تشييد المساجد و هدي النبي ﷺ فيها ، و لقائي بسمو الأمير سلطان بن سلمان
لقاءي الماتع بنجم الفضاء سمو الأمير سلطان بن سلمان المسلم العربي الفضائي بعد محتفل جائزة عمارة المساجد والذي دعاني له سموه بقاعة الهلتون بجدة رفع الله قدر وحفظه
(والإشادة بجامع بلال بجدة نموذجاً لبساطة البناء)
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تشرفت الليلة في الثالث عشر من شهر جمادى الثاني في العام 1438 من الهجرة النبوية ، بدعوة خاصة من صاحب السمو الملكي سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة و التراث الوطني ، لتسليم جائزة أحسن المساجد عمارة وتفننا معماريا و أناقة وجمالاً ، وكان مما أعجبني مع من حضر ممن سمع كلمته من بعض فضلاء القضاة ومن الوجهاء بجدة : الثناء على سموه في كلمته الضافية،
والتي صرح فيها بأن الشأن في المساجد العودة بها إلى العهد القديم،
وأن المقصود بعمارتها تعمير الإيمان بها في القلوب...الخ
فلقيته بعد الكلمة وشكرته و أثنيت على كلمته ونقلت لسموه ثناء من سمعت من الحاضرين من القضاة؛ فوافقني سموه رفع الله قدره لما ذكرت له بعض ماجاء في هدي السلف في المساجد ، وابدى تأسفه للمساجد المعاصرة والتكلفات فيها وقال : شِفتْ...!!
(نجدية.تقال : تحسرا أوتعجبا)
وقال لإنسانٍ بجانبه من العاملين معه اكتب هاتفه ، وقال : سارسل لك كتاباً
في هذا الباب يعني ذم التكلف في المساجد يعجبك... وأكد...على كتابة رقم الهاتف
فمما ذكرت له من الاثار تذكيرا :
ما رواه البخاري تعليقا (بَابُ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ : كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ : أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ ) ولم يسعفني الوقت للاستطراد .
وازيد هنا للفائدة بعض الاثار الأخرى لعله يستفيد القارئ الكريم .
ففي البخاري أيضا بصيغة الجزم
( أَنَسٌ : يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا)
وأيضا ذكر البخاري تعليقا بصيغة الجزم فقال :
(و قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.)
فزخرفتها وتلوينها من التشبه باليهود والسرف المنهي عنه، والذي لايفيد في التقرب في بناءها لرب العبيد ، بل جاء في مسند أحمد عن ابن عمر-رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ : وكتبت الذلة والصغار لمن خالف أمري ، من تشبه بقوم فهو منهم.
قال تعالى : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[سورة التوبة 18]
فدلّ ذلك على أن تعميرها والهداية الحق في تعميرها ليس بالتفنن بزخرفتها ، وتشيدها ورفع بنيانها، والمغالاة في ذلك ، بل إنّما هي قد بنيت للعبادة وذكر الله والصلاة والدروس العلمية والكلمات النافعة الوعظية وقراءة القرآن والاجتماع لتعلمه ، فذلك حقيقة إحياءها وعمارتها ، وليست تبنى للترفه بزيارتها ، والتَسيُّح في الأرض ، والانجذاب بالنظر الى بهاء ، زخرفها ، وبهجة ألوانها ، وجمال عمارتها، والتصوير بجانبها لذلك ، كما يفعل السياح الغربيون .
وقد خرج أبو داود في سننه عن بن عباس أنه قال : قال رسول اللهﷺ :
ما أمرت بتشييد المساجد.ا.ه . أي برفعها تقربا إلى لله ، فرفعها و تشييدها بذلك والمباهاة مخالف للسنة ، ولايستحب فعله ، بل تكون ساذجة عن التكلف بزخرفتها ؛ فقد خرج البيهقي وابن أبي الدنيا وابن عساكر بسند له شواهد ، وحسن الحديث العلامة الالباني ، عن الحسن -رضي الله عنه- أنه قال: لما بنى رسول الله ﷺ المسجد قال : ابنوه عريشا كعريش موسى . قيل للحسن و ما عريش موسى؟ قال : إذا رفع يده بلغ العريش( يعني السقف ).
فلم يكن به هذه القباب الضخمة ، ولا تكتب الآيات المذهبة ، ولا زخارف و ألوان وتكلفات أهل هذا الزمان . بل بعضهم حرّف معنى آية في القرآن فجعلها في قبلة المسجد ، على أن كتابة الآيات ورسمها على جدران المساجد سيما القبلة ( كما قال العلامة الوالد شيخنا صالح الفوزان ) : بدعة
فانظر رحمك الله كيف بنى نبي اللهﷺ مسجده عريشاً كعريش موسى . نعم لم تكن إمكانيات و أموال وفتوحات وغنائم . لكن لما اتسعت الفتوحات بزمن عمر وامتلأت خزائن بيت مال المسلمين ، بقي عمر بن الخطاب على هدي النبي ﷺ و أصحابه في المساجد ، ورأى أن تعميرها بالإيمان ، و الصلاة ، و الخشوع ، و قراءة القرآن . وليس بالتفنن بالتلوين ، والتشييد والزخارف ، والتكلف ، و المبالغة بتطول المناير ، وضخامتها ، والقباب.
فكما تقدم أنه قال للذي بنى المسجد: لاتحمر ولاتصفر لاتفتن المصلين.
وقد قال نبينا ﷺ لما صلى في خميصة فيها أعلام : نظر إليها في صلاته وكانت قد أهديت له ؛ فقال :
اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم (ساذجة لا زخرفة ولاخطوط فيها ولا ألوان ملهية للمصلي) فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي . خرجه البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- .
وفي المصنف قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- موقوفا عليه: إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدمار عليكم .
فنخاف من مثل هذا الدعاء إذا تكلفنا في مساجدنا وتنافسنا وتباهينا بذلك؛
فإن تلك المباهاة ببنائها ، سيما على وجه غير مشروع : من علامات الساعة . كما روى أبوداود في سننه من طريق َقَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ " .
قال تعالى : (وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[سورة المطففين 26]
فالتنافس في طاعة الله، والعمل بالسنة .
وقد ذكرت لسمو الأمير على عجالة شيئاً يسيراً من ذلك، فو الله لقد سرني بنصرته لهدي نبيناﷺ والسلف في المساجد .
وقال لي أخيرا سمو الأمير: إني أصلي في مسجد من طين يعجبني. و هذا من تواضع سموه ، و محبته لما يوافق الفطرة في باب المساجد .
ولكن عباد الله ! تلوينها بتحميرها وتصفيرها ، والزخارف ، و الآيات ، والتشييد والرفع المبالغ فيه، والسرف بأموال يمكن توزيعها لبناء مساجد اخرى ، وأربطة لسكن الفقراء يحتاجها المصلون في مناطق نائية أولى وأحرى .
روى البخاري عن عن عمر قال : ( نهينا عن الكلفة في كل شيء ). وهذا عام يشمل المساجد .
وقد جاء في المسند : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة .
فوالله إن الخشوع والراحة في المساجد إذا ترك التكلف فيها،
وأما السجاد فينبغي أن يكون ساذجا من الألوان و الزخارف ، حتى كما قال عمر : لايفتن المصلين .
ولايكون قدر الإمكان بما استطاع المهندسون أعمدة بالمسجد ، و ليقللوا منها ؛ لأن الصف تقطعه السارية وذلك مكروه ، فقد خرج بن ماجة من طريق مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ( كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنُطْرَدَ عَنْهَا طَرْدًا).
ولقد أعجبني في العرض بالكتاب المصور بالمحتفل مسجدٌ ضخمٌ بلا زخرفة ولا أعمدة. تفنن بديع و لون أبيض . بأبيض و أحسن الألوان : البياض .
وطلبت من جليسي تصويره لعرضه ليكون نموذجاً للعمارة الإسلامية القديمة المشروعة . لولا أنهم بالغو شيئا في رفعه ، وفي الحديث : ما أمرت بتشييد المساجد .
ومن تلك المساجد مسجد بجدة أصلي فيه إماما من نحو إحدى عشرة سنة . وقد بني من نحو ثلاثين سنة، بحي مشرفة بناه أسرة آل حصيني، لم يحرصوا على زخارف فيه و لا آيات ولا ألوان و لا تكلفات فجزاهم الله خيرا.
والتنافس يكون في مثله في القرب من السنة والهدي النبوي في المساجد.
فجزى الله خيرا صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن سلمان ، وصاحب السمو الملكي خالد الفيصل ، وصاحب مشروع الجائزة و لكن ليراعِ مستقبلاً في تقويم أفضل المساجد ما تقدم من الهدي النبوي في المساجد ، ومقصود الشارع منها ، و أنها دار عبادة ، لا ترفه وسياحة ومباهاة.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، و اجعل الحياة زيادة لنا من كل خير ، و اجعل الوفاة راحةً لنا من كل شر .
و كتبه نصحاً لبيانِ السنة أخوكم/
أبوعبدالله ، ماهر بن ظافر القحطاني
عضو التوعية بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إمام و خطيب جامع بلال بن رباح -رضي الله عنه - بمدينة جدة .