بسم الله الرحمن الرحيم
القول المفيد على كتاب التوحيد
باب ما جاء في الذبح لغير الله
ج / 1 ص -214- باب ما جاء في الذبح لغير الله
قوله: "في الذبح": أي: ذبح البهائم.
قوله: "لغير الله": اللام للتعليل، والقصد: أي قاصدا بذبحه غير الله،
والذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:
1. أن يذبح لغير الله تقربا وتعظيما، فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة.
2. أن يذبح لغير الله فرحا وإكراما، فهذا لا يخرج من الملة، بل هو من الأمور العادية التي قد تكون مطلوبة أحيانا وغير مطلوبة أحيانا، فالأصل أنها مباحة.
ومراد المؤلف هنا القسم الأول. فلو قدم السلطان إلى بلد. فذبحنا له، فإن كان تقربا وتعظيما، فإنه شرك أكبر، وتحرم هذه الذبائح، وعلامة ذلك: أننا نذبحها في وجهه ثم ندعها.
أما لو ذبحناها له إكراما وضيافة، وطبخت، وأكلت، فهذا من باب الإكرام، وليس بشرك.
وقوله: "لغير الله" يشمل الأنبياء، والملائكة، والأولياء، وغيرهم، فكل من ذبح لغير الله تقربا وتعظيما، فإنه داخل في هذه الكلمة بأي شيء كان.
وقوله في الترجمة: "باب ما جاء في الذبح لغير الله": أشار إلى
ج / 1 ص -215- وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ } 1 الآية.
الدليل دون الحكم، ومثل هذه الترجمة يترجم بها العلماء للأمور التي لا يجزمون بحكمها، أو التي فيها تفصيل، وأما الأمور التي يجزمون بها، فإنهم يقولونها بالجزم، مثل باب وجوب الصلاة، وباب تحريم الغيبة، ونحو ذلك.
والمؤلف رحمه الله تعالى لا شك أنه يرى تحريم الذبح لغير الله على سبيل التقرب والتعظيم، وأنه شرك أكبر، لكنه أراد أن يمرن الطالب على أخذ الحكم من الدليل، وهذا نوع من التربية العلمية، فإن المعلم أو المؤلف يدع الحكم مفتوحا، ثم يأتي بالأدلة لأجل أن يكل الحكم إلى الطالب، فيحكم به على حسب ما سيق له من هذه الأدلة،
وقد ذكر المؤلف في هذا الباب ثلاث آيات:
الأولى: قوله: (قل): الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي قل لهؤلاء المشركين معلنا لهم قيامك بالتوحيد الخالص، لأن هذه السورة مكية.
قوله: " إن صلاتي ": الصلاة في اللغة: الدعاء، وفي الشرع: عبادة لله ذات أقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
قوله: (ونسكي): النسك لغة: العبادة، وفي الشرع: ذبح القربان. فهل تحمل هذه الآية على المعنى اللغوي أو على المعني الشرعي؟ سبق أن ما جاء في لسان الشرع يحمل على الحقيقة الشرعية; كما أن ما
1 سورة آية : 162.
ج / 1 ص -216-
جاء في لسان العرف، فهو محمول على الحقيقة العرفية وفي لسان العرب على الحقيقة اللغوية.
فعندما أقول لشخص: عندك شاة؟ يفهم الأنثى من الضأن، لكن في اللغة العربية الشاة تطلق على الواحدة من الضأن والمعز، ذكرا كان أو أنثى، وعلى هذا، فيحمل النسك في الآية على المعنى الشرعي. وقيل: تحمل على المعنى اللغوي، لأنه أعم، فالنسك العبادة، كأنه يقول: أنا لا أدعو إلا الله، ولا أعبد إلا الله، وهذا عام للدعاء والتعبد.
وإذا حملت على المعنى الشرعي، صارت خاصة في نوع من العبادات، وهي: الصلاة، والنسك، ويكون هذا كمثال، فإن الصلاة أعلى العبادات البدنية، والذبح أعلى العبادات المالية، لأنه على سبيل التعظيم لا يقع إلا قربة، هكذا قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة.
ويحتاج إلى مناقشة في مسألة أن القربان أعلى أنواع العبادات المالية، فإن الزكاة لا شك أنها أعظم، وهي عبادة مالية. وهناك رأي ثالث يقول: إن الصلاة هي الصلاة المعروفة شرعا، والنسك: العبادة مطلقا، ويكون ذلك من عطف العام على الخاص.
قوله: " ومحياى ومماتي ": أي: حياتي وموتي، أي: التصرف في وتدبير أمري حيا وميتا لله. وفي قوله: " صلاتي ونسكي " إثبات توحيد العبادة.
وفي قوله: " ومحياي ومماتي " إثبات توحيد الربوبية.
قوله: (لله): خبر إن، والله: علم على الذات الإلهية، وأصله: الإله، فحذفت الهمزة، لكثرة الاستعمال تخفيفا. وهو بمعنى مألوه، فهو فعال بمعنى مفعول، مثل غراس بمعنى مغروس، وفراش بمعنى مفروش، والمألوه: المحبوب المعظم.
ج / 1 ص -217-
قوله: " رب العالمين ": المراد ب (العالمين): ما سوى الله، وسمي بذلك، لأنه علم على خالقه. قال الشاعر:
فواعجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد وهي تطلق على العالمين بهذا المعنى، وتطلق على العالمين في وقت معين، مثل قوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} 1، يعني: عالمي زمانهم. والرب هنا: المالك المتصرف، وهذه ربوبية مطلقة.
الآية الثانية: قوله: " لا شريك له ": الجملة حالية من قوله (لله) أي: حال كونه لا شريك له، والله -سبحانه- لا شريك له في عبادته، ولا في ربوبيته، ولا أسمائه وصفاته،ولهذا قال تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2.
وقد ضل من زعم أن لله شركاء، كمن عبد الأصنام، أو عيسى بن مريم عليه السلام وكذلك بعض غلاة الشعراء الذين جعلوا المخلوق بمنْزلة الخالق كقول بعضهم يخاطب ممدوحا له:
فكن كمن شئت يا من لا شبيه له وكيف شئت فما خَلْقٌ يدانيك وكقول البوصيري في قصيدته في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذا يدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
1 سورة البقرة آية : 47.
2 سورة الشورى آية : 11.
ج / 1 ص -218-
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وهذا من أعظم الشرك; لأنه جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول، ومقتضاه أن الله جل ذكره ليس له فيهما شيء.
وقال: (ومن علومك علم اللوح والقلم"، يعني: وليس ذلك كل علومك، فما بقي لله علم ولا تدبير- والعياذ بالله-.
قوله: (بذلك): الجار والمجرور متعلق بـ (أمرت) فيكون دالا على الحصر والتخصيص، وإنما خص بذلك، لأنه أعظم المأمورات، وهو الإخلاص لله تعالى ونفي الشرك، فكأنه ما أمر إلا بهذا، ومعلوم أن من أخلص لله تعالى، فسيقوم بعبادة الله- سبحانه وتعالى- في جميع الأمور.
قوله: (أمرت): إبهام الفاعل هنا من باب التعظيم والتفخيم، وإلا، فمن المعلوم أن الآمر هو الله تعالى.
قوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} يحتمل أن المراد الأولية الزمنية، فيتعين أن تكون أولية إضافية، ويكون المراد أنا أول المسلمين من هذه الأمة، لأنه سبقه في الزمن من أسلموا.
ويحتمل أن المراد الأولية المعنوية، فإن أعظم الناس إسلاما وأتمهم انقيادا هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فتكون الأولية أولية مطلقا.
ومثل هذا التعبير يقع كثيرا، أن تقع الأولية أولية معنوية، مثل أن تقول: أنا أول من يصدق بهذا الشيء، وإن كان غيرك قد صدق قبلك، لكن تريد أنك أسبق الناس تصديقا بذلك، ولن يكون عندك إنكار أبدا، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم " نحن أولى بالشك من إبراهيم"1 حينما قال {رَبِّ أَرِنِي
1 من حديث أبي هريرة, رواه البخاري (كتاب تفسير القرآن, باب قول الله تعالى: {وقوموا لله قانتين} , 3/230), ومسلم (كتاب الإيمان, باب زيادة طمأنينة القلب, 1/ 133).
ج / 1 ص -219-
كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } 1 فليس معناه أن إبراهيم شاك، لكن إن قدر أن يحصل شك، فنحن أولى بالشك منه، وإلا، فلسنا نحن شاكين، وكذلك إبراهيم ليس شاكا.
قوله: (المسلمين): الإسلام عند الإطلاق يشمل الإيمان، لأن المراد به الاستسلام لله ظاهرا وباطنا، ويدل لذلك قـوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } 2 وهذا إسلام الباطن.
وقوله: " وهو محسن " هذا إسلام الظاهر، وكذا قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } 3 يشمل الإسلام الباطن والظاهر، وإذا ذكر الإيمان دخل فيه الإسلام، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } 4 ومتى وجد الإيمان حقا لزم من وجوده الإسلام وأما إذا قرنا جميعا؛ صار الإسلام في الظاهر، والإيمان في الباطن، مثل حديث جبريل، وفيه: (أخبرني عن الإسلام)، فأخبره عن أعمال ظاهرة، وأخبرني عن الإيمان، فأخبره عن أعمال باطنة5.
وكذا قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } 6.
والشاهد من الآية التي ذكرها المؤلف: أن الذبح لا بد أن يكون خالصا لله.
1 سورة البقرة آية : 260.
2 سورة البقرة آية : 112.
3 سورة آل عمران آية : 85.
4 سورة التوبة آية : 72.
5 من حديث عمر, رواه: مسلم (كتاب الإيمان, باب الإيمان والإسلام والإحسان, 1/36).
6 سورة الحجرات آية : 14.
ج / 1 ص -220- وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 1.
الآية الثالثة: قوله: (فصل): الفاء للسببية عاطفة على قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 2 أي: بسبب إعطائنا لك ذلك صل لربك وانحر شكرا لله تعالى على هذه النعمة. والمراد بالصلاة هنا الصلاة المعروفة شرعا.
وقوله: وانحرف: المراد بالنحر: الذبح، أي اجعل نحرك لله كما أن صلاتك له فأفادت هذه الآية الكريمة أن النحر من العبادة، ولهذا أمر الله به وقرنه بالصلاة.
وقوله: (وانحر): مطلق، فيدخل فيه كل ما ثبت في الشرع مشروعيته، وهي ثلاثة أشياء: الأضاحي، والهدايا، والعقائق، فهذه الثلاثة يطلب من الإنسان أن يفعلها.
أما الهدايا، فمنها واجب، ومنها مستحب، فالواجب كما في التمتع: { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } 3 وكما في المحصر: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } 4 وكما في حلق الرأس: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } 5 هذا إن صح أن نقول: إنها هدي، ولكن الأولى أن نسميها فدية كما سماها الله- عز وجل-، لأنها بمنزلة الكفارة.
وأما الأضاحي، فاختلف العلماء فيها، فمنهم من قال: إنها واجبة. ومنهم من قال: إنها مستحبة. وأكثر أهل العلم على أنها مستحبة، وأنه يكره للقادر تركها ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنها واجبة على القادر، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. والأضحية ليست عن الأموات كما يفهمه العوام، بل هي للأحياء،
1 سورة الكوثر آية : 2.
2 سورة الكوثر آية : 1.
3 سورة البقرة آية : 196.
4 سورة البقرة آية : 196.
5 سورة البقرة آية : 196.
ج / 1 ص -221- عن علي رضي الله عنه قال: " حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله .............
وأما الأموات، فليس من المشروع أن يضحى لهم استقلالا، إلا إن أوصوا به، فعلى ما أوصوا به؛ لأن ذلك لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم
وأما العقيقة: وهي التي تذبح عن المولود في يوم سابعه إن كان ذكرا فاثنتان، وإن كان أنثى فواحدة، وتجزئ الواحدة مع الإعسار في الذكور وهي سنة عند أكثر أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل غلام مرتهن بعقيقته " 1.
قوله: "كلمات": جمع كلمة، والكلمة في اصطلاح النحويين: القول المفرد. أما في اللغة، فهي كل قول مفيد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أصدق كلمة قالها شاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل "2. وقـال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } 3 وهي قوله: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } 4.
قال شيخ الإسلام: لا تطلق الكلمة في اللغة العربية إلا على الجملة المفيدة.
قوله: "لعن الله": اللعن من الله: الطرد والإبعاد عن رحمة الله،
1 من حديث سمرة بن جندب, رواه: أحمد في "المسند" (5/ 7, 8, 12, 17, 22), وأبو داود (كتاب الأضاحي, باب في العقيقة, 3/259), والترمذي (الأضحية, باب في العقيقة, 5/237) - وقال: "حديث حسن صحيح"-, والنسائي (كتاب العقيقة, باب متى يعق, رقم 4225), وابن ماجه (كتاب الذبائح, باب في العقيقة, 2/1057), والدارمي (كتاب الأضاحي, باب السنة في العقيقة, 2/81).
2 من حديث أبي هريرة, رواه: البخاري (3841, 6147, 6489).
3 سورة المؤمنون آية : 100.
4 سورة آية : 99-100.
ج / 1 ص -222- من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه
فإذا قيل: لعنه الله، فالمعنى: طرده وأبعده عن رحمته، وإذا قيل: اللهم العن فلانا، فالمعنى أبعده عن رحمتك واطرده عنها.
قوله: من ذبح لغير الله : عام يشمل من ذبح بعيرا، أو بقرة، أو دجاجة، أو غيرها.
قوله: "لغير الله": يشمل كل من سوى الله حتى لو ذبح لنبي، أو ملك، أو جني، أو غيرهم.
وقوله: "لعن": يحتمل أن تكون الجملة خبرية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن الله لعن من ذبح لغير الله، ويحتمل أن تكون إنشائية بلفظ الخبر، أي: اللهم العن من ذبح لغير الله، والخبر أبلغ، لأن الدعاء قد يستجاب، وقد لا يستجاب.
قوله: "والديه": يشمل الأب والأم، ومن فوقهما، لأن الجد أب، كما أن أولاد الابن والبنت أبناء، في وجوب الاحترام لأصولهم. والمسألة هنا ليست مالية، بل هي من الحقوق، ولعن الأدنى أشد من لعن الأعلى، لأنه أولى بالبر، ولعنه ينافي البر.
قوله: "من لعن والديه": أي: سبهما وشتمهما، فاللعن من الإنسان السب والشتم، فإذا سببت إنسانا أو شتمته، فهذا لعنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: " كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه "1 وأخذ الفقهاء من هذا الحديث قاعدة، وهي: أن السبب بمنزلة المباشرة في الإثم، وإن كان يخالفه في الضمان على تفصيل في ذلك عند أهل العلم.
1 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص, رواه: البخاري (كتاب الأدب, باب لا يسب الرجل والديه, 4/86), ومسلم (كتاب الإيمان, باب بيان الكبائر, 1/92).
ج / 1 ص -223- لعن الله من أوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض " رواه مسلم1.
قوله: "من آوى محدثا": أي: ضمه إليه وحماه، والإحداث: يشمل الإحداث في الدين، كالبدع التي أحدثها الجهمية والمعتزلة، وغيرهم.
والإحداث في الأمر: أي في شؤون الأمة، كالجرائم وشبهها، فمن آوى محدثا، فهو ملعون، وكذا من ناصرهم، لأن الإيواء أن تأويه لكف الأذى عنه، فمن ناصره، فهو أشد وأعظم. والمحدث أشد منه; لأنه إذا كان إيواؤه سببا للعنة، فإن نفس فعله جرم أعظم.
ففيه التحذير من البدع والإحداث في الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة "2، وظاهر الحديث: ولو كان أمرا يسيرا.
قوله: "منار الأرض": أي: علاماتها ومراسيمها التي تحدد بين الجيران، فمن غيرها ظلما، فهو ملعون، وما أكثر الذين يغيرون منار الأرض، لا سيما إذا زادت قيمتها، وما علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه من سبع أرضين "3، فالأمر عظيم، مع أن هذا الذي يقتطع من الأرض، ويغير المنار، ويأخذ ما لا يستحق لا يدري: قد يستفيد منها في دنياه، وقد يموت قبل ذلك، وقد يسلط عليه آفة تأخذ ما أخذ.
فالحاصل: أن هذا دليل على أن تغيير منار الأرض من كبائر الذنوب، ولهذا قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وبالعقوق وبالإحداث، مما يدل على أن أمره عظيم، وأنه يجب على المرء أن يحذر منه، وأن يخاف الله- سبحانه وتعالى- حتى لا يقع فيه.
1 في (كتاب الأضاحي, باب تحريم الذبح لغير الله, 3/1567).
2 سبق (ص 212).
3 سبق (ص 87).
ج / 1 ص -224- وعن طارق بن شهاب; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال:مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب قال: ليس عندي شيء أقربه. قالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عزوجل فضربوا عنقه، فدخل الجنة " رواه أحمد1.
قوله: "عن طارق بن شهاب": في الحديث علتان:
الأولى: أن طارق بن شهاب اتفقوا على أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم واختلفوا في صحبته، والأكثرون على أنه صحابي، لكن إذا قلنا: إنه صحابي، فلا يضر عدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مرسل الصحابي حجة، وإن كان غير صحابي، فإنه مرسل غير صحابي، وهو من أقسام الضعيف.
الثانية: أن الحديث معنعن من قبل الأعمش، وهو من المدلسين، وهذه آفة في الحديث، فالحديث في النفس منه شيء من أجل هاتين العلتين.
ثم للحديث علة ثالثة، وهي أن الإمام أحمد رواه عن طارق عن سلمان موقوفا من قوله، وكذا أبو نعيم وابن أبي شيبة، فيحتمل أن سلمان أخذه عن بني إسرائيل.
قوله: "في ذباب": في: للسببية، وليست للظرفية، أي: بسبب ذباب، ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم " دخلت النار امرأة في هرة حبستها... "2 الحديث، أي: بسبب هرة.
قوله: "فدخل النار": مع أنه ذبح شيئا حقيرا لا يؤكل، لكن لما
1 رواه: الإمام أحمد في "الزهد" (ص 15, 16), وأبو نعيم في "الحلية" (1/203).
2 من حديث ابن عمر, رواه: البخاري (كتاب بدء الخلق, باب إذا وقع الذباب, 2/448), ومسلم (كتاب السلام, باب تحريم قتل الهرة, 4/1760).
ج / 1 ص -225- فيه مسائل:
الأولى: تفسير:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي}
الثانية: تفسي: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الثالثة: البداءة بلعنة من ذبح لغير الله.
الرابعة: لعن من لعن والديه، ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك.
نوى التقرب به إلى هذا الصنم، صار مشركا، فدخل النار.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي } وقد سبق ذلك في أول الباب
الثانية: تفسير: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}وقد سبق ذلك في أول الباب
الثالثة: البداءة بلعنة من ذبح لغير الله: بدأ به، لأنه من الشرك، والله إذا ذكر الحقوق يبدأ أولا بالتوحيد، لأن حق الله أعظم الحقوق، قـال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } 1 وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } 2 وينبغي أن يبدأ في المناهي والعقوبات بالشرك وعقوبته.
الرابعة: لعن من لعن والديه: ولعن الرجل للرجل له معنيان:
الأول: الدعاء عليه باللعن.
1 سورة النساء آية : 36.
2 سورة الإسراء آية : 23.
ج / 1 ص -226- الخامسة: لعن من آوى محدثا وهو الرجل يحدث شيئا يجب فيه حق الله، فيلتجئ إلى من يجيرة من ذلك.
السادسة: لعن من غير منار الأرض، وهي المراسيم التي تفرق بين حقك وحق جارك من الأرض، فتغيرها بتقديم أو تأخير.
السابعة: الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم.
الثاني: سبه وشتمه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فسره بقوله: " يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه " 1.
الخامسة: لعن من آوى محدثا: وقد سبق أنه يشمل الإحداث في الدين والجرائم، فمن آوى محدثا ببدعة، فهو داخل في ذلك، ومن آوى محدثا بجريمة، فهو داخل في ذلك.
السادسة: لعن من غير منار الأرض.... وسواء كانت بينك وبين جارك، أو بينك وبين السوق مثلا، لأن الحديث عام.
السابعة: الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم: فالأول ممنوع، والثاني جائز، فإذا رأيت من آوى محدثا، فلا تقل: لعنك الله، بل قل: لعن الله من آوى محدثا على سبيل العموم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صار يلعن أناسا من المشركين من أهل الجاهلية بقوله: "اللهم! العن فلانا وفلانا وفلانا" نهي عن ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ
1 سبق (ص 222).
ج / 1 ص -227- الثامنة: هذه القصة العظيمة، وهي قصة الذباب.
التاسعة: كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده، بل فعله تخلصا من شرهم.
فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}1، 2 فالمعين ليس لك أن تلعنه، وكم من إنسان صار على وصف يستحق به اللعنة ثم تاب فتاب الله عليه، إذن يؤخذ هذا من دليل منفصل، وكأن المؤلف رحمه الله قال: الأصل عدم جواز إطلاق اللعن، فجاء هذا الحديث لاعنا للعموم، فيبقى الخصوص على أصله؛ لأن المسلم ليس بالطعان، ولا باللعان، والرسول صلى الله عليه وسلم ليس طعانا ولا لعانا، ولعل هذا وجه أخذ الحكم من الحديث، وإلا، فالحديث لا تفريق فيه.
الثامنة: هذه القصة العظيمة وهي قصة الذباب: كأن المؤلف رحمه الله يصحح الحديث، ولهذا بنى عليه حكما، والحكم المأخوذ من دليل فرع عن صحته، والقصة معروفة.
التاسعة: كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده، بل فعله تخلصا من شرهم: هذه المسألة ليست مسلمة، فإن قوله: قرب ولو ذبابا؛ يقتضي أنه فعله قاصدا التقرب، أما لو فعله تخلصا من شرهم، فإنه لا يكفر؛ لعدم قصد التقرب، ولهذا قال الفقهاء: لو أكره على طلاق امرأته فطلق تبعا لقول المكره، لم يقع الطلاق، بخلاف ما لو نوى الطلاق، فإن الطلاق يقع، وإن طلق دفعا للإكراه، لم يقع، وهذا حـق لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات "3، وظاهر القصة أن الرجل ذبح بنية التقرب، لأن
1 سورة آل عمران آية : 128.
2 انظر: (ص 290).
3 من حديث عمر, رواه: البخاري (كتاب بدء الوحي, باب كيف كان بدء الوحي, 1/13), ومسلم (كتاب الإمارة, باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية , 3/1515).
ج / 1 ص -228- العاشرة: معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين، كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طلبهم مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر؟!
الأصل أن الفعل المبني على طلب يكون موافقا لهذا الطلب. ونحن نرى خلاف ما يرى المؤلف رحمه الله، أي أنه لو فعله بقصد التخلص ولم ينو التقرب لهذا الصنم لا يكفر، لعموم قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} 1 وهذا الذي فعل ما يوجب الكفر تخلصا مطمئن قلبه بالإيمان. والصواب أيضا: أنه لا فرق بين القول المكره عليه والفعل، وإن كان بعض العلماء يفرق ويقول: إذا أكره على القول لم يكفر، وإذا أكره على الفعل كفر، ويستدل بقصة الذباب، وقصة الذباب فيها نظر من حيث صحتها، وفيها نظر من حيث الدلالة; لما سبق أن الفعل المبني على طلب يكون موافقا لهذا الطلب. ولو فرض أن الرجل تقرب بالذباب تخلصا من شرهم، فإن لدينا نصا محكما في الموضوع، وهو قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ } 2 الآية، ولم يقل بالقول، فما دام عندنا نص قرآني صريح، فإنه لو وردت السنة صحيحة على وجه مشتبه، فإنها تحمل على النص المحكم. الخلاصة أن من أكره على الكفر، لم يكن كافرا ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان ولم يشرح بالكفر صدرا.
العاشرة: معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين... إلخ: وقد بينها المؤلف رحمه الله تعالى.
1 سورة النحل آية : 106.
2 سورة النحل آية : 106.
ج / 1 ص -229-
مسألة:
هل الأولى للإنسان إذا أكره على الكفر أن يصبر ولو قتل، أو يوافق ظاهرا ويتأول؟
هذه المسألة فيها تفصيل:
أولا: أن يوافق ظاهرا وباطنا، وهذا لا يجوز لأنه ردة.
ثانيا: أن يوافق ظاهرا لا باطنا، ولكن يقصد التخلص من الإكراه، فهذا جائز.
ثالثا: أن لا يوافق لا ظاهرا ولا باطنا ويقتل، وهذا جائز، وهو من الصبر لكن أيهما أولى أن يصبر ولو قتل، أو أن يوافق ظاهرا؟ فيه تفصيل: إذا كان موافقة الإكراه لا يترتب عليه ضرر في الدين للعامة، فإن الأولى أن يوافق ظاهرا لا باطنا، لا سيما إذا كان بقاؤه فيه مصلحة للناس، مثل: صاحب المال الباذل فيما ينفع أو العلم النافع وما أشبه ذلك، حتى وإن لم يكن فيه مصلحة، ففي بقائه على الإسلام زيادة عمل، وهو خير، وهو قد رخص له أن يكفر ظاهرا عند الإكراه، فالأولى أن يتأول، ويوافق ظاهرا لا باطنا.
أما إذا كان في موافقته وعدم صبره ضرر على الإسلام، فإنه يصبر، وقد يجب الصبر، لأنه من باب الصبر على الجهاد في سبيل الله، وليس من باب إبقاء النفس، ولهذا لما شكى الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ما يجدونه من مضايقة المشركين، قص عليهم قصة الرجل فيمن كان قبلنا بأن الإنسان كان يمشط ما بين لحمه وجلده بأمشاط الحديد1 ويصبر، فكأنه يقول لهم: اصبروا على الأذى.
1 من حديث خباب بن الأرت, رواه: البخاري (كتاب المناقب, باب علامات النبوة في الإسلام, 2/520).
ج / 1 ص -230- الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم، لأنه لو كان كافرا، لم يقل: " دخل النار في ذباب".
الثانية عشرة: فيه شاهد للحديث الصحيح: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك " 1.
ولو حصل من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الوقت موافقة للمشركين وهم قلة، لحصل بذلك ضرر عظيم على الإسلام. والإمام أحمد رحمه الله في المحنة المشهورة لو وافقهم ظاهرا، لحصل في ذلك مضرة على الإسلام.
الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم، لأنه لو كان كافرا لم يقل: دخل النار في ذباب: وهذا صحيح، أي أنه كان مسلما ثم كفر بتقريبه للصنم، فكان تقريبه هو السبب في دخوله النار. ولو كان كافرا قبل أن يقرب الذباب، لكان دخوله النار لكفره أولى، لا بتقريبه الذباب.
الثانية عشرة: فيه شاهد للحديث الصحيح: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك "2، والغرض من هذا: الترغيب والترهيب: فإذا علم أن الجنة أقرب إليه من شراك النعل، فإنه ينشط على السعي، فيقول: ليست بعيدة، كقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يدخل الجنة ويباعد من النار، فقال: " لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه"3 والنار إذا قيل له: إنها أقرب من شراك النعل يخاف،
1 من حديث عبد الله بن مسعود, رواه: البخاري برقم (6488).
2 البخاري : الرقاق (6488) , وأحمد (1/387 ,1/413 ,1/442).
3 من حديث معاذ, أخرجه: الإمام أحمد (5/231) ورواه: الترمذي (الإيمان, باب ما جاء في حرمة الصلاة, 7/280) - وقال: "حسن صحيح" -, والنسائي في "الكبرى"; كما في "تحفة الأشراف" (8/399), وابن ماجه (كتات الفتن, باب كف اللسان في الفتنة, رقم 3973).
ج / 1 ص -231- الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم، حتى عند عبدة الأوثان.
ويتوقى في مشيه لئلا يزل فيهلك، ورب كلمة توصل الإنسان إلى أعلى عليين، وكلمة أخرى توصله إلى أسفل سافلين.
الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان: والحقيقة أن هذه المسألة مع التاسعة فيها شبه تناقض، لأنه في هذه المسألة أحال الحكم على عمل القلب، وفي التاسعة أحاله على الظاهر، فقال: بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم، ومقتضى ذلك أن باطنه سليم، وهنا يقول: إن العمل بعمل القلب، ولا شك أن ما قاله المؤلف رحمه الله حق بالنسبة إلى أن المدار على القلب. والحقيقة أن العمل مركب على القلب، والناس يختلفون في أعمال القلوب أكثر من اختلافهم في أعمال الأبدان، والفرق بينهم قصدا وذلا أعظم من الفرق بين أعمالهم البدنية، لأن من الناس من يعبد الله لكن عنده من الاستكبار ما لا يذل معه ولا يذعن لكل حق، وبعضهم يكون عنده ذل للحق، لكن عنده نقص في القصد، فتجد عنده نوعا من الرياء مثلا. فأعمال القلب وأقواله لها أهمية عظيمة، فعلى الإنسان أن يخلصها لله. وأقوال القلب هي اعتقاداته، كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وأعماله هي تحركاته. كالحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والاستعانة، وما أشبه ذلك. والدواء لذلك: القرآن والسنة، والرجوع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعرفة أحواله وأقواله وجهاده ودعوته، هذا مما يعين على جهاد القلب. ومن أسباب صلاح القلب أن لا تشغل قلبك بالدنيا.
المصدر :
كتاب
القول المفيد على كتاب التوحيد
رابط التحميل المباشر
http://waqfeya.com/book.php?bid=1979
|