عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-10-2010, 09:53PM
الصورة الرمزية أم العبدين الجزائرية
أم العبدين الجزائرية أم العبدين الجزائرية غير متواجد حالياً
مفرغة صوتيات - وفقها الله -
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 848
افتراضي

وهكذا قوله سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ يشمل فعل الأوامر وترك النواهي ، فإن هذا هو النصر لله بفعل أوامره وترك نواهيه عن إيمان وعن إخلاص لله وتوحيد له سبحانه وإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ، لا عن مجرد شجاعة وحمية ، ولا ليقال إنه كذا وكذا ، ولا لمقصد آخر غير اتباع الشرع ، فالنصر لدين الله يكون بطاعة الله وتعظيمه والإخلاص له والرغبة فيما عنده سبحانه وتعالى والعمل بشريعته يريد ثوابه وإقامة دينه ، فمن كان بهذه الصفة فهو من المؤمنين الذين قال الله فيهم : إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ويقول فيهم جل وعلا : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ[15] يعني بذلك العاقبة الوخيمة وهي اللعنة وسوء الدار ، فالعاقبة الوخيمة هي النار والطرد من رحمة الله لأنهم لم ينصروا الله ولم ينصروا دينه ، فالظالمون لا تنفعهم المعاذير ولهم اللعنة ولهم سوء الدار يوم القيامة ، بخلاف من نصر دين الله واستقام عليه فلهم الرضا والكرامة والعاقبة الحميدة وذلك بالنصر في الدنيا والفوز في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم ، فالرسل وأتباعهم وهم المؤمنون لهم النصر في الدنيا بإظهارهم على عدوهم وتمكينهم من عدوهم وجعل العاقبة الحميدة لهم ضد عدوهم ، وفي الآخرة لهم النصر بدخول الجنة والنجاة من النار والسلامة من هول اليوم العظيم ، ويقول عز وجل : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[16] هؤلاء هم أنصار الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وهم الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وهم الذين نصروا دين الله واستقاموا عليه ، فالآيات والأحاديث يفسر بعضها بعضا ويدل بعضها على معنى بعض ، فأنصار الله هم المؤمنون ، وهم المتقون ، وهم الصابرون الصادقون ، وهم الأبرار ، وهم الذين إذا مكنوا في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات المذكورون في هذه الآية من سورة النور ، وهم الذين قاموا بهذين الأمرين ، آمنوا بالله ورسوله ، آمنوا بأن الله ربهم وهو معبودهم الحق خصوه بالعبادة وآمنوا بأسمائه وصفاته واستقاموا على دينه قولا وعملا وعقيدة ، هؤلاء هم المؤمنون ، هم أنصار الله ، هم أنصار دينه ، وهم المتقون ، وهم الذين قال فيهم : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وهم المؤمنون الذين ذكروا في قوله : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[17] وهم المذكورون في قوله جل وعلا : وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ الآية ، وفي قوله عز وجل : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ وهم الموعودون بالاستخلاف في الأرض والتمكين لدينهم وإبدالهم بعد الخوف أمنا وبعد الذل عزا .
فعليك يا عبد الله أن تعرف هذا المعنى جيدا وأن تعمل به حتى تكون من أنصار الله ، وحتى تحصل لك العاقبة الحميدة التي وعد الله بها أنصاره ، فالله وعد أنصاره بالنصر والعاقبة الحميدة والتمكين في الأرض وأن يبدلهم بخوفهم أمنا لما أخافوا أعداءه من أجله ، وصبروا على دينه ، وجاهدوا في الله وقدموا أنفسهم في سبيله سبحانه رخيصة يرجون رحمته ويخافون عقابه ، قد باعوها لله وسلموها لله عملا بقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
[18] الآية ، فهؤلاء هم أنصار الله الذين ثبتوا على دينه واستقاموا عليه قولا وعملا في الأمن والخوف في الشدة والرخاء جاهدوا لله وصبروا فجعل الله لهم العاقبة الحميدة كما قال سبحانه : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[19] وعدهم بالهداية وأنهم هم المحسنون المنصورون ، ولما توافرت هذه الأسباب في الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في يوم بدر نصروا على الكفار وهم أضعافهم ، أضعافهم في القوة والعدد ومع ذلك نصروا عليهم بأنهم حققوا هذه الصفات ، نصروا دين الله بالقول والعمل ، وصبروا في لقاء الأعداء وصدقوا ، فمكنهم الله وهزم عدوهم وجعل لهم العاقبة الحميدة ، وهكذا في يوم الأحزاب صدقوا وصبروا وصابروا صبرا عظيما مع كون الكفار أضعاف المسلمين .
فصبر المسلمون وهم محاصرون حتى نصرهم الله بأمر من عنده على عدوهم بجنود لم يروها حتى زلزلهم وردهم خائبين لم ينالوا خيرا بسبب صبر الصحابة ونبيهم صلى الله عليه وسلم على طاعته وجهاد أعدائه ، وهكذا في يوم الفتح نصر الله المسلمين على عدوهم وفتحوا مكة وهزموا الشرك وأعوانه وجيش هوازن فضلا منه سبحانه وتأييدا لأوليائه ، وهكذا حصل للصحابة في قتالهم للروم وفارس وغيرهما صبروا وجاهدوا فأفلحوا ونصروا وجعل الله لهم العاقبة الحميدة ، فصاروا قادة الناس وملوك الأرض ، وسنة الله سبحانه هذه سائرة في عباده إلى يوم القيامة ، من نصره نصره ، ومن حاد عن دينه خذله ، ولما جرى ما جرى يوم أحد من الخلل أصيب المسلمون وهم أفضل خلق الله في أرض الله ، فيهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق ، وهم بعده وبعد الأنبياء أفضل الخلق ، وفيهم الصديق رضي الله عنه أفضل الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفيهم عمر أفضل الأمة بعد النبي وبعد الصديق ، وفيهم بقية الأخيار .
أصيب المسلمون بسبب الخلل الذي حصل من الرماة لما أخلوا بما أوجب الله عليهم من الصبر لأعداء الله ولزوم الثغر الذي يخشى منه فدخل العدو عليهم ، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد أمر الرماة أن يلزموا موقعهم وأن لا يبرحوه وإن رأوا العدو يتخطف المسلمين وإن رأوا المسلمين نصروا لا هذا ولا هذا ، فعليهم أن يلزموا مكانهم ، فلما انهزم العدو يوم أحد ورآهم الرماة انهزموا ظنوا أنها الفاصلة فأخلوا بمواقعهم ، وحاول أميرهم أن يثنيهم عن ذلك فخالفوه ظنا منهم أن الكفار لا عودة لهم وأنهم قد انهزموا انهزاما كاملا فدخل العدو على المسلمين وصارت النكبة على المسلمين والقتل والجراحات والهزيمة حتى حاولوا قتله صلى الله عليه وسلم فأنجاه الله من شرهم وأصابه جراحات وكسروا رباعيته عليه الصلاة والسلام إلى غير هذا مما أصابه عليه الصلاة والسلام ، وقتل سبعون من الصحابة وأصاب بعض من بقي جراحات ، وأنزل الله فيهم سبحانه وتعالى : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ أي : يقتلونهم بإذن الله حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ يعني بذلك الرماة وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ تنازعوا في الأمر واختلفوا وَعَصَيْتُمْ بترك الموقع الذي أمركم الرسول صلى الله عليه وسلم بلزومه مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ من هزيمة العدو ، والجواب محذوف تقديره سلط العدو عليكم . مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ...
[20] الآية .
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رد مع اقتباس