عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-12-2009, 03:08PM
أم محمود
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

(عنوان2 أقسام الأولياء: )
يتضح لنا مما تقدم أن الأولياء ينقسمون إلى قسمين:
1- أولياء الرحمن الذين تقدم الحديث عنهم وتولى القرآن تعريفهم. وهم الذين تولى الله أمرهم ووفقهم وتفضل عليهم بالكرامات التي من أعظم أنواعها: معرفة الحق واتباعه والاستقامة عليه الاستقامة التي تنتهي بالعبد إلى دار الكرامة الجنة (نسأل الله من فضله).
2- أولياء الشيطان الذين وثقوا صلتهم بالشيطان ونظموا معه حياتهم بعد أن قطعوا صلتهم بالله أو ضعفت على الأقل إذ لا يقع العبد في ولاية الشيطان وحزبه مع قوة صلته بربه أبداً. والله المستعان.
وكما أن أولياء الرحمن تتفاوت درجاتهم عند الله. كذلك يتفاوت أولياء الشيطان في بعدهم عن الله. وذلك أمر معروف بحيث لا يحتاج إلى دليل.

(عنوان2 الأمور الخارقة للعادة على أيدي أولياء الشيطان: )
وقد أوضحنا فيما تقدم أنه لا ملازمة بين الولاية وبين الأمور الخارقة للعادة وأنها قد تظهر على أيدي غير الصالحين. وبقي أن تعرف حقيقة تلك الأمور. فهي تنقسم إلى:
1- قسم يجريه الرب سبحانه على أيديهم استدرجاً ليستدرجهم بها ليزدادوا إثماً على إثمهم عقوبة لهم على جريمتهم جريمة عبادة الشيطان وطاعته واتخاذه ولياً من دون الله. يستدرجهم من حيث لا يعلمون ويملي لهم ومن يراها أنها من الكرامات فهو إما جاهل أو متجاهل مغلط لحاجة في نفسه.
2- القسم الثاني: ما يجري على أيدي بعضهم من قبيل السحر. وقد أثبتت التجربة إن كثيراً من الدجالين مَهَرة في السحر فكثيراً ما يسحرون أعين الناس فيقوم أحدهم بأعمال غريبة ومثيرة وخارجة عن المعتاد والقانون المتبع في حياة الناس مثل أن يلقي بنفسه في النار ثم يخرج منها قبل أن تحرقه أو تصيبه بأي أذى في جسمه. ومثل أن يتناول جمرة فيأكلها كما يأكل تمرة حلوة والناس ينظرون إليه فيندهشون. أو يمشي على خيط دقيق ممدود بن عمودين مثلاً وغير ذلك من الأعمال التي يعرفها كل من يعرف القوم. وهو في واقع الأمر لم يعمل شيئاً من تلك الأعمال بل كان على حالته العادية إلا أنه سحر أعين الحاضرين فيخيل إليهم من سحره أنه يفعل شيئاً وأنه يطير أو يذبح نفسه أو يذبح ولده. وكل ذلك لم يقع ولا بعضه.
فالطائفة الأولى المستدرجة والأخرى السحرة هم المعروفون عند السذج من عامة المسلمين أنهم أصحاب الكرامات ولما أدرك القوم أنه قد انطلى على العوام باطلهم هذا لفرط جهل العوام وبعدهم عن الثقافة الإسلامية. استغلوا فيهم هذا الجهل وتلك السذاجة فاتخذوا الولاية المزعومة مزرعة وباباً من أبواب الدخل. فكما يطور أهل العلم معلوماتهم، وأرباب المهن والصناعات مهنهم وصناعاتهم حتى ينتجوا أحدث المصنوعات كذلك يطور هؤلاء الأولياء أساليب دجلهم وخداعهم ليطير صيتهم وتزداد شهرتهم فيرتفع بذلك دخلهم وهذا الدخل هو الغاية عند القوم من دعوى الولاية والكرامة ومن الخداع المتطور.
ومن أحد أساليبهم المتطورة في هذا العصر أن زعم بعضهم أن هذه التكاليف الشرعية من امتثال المأمورات واجتناب المنهيات. أمور مؤقتة ولها حد تنتهي إليه ثم تسقط وزعم هذا الزاعم أنه قد وصل تلك المنزلة فسقطت عنه جميع الواجبات وأبيحت له جميع المحرمات حيث لا يقال في حقه هذا حرام أو حلال. أو هذا واجب وهذا مستحب. وهو يحاول بذلك أن يقتفي أثر رئيس الملاحدة وقطب وحدة الوجود ابن عربي الطائي وشاعر تلك الملة ابن القارض ويحذو حذوهما. وتبدو الفكرة جديدة ومتطورة لدى كثير من الناس لغرابتها ولما أدخل عليها من بعض الزخرفة والزركشة حتى ظهرت الفكرة كأنها فكرة حديثة وهي في أصلها فكرة قديمة قدم كفر وحدة الوجود التي منشأها تعطيل الصفات على طريقة الجهمية المعروفة وهي فكرة يؤمن بها كل صوفي- وللأسف- ويسعى لها بأنواع من المجاهدة في زعمهم وهو سر انتقادنا للصوفية وشطحاتهم. وما يؤخذ عليهم كثير جداً لو وسعنا التعداد، ولا يشك كل من له أدنى فقه في الدين إن فكرة وحدة الوجود ملة مغايرة للإسلام وآخر التطورات التي علمناها في هذا الخصوص دعوى محمود محمد طه السوداني حيث زعم أن تلكم الفكرة الإلحادية التي يدعو إليها هي مضمون الرسالة الثانية من الرسالتين المحمديتين على حد زعمه حيث زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث برسالتين اثنتين. أما الرسالة الأولى فقد بلغها. وأما الثانية فلم يبلغها. ويعلل ذلك بقوله: إن القوم الذين بعث فيهم رسول الله أول ما بعث ليسوا على استعداد لفهمها والعمل بها لأن مستواهم العقلي لا يؤهلهم لفهمها. أما الآن وقد نضجت العقول وتقدم الفكر البشري قد آن الآوان للدعوة إليها والعمل بها إلى آخر تلك الجعجعة - المثيرة للضحك والبكاء في وقت واحد. نعم أنها تثير الضحك إذا نظرت إليها ككلام ساقط ليس له أي قيمة علمية وإنما هو هذيان لا ينطلي على العقلاء، ومثيرة للبكاء حيث وصلنا نحن المسلمين إلى هذا المستوى من البرودة وضعف الغيرة على شريعة الله التي يتلاعب بها أمثال محمود ولا يجد رادعاً يوقفه عند حده بل لا توجد غضبة إسلامية يحسب لها حساب في المجالات الرسمية.. والله المستعان.
ولعل بعض الحضور يحسب أنني أتحدث عن أساطير الأولين، وليس الأمر كذلك به إن صاحب هذه الدعوة حتى يرزق بمقربة منا في السودان - كما قلت آنفاً ولا يزال يعمل جاداً لهدم الرسالة الأولى وليقيم على انقاضها الرسالة الثانية المزعومة لو استطاع إلى ذلك سبيلاً - وفي الواقع أن الرجل مدع للنبوّة ولكنه لن يستطع التصريح بها خشية أن يغضب الشعب السوداني غضبة إسلامية فتكون نهاية له لكنه لدهائه ولباقته استطاع أن يتظاهر بمظهر المصلح المجدد علماً بأنه ليس لديه أي جديد بل تنحصر فكرته في عقيدة وحدة الوجود التي يرأسها ابن عربي الطائي الملقب بمحي الدين مع عاشقهم المعروف بابن الفارض ومن يدور في فلكها - كما سبق أن أشرت - مع محاولة السير مع الوادي حيث ما توجه. شرق أم غرب. كعادة المحترفين باسم الدين أو التجديد.
والمسألة في الأصل- كما قلت - نتيجة حتمية لعقيدة غلاة الجهمية الذين يعطلون جميع صفات الرب تعالى وأسمائه حتى لا يبقى هناك إلا ذات مجردة عن جميع الصفات والأسماء التي لا يتصور لها وجود في الخارج أي خارج الذهن وإنما يتصوره الذهن كما يتصور المحال والأمور الخيالية، وهذه العقيدة هي التي أفضت بالقوم إلى القول بالحلول والاتحاد ليتحقق وجود الله خارج الأذهان حالاً في مخلوقاته ومتحداً معهم هذا هو منشأ الحلول والاتحاد الذي هو آخر منزلة تنتهي إليها الصوفية ولها يسعون وفيها يتنافس المتنافسون منهم وهذه الفكرة كفر باتفاق المسلمين لأنها تجعل الرب سبحانه حالاً في مخلوقاته، بل يرى شارح الطحاوية أن فكرة الحلول والاتحاد أقبح من كفر النصارى لأن النصارى خصوا الحلول بالمسيح وهؤلاء عمموا جميع المخلوقات.
وقديماً قال زعيمهم ابن عربي:
ومـا الكلب والخـنزير إلا إلـهنا ومـا الله إلا راهـب في كنيسة

هذا ما تنتهي إليه ولاية أولياء الشيطان وما قبل هذه المنزلة وسائل مفضية إلى هذه الغاية ما أرخصها من غاية وما أقبحها من كفر وهو داء لا علاج له إلا آخر العلاج وآخر العلاج الكى فلا يردع هذا إلالحاد إلا قوة السلطان لأن الله ينزع بالسلطان ملا لا ينزع بالقرآن كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكن أين قوة السلطان اليوم؟ ؟ ! ! إلا ما شاء الله.



(عنوان1 الكرامات: )
إذا كنا تحدثنا عن الأولياء وصفاتهم وأقسامهم واستطردنا بعض تصرفات أولياء الشيطان التي يظنها بعض الناس أنها من الكرامات وبينا أنها لا علاقة لها بالكرامة إذا كنا قد تحدثنا هذا الحديث فلنتحدث الآن عن الكرامات وعن موقف الناس منها بل قد استطردنا لمفهوم الكرامة لدى أتباع أولياء الشيطان وبينا تصورهم الخاطىء فلنحصر بحثنا هنا في كرامات أولياء الرحمن وتحقيق القول في ذلك بتوفيق الله.
(عنوان1 موقف المعتزلة من كرامات الأولياء: )
انقسم الناس في مسألة كرامات أولياء الرحمن إلى قسمين: ناف ومثبت، وعرفت المعتزلة من بين الطوائف المنتسبة إلى الإسلام بنفي كرامات الأولياء بدعوة أن إثباتها يوقع في لبس إذ تلتبس الكرامة بمعجزة الأنبياء. وليس لديهم أي دليل أو شبه دليل سوى هذه الدعوة وهي دعوة- كما ترى- لا تنهض لمقاومة النصوص الصريحة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله. وقد ناقشهم كثير من أئمة الهدى الذين عُرِفوا بمناضلة أهل البدع والهوى وفي مقدمتهم الإمام ابن تيمية في كتابه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)، وكتاب: (النبوات) كما ناقشهم الإمام الشوكاني في بعض رسائله مثل رسالته التي سماها ( بحث في الاستدلال على ثبوت كرامات الأولياء ) ومن أراد الإطلاع على شبههم ودحضها فليراجع تلك المراجع.
(عنوان1 موقف أهل السنة من كرامات الأولياء: )
أما أهل السنة فقد أجمعوا على إثبات كرامات الأولياء اعتماداً على النصوص التي سنذكرها الآن إن شاء الله، وفي الإمكان سرد كلامهم والوقائع التي ذكروها ولكنني أرى الاكتفاء بما جاء في كتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد نضيف إلى آيات الكتاب ما صح عنه عليه الصلاة والسلام في السنة المطهرة فنكتفي بذلك لأن فيهما الغنية لمستغن، وقد قص الله علينا في كتابه العزيز عن صالحي المؤمنين الذين لم يكونوا أنبياء وكراماتهم المتنوعة. لنستمع إلى هذا النموذج من كراماتهم:
أ- قصة أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وثبتوا على إيمانهم وسط تلك البيئة الكافرة بعيدين عن المداهنة وقد قص القرآن علينا قصتهم البطولية إذ يقول الله عز من قائل: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً﴾ إلى أن قال وهو يصفهم بإيمان والهدى والثبات: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً﴾.
فطبيعي أن هذا ليس موقف أناس عاديين ولكن الله أكرمهم بالإيمان والثبات على الهدى فصارحوا جبابرة قومهم: بأنهم لا يدعون مع الله أحداً وهو إعلان بالكفر بآلهة قومهم مع الثبات على الإيمان بالله وحده وهذه كرامة وأي كرامة.
ب- قصة مريم التي حكاها القرآن إذ يقول الرب تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً﴾ إلى آخر الآية، ويقول في موضع آخر: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً﴾.
جـ - قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وهم في الغار. وقصتهم معروفة لدى جمهور الحاضرين وهم أولئكم الذين خرجوا في سفر ما ولما أدركهم الليل دخلوا غاراً في الجبل ليبيتوا فيه وفي أثناء الليل سقطت صخرة عظيمة من عل فسدت عليهم باب الغار فوقعوا في حيرة من أمرهم فتشاوروا فقرروا أنه لا ينجيهم مما هم فيه إلا الالتجاء إلى الله فيدعونه بالأعمال الصالحة التي عملوها مخلصين له فتوسل أحدهم إلى الله ببر الوالدين إذ كان له أبوان شيخان كبيران وكان يحسن إليهما ويبرهما كأحسن ولد. ومن بره لهما كان لا يتناول عشاءه هو وأولاده قبلهما وكان عشاؤهم حليب الإبل ومن عادته أن يقدم لهما عشاءهما في وقت مناسب، وفي ذات ليلة نأى به طلب الشجر لإبله. وجاء بعشائهما في وقت متأخر من الليل فوجدهما قد ناما فكره أن يوقظهما خشية أن يقطع عليهما نومهما فيعكر راحتهما كما لم يستحسن أن يتناول عشاءه قبلهما هو وأولاده فظل واقفاً على رأسهما رجاء أن يستيقظا في أثناء الليل ولم يستيقظا إلى أن أصبح الصبح وهو واقف والحليب في يده. فتذكر هذا العمل الجليل فدعا الله به فأكرمه الله وأجاب دعوته فنزلت الصخرة حتى دخل لهم الهواء فطمعوا في الخروج.
وأما الآخر فتوسل إلى الله بعفته والخوف ومن الله وملخص قصته أنه كانت له ابنة عم وكان يحبها كأشد ما يحب الرجل امرأة. فراودها فامتنعت ورفضت طلبه إلى أن ألجأتها الحاجة إليه فقدم لها مبلغاً من المال بقدر مائة وعشرين ديناراً تقريباً مساعدة لها وسداً لحاجتها فأعاد المراودة بعد هذا الإحسان- فطالما استعبد الإحسان إنساناً وألح في طلبه طبعاً وأخيراً وافقت على تحقيق رغبته تحت الحاجة وتأثير الإحسان ونفسها غير مطمئنة بالمعصية فمكنته من نفسها فقعد منها مقعد الرجل من المرأة فصرخت في وجهه قائلة: اتق الله يا عبد الله لا تفض الخاتم إلا بحقه- تعنى- إلا بنكاح وبطريقة شرعية. هكذا ذكرته بالله فتذكر لأنه مؤمن. ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فقام من مقعده ذلكم فوراً مالكاً نفسه قاهراً شهوته وهواه وهو موقف صعب كما ترون.
هذا ملخص قصة صاحب العفة فقال وهو في الغار اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فأجاب الله دعوته وأكرمه بكرامته فنزلت الصخرة مرة أخرى بيد أنهم لا يقدرون على الخروج. ولكن أملهم أقوى في الخروج من ذي قبل ولا شك.
وأما الثالث: فتوسل إلى الله بحفظ الأمانة إذ عمل عنده أجراء كثيرون فأخذ كل أجير أجرته وذهب إلا واحداً منهم فترك أجرته وذهب وبعد مدة طويلة جاء فطلب أجرته فقال له: إن كل ما تراه من الإبل والبقر والغنم من أجرتك لأني نميتها لك لما طال غيابك خشية أن تضيع، ولم يصدقه بل قال لا تستهزئ بي يا عبد الله فقال له لست مستهزئاً بك وإنما الواقع ما قلته لك فسُقْ مالك فأخيراً أخذ أمانته بنمائها وزيادتها.
فقال الذي حفظ الأمانة: وهو يتوسل إلى الله بعمله هذا اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فأجاب الله دعوته وأكرمه بإخلاصه وصدقه فنزلت الصخرة فخرجوا يمشون. هذا ملخص قصة الثلاثة.
ومما يدل على ثبوت الكرامات من السنة- قوله عليه الصلاة والسلام؛ : «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره»، وقصة أسيد بن حضير وعباد بن بشر الأنصاريين وملخصها "أنهما كانا عند النبي عليه الصلاة والسلام: في ليلة ظلماء فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها. فلما افترق بهما الطريق أضاءت عصا الآخر فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله" والقصة في صحيح البخاري في كتاب مناقب الأنصار وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة عند البخاري في فضائل الصحابة «لقد كان فيما قبلكم الأمم أناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر» وفي لفظ «لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر».
واكتفى بهذا المقدار من نصوص الكتاب والسنة التي تثبت دون شك كرمات الأولياء وهناك نصوص أخرى كثيرة مرفوعة أو موقوفة. وكلها تُثبِت لكثير من الصحابة رضوان الله عليهم كرامات أكرمهم الله بها. ومن راجع كتب الحديث وكتب السير يرى الشيء الكثير من الوقائع في هذا المعنى. وإذا كان ذلك كذلك فلا حاجة بنا إلى سرد قصص أو روايات لإثبات كرامات الأولياء من أقوال التابعين وتابعيهم ومن بعدهم [إلى يوم الناس] هذا ليقيني الذي لا يخالطه شك بأنهم أكثر تطلعاً إلى سماع النصوص منكم إلى سماع القصص والحكايات والروايات وهو موقف محمود تغبطون فيه ولله الحمد والمنة.
وبعد، لعلي وصلت بهذه المحاولة إلى بيان التصور الصحيح في مسألة الأولياء وكراماتهم على ضوء الكتاب والسنة كي يتبين الحق من الباطل. والحق أبلج والباطل لجلج والحق وسط بين التفريط والإفراط.
(عنوان1 الموقف السليم من الأولياء: )
إذا كنا قد تحدثنا عن الأولياء والكرامات وأثبتنا الولاية بشكل واضح ودعمنا حديثنا بنصوص الكتاب والسنة. ثم أثبتنا الكرامات كذلك إثباتاً يعتمد على الكتاب والسنة، بقى أن نفهم ما هو الموقف السليم في معاملة الأولياء في نظر الإسلام؟ وقبل أن أجيب على هذا التساؤل استحسن أن أوضح السبب المثير لهذا التساؤل. وذلك هو موقف جمهور المسلمين المحزن من الأولياء وهو الغلو في الصالحين الذين يصل أحياناً إلى حد العبادة، بدعوى المحبة والتقدير، ومن يذهب إلى تلك الأضرحة المنتشرة في أكثر عواصم المسلمين ومدنهم يرى عدداً كبيراً من المسلمين معتكفين عند تلك الأضرحة ليتبركوا بها وبأصحابها وربما وصل هذا التبرك إلى حد الطواف بالضريح بل إلى حد السجود على عتبة الضريح. والأدهى والأمر أن يجد هذا السادن الذي يسجد لغير الله ولا يلهج لسانه إلا بذكر صاحب الضريح من يفتي له بجواز ذلك وأنه ليس من باب الشرك وإنما هو من باب محبة الصالحين أو التوسل بهم. وهذا المفتي أو الفتان على الأصح معدود من علماء المسلمين المشار إليهم، والله المستعان وإليه المشتكى.
إنه لموقف خطير: العامي يقع في عبادة غير الله جهلاً والعالم يفتى بجواز ذلك ويجد له تفسيراً وتأويلاً وتخريجاً، وخطورته تأتي من حيث أصبح الولي نداً لله في هذا التصور وشريكاً له في استحقاق العبادة باسم المحبة أو التبرك بفتوى ممن ينتسبون إلى العلم ويجهلون حق الله على عباد الله. أعود فأقول: هذا الموقف وهذا التصور الذي يسود صفوف العوام وأشباه العوام هو الذي أثار تساؤلي:
ما هو الموقف السليم من الأولياء ؟ ؟ ! !
فأما الجواب عليه: أن الموقف السليم هو عدم الغلو فيهم مع عدم الجفاء والاستخفاف بهم وإيذائهم. بل الواجب محبتهم في الله وموالاتهم ولك أن تطلب منهم الدعاء في حياتهم ويسمى الاستشفاع بهم أو التوسل بهم. ويجب أن تفرق بين محبتهم في الله ومحبتهم مع الله. ومحبتهم في الله عمل صالح وأما محبتهم مع الله فعمل غير صالح بل هو يريد الشرك أو الشرك ذاته. ويختلف ذلك باختلاف ما يقوم بقلب العبد وسر التخبط لدى كثير من المسلمين والخلط في عباداتهم هو عدم التفريق بين الحقوق، مما جعلهم يصرفون كثيراً من حقوق الله على العباد للعباد أنفسهم.

رد مع اقتباس