تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [المجلد الثاني]
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله-
【 باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم 】
[83] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا كبّر سكت هُنيهة قبل
أن يقرأ . فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أرايت سكوتك بين التكبير والقراءة ، ما تقول ؟ .
قال : { أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللّهم نقني من
خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد }.
موضوع الحديث :
الاستقتاح في الصلاة ، والاستفتاحات على أنواع ثلاثة : دعاء كهذا وثناء كحديث أبي سعيد
الخدري : { سبحانك اللهم وبحمدك }، ومزيج من الثناء والدعاء كحديث علي. ، وابن عباس
عند مسلم .
المفردات :
هنيهة : مصغر هنة أي وقت يسير .
بأبي وأمي : أي أفديك بأبي وأمي .
نقني : طهرني حتى أكون نقياً .
الدرن : الوسخ .
الثلج : هو الماء المتجمد بالطبع لا بالصناعة .
البرد : قطع بيض تنـزل مع المطر تشبه الملح الذكر .
المعنى الإجمالي :
سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله ﷺ عما يقوله في سكتته بين التكبير والقراءة ،
فأخبره رسول الله ﷺ أنه يقول هذا الدعاء الجامع النافع المقتضي للمباعدة بينه وبين
خطاياه بعداً لا لقاء بعده ، كالبعد الذي بين المشرق والمغرب ، وأن ينقيه من خطاياه ، أي ينظفه
منها كتنظيف الثوب الأبيض الذي غسل بالمنظفات ، وأن يغسله بالماء والثلج والبَرَد .
فقه الحديث :
أولاً : يؤخذ من قوله : كان رسول الله ﷺ إذا كبّر سكت هنيهة قبل أن يقرأ . دليل أنه داوم
على هذه السكتة ؛ لأن (كان) تفيد الاستمرار غالباً ، وهو متعقب بما لا ينتهض هنا .
ثانياً : فيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من استحباب هذا الذكر وغيره من الأذكار الواردة في
الاستفتاح بين التكبير والقراءة خلافاً للمالكية القائلين بكراهة ذلك .
وخلافاً للهادوية بأن التوجيه محله قبل التكبير ، ففي هذا الحديث وحديث علي عند مسلم ردٌّ
عليهم بما ثبت عن المعصوم ﷺ ، والشرُّ في مخالفته واتباع أقوال الرجال .
ثالثاً : في قوله : " ما تقول ؟ " إشعار بأنه كان يقول شيئاً في هذه السكتة ولعله استدل على ذلك
باضطراب لحيته كما قال ابن دقيق العيد .
رابعاً : يؤخذ منه حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعلّم الدين وتتبعهم لأحوال النبي ﷺ
في أقواله وأفعاله .
خامساً : يؤخذ من قوله : " أقول ...الخ " استحباب الدعاء بما ورد فيه بين التكبير والقراءة وهو
الذي يسمى الاستفتاح ، وهذا الحديث هو أصح ما ورد في الاستفتاح لأنه متفق عليه ، وقد روى
مسلم من حديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان إذا قام إلى الصلاة قال :
{ وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونئسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ...}الحديث .
وفي رواية غير يوسف بن الماجشون وهما :
عبد الرحمن بن مهدي وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشُون كان رسول الله ﷺ إذا
استفتح الصلاة كبّر ثم قال : وجهتُ وجهي .. الحديث . ورواه ابن خزيمة ، والشافعي في "الأم"
وقيّداه بالمكتوبة .
وذكر الحافظ في الفتح (2/23) وتبعه الشوكاني أن مسلماًَ قيّده بصلاة الليل ، وتعقبه الشيخ
عبد العزيز بن باز - رحمه الله – ونسب ذلك إلى الوهم ، وعندي أن نسبة الحافظ إلى الوهم
في هذا ليس بجيد فلعله أخذ ذلك من وضع مسلم له في صلاة الليل أو أن زيادة "من جوف
الليل" كان في نسخته ، والمهم أن الشافعي أخذ بهذا التوجيه واختار أحمد بن حنبل دعاء { سبحانك
اللهم وبحمد وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك } رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها ،
وفي سنده مقال . وأخرجه الخمسة عن أبي سعيد ، وفي سنده علي بن علي الرفاعي متكلم فيه
أيضاً ، ووثقه يحيى بن معين .
ورواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً عليه ، وقد اختاره الإمام أحمد
– رحمه الله – بأنه ثناء محض ، والثناء على الله أفضل من الدعاء ، أما حديث أبي هريرة _
فهو دعاء محض وسنده أصح من كل الاستفتاحات ، وحديث علي مزيج من الثناء والدعاء ، ولعل
الأولى أن يعمل الإنسان بكل هذه الاستفتاحات ، يعمل بهذا تارة ، وبهذا تارة ، لأنها كلها صحيحة
وإن كان حديث أبي هريرة أصح . والله أعلم .
سادساً : استعمل النبي ﷺ الدعاء بالمباعدة للعصمة في المستقبل والغسل والتنقية لما
قد حصل في الماضي وبهذا يعتبر أنه قد سأل الله أن يقيه شر الذنوب الماضية بمحوها وإزالتها
والآتية بالمباعدة عنها وعن أسبابها .
سابعاً : في الجمع بين الماء والثلج والبَرد لطيفة وهي أن النبي ﷺ أشار بالمطهرات الحسية إلى
المطهرات المعنوية ، وهي العفو والمغفرة والرحمة كما يقول بعض العلماء ،فالماء والثلج والبَرد
مطهرات حسية للدنس الحسي والعفو والمغفرة والرحمة مطهرات معنوية للدنس المعنوي ،
ومع أن هذه المطهرات قد جمعت بين التبريد والتنظيف والمعاصي من صفاتها الحرارة والوساخة لذلك
طلب ما يزيل هذه الصفات بأضدادها .
والله أعلم .
َ
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ
[ المجلد الثاني : ص / 5 - 10]
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf
التصفية والتربية
TarbiaTasfia@
التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 18-03-2015 الساعة 05:29PM
|