عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-09-2010, 09:51PM
أم البراء أم البراء غير متواجد حالياً
عضو مشاركة - وفقها الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
الدولة: اليمن
المشاركات: 219
افتراضي

[المتن]
ثم قال رحمه الله:
ومنها: العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، فكلما اتَّسع علمُ العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم، بل للعلم الموروث عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً.
ومنها: الإنابة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، ومحبتُه بكلِّ القلب، والإقبالُ عليه، والتنعُّم بعبادته، فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك. حتى إنه ليقولُ أحياناً: إن كنتُ في الجنة في مثل هذه الحالة، فإني إذاً في عيش طيب.
وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر، وطيبِ النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا مَن له حِس به، وكلَّما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ، كان الصدرُ أفسحَ وأشرحَ، ولا يَضيق إلا عند رؤية البطَّالين الفارِغين من هذا الشأن، فرؤيتُهم قَذَى عينه، ومخالطتهم حُمَّى روحه.
ومِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: الإعراضُ عن اللَّه تعالى.
[الشرح]
قال العلامة ابن القيم رحمه تعالى (ومنها) من أسباب انشراح الصدر (العلم) العلم، (الـ) العلم للعهد العلم المعهود المعروف هو العلم النافع، وهو العلم الموروث من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا)؛ لأنه على بصيرة في دينه، على بصيرة في سيره إلى الله لا يتخبط في سيره إلى الله في عبادته في طاعته في معاملاته لإخوانه المسلمين وغير المسلمين، يعرف كيف يعامل الناس جميعا، لذلك يقول (حتى يكون أَوسعَ من الدنيا) لأنه يعلم كيف يعيش في هذه الدنيا، كيف يعامل رب العالمين وكيف يعامل أولياءه، وكيف يعامل أعداءه، يعلم كل شيء يحتاج إليه.
(والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس) الجاهل الذي لا يعرف ما يجب لله، لا يعرف حق الله، لا يعرف حق رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يعرف حق عباد الله، قد يؤتي ويصرف بعباد الله محض حق الله تعالى لجهله، الجاهل الذي يجهل الضروريات من الدين، العلم الضروري الذي لا يسع مسلما أو مسلمة أن يجهله، هذا يكون في ضيق في حرج في حبس، لا يعرف حتى ما يصلحه هو، لا يصلح العبد شيء مثل معرفته لربه.
الجاهل لا يعرف ربه، الجاهل يتبع كل ناهق.
إذا قال له قائل: الله في صدري. كما يقول بعض شيوخ الطرق يصدق.
إذا قال له قائل: الله في كل مكان. يصدق.
إذا قال القائل: الله، هذه السماوات هذه الأجرام هي نفسها هي الله. يصدقها.
الجاهل الذي لا يعرف ربه حقيقة المعرفة، ولا يعرف نبيه حق المعرفة، وما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام المعرفة الواجبة، في ضيق ليس بعده ضيق، وفي حرج، وفي حبس.
لذلك ننصح إخواننا المسلمين أن يتعلّموا العلم الضروري، العلم علمان، علم ضروري لا يسع مسلما جهله أبدا، لذلك عندما بدأ شيخ الإسلام المصلح المجدد تجديده، ألّف للناس رسالة صغيرة كانوا يحفظونها حتى العوام والأطفال، يحفظون العوام في مساجدهم، والأطفال في بيوتهم؛ لأن هذه رسالة التي تسمى الأصول الثلاثة مشتملة على العلم الضروري الذي لا يسع مسلما جهله، لذلك على طلاب العلم وعلى المصلحين المنتشرين في العالم للإصلاح أن يبدؤوا في تربية الناس بصغار العلم، بأن يعرّفوهم رب العالمين ودينه ونبيه، وشروط الصلاة وواجبات الصلاة أركان الصلاة، معنى لا إله إلا الله، نواقض الإسلام، هذه الأمور لا يسع مسلما جهلها، من جهل هذه الأمور إسلامه على خطر، إسلام تقليدي، إيمانه تقليدي لا يجدي ولا ينفع لذلك فهو في ضيق وفي حبس، فنسأل الله أن رزقنا علما نافعا وعملا صالحا مقبولا عنده سبحانه.
يقول الشيخ رحمه الله تعالى (والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس) هذا شيء ملموس، والجاهل يدرك ذلك من نفسه، الإنسان الذي أدرك مرضه، من الغباوة بما كان أن لا يبادر بالعلاج، والجاهل الذي يعلم من نفسه مثل هذا الجهل، من الغباوة بما كان عدم المبادرة بالتعلم، والتعلم في هذا الوقت أيسر من أي وقت مضى، عندما كانت الناس تسافر من مكان إلى مكان في البحث عن مسألة علمية وعن عالم يعلّم الناس بينما الآن العلم دخل عليك في بيتك بواسطة الأشرطة، وبواسطة المذياع، دخلت عليك المسائل العلمية والفتاوى الإسلامية دخلت عليك في بيتك، من قصّر في هذا الوقت بالتعلم رجالا ونساء فهو المقصر ليس لدبه أدنى عذر أبدا، أينما كان حتى المسلم الذي يعيش في غير بلاد المسلمين العلم يلحقه هناك.
يقول العلامة ابن القيم (لما اتَّسع علمُ العبد انشرح صدره واتسع،) إذا تجاوز المعلومات الضرورية ودرس واتسعت معلوماته في العقيدة في الشريعة في الأحكام في المعاملات (انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم)؛ لأن العلم بالمفهوم اللّغوي بمعنى المعرفة، يشمل أي علم؛ ولكن هذا العلم الذي هو موضع حديثنا، ليس كل علم، (بل للعلم الموروث عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، العلم الشرعي، العلم الذي به تعرف الله، وتعرف به دين الله، وتعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرف الدار الآخرة والاستعداد لها، وليس معنى ذلك أنه لا يسوغ لك أن تتعلم غير هذا العلم؟ لا، تعلم هذا العلم، وبعد ذلك تعلم أي علم نافع في الدنيا والآخرة ما لم يكن ضارا، وهو العلم النافع، العلم النافع النفع المطلوب للعبد في آخرته في دينه، وقد تكون علوم الدنيا نافعة نفعا خاصا نفعا مقيدا نفعا مؤقتا؛ لكن هذا العلم (هو العلمُ النافع) النفع الذي لا تستغني عنه أبدا، (فأهلُه أشرحُ الناس صدراً) أهل هذا العلم (أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً.) لا يضيقون.
ثم قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى (ومنها: الإنابة) الإنابة إلى الله من أسباب انشراح الصدر (الإنابة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، ومحبتُه بكلِّ القلب) حتى لا يكون قلبك محبوب سواه، لا تحب أحدا مع الله، حرام على قلبٍ أن يجمع... ومحبة غيره، انتبه هما محبتان، الحب في الله، والحب مع الله المحرم الذي لا يجوز أن تتورط فيه؛ أن تحب مع الله، أن تجمع في قلبك مع الله محبوبا آخر تحبه كما تحب الله، وتعظمه كما تعظم الله، وتخافه وترجوه وتراقبه، وتعتقد أنه معك في كل لحظة يعلم منك كل شيء، لا يوجد من يتصف بهذه الصفات غير رب العالمين، ولو جعلت محبوبا آخر شيخك، إمامك، شيخ طريقتك، جعلت له شيئا من هذه المحبة حل في قلبك مع الله، تعظمه وتخاف منه أشركت بالله شركا أكبر، لا يُغفر إلا بالتوبة، حتى تطرد ذاك المحبوب الثاني من قلبك، ليكون محبوب قلبك هو الله وحده لا شريك له، أما من يحب شيخه ورئيسه كما يحب الله فيعظمه كما يعظم الله، وربما يعتقد فيه معرفة علم الغيب وأنه يضرّه أو .... مشرك شركا أكبر.
وهناك محبة -محبة طبيعية- تحب ابنك وأهلك، تحب سيارتك، تحب مالك، هذه محبة طبيعية ليس فيها خضوع وتذلل..، ليست محبة عبادة ، فهناك محبة عظيمة نافعة لك، الحب في الله، تحب أولياء الله ... تعتقد فيه الصلاح والتقوى والاستقامة، تحبه لا لشيء آخر؛ بل لكونه وليا من أولياء الله وعبدا صالحا لله، محبا لله، أحببته لكونه يحب الله، هذا علم صالح، لذلك إذا تحاب اثنان في الله واجتمعا على هذه المحبة وافترقا عليها يكونان من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
إذن فرق، باب المحبة باب عظيم، يجب على طلاب العلم أن يدرسوا هذا الباب، الإشراك في هذا الباب باب خطير جدا(1) لذلك قال (ومحبتُه بكلِّ القلب) كما شرحنا (والإقبالُ عليه) لا تقبل إلا عليه، لا تلتفت بقلبك إلا إليه، والتنعّم بعبادته وأن تحس التنعم والراحة بعبادته، ذلك إذا وحدت الله، أما إذا كنت تعبد معه غيره، لا تجد ذلك التنعم وأنت في قلق تخاف الله وتخاف غير الله، وربما يزين لك شيطانك فيقول: لو قصرت في حق الله الأمر هيّن؛ لأن الله غفور رحيم لكن لو قصرت في حق الشيخ الشيخ لا يتسامح لا يغفر ولا يعفو.
لا تعتبر هذا الكلام فيه نوع من المبالغة، هذا وقع كثير من أتباع مشايخ الطرق الذين استولت على قلوبهم محبة شيوخهم، لدي سؤال وردني البارحة في هذا المعنى، سوف نجيب عليه تتصوروا أن أتباع مشايخ الطرق يعظمون مشايخهم أكثر من تعظيمهم رب العالمين، ويخافون منهم أكثر مما يخافون من رب العالمين، بدعوى أن الله غفور رحيم، والشيخ لا يغفر ولا يرحم، يجب أن تكون معه حرفيا، أين الإيمان؟ ما هذا؟
(والإقبالُ عليه، والتنعُّم بعبادته، فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك) اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا. العلامة ابن القيم من الذين لهم ذوق خاص في هذا المعنى، لذلك يتحدث عن معرفة وعن إحساس وعن تجربة، لا يتحدث حديث ناقل مثلما من ينقل كلام الناس إلى الناس، (، فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك. حتى إنه ليقولُ أحياناً: إن كنتُ في الجنة في مثل هذه الحالة). يقول العلامة ابن القيم قد يصل العبد إلى درجة (إنه ليقولُ أحياناً: إن كنتُ في الجنة في مثل هذه الحالة)، أي شغل بالدنيا جنة وأحس بهذه الجنة وتنعم بها يقول إذا وجدت في الآخرة جنة كهذه (فإني إذاً في عيش طيب)، هذا لا يقوله الذي يحكي؛ ولكن يقوله الذي تذوق رحمه الله.
يقول العلامة ابن القيم (وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر) وهذه المحبة لا تحقق أيها الإخوة إلا في الإقبال الكامل وعدم الانشغال بغير الله، أما من شغل نفسه بغير الله؛ بغير عبادته، بغير طاعته، بغير اتباع دينه، من شغل نفسه بأمور تافهة لا تستحق مثل هذه المحبة؛ بل (وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر، وطيبِ النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا مَن له حِس به)، صدق رحمه الله؛ لا يعرف ذلك ويدركه إلا من له حس بذلك؛ بل كلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح، لذلك مع كثرة ما ابتلوا به من خصومهم وأعدائهم من الطرد ونفي وسجن ما كانوا يتضايقون أبدا؛ الذي يدلكم على ذلك؛ بل يجد راحة من أعدائه، مع ذلك أنظروا إلى مؤلفاته خصوصا مؤلفات شيخه، متى ألف هذه المؤلفات التي عجزنا الآن من استيعابها، فهو يسجن وهو يضرب وهو ينفى، متى ألف هذه المؤلفات، يدخل في السجن فيؤلف مع العبادة والخلوة، يشتغل بالتأليف والتعليم، يطرد على الإسكندرية وإلى القاهرة، ويتربع على كرسي في مسجد من المساجد فيدرس، لا يشغله الطرد، ولا يشغله النفي عن التعلم والتعليم ونفع عباد الله والاشتغال بطاعة الله؛ لأنه لا يُحس هذا الذي يحسه أحدنا عندما يحصل عليه أي شيء وأي ابتلاء يضيق صدره ويقصّر في الواجبات وفي أداء الواجبات وتعليم عباد الله، أما هم، لا، هذا دليل على أنهم وصلوا إلى أنهم أحسوا هذا الذي يتحدثون عنه.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله (وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر، وطيبِ النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا مَن له حِس به، وكلَّما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ، كان الصدرُ أفسحَ وأشرحَ، ولا يَضيق إلا عند رؤية البطَّالين الفارِغين من هذا الشأن) عندما يختلط البطالين أصحاب البطالة المعرضين عن الله المعرضين عن التعلم والتعليم المنشغلين في دنياهم وما يلهيهم عن الله، هؤلاء أصحاب البطالة، الفارغين بجهلهم، (فرؤيتُهم قَذَى عينه) رؤية أمثال هؤلاء عند ابن القيم وغيره هذا يتقذى ويتأذى برؤية هؤلاء؛ إذ ليس في إمكانه هدايتهم وتعليمهم جميعا ودعوتهم إلى الله، ماذا يعمل؟ يتأذى برؤيتهم، المقاهي ملآنة، والشوارع ملآ بأمثال هؤلاء، كيف له حيلة في إرشادهم وهدايتهم من ذلك يتأذى، (ومخالطتهم حُمَّى روحه) تمرض روحه إذا خالط أمثال هؤلاء لذلك يرون إن السجن خلوة لهم يستريحون فيها مع الله، يكونون مع الله، يكون الله معهم بالنصر والتأييد والتوفيق، ويعينهم ذلك على السير إلى الله. نعم
__________________
رد مع اقتباس
[ أم البراء ] إنَّ عُضْواً يشْكُرُكَ : [ جَزَاك اللهُ خَيْرًا عَلَى هَذِهِ الُمشَارَكَةِ الُممَيَّزَة ].