أئمة الجرح والتعديل هم حماة الدين من كيد الملحدين وضلال المبتدعين وإفك الكذابين (2)
أئمة الجرح والتعديل هم حماة الدين من كيد الملحدين وضلال المبتدعين وإفك الكذابين
ردعلىبعضالمتعالمين الحلقةالثانية -------------------------------------------------------------------------------- 7- قال : " الفرق الرابع : إن العلماء إذا بدعوا شخصاً فإنهم يحذرون من الأخذ منه وذكر سالماً الأفطس المرجيء وأن أهل السنة تركوا مجالسته . وذكر تحذير أبي زرعة من حارث المحاسبي وذكر رأي مالك وأنه لا يؤخذ العلم عن أربعة وذكر منهم صاحب الهوى . وذكر قول ابن مسعود " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا" . ثم قال : "وجاء في فتاوى أئمة المسلمين بقطع لسان المبتدعين جمع محمود خطاب السبكي ما نصه :" وأجمع الأئمة المجتهدون أنه لا يجوز أخذ العلم عن مبتدع وقالوا: الزنا من أكبر الكبائر أخف من أن يسأل الشخص عن دينه مبتدع"(1) . وروى عن ابن سيرين ( أن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا(2) دينكم )شرح علل الترمذي ( 1/252) وغيرها من الأدلة . أما علماء الجرح والتعديل فإنهم يأخذون الرواية من المبتدع مع أن الرواية من أنواع تلقي العلم لكن بشروطها والعلة في ذلك هو الخوف من ذهاب أحاديث النبي ". وعليه في هذا الكلام مآخذ منها : قوله : العلماء إذا بدعوا شخصاً حذروا من أخذ العلم عنه ويقصد بأهل العلم غير أهل الحديث وأئمة الجرح والتعديل ولكنه لجهله وغبائه يتكرر منه الوقوع في الحفر . أ- فهنا ما وجد علماء يمثل بهم إلا علماء الجرح والتعديل أبو زرعة ومالك وقبلهم ابن مسعود الذي حذر من أخذ العلم عن الأصاغر. وقد اختلف في تفسير الأصاغر فمنهم من فسرهم بأهل البدع ومنهم من فسرهم بصغار السن(3) ومن صغارهم صاحب الوريقات وإني لأخاف عليه أن يدخل في أهل البدع لأنه يتعصب للأشخاص ويطعن في أهل السنة ويمدح أهل البدع على مختلف أنواعهم ويدافع عنهم ويوالي ويعادي على الأخطاء وبحثه هذا من أكبـر الشواهد عليه . ب- لم يعمل بما يقول فذهب ينقل عن محمود محمد خطاب السبكي وهو أشعري وقد نقل عنه هذا الإجماع المدعى . وهذا الإجماع منقوض بمذاهب الأئمة المجتهدين ومنهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابهم وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري ومسلم وغيرهم رووا عن أهل البدع وأجازوا الرواية عنهم بشروط منها الصدق والضبط وأن لا يكون هذا المبتدع داعية إلى بدعته ، ثم تراه يخبط خبط عشواء فينقل عن علي بن المديني وهو إمام مجتهد قال فيه البخاري : "ما استصغرت نفسي عند أحد إلا على بن المديني" . نقل عنه أنه قال : "لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي –يعني التشيع – خربت الكتب يعني لذهب الحديث ". ونقول له: أليس ابن المديني من أقران الإمام أحمد في العلم والاجتهاد وكلاهما يجيز الرواية عن أهل البدع بشروطها . وينقل عن ابن سيرين قوله:" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ". أليس ابن سيرين من أهل الحديث المجتهدين ويقصد بهذا العلم علم الحديث بالذات ؟ وأنت توهم الناس أن المراد بالعلم في الدرجة الأولى غير الحديث وهو أشرف العلوم بعد القرآن ولا دين للأمة إلا به عقيدة وشريعة . ثم تخفف وطأة قولك فتقول : " مع أن علم الرواية من أنواع تلقي العلم لكن بشروطها". ما هذا التهوين من الحديث وأهله وعلومه أيها المتعالم ؟ وما هو الداء الذي دهاك وأخشى أن يصيب عصابتك؟. وينقل عن الألباني قوله : "العبرة في الراوي إنما هو كونه مسلماً عدلاً ضابطاً أما التمذهب بمذهب مخالف لأهل السنة فلا يعد عندهم جارحاً ". أقول : يريد الألباني بقوله : "جارحاً " الجرح المسقط للرواية ولو كان الراوي مجروحاً بالبدعة. ويقصد "بأهل السنة الذين يقبلون رواية المبتدع" أئمة الحديث وعلى رأسهم الشافعي وأحمد وسفيان والبخاري ومسلم وأمثاله من أئمة الحديث المجتهدين . فماذا استفدت من نقل كلام هو عليك لا لك ؟ ولا أريد أن أناقشه في كلامه كله فإن المجال لا يتسع لمناقشته في كل شيء . لكن الشاهد من كلامه في الجملة أنه يهون من أهل الحديث وأئمة الجرح والتعديل وأقوال ومواقف أئمة الجرح والتعديل وهم سادة العلماء والفقهاء وبهم حفظ الله دينه . 8- قال : " الفرق الخامس : ينبني على الحكم على الشخص ببدعة أحكام ومعاملات ومنها لو كانت البدعة مكفرة تنـزل عليه أحكام الكفار . أما الحكم على الراوي بالجرح قد لا ينزل عليه أحكام ومعاملات مثل ما ينزل على المبتدعة " . أقول : أ- إنه يريد أن علماء الجرح أقل وأجهل من أن يحكموا بالبدعة لأنهم لا يعرفون الأصول ولا يحيطون بالشريعة وليسوا بأهل لاستقراء أدلة الشريعة واستخراج الأحكام منها . أما العلماء الذين يتخيلهم ولا وجود لهم فهم المؤهلون للحكم على أهل البدع لأنهم يحيطون بالشريعة . وما علم المسكين أن الذين لا يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه ليسوا بعلماء كما يقول الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه : " إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً " ، معرفة علوم الحديث للحاكم ( ص 60 ) . ونسي أن الإمام الشافعي مع جلالته وسعة أفقه واهتمامه بالحديث وعلومه يقول للإمام أحمد وإخوانه :" أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فأيما حديث صح عندكم فأخبروني به شامياً كان أو مصرياً أو كوفياً" . ويقول : في كثير من الأحوال "هذا إسناد لا يثبته أهل الحديث ". وأهل الحديث هم الطائفة المنصورة التي وصفها رسول الله بأنهم على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله . ب- حديثه عن البدعة المكفرة يدل على جهله بأصول أهل الحديث والفقهاء وغيرهم من أهل السنة . ومنها حكم البدعة المكفرة وأنه لا يلزم من كونها مكفرة كفر صاحبها حتى تقوم عليه الحجة، فقد كفر السلف بتعطيل صفات الله وإنكار رؤية الله في الدار الآخرة وبالقول بخلق القرآن ومع ذلك فالقول الراجح عندهم أن من وقع في شيء من هذه الضلالات لا يكفَّر حتى تقوم عليه الحجة . جـ- إن علماء الحديث وأئمة الجرح والتعديل هم عمدة علماء الأمة في مختلف الأجيال في الغالب في الحكم على الأشخاص مبتدعة كانوا أو غيرهم سواءً كانت البدعة مكفرة أو غير مكفرة وبحوثهم في أهل البدع وغيرهم مشهورة مستفيضة . وقد خصصوا أبواباً للبحث في أهل البدع في الكتب الواسعة أو المختصرة ومنها من بدعته مكفرة ، انظر الكفاية للخطيب (ص120-132) ط دائرة المعارف العثمانية ، واختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ( 1/299-304) وشرح العلل لابن رجب (1/53-56) ومقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح للعراقي (ص126-127) وتدريب الراوي للسيوطي (ص216-218) وانظر نزهة النظر (ص50-51) نشر مكتبة طيبة. قال الحاكم في مقدمة كتابه "معرفة علوم الحديث"(ص1-2):" أما بعد: فإني لما رأيت البدع في زماننا كثرت ومعرفة الناس بأصول السنن قلَّت، مع إمعانهم في كتابة الأخبار وكثرة طلبها على الإهمال والإغفال دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف يشتمل على ذكر أنواع علم الحديث مما يحتاج إليه طلبة الأخبار المواظبون على كتابة الآثار". فالواقف على هذا الكلام يرى أنه ما دفع الحاكم إلى تأليف هذا الكتاب في علوم الحديث (المصطلح) إلا كثرة البدع وغربة السنة. ولما وصف الإمام أحمد أهل الحديث بأنهم الطائفة المنصورة أثنى عليه الحاكم ثم قال:" فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله أجمعين". وهذه شهادة من الحاكم لهم باتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يدمغون أهل البدع بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويا لها من حجج دامغة ولم ينسب هذه المزية لغيرهم. وقال الحاكم في وصف أهل الحديث(ص3):" فعقولهم بلذاذة السنة عامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تعلم السنن سرورهم ومجالس العلم حبورهم، وأهل السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم". وقال أيضاً رحمه الله بعد ذكره أناساً يطعنون في أهل الحديث(ص4):" ومثل هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية". فهذا الذي نناقشه قد حقر أئمة الجرح والتعديل وكاد أن يرميهم بالحشوية، فما وصفه لهم بالأوصاف التي وصفهم بها ببعيدة عن وصفهم بالحشوية. وقال رحمه الله أيضاً(ص6):" فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع منه بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فيها كانت بُتراً". فاهتمامهم بالأسانيد ومواظبتهم عليها فيه حفظ لمنار الإسلام ووضع سد منيع في وجه أهل الإلحاد و البدع حتى لا يتمكنوا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد عقد الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث":" النوع الثاني والثلاثون في معرفة مذهب المحدثين 1- ذكر فيه قول مالك بن أنس :" لا يؤخذ العلم عن صاحب هوى". 2- وذكر رمي ابن معين لمحمد بن مناذر بالزندقة، ووصف إبراهيم بن أبي يحيى بأنه جهمي قدري. 3- وذكر عن سفيان الثوري أنه يسمع الحديث من الرجل فيتخذه دينا ويسمع الحديث من الرجل فيتوقف فيه ويسمع من الرجل فلا يعتد به ويحب معرفة مذهبه. 4- ولما حدث أبان بن تغلب بحديث فيه قرص لعثمان قال له المعتمر كذبت وصاح به. 5- وذكر أن الإمام أحمد رمى إبراهيم بن طهمان بالإرجاء. 6- وذكر عن ابن عيينة أنه قال :" ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى القدري. 7- وسئل علي ببن المديني عن أبي إسرائيل الملائي فقال: لم يكن في حديثه بذاك وكان يذكر عثمان يعني بالسوء. 8- ونقل عن الحسن بن واقد أن السدي كان يسب أبا بكر وعمر فلم يعد إليه. 9- ونقل عن ابن المبارك أنه قال في الحسين بن دينار أنه كان يرى رأي القدر. 10- وذكر أن يزيد بن هارون طعن في الحسين بن زياد اللؤلؤي طعناً شديداً، وذكر طعن يزيد بن هارون في حريز بن عثمان بسبب مذهبه أي بغضه لعلي رضي الله عنه. 11- وذكر طعن الثوري في الحسن بن صالح لأنه كان يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 12- وذكر عبد الواحد بن زياد أنه طعن في زفر بن الهديل من أجل أنه من أهل الرأي. 13- وأن سوار بن عبد الله يدعه من أجل الرأي. 14- وأن ابن إدريس طعن في سالم بن أبي حفصة لطعنه في عثمان وبني أمية. 15- وأن البخاري قال في عبد العزيز بن أبي رواد أنه كان يرى الإرجاء . فهؤلاء أربعة عشر إماماً كلهم من أهل الحديث يجرحون أهل البدع ببدعهم، فهل تستطيع أن تخرج واحداً منهم عن دائرة أهل الحديث. فما رأي العقلاء في قول هذا المسكين الذي جلب بخيله ورجله ليبين للناس أن قواعد علوم الحديث (المصطلح) لا تنطبق على أهل البدع، وأن العلماء الذين يحق لهم الكلام في أهل البدع هم غير أئمة الجرح والتعديل. وقال الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي (1/5356):" مسألة في رواية المبتدع وهذه المسألة قد اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً، وهي الرواية عن أهل الأهواء والبدع فمنعت طائفة من الرواية عنهم كما ذكره ابن يسرين، وحكي نحوه عن مالك وابن عيينة والحميدي ويونس بن أبي إسحاق وعلي بن حرب وغيرهم، وروى أبو إسحاق الفزاري عن زائدة عن هشام عن الحسن قال:" لا تسمعوا من أهل الأهواء" خرجه ابن أبي حاتم. ورخصت طائفة في الرواية عنهم إذا لم يتهموا بالكذب منهم أبو حنيفة والشافعي ويحيى بن سعيد وعلي بن المديني، وقال علي بن المديني:" لو تركت أهل البصرة للقدر وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب". وفرقت طائفة أخرى بين الداعية وغيره، فمنعوا الرواية عن الداعية إلى البدعة دون غيره، منهم ابن المبارك وابن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وروي أيضاً عن مالك. والمانعون من الرواية لهم مأخذان: أحدهما: تكفير أهل الأهواء أو تفسيقهم وفيه خلاف مشهور. والثاني: الإهانة لهم والهجران، والعقوبة بترك الرواية عنهم وإن لم نحكم بكفرهم أو فسقهم. ولهم مأخد ثالث: وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب ولا سيما إذا كانت الرواية بما يعضد هوى الراوي..... وعلى هذا المأخذ فقد يستثنى من اشتهر بالصدق والعلم، كما قال أبو داود:" ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان وأبا الحسن الأعرج. وأما الرافضة فبالعكس، قال يزيد بن هارون:" لا يكتب عن الرافضة فإنهم يكذبون" أخرجه ابن أبي حاتم. ومنهم من فرق بين من يغلو في هواه ومن لا يغلو، كما ترك ابن خزيمة حديث عباد بن يعقوب لغلوه.... وقريب من هذا قول من فرق بين البدع المغلظة التهجم والرفض والخارجية والقدر، والبدع المخففة ذات الشبه كالإرجاء. قال أحمد في رواية أبي داود:" احتملوا من المرجئة الحديث ويكتب عن القدري إذا لم يكن داعية". وقال المروزي :" كان أبو عبد الله يحدث عن المرجئ إذا لم يكن داعية". ولم نقف له على نص في الجهمي أنه يروي عنه إذا لم يكن داعية، بل كلامه فيه عام أنه لا يروي عنه. فيخرج من هذا أن البدع الغليظة كالتجهم يرد بها الرواية مطلقا، والمتوسطة كالقدر إنما يرد رواية الداعي إليها، والخفيفة كالإرجاء هل يقبل معها الرواية مطلقاً، أو يرد عن الداعية على روايتين". 1- استعرض أيها القاريء الواعي أسماء هؤلاء العلماء الذين أهمهم أمر الرواية عن المبتدعة المانع منهم منعاً مطلقاً والمجيز منهم بشروط وتحفظ، فسوف لا تجد الجميع إلا من أئمة الحديث والجرح والتعديل وهل يتصور العاقل أنهم لا يعرفون البدع وأنواعها وهل يقول عاقل أنهم ليسوا أهلاً لأن يحكموا على أهل البدع . 2- ولو تعرض غيرهم لهذا الأمر فلا تجده إلا تابعاً لهم ومغترفاً من بحرهم في هذا الباب وغيره من أبواب علوم الحديث والحكم على الرجال وما أوسعها وقدمنا لك نبذة عن مكانتهم وجهودهم في تأليف كتب في العقيدة السلفية وما يخالفها من العقائد الضالة وبيان حال أهلها على مختلف مراتبهم في البدعة والضلال . فوالله لا يهون من أمر أئمة الحديث والجرح والتعديل إلا ناقص العقل والدين وظالم لنفسه مبين . 4- إن بعض علماء الجرح والتعديل قد حكموا على أناس بالزندقة فضلا عن البدعة لكفاءتهم وعلمهم بخطورة البدع والزندقة، أقدم لك حكم ابن معين على محمد بن مناذر بالزندقة. فممن حكم عليه علماء الحديث بالزندقة صالح بن عبد القدوس الأزدي قال الذهبي:" صاحب الفلسفة والزندقة " الميزان ( 2/297) وقال الخطيب : " يقال إنه كان مشهوراً بالزندقة" ورماه غيرهما من الأدباء والمؤرخين بالزندقة ، انظر لسان الميزان( 3/ 541) وحكم عليه بعض أئمة الحديث بأنه متهم بالكذب . ومن المتهمين بالزندقة سيف بن عمر التميمي ، قال ابن حبان " اتهم بالزندقة ويروي الموضوعات عن الأثبات " وكذا اتهمه الحاكم بالزندقة ، المدخل (1/191) والمجروحين (1/345) وانظر الميزان (2/255) وقال ابن عراق : " اتهم بالزندقة ووضع الحديث " تنـزيه الشريعة المرفوعة (ص66) . ومنهم عبد الكريم بن أبي العوجاء قال الذهبي : "زنديق معثر" وقال الذهبي : قال أبو أحمد بن عدي:" لما أخذ لتضرب عنقه قال وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحل الحرام ، قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة ، الميزان (2/644) . قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان : " وذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني عن جرير بن حازم كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام ، واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، وبشار بن برد وصالح بن عبد القدوس وعبد الكريم بن أبي العوجاء ورجل من الأزد وكانوا ينزلون في منزل الأزد . فأما عمرو وواصل فصارا إلى الاعتزال . وأما عبد الكريم وصالح فصححا التنوية(4) وأما بشار فبقى متحيراً". نقلت هذا الكلام وإن كان فيه الأصفهاني وهو غير ثقة لفائدة وهي تصديق ما يقال أن الأدباء والمؤرخين وغيرهم قد تأثروا بأهل الحديث في نقل الأخبار بالأسانيد . ثم إن الأصفهاني يروي هذه القصة عن رجل من أهل الحديث . 9- قال : " الفرق السادس : علماء الجرح والتعديل قد يتكلمون في الراوي بسبب أمور لا تستدعي جرحه ، أما العلماء إذا تكلموا في شخص وبدعوه فبعد النظر في منهج أهل السنة والجماعة واستقراء الأدلة لأنهم يعلمون خطورة التبديع وفرق بين هذا وذلك" . أقول : أ- في هذا الكلام احتقار شنيع لعلماء الجرح والتعديل فإنهم في نظره يتكلمون في الراوي بسبب أمور لا تستدعي جرحه فما رأيه فيمن يرمونه مثلاً بالكذب أو يتهمونه به أو يرمونه بالفسق فهل يقال أنهم يرمونه بدون علم ولا ورع ولا خوف من الله ولا مراعاة حرمة أعراض المسلمين التي حرمها الله كحرمة دمائهم وأموالهم ، وإذا تجرؤا على تبديع شخص كما هو موجود في كتبهم فلا يعتد بهذا التبديع لأنه صدر من قوم لا يعلمون منهج أهل السنة والجماعة وليسوا بأهل للنظر فيه كما أنهم ليسوا بأهل لاستقراء الأدلة ولا يعلمون خطورة التبديع . ب- أريد أن أسوق للقراء الكرام كلام من يعلم منزلة أئمة الجرح والتعديل عن دراسة وممارسة وخبرة طويلة . قال العلامة الناقد الشيخ عبد الرحمن المعلمي –رحمه الله- " النقد والنقاد " ، ليس نقد الرواة بالأمر الهين ، فإن الناقد لا بد أن يكون واسع الإطلاع على الأخبار المروية ، عارفاً بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية ، خبيراً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم ، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب(5) والموقعة في الخطأ والغلط ، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الراوي متى ولد ؟ وبأي بلد ؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة والتحفظ ؟ ومتى شرع في الطلب؟ ومتى سمع ؟ وكيف سمع ؟ ومع من سمع ؟ وكيف كتابه، ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم وبلدانهم ووفياتهم ، وأوقات تحديثهم وعادتهم في التحديث ثم يعرف مرويات الناس عنهم ويعرض عليها مرويات هذا الراوي ويعتبرها بها إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، ويكون مع ذلك متيقظاً مرهف الفهم دقيق الفطنة مالكاً لنفسه ، لا يستميله الهوى ولا يستفزه الغضب ولا يستخفه بادر ظن حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر ثم يحسن التطبيق في حكمه فلا يجاوز ولا يقصر ، وهذه المرتبة بعيدة المرام لا يبلغها إلا الأفذاذ ، وقد كان من أكابر المحدثين وأجلتهم من يتكلم في الرواة فلا يعول عليه ولا يلتفت إليه . قال الإمام علي بن المديني وهو من أئمة هذا الشأن أبو نعيم وعفان صدوقان لا أقبل كلامهما في الرجال ، هؤلاء لا يدعون أحداً إلا وقعوا فيه" مقدمة الجرح والتعديل (ص ب،ح) . فهذه صفات أئمة النقد الجهابذة الأفذاذ، أيقال فيهم قد يتكلمون (أي يجرحون) في الراوي بسبب أمور لا تستدعي جرحهم . وهم كما وصفهم المعلمي يعرفون الأسباب الداعية إلى الجرح ويعرفون أحوال الراوي ومنها معرفة دينه وأمانته وعقله ومروءته ومن دينه عقيدته هل هو سني أو مبتدع ومن أحواله هل هو داعية إلى بدعة أو لا إلى آخر ما وصفهم به . فمن هم العلماء الذين يقدمون عليهم وتقبل أحكامهم على أهل البدع ولا تقبل أحكام هؤلاء العباقرة الأفذاذ الذين سلمت لهم الأمة وعلماؤها بالإمامة وقبلت أحكامهم . ويستخف بهم وبأحكامهم هذا المغرور المتهور الذي لا يعقل ما يقول. جـ- يرى هذا المسكين أن أئمة الجرح والتعديل لا يعرفون منهج أهل السنة والجماعة وأنهم غير مؤهلين لاستقراء أدلة الكتاب والسنة ، فأي افتراء عليهم يفوق هذا وأي كوثرية هذه فيه . أترى أيها المسكين مثل مالك والثوري وشعبة وابن عيينة وابن المبارك وعبدالرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم ومسلم والنسائي وابن حبان وابن عدي والدارقطني وأمثالهم غير مؤهلين للحكم على أهل البدع . أي تطاول وإسقاط لعباقرة الأمة وأفذاذها وأئمتها ، أيسلم لهم الجبال الشم من العلماء مثل الإمام الجبل الأشم محمد بن إدريس الشافعي ولا تسلم لهم ويقبل أحكام أفرادهم مثل الجبل الأشم الإمام البخاري ولا تقبل أحكامهم ؟ 10- قال :" الفرق السابع : علماء الجرح والتعديل قد يختلفوا(6) في الحكم على راو معين فلا يكون سبباً للحكم على الآخرين مالم يأخذوا بهذا الجرح ، أما العلماء إذا تكلموا في مبتدع فيجب اتباعهم وإلا ألحق بهم من لم يأخذ بقولهم بذلك المبتدع. روى الدارمي وغيره عن أيوب قال : رآني سعيد بن جبير جلست إلى طلق بن حبيب ، فقال لي ألم أرك جلست إلى طلق بن حبيب لا تجالسه ، مسند الدارمي (1/120) وقال أبو داود السجستاني : ( قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة ، أترك كلامه ؟ قال : لا أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته صاحب بدعة ، فإذا ترك كلامه فكلمه وإلا ألحقه به" طبقات الحنابلة (1/1650) رقم 216 . أقول : أ- إذا اختلف عالمان من علماء الجرح والتعديل أو غيرهم في أمر ديني فالحكم في القضية لله لا للهوى وأهله الذين يأخذون بقول المخطئ ويردون قول المصيب. والواجب فيما اختلف فيه من أمر الدين الرد إلى الله والرسول ، قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) . فينظر في قول المتنازعين في ضوء الشريعة وقواعدها المستمدة منها لا المفتعلة فمن وافق قوله شريعة الله وجب الأخذ بقوله ومن خالفها رد قوله مع احترامه واعتقاد أنه مجتهد له أجر المجتهد المخطئ ، ولا يقف المسلم المتبع موقف أهل الأهواء فيقول قد اختلف العلماء فلا يلزمني قول فلان وفلان ويذهب يتلاعب بعقول الناس فإن مثل هذا القول يجرئ الناس على رد الحق وإسقاط أهله وصاحب الحجة يجب الأخذ بقوله اتباعاً لشرع الله وحجته لا لشخص ذلك الرجل وسواد عينيه . ب- أراك فرقت بين العلماء وبين علماء الجرح والتعديل فأوجبت اتباع العلماء الذين في مخيلتك وأسقطت صاحب الحق من علماء الجرح والتعديل وحقهم . ثم تفاجؤنا بوجوب اتباع قول أيوب والإمام أحمد وهما من أئمة الجرح والتعديل، فهل أنت حينما تستخف بأقوال أئمة الجرح والتعديل تدرك أن من جملتهم الإمام أحمد وأيوب ومالك وسفيان الثوري وابن عيينة والبخاري وأمثالهم أو لا تدرك ذلك ولا تتصوره ، فكم مرة تفرق لنا بين العلماء وبين علماء الجرح والتعديل، ثم لا نراك تحتج إلا بأقوال أئمة الجرح والتعديل ولا نجد العلماء الذين تهين بهم أئمة الجرح والتعديل فعلام يدل هذا أيها الناس ؟ 11- قولك : " أما العلماء إذا تكلموا في مبتدع فيجب اتباعهم ". فأطالبك : أ- بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله بالفرق بين علماء الجرح والتعديل وبين العلماء الذين تزعمهم وأنه يجب اتباع هؤلاء ولا يجب اتباع أولئك . ب- قيدت وجوب اتباع العلماء بباب التبديع فقط ومفهومه أنه لا يجب اتباعهم في غير هذا الباب فهل عندك دليل على هذا التفريق أيضاً . جـ- بناءً على قاعدتك في باب التبديع يلزمك تبديع الإمام البخاري لأن الإمام محمد بن يحيى الذهلي وأصحابه قد بدعوا الإمام البخاري وآذوه ولكن العلماء وعلى رأسهم مسلم إلى يومنا هذا خالفوا الإمام محمد بن يحيى فهل تبدعهم لأنهم لم يتبعوا محمد بن يحيى ، وتقول لماذا خالفوه فأقول : لأنه ليس معه ولا مع أصحابه حجة . والإمام أحمد نفسه خالف الناس في شريك بن عبد الله النخعي وأبي نعيم لأنه لم تقدم له الحجة على تبديعهما ولو قدموها له لقبلها والتزمها كما عهدنا ذلك منه ومن أمثاله رحمهم الله . فمدار القبول والرد هو الحجة وعدمها لا الهوى كما قررت أنت هنا في قضايا الاختلاف أي اختلاف أئمة الجرح والتعديل ولا يبعد أن تقررها في كل القضايا كما يفعل أهل الأهواء الذين قلدتهم . د- الإلحاق بالمبتدع ليس على إطلاقه عند السلف وأئمتهم بل هم فرقوا بين الداعية إلى البدعة وغير الداعية فحذروا من الداعية ومن مجالسته وأخذ العلم عنه، بل إذا تمادى في العناد والدعوة إلى بدعته قد يحكمون بقتله لأنه عندهم أضر من قطاع الطرق المحاربين لله ورسوله . وأما غير الداعية من الصادقين المأمونين فقد أخذوا منهم العلم حفاظاً على الشريعة وحذراً من أن يضيع شيء منها . جـ- من هم العلماء عندك الآن الذين يجب اتباعهم في التبديع سمهم لنا؟ وأثبت لنا أنهم قد أحاطوا بالشريعة ولا يبدعون أحداً إلا بعد النظر في الأصول وبعد استقراء الأدلة من الكتاب والسنة وبين لنا من سبقك إلى هذه الشروط؟ وما رأيك الآن فيمن لا تتوفر فيه هذه الشروط ويبدع كل من سئل عنه ولو كان لا يعرفه. انتهت الحلقة الثانية ويليه الحلقة الثالثة إن شاء الله -------------------------------------------------------------------------------- الحواشي: (1) كذا . (2) كذا . (3) انظر كتاب الحوادث والبدع (ص176-177) ط دار الغرب . (4) لعلها الثنوية . (5) ومن أقوى الأسباب الداعية إلى الكذب البدعة، فقد كثر الكذب فيهم . (6) كذا . |
Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd