مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=24)
-   -   بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 2 (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=2927)

أبو عبد الرحمن السلفي1 21-09-2007 05:08PM

بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 2
 
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 2

والسبب الثالث من أسباب ذهاب الأمن هو: التكفير على جهل.

إن قضية فتنة التكفير قضية شائكة، والخوض فيها يطول لكن أنبه هنا على عدة أمور مهمة:

أولاً: إن مسألة التكفير في غاية الخطورة؛ لذا لا ينبغي أن يكفر الناس من هب ودب بل الأمر يحتاج إلى فقه وعلم بالكتاب والسنة، فالأمر يوكل للعلماء لا لكل من ادعى العلم والجهاد.

ثانياً: للتكفير موانع مثل: الجهل، والخطاً، والإكراه، والتأويل، والتقليد(1)، فلا بد من زوالها قبل الحكم على المعين بالكفر مع إقامة الحجة عليه.

ثالثاً: إن العلماء احتاطوا للتكفير غاية الاحتياط،حتى لو كفر شخص من تسعة وتسعين وجهاً وبقي وجه واحد لم يكفر به لتوقفوا في تكفيره، لكنه اليوم أمسى من أيس الأمور عند بعض الناس والطوائف.

رابعاً: التكفير سلاح للقتل، والاغتيال؛ لذا أول ما يبدأ أصحاب الفكر التكفيري بهذا المبداً، فهم يحكمون على الشخص بأنه كافراً؛ لأنه بمجرد التعاون مع غير المسلمين، أو الاستعانة بهم، أو لم يحكم بما أنزل الله، فهو كافر عندهم، بعد ذلك يستحلون دمه، ثم قتله، ويحثون الناس على الخروج عليه إن كان حاكماً مسلماً.

فهذا غطاء لصنيعهم المنحرف؛ إذ إنهم لو قتلوه أو أمرو بعصيانه مباشرة لما استجاب لهم أحد، ولما وجدوا لهم مؤيداً،لكن البداءة تبدأ بتكفيره ثم إباحة دمه وهكذا صنع الخوارج مع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقد كفروه لشبه نزلت في رؤسهم؛ لقلة علمهم، وجهلهم بالكتاب والسنة، ثم خرجوا عليه، وقد كان هو الخليفة آنذاك الذي تجب طاعته، فوجهوا سيوفهم نحو المسلمين بل خير المسلمين من الصحابة والتابعين فسفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم فوقعت فتنة جرحت الأمة في المقتل، وأثقلت كاهلها وعانت منها لزمن.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- وصفهم وصفاً دقيقاً قبل ظهورهم، فالوصف الدقيق هذا يدل على سبب وقوعهم في مثل هذه الفتن، وذلك فيما يرويه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «سيخرج في آخر الزمان قوم أحدث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم،فإن في قتلهم، عند الله يوم القيامة» (2).

قلت: إن الواقع يشهد أن الفتن تأتي من الجهل، وقلة البضاعة الفقهية، ومصيبة الأمة اليوم، أنه بعض من تولى أمر الدعوة والفتوى، وشأن الجهاد فيها لم يفكر في العواقب جيداً.

تأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف الخوارج بقوله: «أحداث الأسنان سفهاء الأحلام» قال محيي الدين النووي: «معناه: صغار الأسنان، صغار العقول» (3)، وانظر إلى كثير ممن يرتكبون جرائم الاغتيال، والتفجير، ويتزعمون بعض الأحزاب، لترى وصفاً دقيقاً، ولتعلم أن الخوارج ليس لهم وقتاً معيناً بل قد يظهرون في أي زمن، ولتعلم أيها المسلم أن دينك، وفكرك لا تأخذهما من أي أحد، وإنما من علماء أهل السنة فتنبه.

وانتشار الفكر التكفيري، وفتنة التكفير من أكبر الأسباب المسببة لذهاب الأمن وزعزعة كيان المجتمع، فقد أنَّتْ المجتمعات من هذا الفكر، ولا تزال تصرخ وتستغيث،فهل من منقذ لها؟

واعلم رعاك الله أن الفكر التكفيري يأتي على درجات:

الأولى: من لا يحمل هذا الفكر بشكل واضح، بل قد ينتقد الفكر التفكيري، ويشجب هذا الصنيع وأصحابه، لكن في محاضراته، وكتاباته، وجلساته، وفتاويه ما يهيئ لهذا الفكر، ويفرش بساطه، ويشجع عليه، ويسهل أمره شعر أم لم يشعر، وهذا الصنف من أخطر الأصناف؛ إذ يأتيك باسم الكتاب والسنة، ومذهب السلف الصالح، ويستشهد أحياناً بأقوال أهل العلم، فكشفه صعب للبسطاء وعامة الناس، لكنه لا يخفى على طلبة العلم، والبحث في حاله كمن يبحث عن إبرة في القش، ومنهم كثير.

الثانية: من يحمل هذا الفكر بشكل واضح، ولم ينخرط جلياً في الحزب التكفيري، فهو يضرب من بعيد، وعلى حذر، ويستغل الفرص في ليلة لا قمر فيها، يصعب كشفه أحياناً لكن هفواته تصرعه، يدعو إلى فكره في الظلمات وباستخدام الرموز المشفرة، فاحذروه.

ثالثاً: من يحمل هذا الفكر بشكل واضح، وقد انخرط مع القوم، وأعلنها بصراحة، فهذا سهل مكشوف لطلبة العلم، والجهات المعنية، لكن الخطورة تكمن فيما يقول ويطرح، فهو يطرح الشبه التي يظنها الناس حقاً وصدقاً، ويستشهد بالقرآن غالباً، ويأخذ بظواهر النصوص، فتخفى على عامة الناس؛ وهذا معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخوارج: «يقولون من خير قول البرية»، أي: ما يدعون له في الظاهر حق كقولهم: «لا حكم إلا الله»(4) وكقولهم: «تطبيق شرع الله هو الواجب» لكنهم سلكوا المسلك الخطأ، فكروا ونفروا، وتسري الشبه التي يطرحونها على عامة الناس؛ إذ إبطال الشبهة يحتاج إلى عالم أو طالب علم ينسفها من جذورها وقد لا يوجد الرجل المناسب في الوقت المناسب، فتسري أقواله، وتجدلها آذاناً صاغية فيزداد اتباعه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإلى الله نشتكي من صنيع بعض وسائل الإعلام، عندما تطرح أقوالهم، وخطبهم، واستدلالاتهم، ولا متخصص في الشريعة لها!! ثم اعلم حفظك الله، أن للتكفير سبلاً يبدأ بها، ليسهل أمر التكفير:

1- منها: الطعن في العلماء الثقات، الذين يأمرون بالحكمة، وطاعة ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم، حيث يتهمونهم بأنهم علماء دولة، وأنهم لا يفتون كما يريدون، وأن الفتاوى تكتب لهم، إلى غير ذلك من الدعاوي الباطلة التي الهدف منها إسقاط مكانة العلماء وذهاب هيبتهم من نفوس الناس لكيلا يسمع لهم أحد، وتتحول الأمور إلى فوضى لا منظم لها.

2- ومنها: ذكر أخطاء الحكام، وزلاتهم.

ومعلوم أن الحاكم إنسان قد يخطأ، وقد يصيب، وتحكمه ظروف، ومعاهدات وسياسات، وضغوط، ومشاكل قد لا يعلمها كثير ممن يتبجحون بانتقاد الحاكم.

والهدف من هذا النقد وذكر الزلة هو ملء القلوب عليه حقداً وغيظاً وكراهية؛ ليسهل تكفيره؛ والخروج عليه، وفي النهاية تأتي الكارثة وهي ذهاب الأمن، وسفك الدماء، وازهاق الأرواح.

3- ومنها: استغلال أصحاب العواطف الجياشة خاصة ممن قد يكون عنده عَوَزٌ وفاقة ولم يجد من يسد حاجته، فمثل هذا شحنه سهل، وميسور؛ لأنه مهيأ لمثل ذلك، لذا أتمنى أن تسد الدول حاجة شعوبها؛ لكيلا يجد المكفرون إلى هؤلاء سبيلاً.

والخلاصة أن الحديث في هذه القضية يطول -كما ذكرت آنفاً- وما أشرنا إليه لعله كافٍ، والحر تكفيه الإشارة.

السبب الرابع: طرح شبه التكفير والخروج عبر وسائل الإعلام.

من أسباب ذهاب الأمن ما تصنعه بعض وسائل الإعلام الماكرة، حيث تعرض عبر شاشاتها وبرامجها خطابات أهل التكفير والتهييج، وكم في هذه الخطابات والكلمات من الشبه، ومن الأدلة التي يستدل بها القوم بشكل خاطئ، فهم يستدلون بالقرآن غالباً وبالسنة نادراً جداً؛ لأن القرآن حمَّالٌ ذو وجوه، فيه عمومات يمكن استغلالها لصالحهم، أما السنة فتفضحهم لما فيها من بيان المجمل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتفسير المشكل، فهذه الشبه التي يطرحها أولئك القوم تحتاج إلى عالم أو طالب علم راسخ القدم ليرد عليها، ويقوم بنسفها، وإبطالها، لكن تصاب بالدهشة عندما ترى ضيوف البرنامج بين صحفي أو ممن هو قريب من فكر أهل التكفير أو رجل من غير المسلمين فأولاً يعرض كلام أو خطاب زعيم التنظيم أو المتحدث باسم التنظيم، أو شبابه ورجاله وتطرح الاستدلالات الخاطئة، وأوجه الدلالة غير الصحيحة، ثم يأتي دور المحللين ليحللوا، ويا له من تحليل! فكل يدلي بدلوه، ولا يتعرض واحد منهم لإزالة تلك الشبه، أما الأول فلأنه صحفي، بعيد عن العلم الشرعي، ومعرفة الفرق، وشبههم، فالرد عليهم صعب عليه، ولكنه يتكلم ويحلل، ويفتي من حيث لا يشعر فإن لم يكن كل كلامه فمعظمه فتوى شعر أم لم يشعر، وياللمصيبة والمحنة، حيث يزداد الأمر سوءاً، لقد تجرأ هذا الجاهل أن يتكلم في الشرع، وأي شرع، أخطر مسائل الشرع التي تتعلق بها دماء الأمة، وأمنها وأمانها ومستقبلها لو كان الموضوع المطروح للنقاش أمراً من أمور الطب أو الهندسة أو شبكات المجاري لما تجرأ أمثال هؤلاء أن يحللوا أو يقترحوا أو يتكلموا؛ لأنهم سيقولون: ليس هذا من اختصاصنا، فسبحان الله! وهل الشرع من اختصاصكم؟ تخافون من نقابة الأطباء والمهندسين، أن تقولوا في علمهم ما لا تعلمون ولا تخافون ولا تخشون الله أن تقولوا في دينه ما لا تعلمون! إنك تشعر أحياناً بل تجزم جزماً لا يداخله شك أن الأمر مقصود وإلا فما الذي يعيق هذه القناة وتلك من استدعاء الرجل المناسب في الوقت الملائم لنفع الناس وإزالة الغبار عن أفكارهم، ودفع التشويش والغبش عن أذهانهم كم يبقى الناس في حيرة بعد هذه البرامج، وكم انضم أناس جدد إلى التنظيم بعد خطاب زعيمه، الذي فيه سكينة، وعطف، وآيات من القرآن، وكم اقتنع أناس بهذه الشبه الواهية، التي لو تصدى لها عالم متخصص لتبيين للناس أنها أوهى من بيت العنكبوت، فهكذا يبقى الناس في حيرة بين ما يسمعونه ويشاهدونه في وسائل الإعلام من خطابات،وشبه، ودعاوى زائفة، وبين ما يسمعونه من العلماء وطلبة العلم الناصحين، الصادقين، العارفين، نسأل الله العون والثبات، إن هذا التصرف يشحن الشباب المتحمس، ويملأ قلوبهم حقداً، وكراهية على ولاة أمره، وكان يمكن أن نعالج الأمور بأفضل من هذا الأسلوب، ونحقن الدماء، ونجنب المجتمع الفتن.

إلى من تصدى لمثل هذه المسائل العظام، نقول لهم: ليس هذا عشك فادرجِ، فإن الأمر شرعي محض، نصوص السنة طافحة في الرد عليهم، وضرب أصولهم من جذورها صعب عليكم، فلكل مقام مقال، ولكل فن رجال، وصدق القائل:

يا باري القوس برياً لست تحسنه

لا تفسدنها وأعط القوس باريها

أذكِّرُ هؤلاء بآية في كتاب الله ومثلها كثير وهي قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 32].



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قضية التكفير (ص 54) سعيد القحطاني.

(2) أخرجه البخاري (6930،5057،3611) ومسلم (2459) والنسائي (4113).

(3) شرح مسلم للنووي (4/7/169).

(4) شرح مسلم للنووي (4/7/169).

على منهج السلف 16-10-2007 06:42AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

جزاك الله خيرا اخي أبو عبد الرحمن على موضوعك الطيب

طيب الله ريحك وممشاك

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

 


Security team