الوسطية والاعتدال وتأثيرها على الأمة للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
الوسطية والاعتدال وتأثيرها على الأمة
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[شريط مفرّغ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الوسطية المطلوبة -قبل أن ندخل في أهمية طرح هذا الموضوع- لها سمات، وهذه السمات موجودة في النصوص وموجودة في سلوك الصحابة وفي سلوك أئمة الإسلام.
أما سماتها فالوسطية والاعتدال هي سمة الشريعة بنص القرآن...
فيهم ممن ألَّهوهم وبين النواصب الذين ذمّوا بعض الصحابة، فأهل السنة والجماعة يثنون على جميع صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقولون فيهم ما قال الله جل وعلا ?(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)[الفتح:18] وفي أبواب الإمامة والولاية أهل السنة والجماعة بل دين الإسلام وسط بين الذين اختلفوا بين هذه المسألة العظيمة منهم الخوارج في القول والعمل الذين يرون الخروج على الولاة فيما يرون منهم من أخطاء أو من منكرات، ووسط بين هؤلاء الغلاة الذين يرون الخروج، والطرف الآخر الذي لا يرى نصيحة الإمام أصلا ويرى أن ما قاله ولي الأمر فهو صواب مطلقا لأنهم نواب الله جل وعلا في أرضه.
وأهل السنة والجماعة يرون الطاعة كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل أمر به في أنه يجب على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره وألا ينازع الأمر أهله كما ثبت في صحيح مسلم.
فأمر الولاية عظيم وشأنه عظيم لكن معه في منهج الوسطية النصح والبيان والتعاون مع ولاة الأمر على البر والتقوى.
كذلك منهج الوسطية والاعتدال عدل ووسط في الفقه والأحكام:
أولا مراعاة الاجتهاد، فالاجتهاد ماض لم يغلق، وباب الاجتهاد منهم من فتحه على مصراعيه حتى دخله من ليس بأهل له ومن لم يعي النصوص ولا القواعد والأصول، ففتحوا على مصراعيه ونسمع اليوم من يجتهد في المسائل الشرعية والنوازل العظيمة مما لو كان في عهد عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُ لجمع لها أهل البدر، واليوم تنـزل المسائل العظيمة بالأمة فيفتي بها الواحد ويفتي بها الاثنان من عامة طلبة العلم ممن ليسوا مؤهلين لذلك في رسوخ العلم مما يجتنبه الجمهرة من العلماء إلا أن يجتمعوا جميعا لينظروا في هذه النازلة.
فالاجتهاد مفتوح بابه لكن هذا الفتح بين فئتين:
بين من يرى غلق باب الاجتهاد أصلا والبقاء على نصوص السابقين من أهل العلم.
وبين من يرى باب الاجتهاد مفتوحا لكل أحد حتى ولم لم يكن أهلا لذلك.
الاعتدال في الفقه والأحكام والوسطية في ذلك تدعونا للوسطية بين جهتين: بين لزوم المذهبية ونزع المذاهب.
فهناك من يطلب نزع المذاهب الفقهية وأن المذاهب ليست بحق على إطلاقها وإنما كانت لفترة مضت، والواجب الرجوع إلى كتب الحديث والسنة ونبذ كتب المذاهب مهما كانت.
وبين فرقة أخرى وفئة أخرى ترى البقاء على نصوص المذاهب وأنهم أدرى في ذلك وأن نصوصهم وكلام علماء المذاهب يصلح لما بقي من الزمان.
والحق وسط بين الفئتين لأن كلام علماء المذاهب مطلوب فهمه لأنهم الذين فهموا الشريعة وصوروها؛ لكن لكل زمن أحكام، ولكل زمن فهم، والشريعة منوطة بالمقاصد ومنوطة بتحقيق المصالح ودرء المفاسد.
فالبقاء على نصوص علماء سابقين ليسوا معنا في هذا الوقت وليسوا متطرقين إلى ما نعيشه وما عندنا من علل ومقاصد يجب مراعاتها ومصالح يجب مراعاتها ومفاسد يجب درؤها هذا ليس من باب الاعتدال؛ فالاعتدال الأخذ بأقوالهم وفهم مراداتهم وأخذ أحكامهم ومعرفة مآخذهم؛ ولكن يجب النظر في النصوص لأن النصوص واسعة تسع الأزمنة، والأخذ بكلام العلماء مطلوب في فهم تلك النصوص.
فالإسلام وسط في المذهبية ما بين معطّلة المذهب وما بين الغلاة في المذهبية.
كذلك الوسطية والاعتدال سمة لهذا الدين وسمة لأهل السنة والجماعة فيما بين التشديد المفرط والتيسير غير المنضبط.
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالتيسير وحض عليه وكان إذا خُيّر بين أمرين لاختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وهذا فيه نفي للتشديد الذي هو إيقاع في الحرج، فالذين يأخذون بالتشديد وأن الحق في الشدة وأن الحق في التغليظ ليس هذا بحق بل هو نوع من الغلو في الأحكام يجب نبذه، وإنما الحق في أن نأخذ بالتشديد في مكانه الذي دل عليه النص وحينئذ لا يسمى تشديدا ونأخذ بالتيسير حيث دل النص على ذلك أو حيث خُيّرنا بين أمرين لم يرد الدليل في أحدهما نصا فإننا نختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
وهذا مهم جدا في البحوث وفي المقالات وفي المحاضرات وفيما نوجه فيه الشباب نجتهد في أن نبتعد عن التشديد الذي يضر وعن الأخذ بالغِلظة وعن الأخذ بالشِدة التي تجعل الناس الذين يوجَّهون ويحاضر عليهم ويُرشدون يأخذون بالمأخذ الأشد الذي يجعل في النفوس حرجا حتى من التعايش مع الناس.
والواجب أن يكون هناك أخذ بالوسط والاعتدال فبذلك كله ؛ لأن الشريعة جاءت بنفي الحرج «وإن المنْبَت لا أرض انقطع ولا ظهرا أبقى».
كذلك الشريعة في أحكامها وفقهها ومقاصدها وسط في المصالح والمفاسد:
غلا أناس في المصالح حتى قدموا المصلحة المتوهمة على النص، وحتى قال بعضهم: حيث وجدت المصلحة فثم شرع الله.
وغلا آخرون حيث رأوا إلغاء المصالح مطلقا والنظر في النصوص وأن النصوص فقط هي المصلحة والأخذ بظاهر النصوص، والشريعة شريعة معللة، شريعة مبنية على مصالح وعلى درء المفاسد، شريعة مبنية على تحقيق المقاصد، ومن فاته العلم بقواعد المصالح ودرء المفاسد، فاته العلم بقواعد الشريعة ومقاصد الشريعة، فإنه يفوته تحقيق هذه الشريعة المباركة، فهذه الشريعة المباركة شريعة الإسلام شريعة مبنية على علل مبنية على مقاصد، مبنية على رعاية المصالح مبنية في الفقه على معرفة الفرق والجمع بين الأحكام، فمن فاته معرفة المقاصد والمصالح والمفاسد وفاته معرفة العلل المتوخاة ومن الأحكام وفاته معرفة الجمع والفرق في الأحكام المنصوص عليها أو التي اجتهد فيها العلماء فإنه لا مجال له في الاجتهاد ولا مجال له في الحكم ولا مجال له في رؤية أحوال الناس.
لهذا يجب علينا أن نرعى الوسط ما بين الذين ينفون المصالح مطلقا، وما بين الذين يغلون فيها، فشريعتنا معللة نأخذ بالمصالح ومقاصد الشريعة.
ولهذا نرى كلام أهل العلم الراسخين فيه من مثل الإمام أحمد وقبله الشافعي والإمام مالك وأبو حنيفة وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في مسائل كثيرة يرون فيها المصالح المنوطة بالنص حتى تكلموا في مسائل ربما خالفت ما عليه الفتوى اليوم لرعايتهم للمصالح المتوخاة من الشريعة، فرعاية المقاصد والمصالح مطلب شرعي ضروري لتأصيل منهج الوسطية والاعتدال في الأمور.
من أنواع التطبيقات لهذا الأمر وهو الوسطية والاعتدال وهذا المنهج القويم.
الوسطية والاعتدال في الحكم على الأشياء.
الأشياء تتجدد والقضايا تتنوع وكل يوم لنا جديد ولاشك، فالزمن له حركة، والمدنية ولادة والحضارة متوقدة، ولن تقف عند حكم فقيه، ولن تقف عند حكم داعية أو عند تنظير منظر، الزمن يتحرك والزمن ولاّد، والمدنية تتولد وتنمو كما هو مشاهد ومنظور في الزمن الحاضر والحضارة والأزمنة الماضية.
ولابد حينئذ من أن يكون هناك منهج واضح معتدل:
في الحكم على الأشياء.
في الحكم على الأوضاع.
في الحكم على الأشخاص.
في الحكم على الأفكار وما يطرح.
في الحكم على النوايا والمقاصد.
في الحكم على المجتمعات.
في الحكم على الدول.
في الحكم على العلماء.
في الحكم على الدعاة.
في الحكم على الناس.
وهذا المنهج الوسط يجب أن يؤصل في أطروحات وفي رسائل حتى لا يكون الناس الذين يرومون الإصلاح ويرومون الدعوة ويرومون الإرشاد، حتى لا يكون طلبة العلم في غيبة عن المنهج المعتدل في ذلك.
من قواعد أهل العلم الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والله جل وعلا يقول لنا (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)الإسراء:36]، فمن أراد أن يحكم على شيء دون علم كامل بهذا الشيء أو يحكم على وضع أو يحكم على شخص أو يحكم على أفكار وأطروحات أو يحكم على نوايا ومقاصد دون معرفة شرعية بذلك فإنه حينئذ يقْف ما ليس له به علم.
والواجب علينا أن نضع هذه الآية نصب أعيننا، وأن نضع قول الله جل وعلا في النهي عن القول بلا علم وحيث جعله قرينا للشرك بقوله (وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة:169]، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن القول بلا علم وأن من يفتي بغير علم فإنما يتقحم النار، حينئذ فكيف نحكم على الأوضاع؟ الناس كما ترون يحكمون على كل شيء.
فهل يليق بأهل الفكر والعلم وأهل المنهج الفكري والمنهج المستقيم في النظر والتأمل أن يكونوا مستعجلين وأن يكونوا من غير ذوي الأناة في الحكم على الأشياء؟
أنتم نخبة -سواء من الطلاب من ذوي المستويات العالية أو من غيرهم- أنتم النخبة، فكيف يسوء أن يكون لكل شيء منهج إلا التفكير والحكم على الأشياء بلا منهج، هل يسوغ أن يترك الناس بكب أحد طريقة في الحكم على الأشياء، حينئذ ستنتج أشياء وأشياء وأشياء من مثل ما رأينا وسينتج هناك أفكار وآراء وأحكام على الأوضاع والأشخاص والمجتمعات والدول وحتى حكم على النوايا وأهل العلم بما ترون وبما لا ترون في المستقبل، هل يسوغ أن يكون هناك غياب لمنهج التفكير في الحكم على الأشياء، إنما نطالب بمنهج نفكر فيه ونفكر به، بمنهج يكون قاطعة للتفكير، كيف يفكر كيف تبني النتائج على مقدماتها؟ هل يسوغ أن يكون هناك حكم على النتائج حكم على الأشياء وحصول نتائج في الحكم أو في العمل بدون مقدمات سليمة؟ كيف نصحح الأفكار؟ كيف نصحح منهج الحكم على الأشياء؟
هذا من أهل المهمات، الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
من القواعد أنه ليس لكل أحد أن يقتحم الحكم على كل مطلب، هناك أشياء عظيمة بجب أن تترك للناس الكبار؛ للناس الذين ينظرون للأمور بمنظار شامل، أنت لا تعرف كل شيء في الأمور، فكيف تحكم على كل شيء، هل يسوغ لطالب علم أو منتسب أو حتى من المثقفين أو من عامة الناس أن ينصّب نفسه حكما على أوضاع، حكما على دولة، حكما على علماء، حكما على أفكار، دون حصر ودون نظر ودون تطبيق للقواعد الشرعية.
من الناس من يروم أن يكون ديدنه في الحكم الأخذ ببعض الأشياء، فيرى نصا واحدا لديه كافيا في الحكم الكلي على ذلك، ولو كان الأمر كذلك لما كان الفقهاء قليلين كيف تميز فقهاء الإسلام؟ لأنهم نظروا في النصوص جميعا، ثم نظروا في النصوص ونظروا في عللها، ونظروا في المقاصد ونظروا في المصالح والمفاسد، فالحكم الشرعي لا يناط بشيء واحد ينظر فيه المرء.
فلابد من الاعتدال في الحكم على الأشياء ما بين طرف يغلو فيحكم بمجرد خاطر وقع له، وما بين آخر يترك الأمر وكأنه لا يعنيه.
نحتاج إلى وسط ما بين الغلاة الذين يحكمون دائما بالأسوء من الأحكام على الأشياء وعلى الأشخاص، ويحكمون بالظن، ويسيئون النظر، ويسيئون الظن، ويحكمون على كلمة قالها شخص أو أمر تبنته جهة على الحكم على تلك الجهة بكلها.
واجب أن يكون المرء متوسطا موازنا بين الإيجابيات والسلبيات، موازيا بين المصالح والمفاسد، موازنا في الحكم على الأشياء ما بين الغالي فيها والجافي عنها.
فالذي يروم الحكم بدون توسط فإنه يذهب إلى الخروج عن اعتدال الشريعة وعن الاعتدال في الأمور.
الأشخاص، المسلم الأصل فيه السلامة، الأصل في المسلم السلامة، ليس الأصل في المسلم الشك، ليس الأصل في المسلم ظن السوء الأصل في المسلم، ولو كان عنده ما لا ينبغي من الأعمال والأقوال؛ لكن الأصل فيه السلامة، ليس الأصل فيه الشك والأصل فيه أنه يقول سوءا أو يذهب إلى سوء، الأصل في الأفكار التي يطرحها مسلم أن يكون ديدنه فيها حب الشر أو حب المخالفة أو الوقيعة أو الإفساد؛ ولكن ديدنه في ذلك الخير من حيث الأفكار إلا إن ثبت خلاف ذلك من قول صريح أو عمل صريح، فإنه حينئذ يكون خلاف ذلك.
النوايا والمقاصد يجب اعتبار الظاهر فيها، وأن لا نحكم على نوايا ومقاصد الناس باعتبار ظاهر سلوكي أو ظاهر قولي؛ لأن النوايا والمقاصد علمها عند الله جل وعلا، ويجب علينا الحذر من أن نظن سوءا بالناس والله جل وعلا يقول(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات:12]، وقال أيضا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فيما جاء في الحديث لما جاءت الشهادة قال:« هل رأيت الشمس» قال: نعم. قال «على مثلها فاشهد أو فدع».
الوسطية في التفكير مطلوبة تفكير الشباب اليوم؛ بل تفكير الناس بل حتى تفكير بعض الخاصة نراه متفرقا متشعبا بين عقل جامد أو عاطفة جامحة، العقل والإدراك والعقل والالتزام مطلوب؛ لكن مع عدم إلغاء العاطفة، والعاطفة مطلوبة، العاطفة الجياشة مطلوبة، التعاطف مطلوب، الحماس للدين مطلوب؛ لكن مع عدم غياب العقل السليم ورعاية النص، فمن جعل عاطفته حكما عليه في كل تصرفاته دون رجوع إلى علم، ودون رجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه ودون رجوع إلى توجيهات من ولي الأمر أو على قواعد شرعية مبنية فإنه حينئذ يروم عاطفة كما رامها الخوارج أو كما رامها المعتزلة أو كما رامها أهل الهواء، فأهل الأهواء ما الذي أوقعهم في أهوائهم؟ إلا العاطفة التي لم تنضبط بنص ولم تنضبط بمنهج.
خالف الخوارج الصحابة فقتلوا خير الناس في زمنهم وهو علي رَضِيَ اللهُ عنْهُ، من قتل علي؟ هل قتله أعداء الإسلام( إنما فتله رجل يقوم الليل ويصوم النهار وهو عبد الرحمن بن ملجم الخارجي.
عبد الرحمن بن ملجم أرسله عمر بن الخطاب إلى مصر لما طلب عمر بن العاص قارئا للقرآن يقرئ الناس القرآن، قال أهل مصر يحتاجون إلى قارئ يقرئ الناس القرآن، فقال عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُ في رسالة أرسلها إلى عمر بن العاص قال: أرسلت لك رجلا صالحا هو عبد الرحمن بن ملجم، آثرتك به على نفسي إذا أتاك فأكرمه واجعل له دارا يقرئ الناس فيها القرآن.
جلس عبد الرحمن بن ملجم في مصر حتى ظهرت حركة الخوارج -وأول ما ظهرت في اليمن ثم في مصر- أو أخذت في مصر فأثّروا عليه لأنه كان كثير الصلاح كثير العاطفة لكنه قليل العلم والفقه وكان منعزلا، فلذلك أتاه الأمر من حيث أتاه وقتل خير الناس علي بن أبي طالب، ولما قِيد للقصاص وقيد منه وأُريد للقتل قال لهم: لا تقتلوني مرة واحدة إنما اقتلوني شيئا فشيئا قطّعوا أطرافي أمامي لأنظر كيف تقطع أطرافي في سبيل الله جل وعلا وامتدحه واحد من أصحابه.
هل كونه خارجيا معنى ذلك أن الناس نفوه بقيت دعوة الخوارج سرية متسلسلة في الناس...
...والوسط الاعتدال يرفضه بل يحارب أصحابه؛ لأنهم إن بقوا فإنهم سيضلون الناس فقد حاربهم علي بن أبي طالب وحاربهم ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنْهُما وحاربهم معاوية وحاربتهم الدولة الأموية وحاربتهم الدولة العباسية، إلى وقتنا الحاضر فكل أهل الحق يحارِبون من يغلوا في الدين إلى الأمر، ولو كان يتدين بعاطفة جياشة أو يقول من قول خير البرية فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذّر من ذلك.الوسطية مطلوبة في التفكير وفي الحكم على الأشياء وفي منهج التفكير بين نظر البدايات والمآلات:
كثير من الناس ينظر إلى الأمور باعتبار الحاضر، ينظر إلى الأمور باعتبار الواقع؛ لكن لا ينظر إلى المآلات، والعقلاء الذين يتبعون الشرع ويدركون أحكامه ونصوصه ومقاصده فإنهم ينظرون إلى البدايات كما ينظرون إلى المآلات، وقد قال بعض أهل العلم: من كانت بداياته محرقة كانت نهاياته مشرقة. من كان ينظر إلى البداية نظرا سليما في النظر في أسباب حدوث الأشياء وفي بواعثها لينظر كيف يحكم عليها فإنه سيكون في نظره إلى المآلات السليمة، أما إن كان لا ينظر إلى البدايات ولا ينظر إلى الأسباب والبواعث ولا ينظر إلى بعث الشيء أو كيف حصر، وإنما ينظر إلى المقصد منه وإذا كان ما سيتحقق منه سليما فإن بداياته عنده ستكون سليمة ولاشك هذا غلط في التفكير؛ لأن التفكير الصحيح أن تنظر إلى البداية وتنظر إلى المآل.
فمن فاته النظر في المآلات فإنه يفوته النظر السليم.
وكثير من ذوي العاطفة الجياشة وذوي النظر القاصر ينظرون إلى الأمور نظرا سطحيا بدون اعتبار للمآل والنهاية.
كذلك نطلب نظرا وسطيا في التفريق ما بين الواقع والتنظير.
كثير من الناس ينظر نظريات وخيالات، هي في نفس الأمر قد تكون سليمة؛ لكنها من حيث التطبيق شبه مستحيلة أو مستحيلة، فهل يسوغ أن يكون المتفقهة وأن يكون حملة الشرع؛ بل أن يكون الناس المحبون للخير أن يكونوا أسيرين لخيالات غير قابلة للتطبيق، أن يكونوا أسيرين لتنظيرات لا توافق الواقع؟
الذي يريد الإصلاح الصحيح فيجب أن يعمل من خلال الممكن من خلال الواقع لا أن يجانب الواقع فيعمل تنظيرات يكره ببسببها الواقع أو يجانب الواقع من أجل ذلك، كيف تعمل؟
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى إلى قوم أهل جاهلية فهل أبطل جميع ما كان عليه الجاهلية؟ ليس الأمر كذلك أخذ بأحكام الجاهلية في أشياء كثيرة، وجعل من أعمال أهل الجاهلية في كثير من الأمور ميدانا لانطلاق، هذا وهم هل جاهلية، فكيف الأمر إذا كان المسألة في بلد الإسلام أو بين أهل الإسلام أو بين أهل العلم أو في أمور مختلف فيها ما بين اجتهاد وآخر، فكيف يكون الأمر كذلك؟
إنكم مطالبون يا حملة الشريعة ويا دعاة الإسلام وخطباء المساجد وأئمة المساجد؛ بل ويا علماء الإسلام وفقهاء الإسلام أن تكونوا واقعيين في الطرح، فليس الأمر مقبولا إذا كانت أطروحاتنا خيالية أو كانت أطروحاتنا بعيدة عن قبول التطبيق، لا يمكنك أن تطبق على الناس ما لم يكن مقبولا لدى الناس، ما لم يكن مقبولا في مصالحهم، ويجب أن نرعى أحوال الناس وما يختلفون فيه، فالخيالات والتنظيرات ليست بمقبولة.
كذلك في ميدان الدعوة إذا كنا نريد من الناس في ميدان الدعوة أن يكونوا خياليين في ميدان الدعوة؛ يأتون للناس بكلمتهم وتنظيراتهم وتحميس الناس إلى ما ليس بميدانا في التحميس ويكونون خياليين كمن يدعو إلى الجهاد ولا ميدان صحيح للجهاد، كمن يدعو إلى الإنكار باليد ولا ميدان للإنكار باليد إلا من جهة الاختصاص، فيحمل ذلك الناس على الحماس وحينئذ يفرغون حماسهم في طرق غير شرعية، قد يكون من نتائجها ما حصل في الأسبوع الماضي وما قد يحصل مستقبلا.
فيجب أن ترعى كلمتك في أن لا تكون خياليا في تطرح، وأن لا تتكلم بكلام ينزله الناس على واقع ليس في ذهنك.
بعض المعلمين أو بعض الدعاة بعض الأساتذة بعض الخطباء يقول كلاما هو في نفسه صحيح، ويكون عند الخطيب أو عند الداعية أو عند المعلم أو عند أستاذ الجامعة يكون عنده ضوابط تحجزه عن أن يزيد في تطبيق ما ذكر عن الحد المأذون به شرعا لكن هو لا يأمن من يخاطب ومن يحدث عن أن يزيد في تطبيق ما ذكر الحد المأذون به شرعا، والحظ قول الله جل وعلا 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُواْ'[البقرة:104]، نهى الله جل وعلا أهل الإيمان على أن يقولوا راعنا، لماذا؟ لأن كلمة راعنا تحتمل أن تفهم كما يقوله اليهود راعنا يعني من الرعونة والغلظة والشدة، يريد بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، لما كان الفهم يمكن أن يُفهم سيئا نهى الله جل وعلا عن استعمال اللفظة وأمر باستعمال كلمة واضحة بيّنة لا لبس فيها ولا غموض.
كذلك الذين يتحدثون للناس عبر الخطبة عبر المسجد عبر حلقات الجامعة عير المحاضرات التي تكون في الجامعات أو عبر الدروس التي تكون في المدارس، ويقول كلمة ليست صحيحة في نفسها، أو يمكن أن تكون تُفهم على غير فهمها أو توقع المستمع في اللبس، ثم هو لا يوضح، ثم حينئذ يكون شريكا في البعد عن الاعتدال ويكون شريكا في عدم الفهم الحسن.
كذلك يجب علينا أن ننظر إلى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إن الله يحب الرفق في الأمر كله ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» وهذا الحديث في الصحيح كما هو معروف، (يحب الرفق في الأمر كله) في الأمر كله يعني في الكلمة تكون رفيقا، في التفكير تكون رفيقا، في الإرشاد تكون رفيقا، في الطرح تكون رفيقا، فالرفق مطلوب؛ الله جل وعلا رفيق يحب الرفق في الأمر كله، فهل نريد غير محبة الله جل وعلا?
هل نريد غير ما يرضى الله جل وعلا عنه؟
فإذا كنت غير رفيق في أمرك، في تفكيرك، في مقاصدك، في أطروحاتك، في إرشادك، في ما تقول وما تذر، في أعمالك، في الحكم على الأشياء، والحكم على التصورات والحكم على الأشخاص، فحينئذ تكون قد فوَّتَّ أعظم شيء وهو محبة الله جل وعلا لك.
الوسطية في الدعوة مطلوبة، الدعوة تحتاج منا إلى تنظيم، تحتاج منا إلى ترتيب، تحتاج منا إلى تعاون على البر والتقوى؛ لكن هذه الدعوة حيث إنه لا يصلح فيها الفوضوية بل يجب أن يتعاون فيها أهل الحق وأهل الخير يتعاونوا فيها، فإنه لا يجوز أن نكون فيها مغالين فنذهب في الدعوة إلى تنظيمات بدعية أو تنظيمات سرية أو إلى حزبية.
فالدعوة الحق بين التنظيم السري والحزبيات المقيتة وبين الموالاة والمعاداة وعلى رموز دعوة متوهمة، وما بين الفوضوية التي لا تُنتج دعوة.
نحتاج إلى تعاون على البر والتقوى وفق منهج أهل السنة والجماعة ووفق التطاوع، فالطاعة لا تجوز في بلد الإسلام إلا لولي الأمر، الطاعة المتوهمة لجماعة أو لدعوة أو لحزب أو نحو ذلك هذه ليست شرعية.
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و لدعوة أو لحزب أو نحو ذلك هذه ليست شرعية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/*
حين أرسل عليا وصاحبه إلى اليمن، مع أن أحدهما كان أميرا للسفر، فحينما أتى أمر الدعوة قال لهما «تطاوعا ولا تختلفا ويسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا» فليس ثَمَّ مجال لطاعة مطلقة وفق تنظيم سري أو وفق حزبية مغلقة؛ بل التنظيم يكون وفق تنظيم ولي الأمر، والطاعة تكون وفق طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله ثم طاعة ولي الأمر فيما ليس فيه معصية.
إذا كان الأمر كذلك فنحتاج إلى تعاون في الدعوة على البر والتقوى وإلى تكاتف، وإلى أن نكون في الإطار الذي أذن به ولي الأمر، والإطار الذي لا ينتج مفاسد، أما الإطارات الأخرى التي يتكلم فيها الناس أو قد تكون موجودة في بعض البلدان، ونخشى أن تكون موجودة عندنا أو تنتقل إلينا من تنظيمات سرية أو حزبيات مبتدعة، فإن هذا مخالف للمنهج الوسط ولطريقة أهل السنة والجماعة، فما كون إمام من الأئمة أئمة الإسلام -مع ما حصل في زمنهم- ما كونوا جماعة خلاف ما أقره ولي الأمر.
فهل كانت غيرة نوح عليه السلام التي لم ثَم أعلى منها في زمانه هل كافية في أن يزول الشرك أو أن تزول الوثنية التي كانت في زمنه؟ لم يكن الأمر كذلك، هل كانت كافية لتنزل نصر الله جل وعلا عليه إذ ذاك؟ لم يكن الأمر كذلك؛ بل مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)[العنكبوت:14]، الصبر الطويل صبر تسعمائة وخمسين سنة مع وجود الغيرة العظيمة والعاطفة الجياشة منهج يجب أن نكون عليه.
من ينظر اليوم إلى مشاكل الأمة وما هي فيه في كثير من الأصقاع من جهل بدين الله من بعد عن توحيد الله جل وعلا الخالص من وجود لشركيات مختلفة، من وجود لبدع مختلفة، من وجود لمنكرات مختلفة، هل حلها يكون بغيرة متوهمة؟ هل حلها يكون بالإنكار باليد؟ هل حلها يكون بالسعي فيما لا يرضي الله جل وعلا من وجود مثل هذه الجرائم والتفجيرات التي حصلت؟ كيف تحل مشاكل الأمة بجهد أبناء الأمة لابد أن نكون في ذلك وسطا بين الذين كأن الأمر لا يعنيهم ولا يسعون في حل مشكلات الأمة وبين الذين يغالون فيذهبون إلى طريق الخوارج أو طرق بدعية ظالمة بما فيها من سلوكيات وسبل منحرفة.
الأمر وسط في أن نعمل جهدنا وفق المنهج الشرعي في أن نعمل متكاتفين متعاونين، وأن نحصر مشاكل الأمة وأن نسعى فيها وأن نبذل بالدعوة بالخير والإصلاح والمناصحة وفق المتاح ووفق الشرع المطهر ووفق المأذون به، فمن حل مشاكل الأمة بخيالات وتنظيرات فإنه سيكون أسير هذه الخيالات والمشكلات دون حل لها.
كذلك نكون وسطا في النوازل التي تقع في الأمة: بين تأزيم النوازل وبين الإسهام في حلها.
الأمة مستهدفة ولاشك، أمة الإسلام بعامة وبلدكم هذا بخاصة مستهدف بلا شك، فكيف تكونون تجاه ذلك؟
يجب أولا على مستوى هذا البلد المبارك الذي هو معقل الإسلام ومأرز الإيمان والمكان الذي انطلقت الرسالة الخالدة وانطلقت منه دعوة التصحيح والتجديد، والذي تنطلق منه اليوم بشائر الخير بما ترعاه الدولة وترعاه مؤسسات هذا البلد من وزارات وهيئات وجامعات ومؤسسات خيرية وما يرعاه علماء ودعاة ويرعاه الناصحون، الجميع يجب أن يتكاتف في رد الأزمات وعلاج الأزمات، لا أن نكون مؤثرين في الناس في أن نزيد من الأزمة، جاءت أزمات وكثير من الناس زاد من الأزمة بفعله أو يهيجانه أو بتحميسه أو بكونه كأن الأزمة لا تعنيه، وأن لا يؤثر فيها، الواجب علينا أن نكون مؤثرين بالمنهج الوسطي، وأن نعمل وفق المتاح وأن لا نكون متفاعلين مع الأمور بطريق غلط، أن نكون محمسين بطريق خاطئة أن نكون مغالين في الأمور فالمطلوب منا أن نحافظ أولا على توحيد الله جل وعلا، وأن نكون محافظين على وحدة الكلمة على طاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ثالثا على وحدة الكلمة واجتماع الصف.
مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الجاهلية وألّف فيها الإمام المصلح ابتدأها بثلاث مسائل هي أعظم المسائل التي خالف فيها أهل الإسلام أهل الجاهلية خالف فيها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الجاهلية.
الأمر الأول التوحيد فكان أهل الجاهلية أهل شرك فدعاهم إلى التوحيد.
الثاني طاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الجاهلية ما يقيمون طاعة لمقدم فيهم فخالفهم بطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثالث طاعة ولي الأمر، كان أهل الجاهلية يرون الفوضى، لم يكن في مكة أمير عليها ولم يكون هناك في البلد أمير عليها، فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى طاعة ولي الأمر.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بعد سرد هذه المسائل: فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعظم هذه المسائل الثلاث وأبدى وفيها وأعاد.
وهذا هو الذي يجب علينا أن نبدي فيها ونعيد، فالذين يؤزمون النوازل فإعطاء الشكوك والأوهام وطرح الشك وطرح سوء الظن ويذهبون بعيدا عن الدعوة إلى وحدة الكلمة واجتماع الصف، فإن هؤلاء يسعون إلى ما فيه خلاف الصالح شرعا وإلى الغلو فيما يطرحون.
فالواجب حينئذ في المسائل والنوازل أن نسعى في عدم تأزيم النوازل وأن نسعى في حلها، فالنوازل إذا وقعت تحل بالشرع تحل بالعقل والحكمة والأناة.
الوقت يضايقنا عن المضي في هذه المسائل، نحتاج إلى تنبيهكم إلى نقاط، ربما أنتم تبحثون فيها، وحبذا أن تكون بحوث في هذه الأمور التي سأذكرها باختصار؛ لأنها مهمة في توجيه الناس وتوجيه الشباب بل توجيه الأمة.
الاعتدال في السياسة بين المبالغة في النظر إلى السياسة وما بين الترك، كثير من الناس ينظر أنه بسماعه لقناة فضائية أو بقراءته لتقرير صَحفي أنه مؤهل للنظر في السياسة.
السياسة صعبة حتى عند الذين عندهم مؤسسات كبيرة تدعمهم بالمعلومات وعندهم أجهزة تحري، فليست السياسة بالأمر السهل التي يحكم فيها أفراد الناس بأن هذا أمر حكمه كذا، وأن هذه قضية يجب أن ننظر فيها كذا.
والواجب حينئذ أن نكون متوسطين في السياسة، فهم الأمور السياسية مطلوب لكن يجب أن تثق في حل الأمور السياسية، أن تثق بولي الأمر، أن تثق بمن أعطي في ذلك؛ لأنه عنده من الأجهزة والنظر والإدراك لمصالح الأمة ما ليس عند الأفراد.
فمن كان عنده نظر في تقرير صحفي أو في رؤية قضاة فضائية وحينئذ يجعل نفسه قائما بأمر الأمور السياسية، وكأنه الذي عنده الغيرة على الأمة وغيره ليس عنده غيرة على الأمة فإنه قد بالغ وترك الاعتدال.
الاعتدال في السياسة بين الفهم والقناعة ليس كل الأمور يمكن أن تفهم لكن يجب أن تحاول الفهم قد لا تدرك القانعة التامة.
الاعتدال في السياسة بين الاتهام المطلق وما بين التبرير المطلق، هناك من يبالغون في الاتهام، يتهمون بأول خاطر، وهناك آخرون أيضا في الطرف الآخر يبالغون في التبرير لكل شيء والعاقل المدرك العالم طالب العلم صاحب الحق فإنه يكون وسطا بين الاتهام وما بين التبرير يكون متفهما مدركا يعرف الأمور ومآخذها.
الوسطية بين الوطن والأمة، الوسطية بين الأهم والمهم.
نحتاج إلى بحث في الوطن والأمة، منا من قد يفرق في وطنه الذي هو مخاطب أساسا لوجود الولاية عليه ولوجود مصالحه ومصالح من يكونون حوله فيه، يفرط في وطنه رعاية لمصالح الأمة كلها، وهذا ليس بسليم مصالح الأمة مطلوبة أن تُرعى وأن يحافظ عليها؛ ولكن أولا أن يحافظ على مصالح الوطن لأن هذا أنت مخاطب فيه أولا ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ابدأ بنفسك أولا وبمن حولك في المحافظة فمن أضاع المحافظة على الوطن من جهة النظر إلى المحافظة على الأمة فإنه لن يدرك المحافظة على الأمة ولن يدرك المحافظة على الوطن.
فلابد أن تكون الأمور بمقدماتها تحافظ على وطنك؛ لأنه الأهم وتجتمع كلمتنا على ذلك، ونسعى في هذا؛ في أن نكون مؤثرين في الأمة ساعين في مصالحها.
كذلك الأهم والمهم هناك من لا يرعى الاعتدال في ذلك يقدم كل شيء عنده مهم لا، العقلاء من أهل العلم والدعوة وأهل التوجيه يرون أن تقديم الأهم مطلوب يرون حتى ولو فوّت مهما أو مهمات كثيرة.
لابد أن ترعى الأولويات أن تبدأ بالأهم وأن تؤخر المهم، لابد من أن نكون أهل إدراك لأن شريعتنا أمرتنا بذلك أن نكون أهل فهم، أهل نظر، وأن لا نكون متعجلين متوانين في أمورنا، وأن نكون وسطا بين طرفي الإفراط والتفريط، بين طرفي الغلو والجفاء.
نسأل الله جل وعلا أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه، وأن يجعلنا من النمط الذين وصفهم علي بن أبي طالب الخليفة الراشد ورابع المبشرين بالجنة رَضِيَ اللهُ عنْهُ وأرضاه وصفهم بقوله: خير الناس والنمط الأوسط الذين يرجع إليهم الغالي والجافي. وهذا هو المطلوب منكم.
أسأل الله لي ولكم التوفيق اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والرشد والسداد، اللهم وفق ولاة أمورنا إلى الخير واجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى واجزهم خيرا عن كل ما يقدمونه عن الإسلام والمسلمين، اللهم نسألك التوفيق في أمورنا كلها وأن تجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى.
شاكرا مجددا لمعالي مدير الجامعة هذه الفرصة وهذا الإكرام بهذه الزيارة، ومقابلة إخوتي جميعا سائلا المولى جل وعلا لي ولكم الرشد والسداد في القول والعمل وأن يعيذنا من الزلل في الطريق والقول والمسار إنه جواد كريم.
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________________
قال سهل بن عبدالله التستري:
عليكم بالأثر والسنة ،فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرؤوا منه ،وأذلوه وأهانوه.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بشار ; 01-09-2010 الساعة 05:31AM
|