفص بن غياث
والطحاوي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق عمر بن حفص عن أبيه .الأحاد



وأما الأمر الثاني : وهو قراءة البسملة في الصلاة فقد اختلف العلماء فيه ، فذهب مالك في المشهور عنه إلى
عدم قراءتها في الصلاة أصلاً لا سراً ولا جهراً ، وذهب أحمد بن حنبل وأبو حنيفة إلى قراءتها سراً في
الجهرية والسرية ، وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود مع اختلاف عن بعضهم .


وذهب الشافعي إلى أنها تبع للسورة فيسر بها في السرية ويجهر بها في الجهرية وهو مروي عن أبي هريرة
وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي بن كعب بأسانيد صحيحة ، وقال به من التابعين مجاهد وسعيد بن جبير
ومعمر والزهري وسليمان التيمي ، حكى ذلك عنهم عبد الرزاق والشافعي .

استدل القائلون بالإسرار بحديث
أنس هذا وهو مروي في الصحاح والسنن والمسانيد بألفاظ مختلفة ، ذكر المصنف أصولها غير أن اللفظ
المتفق عليه منها " كانوا يستفتحون أو يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " .



ولهذا فقد ادعى جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر والخطيب أن ماعداه من الألفاظ مضطرب ، وأنها رويت
بالمعنى ، واستدلوا على ذلك بإعراض البخاري عنها وإلى ذلك أشار الحازمي في الناسخ والمنسوخ ، وقد تصدى
الحافظ بن حجر لهذه الدعوى فردها وأثبت صحة جميع ألفاظه بما ثبت له من الطرق والمتابعات في جميع أدوار
السند من بدايته إلى نهايته ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إلى فتح الباري (ج2) أبواب صفة الصلاة ،
باب : ما يقال بعد التكبير ، واستدلوا أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها الذي سبق معنا في أول هذا
الجزء بلفظ : "كان يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمن ".



وتأول الشافعي هذين الحديثين بأن المراد منها أنه كان يبدأ بالفاتحة قبل السورة وذلك لا ينفي قراءة البسملة
وهذا التأويل يتمشى في حديث عائشة وفي اللفظ المتفق عليه من حديث أنس ، أما سائر الألفاظ فلا يتمشى
فيها .


واستدلوا أيضاً بما رواه الخمسة إلا أبا داود عن ابن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سمعني أبي وأنا
أقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : أي بني محدث .. الحديث .‏

وقد ضُعف بسعد الجريري ، فإنه قد اختلط في آخر عمره ، ضعف أيضاً بجهالة ابن عبد الله بن مغفل ،
أما الإسرار فهو ثابت من حديث أنس بألفاظ لا تحتمل التأويل ، ولا يجوز أن ننتحل التأويلات المتعسفة
ولا أن نتمسك بأوهى الأسباب لتضعيف ما صح لا لشيء سوى أنه لم يوافق مذهب إمام معين ، فالله لم
يكلفنا باتباع فلان ولا علان وإنما كلفنا باتباع عبده ورسوله محمد صلى كما قال تعالى : [ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما _ (النساء:65) ،
ولسنا بمثابة سرد الأدلة على وجوب التسليم لأمره فذلك شيء لا يحتمل الشك ، ولكن العجيب أن
ترى باحثاً يتحامل على بعض النصوص فيردها لا لشيء سوى أنها لم توافق مذهب إمامه .


والذي ينبغي أن تعلمه أيها القارئ الكريم أن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت ، وأنه لا ينبغي الإنكار على
من فعل واحداً منها . قال الشوكاني في "نيل الأوطار" : وأكثر ما في المقام الاختلاف في مستحب ومسنون
وليس شيء من الجهر وتركه يقدح في الصلاة ببطلان ، بالإجماع ، فلا يهولنك تعظيم جماعة من
العلماء لهذه المسألة والخلاف فيها . اهـ .‏



ولعلك تلاحظ أني قد تعجلت بإثبات أحاديث الجهر قبل سبرها وتطلب مني ذلك فأقول : وردت في الجهر
أحاديث كثيرة غير أن الكثير منها لم يسلم من الطعن وسأذكر منها ما بلغ درجة الصحة أو قاربها .


وأولها ما رواه النسائي بسنده عن نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ... الحديث وفي آخره يقول : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ.


ورواه ابن خزيمة (1/251) في باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والمخافتة جميعاً
مباح ليس واحد منها محظور ، وهذا من اختلاف المباح .



وقد ادعى بعضهم عدم صراحته ويبعد جداً أن يقسم صحابي أنه أشبههم صلاة برسول الله ﷺ ،
وفي صلاته شيء يخالف صلاة رسول الله ﷺ، وإذا ضم إلى ذلك أن صحبته لرسول الله ﷺ
كانت متأخرة وأنه كان أحفظ القوم للسنن كان أبين في الدلالة .



وقد ضعف الشيخ الألباني – رحمه الله – الحديث بسعيد بن أبي هلال لأنه اختلط تبعاً لابن حزم .
قلت : قال الحافظ : لم أر لابن حزم سلفاً في تضعيفه إلا أن الساجي حكى عن أنه اختلط. وروى البخاري
في صحيحه من طريق قتادة قال : سالت أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله _ ؟ قال : كانت مداً ثم
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم ، وهو أعم من كونه خارج الصلاة .

ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم ، وهو أعم من كونه خارج الصلاة .


ثالثاً : ما رواه الشافعي في "الأم" فقال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : حدثني عبد الله بن عثمان بن خيثم
عن إسماعيل بن عبيد أو ابن عبيد الله بن رفاعة عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم فلم يقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم ، ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع ، فناداه المهاجرون حين سلم الأنصار : أن يا معاوية سرقت صلاتك ،
أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير ؟ . ورجال إسناده كلهم ثقات . ورواه الشافعي أيضاً من طريق
يحيى بن سليم وقال أحسبه أحفظ .



ورواه أيضاً من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ،
عن أبي بكر بن حفص بن عمر عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو شاهد لحديث عبيد الله بن رفاعة ،
ورواه الحاكم من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن الربيع بن سليمان عن الشافعي بالسند
المذكور وقال : صحيح على شرط مسلم ، فقد احتج بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم .
ووافقه على ذلك الذهبي .



رابعاً : ما رواه الحاكم قال : ومنها ما حدثناه أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمذان قال :
حدثنا عثمان بن خرزاذ الأنطاكي ، قال : حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني قال : صليت خلف
المعتمر بن سليمان مالا أحصي صلاة الصبح والمغرب ، فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة
الكتاب وبعدها ، وسمعت المعتمر يقول : ما آلو أن اقتدي بصلاة أبي وقال أبي : ما آلو أن اقتدي بصلاة
أنس ، وقال أنس : ما آلو أن اقتدي بصلاة الرسول ﷺ . وقال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم
ثقات . ووافقه الذهبي وأشار ابن دقيق العيد في شرح العمدة إلى تصحيحه ، وهو كما قالوا .



خامساً : ما رواه الحاكم أيضاً قال ومنها ما حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال : حدثنا علي بن
أحمد بن سليمان حدثنا سليمان بن داود المهري قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل
عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله ﷺ يجهر ببسم الله
الرحمن الرحيم .

قال الحاكم رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ووافقه الذهبي .


سادساً : ما رواه الدارقطني من طريق العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ :
" أنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم اله الرحمن الرحيم " رواه الدارقطني (1/306) من طريق أبي
أويس ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة وأبو أويس قال عنه في التقريب : قريب مالك وصهره ، صدوق يهم .
وقال في التعليق المغني على الدارقطني على الحديث : أبو أويس وثقه جماعة وضعفه آخرون .

وممن ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم ، وممن وثقه الدارقطني وأبو زرعة وقال ابن عدي :
يُكتب حديثه .

وروى له مسلم في صحيحه ، ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم
السنة ، إذ لم يسلم من كلام الناس إلا من عصمه الله قاله الزيلعي .


قلت : ترجم له في التهذيب (5/477) (ص280و81 و82) ترجمة مطولة ورأيت كلام الأئمة
حوله يدور حول عبارات صالح مقارب ، ليس بالقوي ، يحتمل حديثه ، يكتب حديثه ، وقليل من صرح بتضعيفه ،
وهذا يدل على أن ضعفه من قبل حفظه فقط ، ومثل هذا يرتفع بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره .



سابعاً : ما رواه الدارقطني والبيهقي من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله ﷺ : إذا قرأتم _ الحمد لله _ فاقرأوا : _ بسم الله الرحمن الرحيم _ إنها أم القرآن
وأم الكتاب والسبع المثاني ، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ". وقد تقدم الكلام عليه ، وأن الألباني
– رحمه الله- صححه ، وحكى الحافظ تصحيحه موقوفاً عن جماعة من أهل العلم بالحديث وائمة
هذا الشأن فارجع إليه (1/233) .



ثامناً : حديث أم سلمة عند الحاكم أنها قالت :كان رسول الله ﷺ يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
يقطعها حرفاً حرفا ، قال الحاكم : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ،
وقد تقدم .



تاسعاً : حديث ابن عباس عند الترمذي قال : كان النبي ﷺ يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم .
قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك ، وأبو خالد هو الوالبي . اهـ.

قلت : قال الحافظ : اسمه هرمز ويقال هَرِم ، مقبول من الثانية وفد على عمر اهـ.


وذكر الزيلعي في "نصب الراية" أن العقيلي وابن عدي ضّعفا هذا الحديث بجهالة أبي خالد ، إذ زعم
بعضهم أنه مجهول .


قلت : هذا زعم لا يثبت عن البحث العلمي ، فهاهو الترمذي قد عرفه ، وقال الحافظ في التهذيب :
وعنه الأعمش ومنصور وفطر بن خليفة وإسماعيل بن حماد ابن أبي سليمان وزائدة بن نشيط ، وقال ابن أبي
حاتم : صالح الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات ، فتبين بهذا أنه غير مجهول ؛ لأن الجهالة تنتفي
عن الشخص إذا روى عنه اثنان فأكثر كما تقرر في علم المصطلح ، وهذا قد روى عنه خمسة وزيادة يقال
أن قول الترمذي هو الوالبي يغلب على ظني أنها مقحمة .



وخلاصة القول أن هذا الحديث مما يحتج به في المتابعات وسنده مقارب وقد احتج أهل العلم بمثله
في المتابعات .

أما هنا فالأحاديث عشرة ، منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما هو مقارب يرتفع
بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره ، وهي بمجموعها تكون حجة قوية لا يجوز إطراحها بل يجب الأخذ بها ،
ومن أجل ذلك أقول : أن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت ، ولا يلام من أخذ بواحد منهما ، فمن جهر
فبسنة أخذ ، ومن أسر فبسنة أخذ ، وإلى ذلك ذهب بعض المحققين من العلماء كابن القيم – رحمه الله –

وبه أخذ شيخنا عبد الله بن محمد القرعاوي ، وتلميذه حافظ بن
أحمد الحكمي رحمهما الله
تعالى وعليه مشى حافظ في نظم " السبل السوية " حيث قال :


وجاء في البسملة الإسرار *كذاك في الجهر أتت أخبار

وقد أسرها النبي وقد جهر *بها وكل قد روى لما حضر
وأنس قد شاهد الحالين. * ثم رواهما مفصلين


وإليه مال الشيخ عبد العزيز بن بازفي تعليقة على الفتح مع ترجيح الإسرار على الجهر كما سيأتي .
فإن قيل أحاديث الإسرار رواها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم فلذلك تكون ارجح
لشهرتها وصحتها .


فالجواب عنه من وجوه :

الوجه الأول : أن حديث الإسرار عن أنس وحده وقد عارضه روايته هو ورواية غيره كما مضى .


الوجه الثاني : أن الرواية عن أنس مختلفة فتارة يروي الإسرار وتارة أخرى يروي الجهر وتارة يخبر بأنه قد
نسي الجميع .

والجمع حاصل بين هذه الروايات وذلك أن أنساً طال عمره حتى نيف على المائة ، ومن طال عمره هذا
الطول فإنه لابد أن ينسى كثيراً .


وسليمان بن طرخان التيمي والد المعتمر توفي في 143 بعد أن عاش سبعاً وتسعين سنة فيكون قد
عاش في القرن الأول أربعاً وخمسين سنة منها سبع وأربعون في حياة أنس ، وعلى هذا فإنه قد أخذ عنه
الجهر قبل أن يطرقه الكبر وحين كان يؤم الناس ثم نسي فسأله أبو مسلمة سعيد بن يزيد فأجابه بأنه
قد نسي ثم تذكر الإسرار فأجاب به قتادة بحضرة جماعة من أقرانه الذين تتلمذوا على أنس بن مالك
ثم تذكر الجهر أيضاً فأجاب به قتادة أيضاً .


وبقريب من هذا الجمع جمع الحافظ في الفتح ج2ص228 حيث قال وغايته أن أنساً أجاب قتادة
بالحكم دون أبي مسلمة فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قولـه في رواية أبي مسلمة ما سألني عنه أحد
قبلك أو قاله لهما فحفظه قتادة دون أبي مسلمة فإن قتادة أحفظ من أبي مسلمة بلا نزاع اهـ.


قلت : أما سليمان التيمي فقد أخذ الجهر من فعل أنس لا من قوله .
ثم قال الحافظ : وإذا انتهى
البحث إلى أن محصل حديث أنس نفي الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين الروايات ،
فمتى وجدت رواية فيها إثبات قدمت على نفيه لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافي ، بل لأن أنساً يبعد
أن يصحب النبي ﷺ عشر سنين ثم أبا بكر وعمر وعثمان خمساً وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر
بها في صلاة واحدة ، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا كأنه لبعد عهده به ثم تذكر منه الافتتاح
بها سراً ولم يستحضر الجهر بالبسملة فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر اهـ.


وتعقبه الشيخ عبد العزيز بن باز فقال : هذا فيه نظر ، والصواب تقديم ما دل عليه حديث أنس من شرعية
الإسرار بالبسملة لصحته وصراحته في هذه المسألة وكونه نسي ذلك ثم ذكره لا يقدح في روايته كما علم
ذلك في الأصول والمصطلح وتحمل رواية من روى الجهر بالبسملة على أن النبي _ كان يجهر في بعض
الأحيان ليعلم من وراءه أنه يقرأها وبهذا تجتمع الأدلة . اهـ.


الوجه الثالث : أن الجهر قد ثبت من رواية غيره ولم يختلف عنهم فثبت من رواية أبي هريرة مرفوعاً كما
تقدم ، وعنه موقوفاً وهو أحفظ القوم وصحبته للنبي ﷺ متأخرة .

وثبت عن ابن عمر من فعله وهو معروف بحرصه الشديد على متابعة السنن .
وثبت عن ابن عباس من
فعله ومرفوعاً يحتمل الصحة ورواه عبد الرازق عن أبي ابن كعب أيضاً ، وليست رواية أنس وحده بأولى
بالاتباع من روايته مع غيره .


الوجه الرابع : أن البسملة آية من الفاتحة ، وكونها من الفاتحة يلزم منه أن تكون تبعاً لها في الإسرار والجهر ،
فتُسر فيما تُسر فيه الفاتحة والسورة ، وتجهر فيما نُجهر فيه الفاتحة والسورة ، ولولا أن الإسرار ثابت لاتجه عدم
جواز إسرارها فيما تجهر فيه الفاتحة والسورة . والله أعلم .


الوجه الخامس : أن الإسرار دائماً يؤدي إلى ترك البسملة عند كثير من الناس ، ومن وترك البسملة ترك
آية من الفاتحة ، ومن ترك آية من الفاتحة فصلاته باطلة لقول النبي ﷺ : { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } .

وقد صح أن البسملة آية من الفاتحة كما تقدم ويلزم من ذلك بطلان صلاة من لم يقرأها مع الفاتحة
وهذا أمر يجب التنبه له والتنبيه عليه . والله أعلم ، ومعذرة عن الإطالة ، فالمقام مقام بيان ، والحاجة داعية .
والله المستعان .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس