#16
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [15] وعن أبي حمزةَ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ - خادِمِ رسولِ الله ﷺ - رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : « للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ » . مُتَّفَقٌ عليه . وفي رواية لمُسْلمٍ : « للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ فأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتى شَجَرَةً فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ » . في هذا الحديث : محبة الله تعالى لتوبة عبده حين يتوب إليه ، وأنه يفرح بذلك فرحًا شديدًا يليق بجلاله . وفيه : أنَّ ما قاله الإنسان في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به . وفيه : ضرب المثل بما يصل إلى الأفهام من الأمور المحسوسة . وفيه : بركة الاستسلام لأمر الله تعالى . ----------- المصدر : http://waqfeya.com/book.php?bid=3723 التصفية والتربية TarbiaTasfia@ التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 04-02-2016 الساعة 12:13PM |
#17
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [16] وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : « إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها » . رواه مسلم . في هذا الحديث : طلب من اللطيف الرؤوف الغافر لعباده أن يتوبوا ، ليتوب عليهم . [17] وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «مَنْ تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ » . رواه مسلم . قبول التوبة مستمر ما دام بابها مفتوحًا ، فإذا أغلق لم تقبل . قال الله تعالى ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾ [ الأنعام (158) ] ، يعني : إذا طلعت الشمس من مغربها ، لم ينفع الكافر إيمانه ، ولا العاصي توبته . |
#18
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [18] وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بنِ عمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبي ﷺ ، قَالَ : «إِنَّ الله عزوجل يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن » . الغرغرة : وصول الروح الحلقوم . قال الله تعالى ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباًأَلِيماً ﴾ [ النساء (18) ] ، وقال تعالى : ﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ﴾ [ غافر (84 ، 85) ] . |
#19
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [19] وعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ رضي الله عنه أسْألُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ ، فَقالَ : ما جاءَ بكَ يَا زِرُّ ؟ فقُلْتُ : ابتِغَاء العِلْمِ ، فقالَ : إنَّ المَلائكَةَ تَضَعُ أجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلْمِ رِضىً بِمَا يطْلُبُ . فقلتُ : إنَّهُ قَدْ حَكَّ في صَدْري المَسْحُ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ والبَولِ ، وكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ ﷺ فَجئتُ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذكُرُ في ذلِكَ شَيئاً ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَانَ يَأْمُرُنا إِذَا كُنَّا سَفراً - أَوْ مُسَافِرينَ - أنْ لا نَنْزعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيهنَّ إلا مِنْ جَنَابَةٍ ، لكنْ مِنْ غَائطٍ وَبَولٍ ونَوْمٍ . فقُلْتُ : هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكرُ في الهَوَى شَيئاً ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كُنّا مَعَ رسولِ اللهِ ﷺ في سَفَرٍ ، فبَيْنَا نَحْنُ عِندَهُ إِذْ نَادَاه أَعرابيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ : يَا مُحَمَّدُ ، فأجابهُ رسولُ الله ﷺ نَحْواً مِنْ صَوْتِه : « هَاؤُمْ » فقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ ! اغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبي ﷺ ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا ! فقالَ : والله لا أغْضُضُ . قَالَ الأعرَابيُّ : المَرْءُ يُحبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ النَّبيُّ ﷺ : « المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَومَ القِيَامَةِ » . فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَاباً مِنَ المَغْرِبِ مَسيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكبُ في عَرْضِهِ أرْبَعينَ أَوْ سَبعينَ عاماً – قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّواةِ : قِبَلَ الشَّامِ – خَلَقَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ مَفْتوحاً للتَّوْبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ . رواه الترمذي وغيره ، وَقالَ : «حديث حسن صحيح » . قوله : « حك » ، أي : أثَّر . والهوى : الحب . وفي الحديث : فضل حب الله ورسوله والأخيار أحياء وأمواتًا . وفيه : فضل العلم وأهله ، وفي صحيح مسلم ، قال أنس : « ما فرحنا فرحًا أشد ما فرحنا بقول النبي ﷺ : «المرء مع من أحب » . وقال أنس : « أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر ، فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بعملهم » . |
#20
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [20] وعن أبي سَعيد سَعْدِ بنِ مالكِ بنِ سِنَانٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنّ نَبِيَّ الله ﷺ قَالَ : « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً ، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ . فقال : إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ ؟ فقالَ : لا ، فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ . فقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فقالَ : نَعَمْ ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ ، ولا تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ ، فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ . فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِباً ، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى ، وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ : إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ - أيْ حَكَماً - فقالَ : قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ » . مُتَّفَقٌ عليه . وفي رواية في الصحيح : « فَكَانَ إلى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أهلِهَا » . وفي رواية في الصحيح : « فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي ، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وقَالَ : قِيسُوا مَا بيْنَهُما ، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ » . وفي رواية : « فَنَأى بصَدْرِهِ نَحْوَهَا » . فوائد الحديث في هذا الحديث : فضل العلم على العبادة . وفيه : والهجرة من دار العصيان ، ومقاطعة إخوان السوء ، واستبدالهم بصحبة أهل الخير والصلاح . وفيه : دليل على أنَّ القاضي إذا تعارضت الأقوال عنده ، يحكم بالقرائن . وفيه : أن الذنوب وإن عظمت ، فعفو الله أعظم منها . وأن من صدق في توبته ، تاب الله عليه ، ولو لم يعمل خيرًا إذا عزم على فعله . |
#21
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [22] وَعَنْ أبي نُجَيد - بضَمِّ النُّونِ وفتحِ الجيم - عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ الخُزَاعِيِّ رضي الله عنهما : أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ أتَتْ رسولَ الله ﷺ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ، فقالتْ : يَا رسولَ الله ، أصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا نَبيُّ الله ﷺ وَليَّها ، فقالَ : «أَحْسِنْ إِلَيْهَا ، فإذا وَضَعَتْ فَأْتِني » فَفَعَلَ فَأَمَرَ بهَا نبيُّ الله ﷺ ، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا . فقالَ لَهُ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُول الله وَقَدْ زَنَتْ ؟ قَالَ: « لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفضَلَ مِنْ أنْ جَادَتْ بنفْسِها لله ؟! » . رواه مسلم . في هذا الحديث : دليل على أنَّ الحد يكفر الذنب ، وأنه يصلي على المرجوم . وفيه : بيان عظم التوبة ، وأنها تَجُبُّ الذنب وإن عظم . وفي رواية : « ثم أمر بها ، فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها ، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها ، فتنضَّح الدم على وجه خالد فسبَّها ، فسمع النبي ﷺ سبّه إياها ، فقال : مهلاً يا خالد ، فوالذي نفسي بيده ، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفر له ، ثم أمر بها فصلى عليها ودُفنت » . قال النووي : فيه : أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات ، وذلك لكثرة مطالبات الناس له ، وظلاماتهم عنده ، تكرار ذلك منه ، وانتهاكه للناس ، وأخذ أموالهم بغير حقها ، وصرفها في غير وجهها . انتهى والله المستعان . |
#22
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [24] وعن أبي هريرة وضي الله عنه أنَّ رسولَ الله ﷺ ، قَالَ : «يَضْحَكُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يقْتلُ أَحَدهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ ، يُقَاتِلُ هَذَا في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتلِ فَيُسْلِم فَيُسْتَشْهَدُ » . مُتَّفَقٌ عليه . ختم المصنف الباب بهذا الحديث إشارة إلى أنَّ الإنسان ينبغي له أن يتوب من الذنب الذي اقترفه وإن كان كبيرًا ، ولا يؤيسه ذلك من رحمة الله ، فإن الله واسع المغفرة . قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [ الزمر (53) ] . |
#23
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 3- باب الصبر قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾ [ آل عمران (200) ] . الصبر ثلاثةُ أَنواع : صبرٌ على طاعة الله ، وصبرٌ عن محارم الله ، وصبرٌ على أقدار الله . وقد أَمر الله تعالى بالصبر على ذلك كله . وقوله تعالى : ﴿ وَصَابِرُوا ﴾ أي : غالبوا الكفار بالصبر فلا يكونوا أَشدَّ صبرًا منكم ، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون . وقوله تعالى : ﴿ وَرَابِطُوا ﴾ أي : أقيموا على الجهاد . قال ﷺ : « رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها » . وقال ﷺ : « أَلا أَدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات » ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : « إِسباغ الوضوء على المكاره ، وكَثْرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فذلكم الرباط ، فذالكم الرباط » . وقال تَعَالَى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (155)] ، على البلايا والرزايا بالذكر الجميل والثَواب الجزيل . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [ الزمر (10) ] . أي : بغيرِ مكْيالٍ ، ولا وزن ، فلا جزاء فوق جزاء الصبر . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [الشورى (43) ] . أي : مَنْ صبر فلم ينتصر لنفسه وتجاوز عن ظالمه ، فإِن ذلك من الأمور المشكورة ، والأفعال الحميدة . وَقالَ تَعَالَى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (153) ] أي : استعينوا على طلب الآخرة بحبس النَّفْس عن المعاصي ، والصبر على أداء الفرائض ، فإنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ﴾ أي : ثقيلة ﴿ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ أي : المؤمنين حقًّا . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴾ [ محمد (31) ] ، وَالآياتُ في الأمر بالصَّبْر وَبَيانِ فَضْلهِ كَثيرةٌ مَعْرُوفةٌ . أي : ولنختبرنكم بالتكاليف حتى يتميز الصادق في دينه من الكاذب . قال تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [ الحج (11) ] . وَالآيَاتُ في الأَمْرِ بِالصَّبْرِ وَبَيَانِ فَضْلهِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفةٌ . قيل : إنَّ الصبر ذُكِرَ في مئة موضع من القرآن . |
#24
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [26] وعن أبي سَعيد سعدِ بن مالكِ بنِ سنانٍ الخدري رضي الله عنهما : أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رسولَ الله ﷺ فَأعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ : « مَا يَكُنْ عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ . وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر » . مُتَّفَقٌ عليه . في هذا الحديث : الحثُّ على الاستعفاف ، وأَنَّ مَنْ رزقه الله الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا ، فقد أعطاه خيرًا كثيرًا . [26] وعن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : فَضْلُ الشكر على السّرّاء والصبر على الضرّاء ، فمن فعل ذلك حصل له خيرُ الدارين ، ومَنْ لم يشكر على النعمة ، ولم يصبر على المصيبة ، فاته الأَجر ، وحصل له الوِزْر . |
#25
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [28] وعن أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا ثَقُلَ النَّبيُّ ﷺ جَعلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْبُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها : وَاكَربَ أَبَتَاهُ . فقَالَ : « لَيْسَ عَلَى أَبيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ » فَلَمَّا مَاتَ ، قَالَتْ : يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ ! يَا أَبتَاهُ ، جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ ! يَا أَبَتَاهُ ، إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ ! فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضي الله عنها : أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُول الله r التُّرَابَ ؟! رواه البخاري . في هذا الحديث : جوازُ التوجع للميِّت عند احتضاره ، وأَنه ليس من النياحة . ومناسبة إِيراده في باب الصبر : صبرُهُ ﷺ على ما هو فيه من سكرات الموت ، وشدائده ، ورضاه بذلك ، وتسكين ما نزل بالسيدة فاطمة من مشاهدة ذلك بقوله : « لا كرب عَلَى أَبيكِ بَعْدَ اليَوْمِ » . |
#26
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [29] وعن أبي زَيدٍ أُسَامَةَ بنِ زيدِ بنِ حارثةَ مَوْلَى رسولِ الله ﷺ وحِبِّه وابنِ حبِّه رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : أرْسَلَتْ بنْتُ النَّبيِّ ﷺ إنَّ ابْني قَد احْتُضِرَ فَاشْهَدنَا ، فَأَرْسَلَ يُقْرئُ السَّلامَ ، ويقُولُ : « إنَّ لله مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى فَلتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ » فَأَرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا . فقامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ ، وَرجَالٌ ، فَرُفعَ إِلَى رَسُول الله ﷺ الصَّبيُّ ، فَأقْعَدَهُ في حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، فَفَاضَتْ عَينَاهُ فَقالَ سَعدٌ : يَا رسولَ الله ، مَا هَذَا ؟ فَقالَ : « هذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ » وفي رواية : « فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَمَعنَى « تَقَعْقَعُ » : تَتَحرَّكُ وتَضْطَربُ . في هذا الحديث : جوازُ استحضار أهل الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم ، واستحباب إبرار القسم ، وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاومًّا للحزن بالصبر , وفيه : جواز البكاء من غير نوح ونحوه . |
#27
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [30] وعن صهيب رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله ﷺ ، قَالَ : « كَانَ مَلِكٌ فيمَنْ كَانَ قَبلَكمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ للمَلِكِ : إنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إلَيَّ غُلاماً أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ ؛ فَبَعثَ إِلَيْهِ غُلاماً يُعَلِّمُهُ ، وَكانَ في طرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعدَ إِلَيْه وسَمِعَ كَلامَهُ فَأعْجَبَهُ ، وَكانَ إِذَا أتَى السَّاحِرَ ، مَرَّ بالرَّاهبِ وَقَعَدَ إِلَيْه ، فَإذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِب ، فَقَالَ : إِذَا خَشيتَ السَّاحِرَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإذَا خَشِيتَ أهلَكَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِرُ . فَبَيْنَما هُوَ عَلَى ذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ فَقَالَ : اليَوْمَ أعْلَمُ السَّاحرُ أفْضَلُ أم الرَّاهبُ أفْضَلُ ؟ فَأخَذَ حَجَراً، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِهِ الدّابَّةَ حَتَّى يَمضِي النَّاسُ ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَها ومَضَى النَّاسُ ، فَأتَى الرَّاهبَ فَأَخبَرَهُ . فَقَالَ لَهُ الرَّاهبُ : أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَومَ أفْضَل منِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإن ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ ؛ وَكانَ الغُلامُ يُبْرىءُ الأكْمَهَ وَالأَبْرصَ ، ويداوي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاء . فَسَمِعَ جَليسٌ لِلملِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فأتاه بَهَدَايا كَثيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا ها هُنَا لَكَ أَجْمعُ إنْ أنتَ شَفَيتَنِي ، فَقَالَ : إنّي لا أشْفِي أحَداً إِنَّمَا يَشفِي اللهُ تَعَالَى ، فَإنْ آمَنْتَ بالله تَعَالَى دَعَوتُ اللهَ فَشفَاكَ ، فَآمَنَ بالله تَعَالَى فَشفَاهُ اللهُ تَعَالَى ، فَأَتَى المَلِكَ فَجَلسَ إِلَيْهِ كَما كَانَ يَجلِسُ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَنْ رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ قَالَ : رَبِّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيري ؟ قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ ، فَجيء بالغُلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : أيْ بُنَيَّ ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وتَفْعَلُ وتَفْعَلُ ! فَقَالَ : إنِّي لا أَشْفي أحَداً ، إِنَّمَا يَشفِي الله تَعَالَى . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهبِ ؛ فَجِيء بالرَّاهبِ فَقيلَ لَهُ : ارجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَعَا بِالمِنْشَارِ فَوُضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِجَليسِ المَلِكِ فقيل لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى ، فَوضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرِق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بالغُلاَمِ فقيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أصْحَابهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الجَبَل ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فَاطْرَحُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفنيهمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بهِمُ الجَبلُ فَسَقَطُوا ، وَجاءَ يَمشي إِلَى المَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فَعَلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانِيهمُ الله تَعَالَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ وتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ ، فَإنْ رَجعَ عَنْ دِينِهِ وإِلا فَاقْذِفُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفِنيهمْ بمَا شِئْتَ ، فانْكَفَأَتْ بِهمُ السَّفينةُ فَغَرِقُوا ، وَجَاء يَمْشي إِلَى المَلِكِ . فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فعلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانيهمُ الله تَعَالَى . فَقَالَ لِلمَلِكِ : إنَّكَ لَسْتَ بقَاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعيدٍ وَاحدٍ وتَصْلُبُني عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتي ، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ : بسْم الله ربِّ الغُلاَمِ ، ثُمَّ ارْمِني، فَإنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلتَني، فَجَمَعَ النَّاسَ في صَعيد واحدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ ، ثُمَّ قَالَ : بِسمِ اللهِ ربِّ الغُلامِ ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوقَعَ في صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ فَمَاتَ ، فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ ، فَأُتِيَ المَلِكُ فقيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ والله نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ . قَدْ آمَنَ النَّاسُ . فَأَمَرَ بِالأُخْدُود بأفْواهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وأُضْرِمَ فيهَا النِّيرانُ وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجعْ عَنْ دِينهِ فَأقْحموهُ فيهَا ، أَوْ قيلَ لَهُ: اقتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءت امْرَأةٌ وَمَعَهَا صَبيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أنْ تَقَعَ فيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلامُ : يَا أُمهْ اصْبِري فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ ! » . رواه مسلم . « ذِروَةُ الجَبَلِ » : أعْلاهُ ، وَهيَ - بكَسْر الذَّال المُعْجَمَة وَضَمِّهَا - و« القُرْقُورُ » : بضَمِّ القَافَينِ نَوعٌ مِنَ السُّفُن وَ« الصَّعيدُ » هُنَا : الأَرضُ البَارِزَةُ وَ« الأُخْدُودُ » الشُّقُوقُ في الأَرضِ كَالنَّهْرِ الصَّغير ، وَ« أُضْرِمَ » : أوْقدَ ، وَ« انْكَفَأتْ » أَي : انْقَلَبَتْ ، وَ« تَقَاعَسَتْ » : تَوَقفت وجبنت . قال القُرطبي : اسم الغلام عبد الله بن ثامر . وذُكر عن ابن عباس أَن الملك كان بنجران . وفي هذا الحديث : إِثبات كرامة الأَولياء . وفيه : نصرُ مَنْ توكل على الله سبحانه ، وانتصر وخرج عن حَوْل نفسه وقواها . وفيه : أَنَّ أَعمى القلب لا يبصر الحق . وفيه : بيان شرف الصبر والثبات على الدِّين . |
#28
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [31] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : مَرَّ النَّبيُّ ﷺ بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ : « اتّقِي الله واصْبِري » فَقَالَتْ : إِليْكَ عَنِّي ؛ فإِنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبَتي وَلَمْ تَعرِفْهُ ، فَقيلَ لَهَا : إنَّه النَّبيُّ ﷺ فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ ﷺ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ ، فقالتْ : لَمْ أعْرِفكَ ، فَقَالَ : « إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية لمسلم : « تبكي عَلَى صَبيٍّ لَهَا » . في هذا الحديث : أَن ثواب الصبر إِنَّما يحصل عند مفاجأة المصيبة ، بخلاف ما بعدها ، فإن صاحبها يسلو كما تسلو البهائم . [32] وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله ﷺ قَالَ : « يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلا الجَنَّةَ » . رواه البخاري . هذا من الأحاديث القدسية ، وفيه : أَنَّ مَنْ صبر على المصيبة واحتسب ثوابها عند الله تعالى ، فإنَّ جزاءه الجنَّة . |
#29
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [33] وعن عائشةَ رضيَ الله عنها : أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله ﷺ عَنِ الطّاعُونِ ، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ . رواه البخاري . في هذا الحديث : فَضْلُ الصبر على الأَقدار والاحتساب لثوابها . قال بعض العلماء : إِنَّ الصابر في الطاعون يأمن من فَتَّان القبر ؛ لأَنه نظير المرابطة في سبيل الله . وقد صحَّ ذلك في المرابط كما في ( مسلم ) وغيره . [34] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول : « إنَّ الله تعالى ، قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عبدي بحَبيبتَيه فَصَبرَ عَوَّضتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ » يريد عينيه ، رواه البخاري . في هذا الحديث القدسي : أَن من صبر على فقد بصره واحتسب أجره عند الله تعالى : عَوَّضه عن ذلك الجنة . |
#30
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [35] وعن عطَاء بن أبي رَباحٍ قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَباسٍ رضي اللهُ عنهما : ألا أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة ؟ فَقُلْتُ: بَلَى ، قَالَ : هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ أتتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : إنّي أُصْرَعُ ، وإِنِّي أتَكَشَّفُ ، فادْعُ الله تَعَالَى لي . قَالَ : « إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أنْ يُعَافِيكِ » فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ : إنِّي أتَكَشَّفُ فَادعُ الله أنْ لا أَتَكَشَّف ، فَدَعَا لَهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : فَضْلُ الصبر على البلاء ، وعظم ثواب مَنْ فَوَّض أَمره إلى الله تعالى . [36] وعن أبي عبد الرحمنِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى رسولِ الله ﷺ يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ ، صَلَواتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ ، ضَرَبه قَوْمُهُ فَأدْمَوهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، يَقُولُ : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي ، فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ » . مُتَّفَقٌ علَيهِ . في هذا الحديث : فضلُ الصبر على الأَذي ، ومقابلة الإِساءة والجهل بالإحسان والحِلْم ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35 ﴾ [ فُصِّلت (35) ] . |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله- | ام عادل السلفية | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 70 | 22-01-2015 03:24AM |
مشكلة الطلاق والزواج بنية الطلاق والاختلاع عند بعض الصالحين والصالحات | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر أصول الفقه وقواعده | 1 | 09-09-2011 07:14AM |
مجاهدة النفس §من كتاب رياض الصالحين § | أم العبدين الجزائرية | منبر الأسرة والمجتمع السلفي | 1 | 09-04-2010 05:44AM |
شرح مسائل الجاهلية | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 8 | 25-10-2007 06:33PM |