مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=24)
-   -   ظاهرة التكفير والتفجير وآثارها في المجتمع المسلم (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=2924)

أبو عبد الرحمن السلفي1 21-09-2007 05:59PM

ظاهرة التكفير والتفجير وآثارها في المجتمع المسلم
 
ظاهرة التكفير والتفجير وآثارها في المجتمع المسلم

مفهوم التكفير هو الحكم على أشخاص معينين بالكفر المخرج عن الملة، وهو ما يسميه العلماء (بتكفير المعين)، ولعل هذا هو المراد بالتكفير عند إطلاقه بين الناس في هذا الزمان.

وأيضاً التكفير هو الحكم على غير معينين بالكفر المخرج من الملة، سواء كانوا جماعات أو أهل بلدان أو مذهباً أو قوماً، وهو ما يسميه العلماء (بالتكفير المطلق)، وكذلك الحال -أيضاً- في المراد بالتفسيق، فيقال في المراد به كما قيل بالتكفير، مع ملاحظة أن المراد بالتكفير والتفسيق في الاستعمال المحلوظ الآن -ومن خلال واقع الحال- هو التكفير المعين والتفسيق المعين بأشخاص محددين بأعيانهم وأسمائهم، سواء بالحكم الدنيوي أو الحكم الأخروي، أو بهما معاً، ولذا صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أيما أمرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه»، وفي «الصحيح» قوله -صلى الله عليه وسلم-: «سباب المسلم فسوق وقتالة كفر».

والتكفير مرحلة خطيرة على العقيدة وعلى الفرد وعلى المجتمعات تسبقها مراحل التبديع والتفيسق والجميع سائر في مركب الجهل والغوغائية والسفاهة، التي تذيع الخوف وتشيع الكره والافتيات في المجتمع المسلم، مما يكرس معاني الفوضى والهمجية مما لا تحمد عقباه.

هذا وقد فشت ظاهرة التكفير قديماً؛ ففي أمة الإسلام، رفعت قالة التكفير برأسها، في أواخر عهد أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه-، وهي التي تسببت بقتله، ثم بمقاتلة الخوارج لعلي وللصحابة -رضى الله عنهم-، في حين بدأ أصلها عقب غزوة حنين، أواخر عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في «الصحيحين» أن عبدالله ذا الخويصرة قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- لما قسم غنائم حنين: يا رسول الله اعدلْ! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويحك! ومن يعدل إن لم أعدل»، فقال عمر الخطاب -رضي الله عنه-: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «دعه، فإنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقيامكم إلى قيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم».

فكان هذا بفرقة الخوارج ومن تأثر بهم، وسراية مذهبهم الفاسد الخبيث إلى طوائف وجماعات وأفراد من المسلمين قديماً وحديثاً والله المستعان.

لا أعرف مكاناً محدداً لنشوء ظاهرة التكفير والتفسيق ولا سيما المعينين، لكن هذه الظاهرة تنمو وتظهر في بيئة الجهل وسوء الفهم والتنزيل لأحكام الشرع المطهر.

كذلك تفشو هذه الظاهرة في مجتمع الازدواجية بين المتضادات من خلال الحفاوة بأهل الفسق والزندقة، أو عدم الأخذ على أيديهم بالعلم والبرهان، والقوة والسلطان، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

الواقع أن أسباب ظهور ظاهرة التكفير، وفشوها وانتشارها عديدة، يكمن أهمها في:

1- الجهل الذريع، وربما الجهل المركب بهذه المساألة المهمة، في معرفة الكفر في موارد أدلة الوحي الشريف، والفرق بين الكفرين: الأكبر والأصغر، وحال أصحابها -من جهة اجتماع الشروط وانتفاء الموانع-، والفرق بين الكفر المطلق والكفر المعين، والكفر الدنيوي والحكم لأصحابه بالخلود الأخروي بالنار.

2- اتباع الهوى، والأغراض النفسية في تكفير المخالف وذمه والقدح في عرضه بالكفر دون تبصر بالعلم، وتورع بالديانة.

3- اتباع المذاهب البدعيّة، والأقوال الشاذّة، وتقليد الأصاغر في العلم والدين في إطلاق الكفر على الدول والمجتمعات والأفراد.

4- الاستهانة بمحارم الله وأحكام شرعه، وعدم الأخذ على يد المكابر والمعلن بقالة الكفر، وأطره على الحق أطراً بقوّة البرهان والسلطان إلى غير ذلك من الأسباب، مع الأخذ بالاعتبار أن كل سبب من هذه الأسباب يحتاج إلى بسط، العرض والتحليل وضرب الأمثله والتدليل..إلخ.

أهم آثار انتشار ظاهرة التكفير والتبديع والتفسيق هو فشو الجهل، وخفاء العلم بالدين: عقيدة وشريعة، وتشويه سماحة الإسلام وعالميّته.

كذلك من أهم الآثار اختلال الأمن العام للمسلمين وغيرهم.

علاج هذه الظاهرة في فشو قالة التكفير أو التبديع والتفسيق بين الناس، ولاسيما المتعالمين، أو المتعجلين في أحكامهم، أو الجاهلين بها هو بعلاج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلاج أصحابه -رضي الله عنهم- لظاهرة الغلو في الدين، والتجافي عن منهاج العدل والوسطية عقيدة وقولا وعملاً، ويتأتّى ذلك بوسائل، أهمها فيما يبدو لي:

1- بنشر العلم الصحيح الموروث عن الله وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الوحيين الشريفين وعلى نبراس من فقه السلف الصالح من لدن الصحابه فالتابعين فعلماء الأمة الفحول -رضى الله عنهم ورحمهم-، والقضاء بالتالي على الجهل أو محاصرته، وهو بيئة التكفير التي يترعرع فيها.

2- وبمعالجة الظواهر الفردية بالحكمة والبصيرة اللائقة بها زمانأ وواقعاً وحالاً، ويتأتى هذا بالعلماء والراسخين، والحكماء ذوي العقل والفطنة.

3- قيام الحاكم الشرعي، والعالم الرباني، والمربي الواعي، كل منهم بواجبه المناط به ديانةً وأداءً للأمانة الواجبة، وإبراء للذمة ونصحاً للأمة إعذاراً وإنذاراً.

إن ثمّة علاجاً خاصاً لمن وقع في شباك هذه الفتنة من خلال مسلكين رئيسين:

أحدهما: بالرفق واللين والتوجيه والتربية وحسن البيان لمن اشتبه عليه الأمر أو ادلهمّت عليه الشبهات.. ولايتأتى هذا إلا على يد ذوي العلم والغيرة الراسخين.

والثاني: بأسلوب مقارعة الحجّة ودفع الشبهة، والتأديب والتعزيز اللائقين في المعاند والمكابر، ومن على شاكلة هؤلاء، وهذا مناط بالقضاة والعلماء.

نعم إن من يجاهر بكلام يصل إلى الكفر أو يدل على الردة عن الديانة، والزندقة في المله، فإنه يدل على رقة الدين وضعفه في قلبه أو اضمحلاله، ثم يولد ردة فعل عكسيه بتكفيره إما مقالة أو عيناً، فهذه الظواهر الاستفزازيّة من أولئك مصدر من أهم مصادر التكفير والتبديع.

والموقف مع هؤلاء له مراتب وأحوال:

- فمن ذلك النصح لهم ودعوتهم، ثم الإنكار عليهم قولهم بالأسلوب اللائق وكل مقالة يتفوه بها كل منهم.

- ثم من لم يتب منهم ويرجع عن غيّه، فبإقامة حكم الشرع عليه دون مجاملة ولا محاباة لأحد في دين الله -عز وجل-، ولاشك أن لجانب القضاء الشرعي في بلادنا النزاهة والتثبت والنظر العلمي المعتبر من عدة مستويات من المحاكم: الكبرى فالتمييز فمجلس القضاء الأعلى، وهذه الدوائر القضائية الكبرى تبلغ أقصى مدى ممكن لتحري العدل والحق وإنفاذهما، كما يجب على مسؤولي الإعلام تقوى الله، وألاّ يؤذوا عباد الله بمثل تلكم المقالات والطروحات الخطيرة التي تستفز دين الأمة وعقيدتها، وأن تحترم ذلك كما تحترم سياسة دولتها.

هذا والمسلم العاقل له في الناس كل الناس نظران:

1- أن ينظر إليهم بعين الحكم الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء، والنصح والدعوة، لكل بحسبه.

2- وأن ينظر إليهم بعين القدر والقضاء، فمن كان منهم منحرفاً في قوله ومقدار عقيدته رحمه بذلك، وحمد الله أنه لم يكن مثله، وأن الله قد عافاه مما ابتلى به غيره، فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.

التفجيرات وأثرها في الفساد:

إن إرهاب الآمنين وتخويفهم وإشاعة الخوف فيهم من صنائع أهل البغي والخروج، الذين سلمت منهم دماء المحاربين من أهل الكفر، وأعملوا القتل في أهل الإسلام، ولقد صح عن النبي -صلى الله وعليه وسلم- أنه قال: «لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم».

كما أن التفجير في المجتمع المسلم الذي فيه ولاية شرعية وأمن وطمأنينة كمجتمعنا ولله الحمد -من السعي في الأرض فساداً-، بل من الافتيات على الولاية المعتبرة الشرعية التي في أعناق المسلمين لولي أمرهم، ومن اهدار الأرواح والأموال والأمان بين المسلمين، ولو كان هذا الفعل موجهاً لكافر له معنا عهد وميثاق، فإن ذمة المؤمنين واحدة يسعى بها أدناهم، كما صح عن النبي -صلى الله عليه سلم-، بل هو متوعد بوعيد خطير، صح عن النبي -صلى الله عليه سلم- من غير وجه أنه قال: «من قتل نفساً معاهدةً بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يجد ريحها» [ورواه أحمد وبعض أهل السنة].

وعليه؛ فإن عمليات التفجير والقتل التي تطال المسلمين في بلاد الاسلام محرمة عظيم حرمها، وكذا ما طال المستأمنين أو المعاهدين ممن لهم عهد وأمان من الكفار في معاهدات ومواثيق منحت لهم من ولاية المسلمين الشرعية، لها من الحرمة والخطورة ما دلّت نصوص الشرعية وقواعدها ومقاصدها عليه من وجوه كثيرة يدركها أهل العقل والحكمة فضلاً عن العلماء والفقهاء، وتغيب أو تُغيب عن مدارك الصبيان والجهال وأنصاف المتعلمين، والله المستعان.


Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

 


Security team