القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية للمجلة »
موقع الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني »
المحاضرات والدروس العلمية »
الخطب المنبرية الأسبوعية »
القناة العلمية »
فهرس المقالات »
فتاوى الشيخ الجديدة »
برنامج الدروس اليومية للشيخ »
كيف أستمع لدروس الشيخ المباشرة ؟ »
خارطة الوصول للمسجد »
تزكيات أهل العلم للشيخ ماهر القحطاني »
اجعلنا صفحتك الرئيسية »
اتصل بنا »
ابحث في مجلة معرفة السنن والآثار »
ابحث في المواقع السلفية الموثوقة »
لوحة المفاتيح العربية
البث المباشر للمحاضرات العلمية
دروس الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني حفظه الله والتي تنقل عبر إذاعة معرفة السنن والآثار العلمية حسب توقيت مكة المكرمة حرسها الله :: الجمعة|13:00 ظهراً| كلمة منهجية ثم شرح كتاب الضمان من الملخص الفقهي للعلامة الفوزان حفظه الله وشرح السنة للبربهاري رحمه الله :: السبت|19:00| شرح كشف الشبهات للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :: الأحد|19:00 مساءً| شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي رحمه الله :: الاثنين|19:00 مساءً| شرح سنن أبي داود السجستاني:: الثلاثاء|19:00 مساءً| شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج وسنن أبي عيسى الترمذي رحمهما الله :: الأربعاء|19:00 مساءً| شرح الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله :: الخميس|19:00 مساءً| شرح صحيح الإمام البخاري رحمه الله
 
جديد فريق تفريغ المجلة


العودة   مجلة معرفة السنن والآثار العلمية > السـاحة الإســلاميـــة > منبر أصول الفقه وقواعده
مشاركات اليوم English
نود التنبيه على أن مواعيد الاتصال الهاتفي بفضيلة الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني حفظه الله، ستكون بمشيئة الله تعالى من الساعة الحادية عشرة صباحاً إلى الثانية عشرة والنصف ظهراً بتوقيت مكة المكرمة، وفي جميع أيام الأسبوع عدا الخميس و الجمعة، آملين من الإخوة الكرام مراعاة هذا التوقيت، والله يحفظكم ويرعاكم «رقم جوال الشيخ: السعودية - جدة 00966506707220».

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 02-05-2015, 03:39AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-


باب
ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة




باب ما يفسد الصوم، ويوجب الكفارة

وما يحرم فيه أو يكره أو يجب أو يسن أو يباح

من أكل أو شرب أفطر (ع)، خلافاً للحسن بن صالح فيما ليس بطعام ولا شراب، مثل أن يستف تراباً، وخلافاً لبعض المالكية فيما لا يُغذِّي ولا ينماع في الجوف كالحصاة(182)، وإن استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه (و)، أو دماغه (م)، أفطر.



وقال في «الكافي»: إلى خياشيمه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم الصائم عن المبالغة في الاستنشاق. وعن علي: الصائم لا يستَعِط. وكالواصل إلى الحلق، وعند الحسن بن صالح وداود: لا يفطر بواصل من غير الفم؛ لأن النص إنما حرم الأكل، والشرب، والجماع(183).



وإن اكتحل بكُحْل أو صبر، أو قَطُور، أو ذَرُور إثمد مطيب، فعلم وصول شيء من ذلك إلى حلقه، أفطر. نص عليه، وهو المعروف، وجزم في «منتهى الغاية»: إن وصل يقيناً أو ظاهراً أفطر، كالواصل من الأنف؛ لأن العين منفذ، بخلاف المسام، كدهن رأسه، ولذلك يجد طعمه في حلقه ويَتَنخَّعُه على صفته، ولا أثَرَ كون العين ليست منفذاً معتاداً، كواصلٍ بحقنه وجائفة.
ولأبي داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: «ليتقه الصائم». قال أحمد وابن معين: حديث منكر، واختار شيخنا: لا يفطر (و م ش) (184).



وإن قطر في أذنه شيئاً فدخل دماغه أفطر، خلافاً للأوزاعي، والليث، والحسن بن صالحٍ، وداود، ومذهب (م) إن دخل حلقه أفطر، وإلا فلا.
وإن داوى جُرحَه، أو جائفته، فوصل الدواء إلى جوفه (م) وأبي يوسف ومحمد، أو داوى مأمومته، فوصل إلى دماغه (م) وأبي يوسف ومحمد، أو أدخل إلى مجوَّفٍ فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء شيئاً من أي موضع كان، ولو كان خيطاً ابتلعه كله (و هـ ش) أو بعضه (هـ) أو طعن نفسه، أو طعنه غيره بإذنه بشيء في جوفه، فغاب هو (و هـ ش) أو بعضه (هـ) فيه، أو احتقن بشيء (م ر)، أفطر؛ لوصولِهِ إلى جوفِهِ باختيارِهِ، كغيره؛ ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل، فكذا في المنفذ، وفساد الصوم متعلق بهما، ويعتبر العلم بالواصل(185)، وجزم في «منتهى الغاية» بأنه يكفي الظن، كما سبق. كذا قال.



واختار شيخنا: لا يفطر بمداواة جائفة ومأمومة ونحو ذلك، ولا بحقنه. وعند أبي ثور: يفطر بالسعوط فقط.
وإن حجم أو احتجم أفطر. نص عليه (خ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم». قال أحمد: فيه غير حديث ثابت، وقال إسحاق: ثبت هذا من خمسة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: وحديث شداد صحيح تقوم به الحجة، وصحح الترمذي حديث رافعٍ، وذكر عن البخاري أنه صحح حديث ثوبان وشداد، وصححهما أحمد. وعنه: إن علما النهي(186).



وله نظائر سبقَتْ، ولم يذكر الخرقي «حجم»، وذكر «احتجم». كذا قال، ولعل مراده: ما اختاره شيخنا أنه يفطر الحاجم إن مص القارورة، وإلا لا، وظاهر كلام أحمد والأصحاب: لا فطر إن لم يظهر دم، وهو متجه، واختاره شيخنا، وضعف خلافه، وذكر ابن عقيل أنه يفطر وإن لم يظهر دم، وجزم به في «المستوعب»، و«الرعاية»(187).




ومَنْ جرح نفسه لا للتداوي، بدل الحجامة، لم يفطر؛ لأن النهي لا يختص الصيام، وكخروج الدم يفطر على وجه القيء، لا على غير وجه القيء، ذكره في «الخلاف»(188)، ولا يفطر بالفصد، جزم به القاضي، وصاحب «المستوعب»، و«المحرَّر» فيه وغيرهم؛ لأن القياس لا يقتضيه. وذكر في «التلخيص» أن هذا أصح الوجهين، والثاني: يفطر، جزم به ابن هبيرة عن أحمد.


وذكر شيخنا أنه أصح في مذهب أحمد، فعلى هذا: قال صاحب «الرعاية»: يحتمل التشريط وجهين، وقال: الأولى إفطار المفصود والمشروط دون الفاصد والشارط(189)، وظاهر كلامهم: لا فطر بغير ذلك.
واختار شيخنا أنه يفطر من أخرج دمه برعاف وغيره، وقاله الأوزاعي في الرعاف، ومعنى الرعاف: السبق، تقول العرب: فرس راعف، إذا تقدم الخيل، ورعف فلان الخيل، إذا تقدَّمَها، فسمي الدمُ رُعافاً؛ لسبقه الأنف، وهو بفتح العين في الماضي، وفتحها وضمها في المستقبل، وضمها فيهما شاذ(190)، ويقال: رماح رواعف: لما يقطر منها من الدم، أو لتقدمها في الطعن، والراعف: طرف الأرنبة(191).


وإن استقاء فقاء (و) أي شيءٍ كان (و م ش) أفطر؛ لخبر أبي هريرة: «مَنْ ذرعَهُ القيء، فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً، فليقض». وهو ضعيف عند أحمد، والبخاري، والترمذي، والدارقطني، وغيرهم. ويتوجه احتمال: لا يفطر. وذكره البخاري عن أبي هريرة، ويروى عن ابن مسعودٍ، وابن عباسٍ، وعكرمة، وقاله بعض المالكية، وعنه: يفطر بملء الفم، اختاره ابن عقيل (وهـ)، وعنه: أو نصفهِ، كنقض الوضوء، وعنه: إن فَحُشَ أفطر، وقاله القاضي، وذكر ابن هبيرة أنه الأشهر، وذكر الشيخ وغيره الأول ظاهر المذهب، وذكره صاحب «المحرر» وغيره أصح الروايات، كسائر المفطرات.


واحتج القاضي بأنه لو تجشَّأ لم يُفطر، وإن كان لا يخلو أن يخرج معه أجزاء نجسة؛ لأنه يسير، كذا هنا. كذا قال، ويتوجه ظاهر كلام غيرِهِ: إن خرج معه نَجَس، فإن قصد به القيء، فقد استقاء، فيفطر، وإن لم يقصد، لم يَسْتقِئ، فلم يفطر، وإن نقض الوضوء، وذكر ابن عقيل في «مفرداته» أنه إذا قاء بنظره إلى ما يُغْثيه يفطر، كالنظر والفكر (192).




وإن قبل أو لمس، أو باشر دون الفرج، فإن لم يخرج منه شيء، فيأتي فيما يُكرَه للصائم، وإن أمنى أفطر (و)؛ للإيماء في أخبار التقبيل، كذا ذكره الشيخ وغيره، وهي دعوى، ثُمَّ إنما فيها أنها قد تكون وسيلةً وذريعةً إلى الجماع، واحتج صاحب «المحرر» بأن إباحة الله تعالى مطلق مباشرة النساء ليالي الصوم يدل على التحريم نهاراً، والأصل في التحريم الفساد، خرج منه المباشرة بلا إنزال؛ لدليل. كذا قال.



والمراد بالمباشرة الجماع (193)، كما روي عن ابن عباس وغيره، يؤيده أنه هو الذي كان محرَّماً، ثم نُسِخَ، لا ما دونه، مع أن الأشهر لا يحرم ما دونه (194)، ويتوجه احتمال: لا يفطر بذلك، وقاله داود، وإن صح إجماع قبله - كما قد ادعي - تعين القول به(195)، وعن أبي يزيد الضِّنِّي عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قبَّلَ امرأته - وهما صائمان - قال: «قد أفطر». رواه أحمد، وابن ماجه، والدارقطني، وقال: لا يثبت هذا، وأبو يزيد الضني ليس بمعروف. وكذا قال البخاري وغيره: حديث منكر، وأبو يزيد مجهول.



وإن مَذَى بذلك، أفطر أيضاً. نص عليه (وم)، واختار الآجريُّ، وأبو محمدٍ الجوزي - وأظن وشيخنا - لا يفطر، وهو أظهر (و هـ ش)، عملاً بالأصل، وقياسه على المني لا يصح؛ لظهور الفرق. وفي «الرعاية» قول: يبطل بالمباشرة دون الفرج فقط. كذا قال(196).



وإن استمنى فأمنى أو مذى، فكذلك على الخلاف وفاقاً، وإن كرَّرَ النظر فأمنى أفطر (هـ ش) خلافاً للآجري، وإن مذى لم يفطر في ظاهر المذهب (م)، والقول بالفطر أقيس على المذهب، كاللَّمْس؛ لأن الضعيف إذا تكرر قوي، كتكرار الضرب بصغير في القود، وإن لم يكرر النظر لم يفطر (وهـ ش)؛ لعدم إمكان التحرز. وقيل: يفطر (و م)، ونص أحمد: يفطر بالمني لا بالمَذْي. وكذا الأقوال إن فكَّرَ، فأنزل أو مذى؛ فلهذا قال ابن عقيلٍ: مذهب أحمد، ومالك سواء؛ لدخول الفكر تحت النهي، وظاهر كلامه: لا يفطر (م) وهو أشهر؛ لأنه دون المباشرة وتكرار النظر؛ بخلاف ذلك في التحريم، إن تعلق بأجنبية، زاد صاحب «المغني»: أو الكراهة إن كان في زوجة. كذا قالوا، ولا أظن من قال: يفطر به - وهو أبو حفص البرمكي، وابن عقيل - يسلِّمُ ذلك، وقد نقل أبو طالب عن أحمد: لا ينبغي فعله، وسيأتي إن شاء الله فيما يُكرَه للصائم، وفي الكفارة عن مالك روايتان، والمراد النية المجردة، والله أعلم.
وقد ذكر ابن عقيل: أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أو ذَكَرٍ، أنه يأثم، وذكره في «الرعاية» أول كتاب النكاح.



ولا فطر ولا إثم بفكر غالب (و)، وفي «الإرشاد» احتمال فيمن هاجَتْ شهوته فأمنى أو مذى: أفطر. وذكر صاحب «المحرر» قول أبي حفصٍ المذكور، ثُمَّ قال: وذكَرهُ ابن أبي موسى احتمالاً.

ويفطر بالموت، فيطعم من تركته في نذرٍ وكفارةٍ(197).



--------------------------



(182) بعض العلماء يقول - وهي أقوال شاذة -: إذا كان لا يغذي مثل أن يشتف تراباً ويأكله فيقول: لا يفطر، ولكن هذا قول شاذ بلا شك، لأن هذا يسمى أكلاً وشرباً شرعاً وعرفاً، كذلك إذا أكل شيئاً لا يموع ولا يغذي، كمن أكل خرزة - مثلاً - فهذا بعض المالكية يقول: إنه لا يفطر، وهذا أيضاً قول شاذ، والصواب أنه يفطر، وأن ما وصل إلى المعدة فهو مفسد للصوم.


(183) هذا المذهب أوسع المذاهب، فالحسن بن صالح وداود الظاهري يقولان: أنه لا يفطر بواصل من غير الفم، فعليه لو استعط ووصل إلى حلقه أو إلى معدته فإنه لا يفطر، لكن هذا القول يخالفه ظاهر حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» [أخرجه أبو داود في الطهارة /باب في الاستنثار (142)؛ والنسائي في الطهارة/باب المبالغة في الاستنشاق (1/66)؛ والترمذي في الصوم/باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788)؛ وصححه ابن خزيمة (150)؛ وابن حبان (1087).] .


(184) وهذا هو الصواب، وهو ما اختاره الشيخ، أنه إذا قَطَرَ في عينه أو اكتحل في عينه ووجد طعمه ولونه في حلقه فإنه لا يفطر؛ لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، لا في الحقيقة الشرعية، ولا في الحقيقة العرفية ولم نَرَ أحداً إذا أراد أن يأكل يدخل اللقمة في عينه، ولا أن يصب الماء في عينه، لكن السعوط في الأنف يستعمله الناس فيوصلون الشراب أو المائع من غير الشراب إلى المعدة عن طريق الأنف، ولا يزال الناس يستعملون ذلك إلى الآن، فهو منفذ، وأما العين والأذن فليستا بمنفذ، فالواصل من طريقهما لا يفطر.


(185) وقوله: «ويعتبر العلم بالواصل» أي: يعتبر أن يعلم أنه وصل.
(186) وهذه الرواية هي الموافقة للقاعدة التي سبقت، وهي: أنه يشترط في المفطرات العلم، فإذا لم يعلم فصومه صحيح.
(187) قول ابن عقيل رحمه الله: «إنه يفطر» لعموم الحديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» [أخرجه أحمد (4/123)؛ وأبو داود في الصيام/باب في الصائم يحتجم (2368)؛ والنسائي في «الكبرى» (3126), وابن ماجه في الصيام/باب ما جاء في الحجامة للصائم (1681)؛ وصححه ابن خزيمة (1962), وابن حبان (3533)، والحاكم (1/428).


وانظر: «نصب الراية» (2/472), و«التلخيص الحبير» (2/193).] ، ومن نظر إلى المعنى قال لابد أن يظهر دم، ثم الحاجم إذا لم يمص القارورة فالمذهب أنه يفطر لعموم: «أفطر الحاجم والمحجوم»، ومن نظر إلى المعنى قال: إنه لا يفطر إلا إذا مص القارورة؛ لأنه إذا مصها فإنه سوف يمصها بشدة، ولا يأمن مع ذلك أن يتسرب الدم إلى جوفه من حيث لا يشعر، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وهو يرى النظر إلى المعنى سواء في الحاجم أو المحجوم، ويقول: لو فرض أنه حجم بدون مص القارورة فالحاجم لا يفطر، ويقول: لو حجم ولم يخرج دم فلا فطر، لا على الحاجم، ولا على المحجوم، فعليه لو حجم بآلات جديدة بدون مص فالحاجم لا يفطر؛ لأنه لا معنى لإفطاره، والمحجوم يفطر إن خرج دم، وظاهر كلامهم إن خرج الدم ولو كان قليلاً لا يضعف المحجوم فإنه يفطر به؛ لعموم الحديث، ووجه ذلك أن يقال: إن القليل في الحجامة نادر، والأكثر أنه يكون كثيراً يضعف الصائم، فمن رحمة الله بالصائم أن أحلّ له الأكل والشرب، يعني: إذا حجم لحاجة وهو صائم قلنا له: كُلْ واشرب هنيئاً مريئاً؛ لأنه كالمريض.



(188) يعني: إذا جرح الإنسان نفسه من غير حاجة لم يفطر؛ لأن الجرح حرام، فيحرم على الإنسان أن يجرح نفسه بلا حاجة، والتحريم عام، فإنه لا يؤثر على الصوم؛ لأن الذي يفسد العبادة هو الذي يحرم لأجل العبادة، وما يختص تحريمه بها، وهذا مبني على أن الجرح إذا خرج منه دم كثير فهو كالحجامة يفطر به، وأما من قال: إنه لا يفطر إلا الحجامة تعبداً، ولا يلحق بها خروج الدم الكثير بغير طريق الحجامة، فالأمر فيه ظاهر أنه لا يفطر، لكن إذا قلنا بالقول الراجح أن إخراج الدم الكثير الذي يلحق البدن فتوراً وضعفاً كالحجامة يفسد الصوم، وهذا هو القول الراجح، وظاهر كلام المؤلف لا يفطر، والصحيح أنه يفطر،

كما لو زنا رجل بامرأة وهو صائم فسد صومه، وإذا كان في رمضان وجبت عليه الكفارة، ولا نقول: إن هذا الوطء حرام في الصيام وغيره فلا يؤثر في الصيام، وإذا قلنا بهذا لم يكن صحيحاً، وعلى هذا فنقول: إذا جرح الصائم نفسه وخرج منه دم كثير يوجب فتور البدن وهبوط قوته كما تفعل الحجامة فإنه يفطر مع الإثم، حتى ولو كان الصوم نفلاً؛ لأن جرح الإنسان نفسه محرم، ومن هنا نعرف أن تبرع الإنسان بالكلى أو أي عضو من أعضائه محرم عليه؛ لأنه لا يجوز أن يجرح نفسه، وقد نص على هذا فقهاؤنا رحمهم الله في كتاب الجنائز، وقالوا: لا يصح أن يقطع من الميت عضو ولو أوصى به لأحد من الناس، وما يفعله بعض الناس اليوم من التبرع بالكلى غلط عظيم؛ لأنه تصرف لم يؤذن به،

ثم إنه لا شك أن الله ( خلق الثنتين من أجل أن يتساعدا ويتعاونا على تصفية الفضلات، فإذا كان الإنسان على واحدة فلا بد أن ينقص، حتى لو بقي الإنسان حياً لابد أن يتأثر، وستنصرف كل الفضلات على كلية واحدة، هذا إن تيسر أن العروق والمجاري المتجهة إلى الكلية التي قطعت تنصرف إلى الجهة الأخرى السليمة، ثم إذا عطبت الموجودة الآن فسيهلك، ولو كانت الثانية باقية لقامت مقامها، وقول بعض الناس: هذا من البر إذا كان أبوه هو الذي أصيب بهذا الفشل الكلوي، فنقول له: إن البر واجب، لكن إذا تضمن محرماً صار حراماً، ولهذا لو قال له أبوه: إنه يشتهي كأسا من الخمر، فهل من البر أن يذهب ويشتري له كأساً من الخمر؟! الجواب: لا ، وليس من البر أن يشتري له دخانا، بل البر أن يتمادى ويقول: إن شاء الله حتى ينسى.




(189) الفرق بين الفصد والشرط أن الفصد قطع العرق عرضاً، والشرط طولاً.
(190) قوله: «وهو بفتح العين في الماضي وفتحها وضمها في المستقبل» فيقال: رَعَفَ يَرعُفُ أو يَرعَفُ. والمستقبل يعني: المضارع، وقوله: «وضمها فيهما شاذ» فيقال: رَعُفَ يَرعُفُ، هذا شاذ لكنه لغة.



(191) قوله: «الأرنبة» هي: أرنبة الأنف.
(192) والصحيح ما دل عليه الحديث أنه إن استقاء عمداً أفطر وإلا فلا، وهو المطابق للقياس الصحيح على الحجامة، وإن كان أقل منها تأثيراً، لكنه يشبهها؛ لأن القيء: إخراج ما يغذي، والحجامة إخراج ما تغذى به، فيشابهها، وأما قولهم: «الوضوء مما خرج والفطر مما دخل» فهذه كلمة ليست صحيحة .



(193) يعني: في قوله تعالى: {باشروهن} [البقرة: 187].
(194) ابن مفلح - رحمه الله - يميل إلى أنه لا يفطر إذا باشر الرجل وأنزل، أو قَبّلَ وأنزل، أو ضم وأنزل، ولهذا رد عليهم في تعليل الشيخ الموفق رحمه الله للإيماء في أخبار التقبيل، فقال: «وهي دعوى» ثم استطرد إلى أن قال: «والمراد بالمباشرة الجماع»، لكن عندنا فيه أنه يفطر بذلك؛ لأنه في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» [أخرجه البخاري في الصوم/باب فضل الصوم (1894)؛ ومسلم في الصيام/باب حفظ اللسان للصائم (1151) (164).] ،

ومعلوم أن خروج المني من أقوى الشهوات، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إن وضعها في حلال، كان له أجر» [أخرجه مسلم في الزكاة/باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1006).]، والشهوة التي توضع هي المني، فالصحيح أن الإنسان إذا باشر بتقبيل أو ضم أو لمس وأنزل أن صومه يفسد.




(195) قوله: «وإن صح إجماع قبله كما قد ادعى تعين القول به» لأن بعضهم قال: إنه يفطر إذا أنزل بالإجماع، فيقول ابن مفلح رحمه الله: من باب العدل: وإن صح إجماع قبله كما قد ادعى تعين القول به؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، لكن قوله: «إن صح» يدل على أنه متردد في صحة دعوى الإجماع.



(196) إذن ابن مفلح رجح أن الإمذاء بذلك لا يفطر، وهو الصحيح، وعسى أن نسلم من الشك فيما إذا أمنى، أما إذا أمذى فلا شك أنه لا يفطر بذلك، ولو قَبّل عدة مرات، وقوله رحمه الله: «وقياسه على المني لا يصح لظهور الفرق»، والفرق واضح، لا في تأثيرهما على البدن، ولا في أحكامهما، ومنه نعرف أن المسائل إذا اختلفت أنه لا يصح القياس، ومن ذلك: جواز جمع العصر مع الجمعة قياساً على الظهر، وهذا القياس لا يصح؛ لأن أكثر الأحكام تختلف، فكيف تلحق، وهذه قاعدة في الاستدلال والمناظرة، أنه إذا حصل الفرق بين المسألتين فإنه لا قياس.



(197) قوله: «فيطعم من تركته» يعني: يطعم عن يوم موته، وكأنه رحمه الله أخذ هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته يوم عرفة: «إنه يبعث يوم القيامة ملبياً» [أخرجه البخاري في الجنائز/باب الكفن في ثوبين (1206)؛ ومسلم في الحج/باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (1206).] وأبقى أحكام الإحرام عليه، وقال: «لا تخمروا رأسه ولا تحنطوه»، فقد يكون في ذلك إيماء إلى أن بقية العبادات تبطل بالموت، ولكن إذا قال قائل: ما الفائدة من قولنا: إنها تبطل بالموت؟ يقول: الفائدة أنها إذا كان فيه كفارة أو نذر فإنه يطعم عنه، وأما إذا كان في الواجب فلا، والذي يظهر لي أنه لا يجب الإطعام ولا الصوم عنه إذا مات في أثناء النهار، حتى لو كان كفارة أو قضاء، فإنه لا يطعم عنه؛ لأنه قدم على ربه، ونحن نقول: المفطرات الثابتة إذا جاءت بغير قصد لم تضر، ولا يفطر الإنسان بها، فكيف بالموت؟!


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18297.shtml







رد مع اقتباس
  #17  
قديم 02-05-2015, 03:49AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-


فصل:
وإنما يفطر بجميع ما سبق إذا فعله عامداً ذاكراً لصومِهِ مختاراً




وإنما يفطر بجميع ما سبق إذا فعله عامداً ذاكراً لصومِهِ مختاراً، فلا يفطر ناس (م)، نقله الجماعة، ونقله الفضل في الحجامة، وذكره ابن عقيلٍ في مقدمات الجماع، وذكره الخرقي في الإمناء بقلبهٍ أو تكرار نظرٍ، وأنه يفطر بوطئه دون الفرج ناسياً.



وفي «المستوعب»: المساحقة كالوطء دون الفرج، وكذا من استمنى، فأنزل المني، وذكر أبو الخطاب أنه كالأكل في النسيان، لخبر أبي هريرة: «مَنْ نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتمم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه». متفق عليه. وللدارقطني معناه، وزاد: «ولا قضاء عليه». وفي لفظٍ «من أفطر يوماً من رمضان ناسياً، فلا قضاء عليه ولا كفارة». رواه الدارقطني، وقال: تفرد به ابن مرزوق - وهو ثقة - عن الأنصاري، وللحاكم – وقال: على شرط مسلم -: «من أكل في رمضان ناسياً، فلا قضاء عليه ولا كفارة». ولأنه يختص النهي بالعبادة لا حد في جنسه، فلا يؤثر بلا قصد، كطيران الذباب إلى حلقه، بخلاف الردة والجماع، وكصوم النفل (و م)، وفي «الرعاية»: لا قضاء في الأصح، وعنه: يفطر بحجامة ناس، اختاره في «التذكرة»؛ لظاهر الخبر، وندرة النسيان فيها، وقيل: واستمناء ناس، والمراد: ومقدمات الجماع. وذكر في «الرعاية» الفطر بمباشرة دون الفرج. قال: وقيل: عامداً، وكذا إن أمنى بغيرها مطلقاً، وقيل: عامداً، أو مذى بغيرها عامداً، وقيل: أو ساهياً.


ولا يفطر مُكرَه، سواء أُكرِه على الفطر حتى فعله، أو فُعلَ به، بأن صُبَّ في حلقه الماء مكرهاً أو نائماً، أو دخل فيه ماء المطر. نص عليه، كالناسي بل أولى؛ بدليل الإتلاف. وفي «الرعاية»: لا قضاء، في الأصح، وقيل: يفطر إن فعل بنفسه، كالمريض. ومذهب الحنفية: يفطر؛ لندرة الإكراه، فلا تعم البلوى، بخلاف النسيان، والنص فيه، ومذهب (م) يفطر، كالناسي عنده، ومذهب (ش) لا يفطر إن فُعلَ به، وإن فَعَلَ بنفسه، فقولان.


ويفطر الجاهل بالتحريم (و) نص عليه في الحجامة؛ لأنه عليه السلام مر برجل يحجم رجلاً، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم»، وكالجهل بالوقت، والنسيان يكثر. وفي «الهداية» و«التبصرة»: لا يفطر؛ لأنه لم يتعمد المفسد، كالناسي، وجمع بينهما في «الكافي» بعدم التأثيم.



وإن أُوجِرَ المغمى عليه معالجةً، لم يفطر، وقيل: يفطر؛ لرضاه به ظاهراً، فكأنه قصده. وللشافعية وجهان.
ومَنْ أراد الفطر فيه بأكلٍ أو شربٍ، وهو ناس أو جاهل، فهل يجب إعلامه؟ فيه وجهان. ويتوجه ثالث: إعلام جاهلٍ لا ناسٍ. ويتوجه مثله: إعلام مصل أتى بمناف لا يبطل، وهو ناس أو جاهل، وسبق أنه يجب على المأموم تنبيه الإمام فيما يُبطلُ؛ لئلا يكون مفسداً لصلاته مع قدرته(198).


-------------------------


(198) هنا ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - خلافاً وتفصيلاً طويلاً، الذي يقضي عليه قول الله عز وجل: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة:286]، فقال الله: «قد فعلت» [أخرجه مسلم في الإيمان/ باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق (126)]، فهذا النص يحكم على كل الخلافات، وعلى هذا فمن كان جاهلاً بالوقت أو بالحكم أو كان ناسياً أنه صائم أو ناسياً أن هذا يُفطر فصومه صحيح، لكن يجب متى زال العذر أن يتوقف، كذلك المكره الذي لم يختر لا يفطر؛ لقول الله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب: 5].


وكذلك أيضاً ذكر المؤلف - رحمه الله - في الإنسان المغمى عليه إذا أوجر - يعني صب في فمه ماء - فهل يفطر أو لا؟ ومعلوم أن المغمى عليه إذا صب الماء في فمه أنه يجذبه، كالصبي يجذب اللبن، فهل نقول: إن هذا يفطر لرضاه به ظاهراً، لأن هذا المريض الصائم يرضى أن يصب الناس في فمه ماءاً من أجل أن يصحو؟ فهل نقول: هذا ليس كالمكره؛ لرضاه به ظاهراً، أو نقول إنه كالمكره؛ لأنه لا إرادة له؟ هنا فيه احتمال، والاحتياط عندي أن يقضي؛ لأن هذا وإن كان لا يشعر بذلك لكنه راضٍ به قطعاً.


بقي مسألة ثانية مهمة، وهي: هل إذا رأيت أحداً صائماً يأكل أو يشرب هل تنبهه؟ الجواب: نعم، قال المؤلف: «ومن أراد الفطر فيه بأكل أو شرب وهو ناس أو جاهل، فهل يجب إعلامه؟ فيه وجهان، ويتوجه ثالث: إعلام جاهل، لا ناس»،


وهذه المسألة فيها خلاف على ثلاثة أقوال:


القول الأول: يجب تنبيهه.

والقول الثاني: لا يجب.
والقول الثالث: يجب تنبيه الجاهل دون الناسي؛ لأن تنبيه الجاهل من باب التعيين، وليس من باب التذكير، فيجب إعلام الجاهل دون الناسي، والصواب: أنه يجب إعلام الجميع، ولا يقال: هذا رزق رزقه الله، ولكن ينبهه، وهذا من التعاون على البر والتقوى، كما قال الله عز وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة:2] .


وقول المؤلف: «يجب على المأموم تنبيه الإمام فيما يبطل؛ لئلا يكون مفسدا لصلاته مع قدرته» فالمأموم لاشك أنه يجب عليه أن ينبه الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا نسيت فذكروني» [ أخرجه البخاري في الصلاة/باب التوجه نحو القبلة حيث كان (393)؛ ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة/باب السهو في الصلاة والسجود له (572).] ، ولأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فإذا أتى الإمام بمناف للصلاة ناسياً فهو معذور، لكن المأموم غير معذور، فلا بد من تنبيهه، ولا يصح قياس هذه المسألة - أعنى مسألة من رأيته يأكل ويشرب وهو صائم - على مسألة تنبيه المأموم لإمامه، ووجه الفرق: أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فإذا فسدت وهو يعلم أنها فسدت، وتابعه مع فسادها، بطلت صلاته.



المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18298.shtml







رد مع اقتباس
  #18  
قديم 03-05-2015, 01:29AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
ولا كفارة بغير جماع ومباشرة



ولا كفارة بغير جماع ومباشرة، على ما يأتي. نص عليه(199) (و ش) عملاً بالأصل، ولا دليل(200)، والجماع آكد (201)، ونقل حنبل: يقضي، ويكفِّرُ للحقنة، ونقل محمد بن عبدك: يقضي، ويكفِّرُ من احتجم في رمضان، وقد بلغه الخبر، وإن لم يبلُغْه، قضى. قال صاحب «المحرَّر»: فالمفطرات المجمع عليها أولى، وقال: قال ابن البناء على هذه الرواية: يكفر بكل ما فطَّرَه بفعلِهِ، كبلع حصاةٍ، وقيءٍ، وردة، وغير ذلك.


وفي «الرعاية» - بعد رواية محمد بن عبدك- : وعنه: يكفر من أفطر بأكلٍ أو شربٍ أو استمناءٍ، اقتصر على هذا، وخص الحلواني رواية الحجامة بالمحجوم، وذكر ابن الزاغوني على رواية الحجامة، كما ذكره ابن البناء؛ لأنه أتى بمحظور الصوم، كالجماع، وفاقاً لعطاء وأبي ثورٍ، وهذا ظاهر اختيار أبي بكرٍ الآجري، وصرح به في أكلٍ أو شربٍ، وقيل: يكفر للحجامة، كحامل ومرضع، ومذهب (م) يكفِّرُ من أكلٍ أو شربٍ، وحُكِيَ عنه أيضاً في القيءِ وبلع الحصاة: التكفير، وعدمه، ومذهبه أن الكُفْرَ يمنع وجوب الكفَّارةِ والقضاء، ومذهب (هـ) يكفِّرُ للأكل والشرب إن كان مما يُتَغَّذَى به أو يتداوى به (202).




-----------------------------



(199) قوله: «نص عليه» أي: الإمام أحمد.
(200) هنا ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى – أدلة: أولاً: عملاً بالأصل، وثانياً: لا دليل على وجوب الكفارة، والثالث: «ولا إجماع» يعني: ولا دليل من النص ولا الإجماع.


(201) المؤلف - رحمه الله - يتكلم الآن على القياس، ولعل قائلا أن يقول: العلة هي التفطير، وهذا تعمد الفطر، فتجب عليه الكفارة، كما لو تعمد الجماع. قال المؤلف - رحمه الله -: إن الجماع آكد، وهو كذلك آكد وأشد حرمة، والنفس تدعو إليه أكثر، لاسيما من شاب تزوج حديثاً.


(202) والصحيح ما قدمه - رحمه الله- أنه لا كفارة بغير الجماع.


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18299.shtml







رد مع اقتباس
  #19  
قديم 03-05-2015, 01:37AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-


فصل:
وإن طار إلى حلقِهِ غبار طريقٍ أو دقيقٍ أو دخان لم يفطر




وإن طار إلى حلقِهِ غبار طريقٍ، أو دقيقٍ، أو دخان، لم يفطر(و) كالنائم يدخل حلقَهُ شيء. وفي «الرعاية» في الصورة الأولى: وقيل: في حق الماشي، وفي الثانية: وقيل: في حق النَّخالِ. وفي الثالثة: وقيل: في حق الوقَّاد. كذا قال، ووجه لندرتِهِ، فلا يفرد بحكمٍ، وله نظائر. وكذا إن طار إلى حلقِهِ ذباب، لم يفطر (و) خلافاً للحسن بن صالحٍ.


وإن احتلم أو أمنى من وطء ليل (و)، أو أمنى ليلاً من مباشرته نهاراً (و)، لم يفطر (و)، وظاهره: ولو وطئ
رجل قرب الفجر، ويشبهُهُ من اكتحل إذاً(203).



ولا يفطر من ذرعه القيء (و)، ولو عاد إلى جوفِهِ بغير اختيارِهِ (هـ) خلافاً لأبي يوسف، ولو أعاده عمداً ولم يملأ الفم، أو قاء ما لا يفطر به، ثم أعاده عمداً، أفطر به (هـ ر) خلافاً لأبي يوسف، كبلعه بعد انفصاله عن الفم (و)، وإن أصبح وفي فيه طعام فرماه، أو شق رميه، فبلعه مع ريقه بغير قصدٍ، أو جرى ريقه ببقية طعام تعذَّرَ رمية، أو بلع ريقه عادة، لم يُفِطر (و)، وإن أمكنه لفظه؛ بأن تميز عن ريقه، فبلعه عمداً، أفطر، نص عليه، ولو كان دون الحمصة (هـ م)، قال أحمد رحمه الله فيمن تنخع دماً كثيراً في رمضان: أجبن عنه، ومن غير الجوف أهون.


وإن بصق نُخامةً بلا قصدٍ من مخرج الحاء المهملة، ففي فطرِهِ وجهان، مع أنه في حكم الظاهر، كذا
قيل، وجزم به في «الرعاية».



وإن قَطَر في ذكره دُهناً، لم يفطر. نص عليه (هـ ر وش) وأبي يوسف؛ لعدم المنفذ، وإنما يخرج البول رشحاً، كمداواة جرح عميق لم ينفُذْ إلى الجوف، وقيل: بينهما منفذ، كمن وضع في فيه ماءً لم يتحقق نزوله في حلقه، وقيل: يفطر إن وصل مثانته - وهي العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف -، فإذا كان لا يستمسك بوله، قيل: مثِن الرجل، بكسر الثاء، فهو أمثن، والمرأة مثناء، وقال الكسائي: يقال: رجل مثن وممثون.


ومن أصبح جنباً، ثم اغتسل، صح صومه (و)، مع أنه يسن قبل الفجر، وعليه يحمل نهيه عليه السلام في «الصحيحين»، أو أنه منسوخ؛ لأن الله تعالى أباح الجماع وغيره إلى طلوع الفجر، احتج به ربيعة والشافعي وجماعة، ولفعله عليه السلام، متفق عليه(204).


وكذا إن أخره يوماً، صح وأثم (و)، وفي «المستوعب»: يجيء على الرواية التي تقول: يكفر بترك صلاةٍ إذا تضايق وقت التي بعدها، أن يبطل إذا تضايق وقت الظهر قبل غُسلِهِ وصلاة الفجر. كذا قال. وسبق في ترك الصلاة، ومراده ما ذكره في «الرعاية»: إن فاته شيء من الصلوات، وقلنا: يكفر بتركها بشرطِهِ، بطل صومه، وكذا الحائض تؤخره، وسبق في الحيض. ونقل صالح في الحائض تؤخره بعد الفجر: تقضي(205).



وإن تمضمض، أو استنشق، فدخل الماء حلقه بلا قصدٍ، لم يفطر (هـ م)، وإن زاد على الثلاث في أحدهما، أو بالغ فيه، فوجهان، واختار صاحب «المحررِ» يبطل بالمبالغة؛ للنهي الخاص، وعدم ندرة الوصول فيها، بخلاف المجاوزة، وأنه ظاهر كلام أحمد في المجاوزة: يعجبني أن يعيد.


وإن تمضمض أو استنشق لغير طهارةٍ، فإن كان لنجاسةٍ ونحوها، فكالوضوء، وإن كان عبثاً أو لحَرٍّ أو عطشٍ، كره. نص عليه (م)، وفي الفطر به الخلاف في الزائد على الثلاث، وكذا إن غاص في الماء في غير غسل مشروعٍ، أو أسرف، أو كان عابثاً، وقال صاحب «المحررِ»: إن فعله لغرضٍ صحيح، فكالمضمضة المشروعة، وإن كان عبثاً فكمجاوزة الثلاث. ونقل صالح: يتمضمض إذا أجهد(206).



ولا يكرهُ للصائم أن يغتسل (هـ) للخبر. قال صاحب «المحرر»: ولأن فيه إزالة الضجر من العبادة، كالجلوس في الظلال الباردة(207)، بخلاف قول المُخالفِ: إن فيه إظهار التضجر بالعبادة، وقوله: إن الصوم مستحق فعله على ضربٍ من المشقة، فإذا زال ذلك بما لا ضرورة إليه، كُرِهَ، كما لو استند المصلي في قيامِهِ إلى شيءٍ(208)، واختار صاحب «المحررِ» أن غوصه في الماء كصب الماء عليه (وش)، ونقل حنبل: لا بأس به إذا لم يخف أن يدخل الماء حلقه أو مَسامِعَه، وكرهَهُ الحسن، والشعبي ومالك، وجزم به بعضهم. وفي «الرعاية»: يُكرَه، في الأصح، فإن دخل حلقه، ففي فطرِهِ وجهان، وقيل: له ذلك ولا يفطر، ونقل ابن منصورٍ، وأبو داود، وغيرهما: يدخل الحمام، ما لم يَخَفْ ضَعفاً. ورواه أبو بكر عن ابن عباسٍ وغيرِهِ. قال في «الخلاف»: ما يجري به الريق لا يمكنه التحرز منه،

وكذا ما يبقى من أجزاء الماء بعد المضمضة، كالذباب والغبار، ونحو ذلك، فإن قيل: يمكنه التحرز من أجزاء الماء من المضمضة؛ بأن يبزق أبداً حتى يعلم أنه لم يبق منها شيء، قيل: هذا يشق، وليس في لَفْظِ ما يمكن لَفْظُه مشقة(209)، يعني: ما يبقى في فيه، ولم يجر به الريق. وهذا معنى كلام صاحب «المحرر» هنا، وقال في ذوق الطعام: لا يفطر إن بصق، واستقصى، كالمضمضة. ويأتي كلام الشيخ أول الفصل بعده.




-----------------------------



(203) قوله: «ويشبهه من اكتحل إذن» لأنه اكتحل قبل الفجر، ووجد طعم الكحل في حلقه بعد الفجر،
فهل يفطر أو لا يفطر؟ فيه خلاف.



(204) وجه الدلالة من الآية، وهي قوله تعالى: {فالئن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187] أن الله تعالى أباح الجماع إلى طلوع الفجر، ويلزم من هذا أن يكون الاغتسال بعد طلوع الفجر، وهذا هو المقصود، فيجوز أن يصبح الإنسان جنباً ويغتسل بعد طلوع الفجر، وأما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم: فكذلك صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من أهله وهو صائم [أخرجه البخاري في الصيام/باب الصائم يصبح جنبا (1925؛ 1926)؛ ومسلم في الصوم/باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (1109).].


(205) يعني: الحائض إذا أخرته بعد الفجر قضت، هذا معنى الرواية، والصواب أنها لا تقضي مادامت تحققت الطهر قبل الفجر، فإن صومها يصح، ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.


(206) يعني: إذا شق عليه، وهذا يقع في أيام الصيف، يكون الإنسان في أثناء النهار ييبس ريقه، ويشق عليه، فله أن يتمضمض من أجل بَلِّ الريق، ولا يضر، وفي هذه الحال لو نزل الماء إلى جوفه لا يفسد صومه.


(207) فُهِمَ من هذا التعليل - وهو تعليل صحيح - أنه يجوز للإنسان أن يفعل ما يزيل عنه الضجر في العبادة، كأن يغتسل بالماء لينشط، أو يبقى عند المكيف، أو ما أشبه ذلك، وأما الإشقاق على النفس مع إمكان التسهيل فهذا من التنطع، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الذين حاولوا أن يواصلوا في الصوم جعلهم متعمقين، فأنت مادام الله عز وجل قد جعل لك التيسير في العبادة فخذ به، ومن ذلك الوضوء بالماء الساخن في أيام الشتاء أفضل من الماء البارد، لكن إذا لم يكن ماء ساخن وتوضأت بالبارد فهذا لاشك أنه أعظم أجراً؛ لأنه فعل ما فيه إيلام لعدم وجود ما ليس فيه إيلام، ولهذا لو قال قائل: أيهما أفضل: أن أسافر للحج على الطائرة، أو على السيارة، أو على عربية تجرها الحمير، أو على حمار، أو راجلاً؟ فنقول: سافر على الطائرة؛ لأنها أريح، أما لو تعذر الأسهل فحينئذ تحمل المشقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «إن أجرك على قدر نصبك» . [أخرجه مسلم في الحج/ باب بيان وجوه الإحرام (1211).]


(208) لاشك أن بينهما فرقاً، فالمستند في قيامه إلى شيء يكون معتمداً على هذا الشيء، كأنه مستلقٍ عليه؛ لأن المزيل أصل وجود المشقة في الصيام، هذا إذا سلمنا أن الاستناد إلى شيء على وجه يسقط به لو أزيل هذا الشيء أنه مبطل للصلاة، والمسألة فيها خلاف، لكن على القول أن الإنسان إذا استند إلى عمود أو إلى الجدار وهو قادر أن يقف بدون استناد فإن الفريضة تبطل، وتكون نافلة، على هذا القول نقول: الفرق بين هذا وهذا ظاهر؛ لأنه إذا اعتمد على الجدار صار كأنه غير قائم، فكأنه مستلقٍ على الجدار.


(209) بعض الناس إذا تمضمض بقي يتفل لمدة، ويقول: أخشى أن يبقى طعم الماء في فمي، وينزل إلى بطني، وهذا من التنطع والتعمق في الدين، فالصحابة رضي الله عنهم، بل ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يتمضمض ولم يفعل ذلك، وأما هذا التشدد فإنه لا ينبغي، أما ما يبقى في الأسنان من آثار الطعام فهذا يستطيع الإنسان أن يخرجه دون مشقة والتحرز منه، فهو سهل.


المصدر:

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18300.shtml







رد مع اقتباس
  #20  
قديم 03-05-2015, 01:43AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-


فصل:
يكره للصائم أن يجمع ريقه ويبلعه



يكره للصائم أن يجمع ريقه ويبلعه، فإن جمعه ثُمَّ بلعه قصداً، لم يفطر (و)، كما لو بلعه قصداً ولم يجمَعْه؛ بخلاف غبار الطريق، وقيل: يفطر، فيحرم ذلك، كعودِهِ وبلعه من بين شفتيه، وفي «منتهى الغاية»: ظاهر شفتيه؛ لإمكان التحرز منه عادةً، كغير الريق، وإن أخرج من فيه حصاةً أو درهماً أو خيطاً، ثم أعاده، فإن كان ما عليه كثيراً فبلعه أفطر، وإن قل لم يفطر، في الأصح (ش)؛ لأنه لا يتحقق انفصاله ودخوله حلقه، كالمضمضة، ولو كان لسانه، لم يفطر. أطلقه الأصحاب (و)؛ لأن الريق لم يفارق محله، وقال ابن عقيل: يفطر.


وإن تنجس فمه، أو خرج إليه قيء أو قلس، فبلعه، أفطر. نص عليه، وإن قل؛ لإمكان التحرز منه، وإن بصقه، وبقي فمه نجساً، فبلع ريقه، فإن تحقَّقَ أنه بلع شيئاً نجساً أفطر، وإلا فلا، وصفة غسل فمه، سبق في الفصل الثاني من إزالة النجاسة.


وهل يفطر ببلع النخامة (وش) كالتي من جوفِهِ؛ لأنها من غير الفم كالقيء، أم لا؛ لاعتبارها في الفم كالريق؟ فيه روايتان، وعليهما ينبني التحريم، وفي «المستوعب»: أن القاضي وغيره ذكروا في النخامة روايتين، ولم يفرقوا، وذكر ابن أبي موسى: يفطر بالتي من دماغه، وفي التي من صدرِهِ روايتان (210).


ويكره ذوق الطعام، ذكره جماعة وأطلقوا (و م)، وقد قال أحمد: أحب أن يَجتنبَ ذوق الطعام، فإن فعل فلا بأس، وذكر صاحب «المحرر» أن المنصوص عنه: لا بأس به؛ لحاجةٍ ومصلحةٍ، واختاره في «التنبيه»، وابن عقيلٍ (و هـ ش) وحكاه أحمد والبخاري عن ابن عباسٍ، وكالمضمضة المسنونة، فعلى هذا: عليه أن يستقصي في البصق، ثُمَّ إن وجد طعمه في حلقه لم يُفطِر، كالمضمضة، وإن لم يستقص في البصق أفطر؛ لتفريطِهِ، وعلى الأول: يفطر مطلقاً؛ لإطلاق الكراهة. ذكره صاحب «المحررِ»، وجزم جماعة بفطرِهِ مطلقاً، ويتوجه الخلاف في مجاوزة الثلاث.


ويكرَهُ مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء. نص عليه (و)؛ لأنه يحلب الفم، ويجمع الريق، ويورث العطش، ويتوجه احتمال(211) ؛ لأنه يروى عن عائشة، وعطاء(212)، وكوضع الحصاة في فيه، قال أحمد فيمن وضع في فيه درهماً أو ديناراً: لا بأس به ما لم يجد طعمه في حلقه، وما يجد طعمه فلا يعجبني.


وقال في الصائم يفتل الخيط(213): يعجبني أن يبزق. فعلى الأول: هل يفطر إن وجد طعمه في حلقه أو لا؛ لأن مجرد الطعم لا يفطر، كمن لطخ باطن قدمه بحنظل(214) (ع) بخلاف الكُحلِ؛ فإنه تصل أجزاؤُه إلى الحلق؟ على وجهين، فدل أنه يفطر بأجزائه، وقيل: في تحريم مالا يتحلل غالباً، وفطره بوصوله أو طعمه إلى حلقه، وجهان، وقيل: يكره بلا حاجة.



ويحرم مضغ العلك الذي تتحلل منه أجزاء (ع)، وفي «المقنع»: إلا أن لا يَبلعَ ريقه، وفَرضَ بعضهم المسألة في ذوقِهِ، وإن وجد طعمه في حلقِهِ أفطر، وسبق السواك في بابِهِ، قال في «المستوعب» وغيره: ويكره أن يدع بقايا الطعام بين أسنانِهِ، وشم ما لا يأمن أن يجذبه نفَسُه إلى حلقِةِ، كسحيق مسْكٍ، وكافورٍ ودهنٍ ونحوِهِ(215).


وتكره القبلة لمن تحرك شهوته فقط (وهـ)؛ لقول عمر بن أبي سلمة: يا رسول الله، أيقبل الصائم؟ فقال له: «سَلْ هذه» لأم سلمة، فأخبرته أنه يفعل ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.

فقال: «أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له». رواه مسلم(216). ونهى النبي صلى الله عليه وسلم شابّا، ورخص لشيخ. حديث حسن، رواه أبو داود من حديث أبي هريرة، ورواه سعيد عن أبي هريرة، وأبي الدرداء، وكذا عن ابن عباس(217). بإسناد صحيحٍ، وعنه: تُكرَه لمن تُحرِّكُ شهوته، ولغيره (و م ر)؛ لاحتمال حدوث الشهوة، وكالإحرام، وعنه: تحرم على مَنْ تحرك شهوته، وجزم به في «المستوعب» وغيره (و م ش)، كما لو ظن الإنزال معها، وذكره صاحب «المحرر» بلا خلافٍ، ثم إن خرج منه مني أو مذي، فقد سبق أول الباب، وإن لم يخرج منه شيء لم يفطر، ذكره ابن عبد البر (ع) لما سبق، وحكى ابن المنذر عن ابن مسعودٍ: يفطر، وحكاه الخطابي عنه وعن ابن المسيب، وحكاه الطحاوي عن ابن شبرمة، وقاله ابن القاسم المالكي، ويأتي في الغيبة، هل يفطر بها، وبكل محرمٍ؟ ومراد من اقتصر من الأصحاب على ذكر القبلة دواعي الجماع؛ ولهذا قاسوه على الإحرام، وقالوا: عبادة تمنع الوطء، فمنعت دواعيه كالإحرام.



وفي «الكافي»: واللمس، وتكرار النظر، كالقبلة؛ لأنهما في معناها. وفي «الرعاية» - بعد أن ذكر الخلاف في مسألة القبلة -: وكذا الخلاف في تكرار النظر، والفكر في الجماع، فإن أنزل أثم وأفطر، والتلذذ باللمس، والنظر، والمعانقة، والتقبيل سواء. هذا كلامه، وهو معنى «المستوعب»، واللَّمسُ لغير شهوة، كلمس اليد؛ ليعرف مرضها ونحوه، لا يُكرَه (و)، كالإحرام.



------------------------



(210) كلامه - رحمه الله - يدل على أن مسألة بلع النخامة فيها خلاف، وأنه ليس بحرام، ولكن الفقهاء - رحمهم الله - صرحوا أن بلع النخامة حرام على الصائم وغيره؛ لأنها مستقذرة، ولأنها قد تحمل جراثيم من الرئة أو من الدماغ، أو غير ذلك، فيؤدي إلى أضرار في المعدة، لكن الجزم بالتحريم فيه نظر، لا في الصيام، ولا في الإفطار؛ لأنها تشبه الريق، وكثيراً ما يأتي بها الريق بلا إحساس، ولا يلزم الإنسان إذا أحس في حلقه بنخامة أن يتكلف بإخراجها، كما يفعله بعض العوام، بل يتركها إن نزلت إلى الجوف فهي نازلة، وإن خرجت فهي خارجة، أما أن يتكلف جذبها حتى لا يبتلعها فهذا غلط .


(211) أي: أنه لا يكره.
(212) ما ذكره المؤلف من الكراهة أو احتمال عدم الكراهة، هذا فيمن يفعله وحده، إما في بيته، أو في مكتبته، أو ما أشبه ذلك، أما من يفعله أمام الناس فهذا أقل أحواله الكراهة، إن لم نقل بالتحريم؛ لأنه يساء به الظن من وجه، ويقتدي به الجاهل من وجه آخر، فلو فرضنا أن رجلاً طالب علم يمضغ العلك أمام الناس، وأمام الجهال من النساء والصغار، وما أشبه ذلك، فيظن الناس أنه يأكل، ويقولون: لا بأس بالأكل،


ويحلفون بالله أنهم رأوا فلانا يأكل، وهذا مضرة عظيمة، فالمهم أنه ينبغي أن يقيد كلامه - رحمه الله - بما إذا كان الإنسان وحده، وأما بحضور الناس فلا، والعلك الذي يتحلل إلى حبات صغيرة وله طعم هذا لا يجوز إن بلع ريقه، وأما القوي الذي ليس له طعم، ولا يتحلل فهذا الصحيح أنه ليس بمكروه، ولكن كما سبق لا يمضغه أمام الناس.



(213) قوله:«يفتل الخيط» كان الناس في الأول يخيطون بالإبر، فإذا أراد الخياط أن يدخل الخيط في سم الإبرة، فإنه يبله، ويمر به على شفتيه، هذا مراده رحمه الله.


(214) قول المؤلف: «كمن لطخ باطن قدمه بحنظل» الحنظل: نبات مُرٌّ جداً، ويسمى في القصيم: «الشري»، وهو إذا لطخ به القدم أحس الإنسان بطعمه في حلقه، مع أن القدم بعيدة عن الحلق، ويُذكر أنه إذا شوي على النار، ثم داس عليه الإنسان حتى انفجر، فإنه يسهل البطن، يعني: ينفع من كان عنده يُبس في بطنه، ومع ذلك نقول: لو أن الإنسان وطء حنظلة، وأحس بطعمها في حلقه، فإنه لا يفطر؛ لأن القدم لم تجر العادة أن تكون مجرى للطعام، وليست منفذا معتاداً.


(215) وعلى هذا: فينبغي أن يتخلى الإنسان إذا انتهى من السحور، فيخلل أسنانه لئلا يبقى فيها شيء، فإن هذا الشيء إما أن يكون كبيراً فيجد طعمه، وإما أن يكون صغيراً فيخشى أن يخرج ويبتلعه الإنسان.


(216) وهذا يدل على جواز القبلة للصائم بدون تفصيل، وفي هذا الإيماء إلى التعليم بالفعل، وأنه قد يكون أقوى تأثيراً من التعليم بالقول؛ لقوله: «سل هذه» [أخرجه مسلم في الصيام/باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1108).]، يعني: هل أنا أفعله أو لا؟ وفيه دليل على أن الأصل التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما دل الدليل على أنه خاص به، فإن دل الدليل على أنه خاص به عمل به، وإلا فالأصل التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يفيده عموم قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21]، وعلى هذا: فإذا رأيت من بعض أهل العلم أنه إذا عجز عن الجمع قال: هذا خاص به صلى الله عليه وسلم ، فهذا خلاف الأصل.


(217) قوله: «عن أبي هريرة وأبي الدرداء وكذا عن ابن عباس» الظاهر أنه موقوف؛ لأنه حديث متكلم فيه، وضعفه كثير من علماء الحديث.



المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18301.shtml







رد مع اقتباس
  #21  
قديم 03-05-2015, 01:49AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
قال أحمد رحمه الله تعالى ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه



قال أحمد رحمه الله تعالى: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري، ويصون صومه؛ كانوا إذا صاموا، قعدوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحداً ولا يعمل عملاً يجرح به صومه.


قال الأصحاب رحمهم الله: يسن له كثرة القراءة والذكر والصدقة، وكف لسانه عما يُكرَهُ، ويجب كفه عما يحرم من الكذب، والغيبة، والنميمة، والشتم، والفحش، ونحو ذلك (ع)، وذكر بعض أصحابنا وغيرهم قول النخعي: تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحة في غيره، وذكره الآجري وجماعة عن الزهري(218).


ولا يفطر بالغيبة ونحوها، نقله الجماعة (و)، وقال أحمد أيضاً: لو كانت الغيبة تفطر، ما كان لنا صوم. وذكره الشيخ (ع) (219)؛ لأن فرض الصوم بظاهر القرآن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع. وظاهره: صحته إلا ما خصَّهُ دليل. ذكره صاحب «المحرر»، وقال عما رواه الإمام أحمد، والبخاري من حديث أبي هريرة: «مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»: معناه: الزجر والتحذير، لم يأمر من اغتاب بترك صيامه. قال: والنَّهْي عَنْهُ؛ ليسلم من نقص الأجر، ومراده: أنه قد يكثر فيزيد على أجر الصوم، وقد يقل، وقد يتساويان. قال شيخنا: هذا مما لا نزاع فيه بين الأئمة، وأسقط أبو الفرج ثوابه بالغيبة ونحوها.


ومراده ما سبق، وإلا فضعيف(220)، وقيل لأحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم عن قوله في تأويل حديث الحجامة: «كانا يغتابان»، فقال: الغِيبةُ أيضاً أشد للصائم بفطره أجدر أن تفطره الغيبة (221). وذكر شيخنا أن بعض أصحابنا ذكر روايةً ثالثةً: يفطر بسماع الغيبة. وذكر أيضاً وجهاً في الفطر بغيبةٍ، ونميمةٍ، ونحوهما.


فيتوجه منه احتمال: يفطر بكل محرم، ويتوجه احتمال تخريج من بطلان الأذان بكل محرم، وفي «الصحيحين»، من حديث أبي هريرة: «إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفُثْ يومئذٍ ولا يَصْخَبْ، فإن شاتمه أحد أو قاتله، فليَقُلْ: إني امرؤ صائم». واختار ابن حزم: يفطر بكل معصيةٍ، واحتج بأشياء منها: وقال حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عبيدٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس، فقال لهما: «قيآ». فقاءتا قيحاً ودماً ولحماً عبيطاً، ثُمَّ قال: «إن هاتين صامتا عن الحلال، وأفطرتا على الحرام». ورواه أحمد في «مسنده»، عن يزيد، عن سليمان التيمي،

حدثني رجل في مجلس أبي عثمان النهدي، عن عبيدٍ، فذكره. وقال وكيع، عن حماد البَكَّاء، عن ثابت البناني، عن أنس: إذا اغتاب الصائم، أفطر. وعن إبراهيم قال: كانوا يقولون: الكذب يفطِّرُ الصائم. وذكر صاحب «المحرر» أن صاحب «الحلية» ذكر عن الأوزاعي: أن من شاتم، فسد صومه؛ لظاهر النهي.

قال الأصحاب: ويسن لمَنْ شُتم أن يقول: إني صائم. قال في «الرعاية»: يقوله مع نفسه، يعني: يزجر نفسه.


ولا يطلع الناس عليه؛ للرياء. واختاره صاحب «المحرر» إن كان في غير رمضان، وإلا جهر به؛ للأمن من الرياء، وفيه زجر من يشاتمه بتنبيهه على حرمة الوقت المانعة من ذلك. وذكر شيخنا لنا ثلاثة أوجه: هذين، والثالث - وهو اختياره -: يجهر به مطلقاً؛ لأن القول المطلق باللسان، والله سبحانه أعلم(222).




--------------------------



(218) لكن هذا غير صحيح، حتى يقوله المعصوم عليه الصلاة والسلام، أن التسبيح في رمضان خير من ألف تسبيحة في غيره، فيحتاج إلى دليل عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.


وقوله - رحمه الله - يجب اجتناب هذه الأشياء يدل على أن الصيام تربية في الحقيقة، وأن الإنسان إذا صام شهراً كاملاً وقد حجز نفسه عن هذه المحرمات فسوف يتأثر، ويتأقلم، وتختلف حاله، أما حال الكثير من الناس اليوم فالغالب أنه لا يؤثر؛ لأنهم في النهار في أكثره نائمون، وفي الليل ساهرون.


(219) وهذا من تواضع الإمام أحمد - رحمه الله -، فقوله: «لو كانت تُفَطِّر ما كان لنا صوم»، والذي يظن به رحمه الله أنه بعيد عن الغيبة، لكن هذا من باب التواضع.


(220) قوله: «ومراده ما سبق وإلا فضعيف» أي: من الموازنة، يعني: لو قلنا إنه بمجرد ما يغتاب تتسع الغيبة أجر الصيام، لكان هذا قولاً ضعيفاً، ولكن المعادلة هي الحق.


(221) وهذا من التأويل المكروه، الذي يلجأ إليه بعض الناس، إذا كان يعتقد شيئاً فيذهب ويحرف النصوص، ويلوي أعناقها، فالذين قالوا: إن هذين الرجلين الذين كانا يحتجمان إنهما قد اغتابا، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم»، كأنه يقول: أفطر اللذان يغتابان الناس؟ فنقول: سبحان الله! النبي صلى الله عليه وسلم يعلق الحكم على شيء، ونحن نعلقه على شيء آخر،

فنكون قد جنينا على النصوص من وجهين:

الوجه الأول: صرفها عما يراد بها.
والوجه الثاني: إثبات معنى لها، ولماذا لا نقول بدل: «إنهما يغتابان» «إنهما قد أكلا وشربا»؟ إذ لا فرق، بل تأويله إلى أنهما أكلا وشربا أقرب إلى الصواب؛ لأن الغيبة لا تفطر، وكما قال الإمام أحمد - رحمه الله -: إفطارهما بالغيبة أشد من قولنا أنهما يفطران بالحجامة.


وكذلك من قال في كفر تارك الصلاة حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» [أخرجه مسلم في الإيمان/باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (82).] قال: المراد جحد وجوبها. فيقال لهم: سبحان الله العظيم، تلغون ما علق الشارع الحكم عليه، وتأتون بشيء آخر لم يشر إليه ولا إشارة، لكن هذا كله سببه التعصب لما يراه الإنسان، سواءاً تقليداً، أو رأياً رآه وتعصب له، والواجب على الإنسان أن يكون مع الكتاب والسنة، فإن المؤمن إذا قال الله ورسوله أمراً لا يكون له خيرة منه، بل يقول: سمعنا وأطعنا، وهذه آفة وقع فيها علماء أجلاء، بل أحيانا يستدلون بالحديث الواحد على حكمين مختلفين، مثل: نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل» [أخرجه أبو داود في الطهارة/باب النهي عن ذلك (81)؛ والنسائي في الطهارة/ باب ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب (1/130).


وقال الحافظ ابن حجر في «البلوغ» (5): (إسناده صحيح) ا.هـ.]، فأخذوا بالجزء الأول وتركوا الجزء الثاني، وقالوا: للمرأة أن تتوضأ بفضل الرجل، وليس للرجل أن يتوضأ بفضل المرأة، مع أن توضأ الرجل بفضل المرأة قد جاءت به السنة، وتوضأ المرأة بفضل الرجل لم تأت به السنة، وهذا مما يدلك على أن الإنسان كما وصفه الله عز وجل: {إنه كان ظلوماً جهولاً} [الأحزاب: 72] ، تحمل الأمانة لظلمه وجهله، فالواجب علينا أن نتبع النصوص في كل شيء، ولكن لاشك أن النصوص يقيد بعضها بعضاً، ويبين بعضها بعضاً، فنرجع إلى كل نصوص الشريعة قدر المستطاع.



(222) والصواب ما قاله الشيخ - رحمه الله -، فالأقوال ثلاثة:
القول الأول: إذا قاتلك أحد أو سابك وأنت صائم، فقل في نفسك مطلقاً في الفريضة والنافلة: إني صائم، يعني: تردع نفسك أن ترد عليه.
والقول الثاني: التفريق بين الفرض والنفل، فإن كان في فرض فقله بلسانك لا في نفسك؛ لبعد الرياء فيه، وإن كان في نفل فقله في نفسك.


والقول الثالث: أنه يجهر به مطلقاً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فليقل»، والقول إذا أطلق فهو قول اللسان، ثم إن المعنى في كونه يجهر به أقوى وأوضح؛ لأنك إذا قلته في نفسك أو بلسانك سراً، فإن الذي سابك يرى نفسه قد تغلب عليك، فإذا قلت: «إني صائم» عرف أن المانع من مقابلتك إياه هو الصوم، فعرف أن لديك قدرة على مقابلته، لكن يمنعك الصوم، هذه من جهة، ومن جهة أخرى: أن فيه توبيخاً له إن كان يعلم أن صاحبه قد صام، كأنه يقول: كيف تسابني وأنت تعلم أني صائم؟! فالحاصل أن الإنسان إذا سابه أحد أو قاتله وهو صائم فليقل بلسانه حتى يسمع صاحبه: «إني صائم».


المصدر :


http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18302.shtml



رد مع اقتباس
  #22  
قديم 04-05-2015, 01:18AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
يسن تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس




يسن تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس (ع)(223)، وتأخير السحور (ع)، ما لم يَخْشَ طلوع الفجر (و)، ذكره أبو الخطاب، والأصحاب؛ للأخبار؛ ولأنه أقوى على الصوم، وللتحفظ من الخطأ والخروج من الخلاف، وظاهر كلام الشيخ: يستحب السحور مع الشك في الفجر، وذكر أيضا قول أبي داود: قال أبو عبدالله: إذا شك في الفجر، يأكل حتى يستيقن طلوعه. وأنه قول ابن عباس، وعطاء، والأوزاعي. قال أحمد: يقول الله تعالى: {وكلوا واشربوا} الآية [البقرة: 187]، وذكر الشيخ أيضاً قول رجل لابن عباس: إني أتسحر فإذا شككت، أمسكت، فقال ابن عباس: كُلْ ما شككت حتى لا تشك. وقول أبي قلابة: قال الصدِّيقُ رضي الله عنه، وهو يتسحر: يا غلام أجِفْ حتى لا يفجأنا الفجر، رواه سعيد، ولا يعرف لهما مخالف، ولعل مراد غير الشيخ: الجواز، وعدم المنع بالشك، وكذا جزم ابن الجوزي وغيره أنه يأكل حتى يستيقن، وأنه ظاهر كلام أحمد، وكذا خص الأصحاب المنع بالمتيقن، كشكه في نجاسة طاهرٍ. وقال الآجري وغيره: لو قال لعالمَيْن: ارقبا الفجر، فقال أحدهما: طلع. وقال الآخر: لا، أكل حتى يتفقا، وأنه قول أبي بكر، وعمر، وابن عباسٍ، وغيرهم(224)، واحتج من لم ير صوم يوم ليلة الغيم بالأكل مع الشك في الفجر، وأجاب القاضي وغيره؛ بأن البناء على الأصل هنا لا يسقط العبادة، والبناء على الأصل في مسألة الغيم يسقط الصوم، وللمشقة هنا؛ لتكراره، والغيم نادر(225)،


واقتصر صاحب «المحرر» في الجواب على المشقة مع ما في الغيم من الخبر(226)، وذكر ابن عقيل في «الفصول»: إذا خاف طلوع الفجر، وجب عليه أن يمسك جزءاً من الليل؛ ليتحقق له صوم جميع اليوم، وجعله أصلاً لوجوب صوم يوم ليلة الغيم، وقال: لا فرق. ثم ذكر هذه المسألة في موضعها، وأنه لا يحرم الأكل مع الشك في الفجر، وزاد: بل يستحب. كذا قال(227).



وفي «المستوعب» و«الرعاية»: الأولى أن لا يأكل مع شكه في طلوعه. وكذا جزم صاحب «المحرر» مع جزمه بأنه لا يُكرَه.
ولا يستحب تأخير الجماع (و)؛ لأنه لا يتقوى به، ويُكرَه مع الشك في الفجر، ولا يُكرَه الأكل والشرب مع الشك فيه. نص على المسألتين(228).


ولا يجب إمساك جزء من الليل في أوله وآخره، في ظاهر كلام جماعة، وهو ظاهر ما سبق أو صريحه(229)، وذكر ابن الجوزي أنه أصح الوجهين (م ر)، وقطع جماعة بوجوبه في أصول الفقه وفروعه، وأنه مما لا يتم الواجب إلا به، وذكره في «الفنون» وأبو يعلى الصغير وفاقاً في صوم ليلة الغيم، وهذا يناقض ما ذكروه هنا، وذكره القاضي في «الخلاف» في النية من الليل ظاهر كلام أحمد، وأنه مذهبنا؛ لئلا يفوت بعض النهار عن النية، والصوم يدخل فيه بغير فعله، فلا يمكنه مقارنة النية حال الدخول فيه، بخلاف الصلاة. كذا قال، وسبق في النية من الليل.


والمراد بالفجر الصادق، وهو البياض المعترض، فيحرم الأكل وغيره بطلوعه (و) في قول عامة العلماء؛ لحديث عدي بن حاتمٍ في قوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} [البقرة: 187] «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار». ولحديث ابن عمر وعائشة: «إن بِلالاً يؤذن بلَيْل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أُمِّ مكتومٍ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر».


متفق عليهما. ولأحمد، ومسلمٍ، وأبي داود عن عائشة، أن رجلاً قال: يا رسول الله، تدركني الصلاة، وأنا جنب فأصوم؟ فقال: «وأنا تدركني الصلاة، وأنا جنب، فأصوم»، فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي»، يدل على أن وقت صلاة الفجر من وقت الصوم، وذكر أحمد في رواية عبد الله قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعنكم من السحور أذان بلال والفجر المستطيل». وقال عن قيس بن طلق، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الفجر الأبيض المُعْتَرِضَ، ولكنه الأحمر».


كذا وجدته، ولفظه في «مسنده»: «ليس الفجر بالمستطيل في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر». ولأبي داود، والترمذي – وقال: حسن غريب:- «كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر». فيحتمل أن أحمد قال به، وأنه رواية عنه، ولكن قيس عنده ضعيف.



وعن عاصم عَنْ زر: قلت لحُذيفةَ: أي ساعة تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع». رواه ابن ماجه، ورواه النسائي أيضاً من حديث شعبة عن عدي بن ثابتٍ عن زر، وعن أبي يعفور عن إبراهيم عن صلة ولم يرفعاه، وقال: لا نعلم أحداً رفعه غير عاصم، فإن كان رفعه صحيحاً، فمعناه: أنه قرب النهار، ولفظ أحمد: قلت: أبعد الصبح؟ قال: نعم، هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس. وعاصم في حديثه اضطراب ونكارة، فرواية الإثبات أولى، وقال ابن عمر: إن ابن أم مكتوم كان لا يؤذِّنُ حتى يقال له: أصبحْتَ أصبحْتَ. متفق عليه، ومعناه: قَرُبَ الصُّبحُ، وعن أبي هريرة مرفوعاً: «إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» رواه أبو داود، فمعناه: أنه لم يتحقق طلوع الفجر، وقال: مسروق. لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق. ذكره ابن المنذر وغيره، فإن صح، فهو رأي طائفة، مع احتمال معناه تحقق طلوع الفجر(230).


والمذهب: له الفطر بالظن (و)؛ لأن الناس أفطروا في عهده صلى الله عليه وسلم ، ثم طلعت الشمس، وكذا أفطر عمر، والناس في عهده كذلك، ولأن ما عليه أمارة يدخله التحري، ويُقبلُ فيه قول الواحد، كالوقت والقِبْلةِ، بخلاف الصلاة.


وقال في «التلخيص»: يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم، ولا يجوز في آخره إلا بيقين، ولو أكل ولم يتيقَّنْ، لزمه القضاء في الآخر، ولم يلزمْهُ في الأول، وقاله بعض الشافعية(231).


وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى، أفطر الصائم حكماً وإن لم يَطعَمْ، ذكره في «المستوعب» وغيره، وقوله عليه السلام: «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»(232)، أي: أفطر شرعا، فلا يثاب على الوصال، كما هو ظاهر «المستوعب»، وقد يحتمل: أنه يجوز له الفطر.


والعلامات الثلاث(233) متلازمة، ذكره في «شرح مسلم» عن العلماء، وإنما جمع بينها؛ لئلا يشاهد غروب الشمس، فيعتمد على غيرها، كذا قال، ورأيت بعض أصحابنا يتوقف في هذا، ويقول: يقبل الليل مع بقاء الشمس؟ ولعله ظاهر «المستوعب»، والله أعلم (234).


والفطر قبل الصلاة أفضل (و)؛ لفعله عليه السلام، وكان عمر وعثمان رضي الله عنهما لا يفطران حتى يصليا المغرب، وينظرا إلى الليل الأسود(235). رواه مالك.
ولا يجب السحور، حكاه ابن المنذر وغيره (ع) (236).


وتحصل فضيلة السحور بأكلٍ أو شربٍ لحديث أبي سعيدٍ: «ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماءٍ». وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف، رواه أحمد وغيره، ورواه ابن أبي عاصمٍ وغيره من حديث أنس من رواية عبدالرحمن بن ثابتٍ، قال العقيلي: لا يُتابَعُ عليه. فيتوجه: أن يخرج القول بهذا على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل، وقد سبق في صلاة التطوع، ولأحمد من حديث جابرٍ: «مَنْ أراد أن يصوم، فليتسحَّرْ ولو بشيءٍ».


قال صاحب «المحرر» - والظاهر: أنه مراد غيره -: وكمال فضيلتِهِ بالأكل؛ لحديث عمرو بن العاص: «إن فصْلَ ما بين
صيامنا، وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» رواه أحمد ومسلم وغيرهما.



ويسن أن يفطر على الرُّطَبِ، فإن لم يجِدْ، فعلى التمر، فإن لم يجد، فعلى الماء، لفعلِهِ صلى الله عليه وسلم ، رواه أحمد وأبو داود، والترمذي وحسنه، من حديث أنسٍ، ورواه أيضاً وصحَّحَه الترمذي، من حديث سلمان الضبي: «إذا أفطر أحدكم، فليُفْطِر على تمرٍ، فإن لم يجِدْ، فعلى ماءٍ، فإنه طهور»(237).


وأن يدعو عند فطرِهِ، روى ابن ماجه، والترمذي وحسَّنَه، من حديث أبي هريرة: «ثلاث لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم». ولابن ماجه من حديث عبدالله بن عمرو: «للصائم عند فطره دعوة لا تُرَدُّ». واقتصر جماعة على قول: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم». رواه الدارقطني، من حديث أنسٍ، ومن حديث ابن عباسٍ، وفيهما: «تقبل منا». وذكره أبو الخطاب وغيره، وهو أولى، وذكر بعضهم أيضاً قول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله». رواه أبو داود، والنسائي، والدارقطني، وقال: إسناده حسن. والحاكم، وقال: على شرط البخاري. والعمل بهذا الخبر أولى(238).


«ومن فطَّرَ صائماً، فله مثل أجره من غير أن يَنقُص من أجره شيء». صحَّحَه الترمذي من حديث زيد بن خالد، وظاهر كلامهم: مِنْ أي شيء كان، كما هو ظاهر الخبر، وكذا رواه ابن خزيمة من حديث سلمان الفارسي، وذكر فيه ثواباً عظيماً إن أشبعه، وقال شيخنا: مراده بتفطيره أن يشبعه (239).



-----------------------------



(223) قوله رحمه الله: «إذا تحقق غروب الشمس إجماعا» فينبغي للإنسان أن يبادر حين تسقط الشمس، ويسقط حاجبها الأعلى، فيفطر، سواء أَذَّنَ أم لم يُؤَذِن، لكن إذا ظن غروب الشمس، فهل يفطر أو لا يفطر؟ نقول: يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أفطروا في يوم غيم ظانين غروب الشمس، ثم طلعت الشمس بعد إفطارهم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء [أخرجه البخاري في الصوم/باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (1959).].


وهذا يدل على جواز الإفطار إذا غلب على ظنه، لكن لابد من قرائن: كظلمة الجو، ووجود مانع يمنع من رؤية الشمس، أما مجرد أن يكون مثلاً في الغرفة، أو في الحوش، فيظن أن الشمس غربت، فهذا ليس مبنياً على أصل.



(224) هذا القول هو الراجح، وهو: أنه لا يحرم الأكل والشرب مع الشك في طلوع الفجر، وأن للإنسان أن يأكل حتى يتيقن، كذلك أيضاً إذا قال لشخصين عالمين عارفين بالفجر: أرقبا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع، وقال الآخر:لم يطلع، فله أن يأكل ويشرب حتى يتفقا، وبناءاً على ذلك فاختلاف التقاويم الآن لنا أن نأخذ بالأخير؛ لأنهما لم يتفقا إلا على آخِر واحد، والعجيب أنه يقول: «وأنه قول أبي بكر وعمر وابن عباس وغيرهم».


(225) هذا جواب للتعصب فقط، وجواب القاضي ضعيف جداً، إذ لا فرق؛ لأن الأصل بقاء شعبان، فإذا حال دون رؤية الهلال غيم أو نحوه فالأصل أن نبني على أن شعبان باق ولم يدخل رمضان، وكذلك في الفجر، فإذا شككنا فإننا نأكل حتى نتيقن.


(226) الخبر سبق أنه لا دليل فيه، ومعنى: «اقدروا له» فسرته السنة نفسها، أي: «أكملوا عدة شعبان ثلاثين».
(227) هذا اختلاف قولين، والعالم المجتهد ربما يكون له قولان متناقضان، كان في الأول يقول: يجب عليه أن يمسك، وفي الثاني يقول: لا يحرم الأكل، وعليه فلا يجب الإمساك.


(228) والصحيح أنهما سواء، وأن له أن يجامع مع الشك في طلوع الفجر؛ لأن الله عز وجل قال: {فالئن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة:187]، فكيف نفرق بين ثلاث مسائل قد جمع الله بينها؟ فالصواب أنه لا فرق، وأنه لو جامع شاكا في طلوع الفجر، ثم تبين له أثناء الجماع طلوع الفجر، فإنه ينزع في الحال، ولا شيء عليه.


(229) لا شك أنه لا يجب إمساك جزء من الليل قبل طلوع الفجر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {حتى يتبين لكم} [البقرة:187]، ومعناه: أن الليل كله أكل وشرب، وكذلك بالنسبة للغروب، فإذا رأينا أن الشمس قد غربت وسقط قرصها فنأكل ونشرب.


(230) الصواب أن له أن يأكل ويشرب حتى يتبين الفجر، وإذا تبين الفجر وجب الإمساك؛ لقوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187]، هذا كلام الله تعالى، ولا قول لأحد بعد هذا، وهؤلاء الذين اجتهدوا وقالوا: إن له أن يأكل حتى يملأ الفجر البيوت، أو ما لم تطلع الشمس، وما أشبه ذلك، يكون رأياً اجتهادياً مردوداً، فإن الآية صريحة في هذا، وكيف نقول: لك أن تأكل حتى يملأ الفجر البيوت، والله يقول: {حتى يتبين لكم} [البقرة: 187]؟! فالصواب أنه لا يأكل.


بقي مسألة، وهي: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» [أخرجه أبو داود في الصوم/باب في الرجل يسمع الأذان والإناء على يده (2350)]، فهل نقول: بأن المؤذن قد تعجل وأذن قبل الوقت فرخص في الشرب؟ وهل مثل ذلك لو أذن واللقمة في فمه، فهل له أن يبتلعها؟ الظاهر: نعم، وأنها مثل الشرب أو أولى مادامت في فمه، وهذا أبلغ من كون الإناء في يده في مسألة الشرب، ولعل هذا - والله أعلم - لأن الفجر خفي، يعني: ليس كالشمس إذا غربت، فالشمس إذا غربت تُرى وتُعرف أنها غابت أو لم تغب، أما الفجر فيطلع شيئا فشيئا، ولا يمكن إدراكه بالتأكيد، فلهذا رخص للإنسان إذا كان الإناء في يده أن يشرب حتى يروى، وإذا كانت اللقمة في فيه أن يأكلها، هذا إذا كان المؤذن يؤذن على طلوع الفجر، أما إذا كان يؤذن على التقويم الذي قد يخالفه من يخالفه ممن شاهدوا الفجر، كما شهد عندنا جماعة أنهم يقولون: إننا شاهدنا الفجر في جميع فصول السنة، ووجدنا أن التقويم متقدم، فبعضهم يبالغ حتى ثلث ساعة -ولكن هذه مبالغة-، وبعضهم ربع ساعة، أو عشر دقائق، فالمهم أن الأمر - والحمد لله – واسع، فإذا كان أذان المؤذن على حسب التقويم فلنا أن نأكل ونشرب حتى يتم الأذان، ولكن بعض المؤذنين جزاهم الله خيراً يتأخرون خمس دقائق عن التقويم.


(231) و هذه الخلافات لا قول لها مع وجود السُنة، والسُنة مقدمة على كل شيء، وهو أنه يجوز أن يفطر بغلبة الظن،
ثم إن تبين أنه أخطأ فهو جاهل، فلا قضاء عليه.



(232) هنا الحديث: «فقد أفطر الصائم» فهل المعنى: فقد حلّ له الفطر، أو المعنى فقد أفطر حكماً ولا ثواب له بعد ذلك؟ المسألة خلافية وهذا يدل على أن العمل قد يكون جائزاً وليس بمستحب ولا مشروع، ووجه الجواز أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لهم الوصال إلى السحر، ولو كان الوصال حراماً لم يواصل بهم، ولم يأذن لهم في الاستمرار.


(233) «العلامات الثلاث» هي: الأولى: إقبال الليل من المشرق، والثانية: إدبار النهار من المغرب، والثالثة: غروب الشمس.
وقوله: «متلازمة» أي: ليس معناه أن الشمس تغيب من انقضاء الليل من المشرق، ولكن - كما هو مشاهد - ترى الليل أسود من جهة المشرق، والشمس لا تزال باقية، ولهذا قال: «وغربت الشمس» لئلا يظن الظان أنه بمجرد إقبال الليل، وإدبار النهار يفطر الصائم.


(234) هذا شيء مشاهد، وليس فيه إشكال، فيقال: إذا أقبل الليل من المشرق، وأدبر النهار من المغرب، فتحر الغروب.
(235) وفعل عمر وعثمان رضي الله عنهما اجتهاد، أو لسبب لا نعلمه، يعني: قضية عين، والمرجع في هذا إلى السُنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [أخرجه البخاري في الصوم/باب تعجيل الإفطار (1957)؛ ومسلم في الصيام/باب فضل السحور (1098).] فعليه نقول: الأفضل للإنسان المبادرة بالإفطار إذا تحقق غروب الشمس، إن شاهدها، أو غلب على ظنه فيما إذا حال دون رؤيتها غيم أو نحوه.


(236) وهذا الإجماع يمنع القول بالوجوب المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» [أخرجه البخاري في الصوم/باب بركة السحور من غير إيجاب (1923)؛ ومسلم في الصيام/ باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر (1095).] ، وقوله: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [أخرجه مسلم في الصيام/ باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر (1096).] يعني: في الصيام، وهذا ظاهره أن السحور واجب، لكن مادام الإجماع على أنه ليس بواجب، فلا يمكن مخالفة الإجماع.


(237) قوله صلى الله عليه وسلم: «فعلى ماء فإنه طهور» فإذا عُدم الرطب والتمر ووجد حلوى وماءاً فيقدم الماء، هكذا رتبها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا لم يجد ماءاً ووجد حلوى وخبزاً، فيقدم الحلوى، وإذا لم يجد شيئاً فينوي الإنسان الفطر، والعوام من الناس يقولون: يمص الأصبع، وبعضهم يقول: تَبِل الثوب أو الغترة ثم تمصه، وهذا من فقه العوام، وليس من فقه العلماء، وهذا لا أصل له، ولا صحة له، بل يقال: تنوي أنك أفطرت، ومتى يسر الله لك الأكل والشرب فكل واشرب.


وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم الرطب أولاً، ثم التمر؛ لأن الرطب لين وسريع الهضم،
وسريع الامتصاص، فيمتصه الدم.



(238) وهذا الخبر الأخير لا يقال إلا في أيام الحر؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ذهب الظمأ» يدل على أن هناك ظمأً، وكذلك قوله «وابتلت العروق» يدل أيضا على أن العروق ناشفة، ولا تنشف إلا في أيام الصيف، أما «وثبت الأجر» فهذا يقال في الصيف والشتاء، ويدعو الإنسان بما يحب من الدعاء من أمور الدين والدنيا؛ لأنه يرجى الإجابة في هذا الوقت، ولاسيما أنه في آخر النهار، ولاسيما إذا كان في نهار الجمعة وهو ينتظر أذان المغرب.


(239) لكن كلام الشيخ هنا خلاف ظاهر النص؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائماً» يقتضي: ولو بشربة ماء، ولاسيما أنه في الحديث الثاني ذكر ثواباً عظيماً إن أشبعه، فالصواب أنه يحصل هذا بأدنى ما يحصل به الفطر.


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18303.shtml







رد مع اقتباس
  #23  
قديم 04-05-2015, 01:41AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
من أكل شاكا في غروب الشمس



من أكل شاكا في غروب الشمس(240) ودام شكه، أو أكَلَ يظن بقاء النهار، قضى (ع) (241)، وإن بان ليلاً، لم يقض، وعبارة بعضهم: صح صومه. وإن أكل يظن الغروب، ثم شك ودام شكه، لم يقض. وإن أكل شاكّاً في طلوع الفجر. ودام شكه، لم يقض (م)، وزاد: ولو طَرَأ شكه؛ لما سبق في الفصل قبله، ولأن الأصل بقاء الليل، فيكون زمان الشك منه، وإن أكل يظن طلوع الفجر، فبان ليلاً، ولم يجدد نية صومه الواجب، قضى، كذا جزم به بعضهم، وما سبق من أن له الأكل حتى يتيقن طلوعه، يدل على أنه لا يمنع نية الصوم وقصده غير اليقين، والمراد - والله أعلم - اعتقاد طلوعِهِ، ولهذا فرض صاحب «المحرر» هذه المسألة فيمن اعتقده نهاراً، فبان ليلاً؛ لأن الظَّانَّ شاك، ولهذا خصوا المنع باليقين، واعتبروه بالشك في نجاسة طاهر، ولا أثر للظن فيه، وقد يحتمل أن الظن والاعتقاد واحد، وأنه يأكل مع الشك والتردُّدِ ما لم يظن ويعتقد النهار.


وإن أكل يظن أو يعتقد أنه ليل، فبان نهاراً في أوله أو آخره، فعليه القضاء (و)؛ لأن الله أمر بإتمام الصيام، ولم يتمه، وقالت أسماء: أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم، ثم طلعت الشمس. قيل لهشام بن عروة - وهو راوي الخبر -:أمروا بالقضاء؟ قال: لا بُدَّ من قضاء. رواه أحمد والبخاري، ولأنه جهل وقت الصوم فهو كالجَهْلِ بأول رمضان(242)، وصوم المطمور ليلاً بالتحري، بل أولى؛ لأن إمكان التحرز من الخطأ هنا أظهر، والنسيان لا يمكنه التحرُّزُ منه، وكذا سهو المصلي بالسلام عن نَقْصٍ، ولا علامة ظاهرة، ولا أمارة سوى عِلمِ المصلي، وهنا علامات، ويمكن الاحتياط والتحفُّظُ، وتأتي رواية(243): لا قضاء على من جامع جاهلاً بالوقت، واختاره شيخنا، وقال: هو قياس أصول أحمد وغيره.


وسبق قوله فيمن أفْطَرَ، فبان رمضان، واختار صاحب «الرعاية»: إن أكل يظن بقاء الليل، فأخطأ، لم يقض؛ لجهلِهِ، وإن ظن دخوله، فأخطأ، قَضَى، وصح عن عمر - رضي الله عنه - في الصورة الثانية روايتان، إحداهما: القضاء والأمر به. والثانية: لا نقضي ما تجانَفْنا لإثمٍ. وقال: قد كنا جاهلين. فعلى هذا: لا قضاء في الصورة الأولى. وقاله فيهما الحسن، وإسحاق، والظاهرية. وقاله في الأولى مجاهد، وعطاء، وبعض الشافعية، والله أعلم.


ولو أكل ناسياً، فظن أنه قد أفطر، فأكل عمداً، فيتوجه أنها مسألة الجاهل بالحكم، فيه الخلاف السابق. وقال صاحب «الرعايةِ»: يصح صومه، ويحتمل ضِدُّه، كذا قال(244).



--------------------------



(240) قوله: «من أكل شاكاً في غروب الشمس» هنا يقضي بالإجماع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا» وأشار إلى المشرق، «وأدبر النهار من هاهنا» وأشار إلى المغرب، «وغربت الشمس» [سبق تخريجه] ، أما قبل غروبها فلا يجوز مع الشك، والظن درجة فوق الشك.


(241) قوله: «أو أكل يظن بقاء النهار» هنا يقضي، وفيه مسائل: من أكل وهو يظن بقاء النهار، فهذا لاشك أنه يقضي، ومن أكل وهو يجزم ببقاء النهار، فهذا يقضي، وإذا أكل شاكاً في بقاء النهار أيضاً يقضي، وإذا أكل جازماً بزوال النهار لا يقضي، وإذا أكل ظاناً زوال النهار، لا يقضي على القول الراجح، حتى وإن تبين له أنه في النهار.


(242) قوله: «بد من قضاء» أي: لا بد من القضاء، هذا رأي هشام بن عروة، وأبوه أعلم منه؛ لأن أباه عروة أحد الفقهاء السبعة في المدينة، قال: إنهم لم يقضوا، وقول هشام رحمه الله: «بد من قضاء» واضح أنه قاله تفقهاً من عنده، ولكن الصحيح أنهم لم يأمروا بالقضاء، وأن صيامهم صحيح؛ لأنه داخل في عموم قوله سبحانه وتعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286] ، فقال الله تعالى: «قد فعلت» [سبق تخريجه].


(243) وهذه رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله -، وهو أنه لا قضاء على من جامع جاهلاً بالوقت، مع أن الجماع هو أشد أنواع المفطرات، وهذه الرواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - هي الصواب بلا شك، الموافقة لظاهر الكتاب والسنة.


(244) هذه المسألة تقع، وهي: من أكل ناسياً فظن أنه فسد صومه، فاستمر في الأكل، في الصورة الأولى ليس عليه القضاء، بنص الحديث: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» [أخرجه البخاري في الصوم/باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا (1933)؛ ومسلم في الصيام/باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1155).] ، لكن من أكل وهو يظن أنه أفطر فهنا لا يفسد صومه بالأكل الثاني، وتأتي مسألة الجهل بالحكم، والصواب أنه لا فطر مع الجهل بالحكم، وعلى هذا فلا فطر عليه، وحكى لنا أُناس صورة شبه هذه في زمن سبق، وهي: أن شخصاً اشترى عنباً لأهله في رمضان، وحمله على رأسه وهو صائم، وجعل يأكل ويأكل، فانتهت العناقيد، فلما بقي حبة واحدة، قال: إن كنت أفطرت بما سبق فهذه تكمل الفطر، وإن كنت لم أفطر فهذه لن تضر بالصيام، فأكلها! فهذا حكمه أنه جاهل، جاهل, فعلى القول بأن الجهل بالحكم لا يكون به فطر نقول: إن هذا صيامه صحيح، لكن قد يقال: إن هذا أخطأ من وجه، وفرط، و يجب عليه أن يسأل، فيكون هذا الاجتهاد في غير موضعه.


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18304.shtml







رد مع اقتباس
  #24  
قديم 04-05-2015, 02:02AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
من جامَعَ في صوم رمضان بلا عذر




من جامَعَ في صوم رمضان بلا عذرٍ، لزمه القضاء والكفارة (و)، ومرادهم: ما صرَّحَ به غير واحدٍ بذَكَرٍ أصلي(245)، في قُبُلٍ أصلي، أنْزَلَ أم لا؛ لأنه مَظنَّةُ الإنزال، أو لأنه باطن كالدُّبرِ، كما سبق في الاستنجاء، وأنه لو أولج خنثى مشكِلٌ ذَكَرَه في قُبُلِ خنثى مثله، أو قُبُل امرأة، أو أولج رجل ذكَرَه في قبل خنثى مشكل، لم يَفْسُدْ صوم واحد منهما إلا أن ينزل، كالغسل، وأن الخَصِيَّ كغيره إن أولَجَ، وللشافعي قول: لا يقضي مَنْ جامع كجماع زائد، أو به بلا إنزال. وعن سعيد بن جبير، والنخعي: لا كفارة أيضاً. وقال الأوزاعي: إن كفر بالصوم لم يقض، وإلا قضى. ويأتي قول شيخنا في فصل القضاء.


والناسي كالعامد، نقله الجماعة، واختاره الأصحاب (و م) والظاهرية، وعنه: لا يكفِّرُ، اختاره ابن بطة (و م ر). وعنه: لا يقضى. اختاره الآجري، وأبو محمد الجوزي، وشيخنا (و هـ ش)، وذكره في «شرح مسلم» قول جمهور العلماء(246).


وكذا من جامَعَ يعتقده ليلاً، فبان نهاراً، يقضي، جزم به الأكثر، وجعله جماعة أصلاً للكفارة.
وفي «الرعاية» رواية: لا يقضي. واختاره شيخنا، وتأتي رواية ابن القاسم، وهل يكفِّرُ - كما اختاره أصحابنا - قاله صاحب «المحررِ»، وأنه قياس من أوجبها على الناسي وأولى، أم لا يكفِّرُ (و)؟ فيه روايتان، وعلى الثانية: إن علم في الجماع أنه نهاراً، ودام عالماً بالتحريم، لزمته الكفارة؛ بناء على من وطئ بعد إفساد صومه، على ما يأتي.


وإن أكل ناسياً، واعتقَدَ الفطر به، ثم جامع، فكالناسي والمخطئ، إلا أن يعتقد وجوب الإمساك، فيكفر في الأشهر، كما يأتي(247). وكذا من أتى بما لا يفطر به، فاعتقد الفطر، وجامع (و م ش) خلافاً للحنفية في الاحتلام، وذرع القيء، لا يكفِّرُ؛ للاشتباه بنظيرهما، وهو إخراج القيء والمني عمداً.


والمُكرَهُ كالمختار (وم) في ظاهر المذهب، ونقل ابن القاسم: كل أمر غُلبَ عليه الصائم، فليس عليه قضاء ولا كفارة. قال الأصحاب: وهذا يدل على إسقاط القضاء مع الإكراه والنسيان. قال ابن عقيلٍ في «مفرداته»: الصحيح في الأكل والوطء إذا غُلبَ عليهما، لا يفسدان، فأنا أخرِّجُ في الوطء روايةً من الأكل، وفي الأكل روايةً من الوطء. وقيل: يقضي من فعل، لا من فعل به من نائمٍ وغيره (وق). وقيل: لا قضاء مع النوم فقط، وذكره بعضهم نص أحمد فيه؛ لعدم حصول مقصوده. وإن فسد الصوم بذلك؛ فهو في الكفارة كالناسي (وش). وقيل: يرجِعُ بالكفارة على من أكْرهه، وقيل: يكفِّرُ من فعل بالوعيد.


والمرأة المطاوعة يفسُدُ صومها، وتكفِّرُ (و هـ م ق) كالرجل، وعنه: لا كفارة عليها (وش)؛ لأن الشارع لم يأمرها بها، ولفطرها بتغييب بعض الحشفة، فقد سبق جماعها المعتبر، ومنع هذا صاحب «المحرر»؛ لأنه ليس لهذا القدر حكم الجوف والباطن، ولذلك يجب، أو يستحب غسله من حيض وجنابة ونجاسة، وعنه: تلزمه كفارة واحدة عنهما (وق)، خرجهما أبو الخطاب من الحج، وضعفه غير واحد؛ لأن الأصل عدم التداخل.


وإن طاوعته أم ولده، صامَتْ، وقيل: يكفِّرُ عنها، ويفسُدُ صوم المكرهة على الوطء. نص عليه (و هـ م). وعنه: لا (وق). وقيل: يفسد، إن فعَلَتْ، لا المقهورة والنائمة (وق). وأفسد ابن أبي موسى صوم غير النائمة؛ لحصول مقصود الوطء لها، ولا كفارة في حق المكرهة إن فسد صومها، في ظاهر المذهب. نص عليه(و)، وذكر القاضي روايةً: تكفِّرُ، وذكر أيضاً أنها مخرَّجةٌ من الحج (و م) في المستيقظة، وعنه: ترجع بها على الزوج؛ لأنه الملجِئُ لها إلى ذلك. وقال ابن عقيلٍ: إن أُكرِهَتْ حتى مكَّنَتْ، لزمَتْها الكفارة، وإن غُصِبَتْ، أو كانت نائمةً، فلا.


وإن جامَعَتْ ناسيةً، فكالرجل (و) ذكره القاضي؛ لأن عُذْرَها بالإكراه أقوى. وقال أبو الخطاب وجماعة: لا كفارة عليها، وهو أشْهَرُ (و)؛ لقوة جَنَبَةِ الرجل. ويتخرَّجُ: أن لا يفسُدَ صومها مع النِّسيانِ، وإن فسَدَ صومه؛ لأنه مُفْسِدٌ لا يوجب كفارةً، كالأكل. وكذا الجاهلة ونحوها، وعنه: يكفَّرُ عن المعذورة بإكراهٍ، أو نسيانٍ، وجَهْلٍ، ونحوها، كأم ولده إذا أكْرَهها. والمراد: وقلنا: تلزمها الكفارة.


ولو أكره الزوجة على الوطء دفَعَتْهُ بالأسهل فالأسهل، ولو أفضى إلى نَفْسِهِ،
كالمار بين يدي المصلي، كذا ذكَرَه في «الفنون».



والوطء في الدبر كالقُبُلِ، يقضي، ويكفِّرُ (و)، ويتوجه فيه تخريج من الغُسْلِ، ومن الحَدِّ، وقد قاس جماعة عليهما،
لكن يفسُدُ صومه، إن أنزَلَ (و)، وعن أبي حنيفة رواية: لا كفارة.



وإن أولَجَ في بهيمة فكالآدمية. نص عليه، احتج الأصحاب بوجوب الغسل، وسواء وجب الحد كالزنا، أو لا، كالزوجة والأمة، وخرَّجَ أبو الخطاب في الكفارة وجهين، بناءً على الحد، وكذا خرجه القاضي رواية، بناءً على الحد، ويأتي قول ابن شهابٍ: لا يجب بمجرَّدِ الإيلاج فيه غُسْلٌ (و هـ)، ولا فطْرٌ (و هـ)، ولا كفَّارةٌ (و هـ). كذا قال، وإن أولَجَ في ميت، فكالحي، وسبق وجه في الغُسْل، وقيل هنا: في آدمي حي، أو ميت، أو بهيمٍ حي، وقيل: أو ميت، كذا قيل. وفي «المستوعب»: إن أولَجَ في بهيمة، أو آدمي ميت، ففي الكفارة وجهان(248).


ومن طَلَعَ عليه الفجر وهو مجامع، فاستدام، فعليه القضاء (و)، والكفارة (هـ)؛ لأنه مَنَعَ صحة الصوم بجماع أثم فيه؛ لحرمة الصوم، كمن وَطئَ في أثناء النهار، ولأنه لو جامع في النهار ناسياً، ثم ذكَرَ، واستدام، قضى، وكفَّرَ، وإنما أفسد صومه بالاستدامة دون الابتداء عند الحنفية، ولم يوجبوا عليه كفارة، وأما الحد على مجامع طلَّقَ ثلاثاً ودام فإنه يَجبُ في وجه، ثم الحد عقوبة محضة يسقط بالشبهة، بخلاف الكفارة، وقاس غير واحد على من استدام الوطء حال الإحرام، وإن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر، فكذلك عند ابن حامد، والقاضي؛ لأن النَزْعَ جماع يلتذ به كالإيلاج، بخلاف مجامع حلف لا يجامع، فنزع؛ لتعلق اليمين بالمستقبل، أول أوقات الإمكان، وقال أبو حفص: لا قضاء عليه، ولا كفارة (و هـ ش).


وذكر القاضي: أن أصل ذلك اختلاف الروايتين في جواز وطء من قال لزوجته: إن وطِئْتُك، فأنت علي كظَهْر أُمِّي، قبل كفارة الظهار، فإن جاز، فالنَّزْعُ ليس بجماع، وإلا كان جماعاً. وقال ابن أبي موسى: يقضي قولاً واحداً، وفي الكفارة عنه خلاف. قال صاحب «المحررِ»: وهذا يقتضي روايتين: إحداهما: يقضي فقط، قال: وهو أصح عندي (و م)؛ لحصوله مجامعاً أول جزء من اليوم أُمرَ بالكَفِّ عنه بسبب سابق من الليل، فهو كمَنْ ظنه ليلاً، فبان نهاراً، لكن لما كان ذلك على وجه فيه عذر، صار كوطء الناسي، ومن ظنه ليلاً(249)، وفي الكفارة بذلك روايتان، كذا هذا.



ومن جامَعَ وهو صحيح، ثم مرض، لم تَسْقُط الكفارة عنه. نص عليه (هـ ق)، أو جُنَّ (هـ ق)، أو حاضت المرأة (هـ ق)، أو نَفسَتْ (هـ ق)؛ لأمره عليه السلام الأعرابي بالكفارة، ولم يسأله، وكما لو سافر (و)، وقولهم: لأنه لا يبيح الفطر ممنوع، ويؤثِّرُ عندهم في منع الكفارة، ولا يُسقطُها بعد وجوبها، تفرقةً بين كونه مقارناً وطارئاً، ولا يقال: تبينا أن الصوم غير مستحق عند الجماع؛ لأن الصادق لو أخبره أنه سيمرض، أو يموت، لم يَجُزْ الفطر، والصوم لا تتحرى صحته، بل لزومه، كصائم صح، أو أقام. وفي «الانتصار» وجه: تسقط بحيض ونفاس (و ق)؛ لمنعهما الصحة، ومثلهما موت، وكذا جنون إن منع طَرَآنُه الصحة، وأشهر أقوال الشافعي كقولنا (و م)(250).


ومن وطئ ثم كفر ثم عاد فوطئ في يومه، فعليه كفارة ثانية. نص عليه، لما سبق فيمن استدامه وقت طلوع الفجر، كالحج، وذكر الحلواني روايةً: لا كفارة عليه (و). وخرَّجَه ابن عقيل(251) من أن الشهر عبادة واحدة، وذكره ابن عبد البَرِّ (ع) بما يقتضي دخول أحمد فيه، وإن لم يكفر عن الأول، فكفارة واحدة على الأصح، وذكره الشيخ بغير خلاف، فعلى الأول: تعدد الواجب وتداخل موجبه، ذكره صاحب «الفصول» و«المحرر» وغيرهما، وعلى الثاني: لم يجب بغير الوطء الأول شيء، وكذا كُلُّ واطئٍ يلزمه الإمساك (و)، ونص أحمد في مسافر قدم مُفْطراً، ثم جاَمَع، لا كفارة عليه. قال القاضي، وأبو الخطاب: هذا على رواية أنه لا يلزمه الإمساك.


واختار صاحب «المحرر» حمله على ظاهره، وهو وجه في كتاب «المُذْهب»؛ لضعف هذا الإمساك؛ لأنه سنة عند أكثر العلماء، وفي «تعليق
القاضي» وجه فيمَنْ لم ينو الصوم: لا كفارة عليه؛ لأنه لم يلتزمه.



وألزمه مالك بالكفارة بمجرد ترك نية الصوم عمداً، بلا أكل، ولا جماع، وإن أكَلَ ثم جامع، فالخلاف (252)، وسبق: هل تجب الكفارة بأكلٍ؟
وإن جامَعَ في يومين، فإن كفَّرَ عن الأول، كفَّرَ عن الثاني (و)، وذكره ابن عبد البر (ع)، وفيه رواية عن (هـ)، وكذا إن لم يكفِّرَ عن الأول في اختيار ابن حامدٍ، والقاضي وغيرهما، وحكاه ابن عبد البر عن أحمد (و م ش)؛ لأن كل يوم عبادة، وكيومين من رمضانين، وفيه رواية عن (هـ)، وظاهر كلام الخرقي كفارة واحدة، واختاره أبو بكرٍ، وابن أبي موسى (و) كالحدود.


قال صاحب «المحررِ»: فعلى قولنا بالتَّداخلِ، لو كفَّرَ بالعِتْقِ في اليوم الأول عنه، ثم في اليوم الثاني عنه، ثم استُحِقَّت الرَّقبةُ الأولى، لم يلزمه بدلها وأجزأتْهُ الثانية عنهما، ولو استُحِقَّت الثانية وحدها، لزمه بدلها، ولو استحِقّتا جميعاً، أجزأه بدلهما رقبة واحدة؛ لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجِبِ الأول، ونية التعيين لا تعتبر، فتلغو، أوتصير كنيةٍ مطلقةٍ، هذا قياس مذهبنا، وقاله الحنفية، وهو مذهب المالكية في نظيره، وهو: كُلُّ موضعٍ قُضِيَ فيه بتداخل الأسباب في الكفارة، إذا نوى التكفير عن بعضها، فإنه يقع عن جميعها، مثل من قال لزوجاته: أنتُنَّ علي كظهر أُمِّي، ثم وطئ واحدةً، وكفَّرَ عنها، أجزأه عن الكُلِّ ونحو ذلك (253)، ووجدت أنا في كلام الحنفية: لو أطْعَمَ إلا فقيراً، فوطِئَ، أطْعَمَه فقط عنهما، كحد القذف عندهم.


وإن جامَعَ دون الفرج، فأمْنَى - وعبارة بعضهم: فأفْطَرَ، وفيها نظر – فعنه: يكفِّرُ. اختاره الخرقي، وأبو بكرٍ، وابن أبي موسى، والأكثر (و م)، كالوطء في الفرج. والفرق واضح، وعنه: لا كفارة عليه (و هـ ش)، اختاره جماعة، منهم صاحب «النصيحة»، و«المغني»، و«المحرر»، وهي أظهر. وعلى الأول: الناسي كالعامد، ذكره في «التبصرة». ويدل عليه اعتباره بالفَرْجِ. وقال صاحب «المغني»، و«الروضةِ»، وغيرهما: عامداً.


وكذا إذا أنزَلَ المجبوب بالمساحقة، وكذا امرأتان إن قلنا: يلزم المطاوعة كفارة، وإلا فلا كفارة، والقُبلةُ، واللمس ونحوهما، كالوطء دون الفرج، في روايةٍ اختارها القاضي (و م). وفي رواية: لا كفارة، اختارها الأصحاب (و).
ونص أحمد: إن قبَّلَ فمذى، لا يكفِّرُ، وإن كرَّرَ النظر فأمنى، فلا كفارة (م)، كما لو لم يُكَرِّرْهُ (و). وعنه: بلى، كاللَّمْس. وأطلق في «الهداية» وغيرهما الروايتين، وقيل: إن أمنى بفكره، أو نَظْرة واحدة عمداً، أفطَرَ، وفي الكفارة وجهان.


وسبق حكم من جامع في يوم رأى الهلال في ليلته، وردَّتْ شهادته، وجماع المسافر، والمريض(254).
ويختص وجوب الكفارة برمضان (و)؛ لأن غيره لا يساويه، خلافاً لقتادة في قضائه فقط. وفي «الرعاية» قول: يكفِّرُ إن أفسَدَ قضاء رمضان. وسبق أول الباب هل تختص بالجماع؟
والكفارة على الترتيب، فيجب عتق رقبةٍ، فإن لم يجد، صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطِعْ أطعم ستين مسكيناً، مثل كفارة الظهار، في ظاهر المذهب (و هـ ش)، ويأتي فيها اعتبار سلامة الرقبة، وكونها مؤمنةً.


ولا يحرم هنا الوطء قبل التكفير، ولا في ليالي صوم الكفارة، ذكره في «الرعاية» وأظنه في «التلخيص» وغيره، ككفارة القتل، ذكره فيها القاضي وأصحابه، وحرَّمَه ابن الحنبلي في كتابه «أسباب النزول» عقوبةً، وعنه: إنها على التخيير بين العتق، والصيام، والإطعام، فبأيها كفَّرَ، أجزأه (و م)؛ لأن في «الصحيحين»، من حديث مالك، عن الزُهريِّ، عن حميد بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، أن رجلاً أفطَرَ في رمضان، فأمَرَه النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة. وفيهما من حديث ابن جُريجٍ، عن ابن شهاب، عن حميد، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطَرَ في رمضان أن يُعتقَ رقبةً، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يُطعمَ ستين مسكيناً، وتابعهما أكثر من عشرة.


وخالفهم أكثر من ثلاثين، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد: أن إفطار ذلك الرَّجلِ كان بجماعٍ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «هل تجد ما تُعْتقُ رقبةً؟» قال: لا، قال: «هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، قال: «هل تجد ما تُطْعِمُ ستين مسكيناً؟» قال: لا. ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر، فقال: «تصدَّقْ بهذا» قال: على أفقر منا؟ قال: «اذهب فأطِعمْهُ أهلك» وفي أوله: هلَكْتُ يا رسول الله، قال: «وما أهلكَكَ؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان. متفق عليه. وهو أولى؛ لأنه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ومشتمل على زيادة، ورواه الأكثر. وللدارقطني: هلكت وأهلَكْتُ. وضعَّفَ هذه الزيادة البيهقي، وصنف الحاكم ثلاثة أجزاء في إبطالها، ولأبي داود بإسناد جيد من حديث هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة عنه: «وصُمْ يوما مكانه». وقال: فأتي بعَرَق فيه تمر قدْرَ خمسة عشر صاعاً. وله من حديث عائشة: فيه عشرون صاعاً. وهشام تُكُلِّمَ فيه، وروى له مسلم، وتابعه عبد الجبار بن عمر في الصوم، وهو ضعيف، رواه ابن ماجه، وتابعه أبو أُويسٍ، عن الزهري، عن حميد، وفيه كلام، وروى ذلك الدارقطني.


وتابعه إبراهيم بن سعدٍ، عن الليث، عن الزهري، وبَحْرُ بن كنيز، عن الزهري، ذكرَهُ البيهقي، وأشار هو وغيره إلى صحة هذه الزيادة، والله أعلم. وعن ابن عباسٍ: عتق رقبة، أو صوم شهرٍ، أو إطعام ثلاثين مسكيناً. وعن الحسن: عتق رقبة، أو إهداء بدنه، أو إطعام عشرين صاعاً أربعين مسكيناً. وعن عطاء نحوه، ولمالكٍ في «الموطأ» عن عطاء الخراساني، عن ابن المسيب مرسلاً نحوه، ولم يذكر عدد المساكين، وفيه: «وصُمْ يوماً». ومذهب (م): هذه الكفارة إطعام فقط، كذا قال، والإطعام كما يأتي في كفارة الظهار إن شاء الله تعالى.

وإن قدَرَ على العتق في الصيام، لم يلزمه الانتقال. نص عليه، ويلزم من قدَرَ قبله، ويأتي ما يتعلَّقُ بذلك في الظهار (255).


وتسقط هذه الكفارة بالعجز، في ظاهر المذهب. نص عليه (وق)، زاد بعضهم: بالمال، وقيل: والصوم، كذا قال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابي بها أخيراً، ولم يذكر له بقاءها في ذمتِهِ، وكصدقة الفطر، وعنه: لا تسقط (و هـ ش)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها الأعرابي لما جاءه العَرَقُ بعد ما أخبَرَه بعُسْرتِهِ، ولعل هذه الرواية أظهر.


قال بعضهم: فلو كفَّرَ غيره عنه بإذنه – وقيل: أو دونها - فله أخذها، وعنه: لا يأخذها. وأطلق ابن أبي موسى: هل يجوز له أكلها، أم كان خاصا بذاك الأعرابي؟ على روايتين، ويتوجه احتمال أنه صلى الله عليه وسلم رخَّصَ للأعرابي فيه لحاجته، ولم تكن كفارةً(256).


ولا تسقُطُ غير هذه الكفارة بالعجز، مثل كفارة الظهار، واليمين، وكفارات الحج، ونحو ذلك. نص عليه. قال صاحب «المحررِ» وغيره: وعليه أصحابنا؛ لعموم أدلَّتِها حالة الإعسار(257) ، ولحديث سلمة بن صخرٍ في الظهار، ولأنه القياس، خُولِفَ في رمضان؛ للنص - كذا قالوا: للنص - وفيه نظر، ولأنها لم تجب بسبب الصوم، قال القاضي وغيره: وليس الصوم سبباً للكفارة، وإن لم تجب إلا بالصوم والجماع؛ لأنه لا يجوز اجتماعهما، وعنه: تسقط(258).


ومذهب (ش): هي كرمضان، إلا جزاء الصيد؛ لأن فيه معنى العقوبة والغرامة. وذكر غير واحدٍ أنه تسقط كفارة وطء الحائض بالعَجزِ، على الأصح، وعنه: بالعجز عن كلها؛ لأنه لا بَدَل فيها. وقال ابن حامدٍ: تسقط مطلقاً، كرمضان. وأكله الكفارات بتكفير غيره عنه كرمضان، وعنه: تختص بالوطء في رمضان. اختاره أبو بكر(259).



وإن ملكه ما يكفر به، وقلنا: له أخذه هناك، فله هنا أكله، وإلا أخرَجَه عن
نفسِهِ، وقيل: هل له أكله، أو يلزمه التكفير به؟ على روايتين.




------------------------



(245) قوله: «ذَكَرٌ أَصلِي» احترازاً من ذكر الخنثى؛ لأن الخنثى لا يعلم أذكر هو أم أنثى؟ فإن كان رجلاً فذكره أصلي، وإن كان أنثى فذكره غير أصلي؛ لأن الذكر غير الأصلي مثل الأصبع، والأصبع إذا أدخله الإنسان في فرج امرأته لم يجب عليه الغسل، ولم يفسد الصوم.


(246) وهذا هو الصحيح، أنه ليس عليه قضاء ولا كفارة.
(247) هذه مسألة نادرة، ولكنها مفيدة جداً، وهي: إذا أكل الإنسان ناسياً واعتقد الفطر به، ثم جامع، فليس عليه شيء؛ لأنه إنما جامع جهلاً منه أن صومه فسد.


(248) هذه المسالة محل خلاف بين العلماء، ولكن لو قال قائل: المرأة ليس عليها كفارة؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للذي جامع: وعلى زوجتك الكفارة.



فالجواب عن هذا: أن يقال: إن المرأة لم تقر بأنها جامعت حتى يلزمها النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، أو يقال: لعله أكرهها؛ لأن في بعض ألفاظ الحديث: «هلكت وأهلكت» [رواه الدارقطني (2/209)؛ والبيهقي (4/227).] ، يعني: هلك هو وأَهلَكَ امرأته،

فالمهم أن هذا لا يستدل به على عدم وجوب الكفارة على المرأة، ثم يقال: لا فرق بين الرجال والنساء في انتهاك الحرمة، فإذا جامع في نهار رمضان، والمراد: من يجب عليه الصوم، وأما من لا يجب عليه الصوم فلا بأس أن يجامع، وسبق هذا، فالمسافر - مثلاً - لو كان مسافراً هو وأهله وكانا صائمين في رمضان، وأراد منها ما يريد الرجل من امرأته، فلا حرج؛ لأن الصوم في هذه الحال ليس بلازم، إذ أنه يجوز للمسافر أن يفطر، وهذا قد يحتاج الإنسان إليه فيما إذا ذهب إلى عمرة ومعه أهله، ثم أراد منها بعد التحلل ما يريد الرجل من امرأته فلا حرج، ولو كانا صائمين.



(249) والصواب: أنه إذا نزع في الحال فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، وهذا الرجل امتثل أمر الله ( لما علم أن الفجر لم يطلع، ثم شرع في الجماع، ثم طلع الفجر، فينزع في الحال، ولا شيء عليه.


(250) والصحيح الأول: أنه إذا جامع وهو معافى أو مقيم، ثم حصل ما يبيح الفطر، فإنه يجب عليه الكفارة اعتباراً لحال المخالفة، فإنه في حال المخالفة يجب عليه الصوم.


(251) ابن عقيل رحمه الله من الذين يتساهلون بنقل الإجماع، فيستغرب أن ينقل الإجماع مع أن مذهب الإمام احمد - رحمه الله – خلافه، لكن لعله لبعده عن مناطق المتبعين للإمام أحمد أو المقلدين له صار يجهله أحيانا ويحكي الإجماع، وعلى كلٍّ فهو من الذين يتهاونون بنقل الإجماع، غفر الله له، وتتبعنا هذا في مواضع كثيرة من كلامه.


(252) قول الإمام أحمد - رحمه الله - فيمن قَدِمَ مفطراً ثم جامع أنه لا كفارة عليه،

تبين أن له مأخذين:


المأخذ الأول: أنه على رواية أنه لا يلزمه الإمساك، فيكون جامع مفطراً ولا إشكال.
والمأخذ الثاني: حتى على القول بالإمساك، فالقول بالإمساك ضعيف؛ لأن أكثر العلماء على خلافه، فلذلك ضعف القول بإيجاب الكفارة، أما المذهب فتلزمه الكفارة في كل يوم يلزمه الإمساك، فإذا جامع فإنه تلزمه الكفارة.


(253) هذه المسألة مهمة، وهي: إذا كرر الجماع في يومين، فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية عن الثاني بلا إشكال؛ لأن التداخل ممتنع، وإن لم يكفر فإن عليه كفارة ثانية على المذهب؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول بفساد صوم اليوم الثاني، ولا العكس، فلزمه لكل يوم كفارة، وعلى هذا فلو جامع في كل يوم، والشهر ثلاثون يوماً، لزمه ثلاثون كفارة، وقيل: إذا لم يكفر عن الأول كفاه كفارة واحدة، بناءاً على التداخل في الحدود؛ لأنه لو زنى بامرأتين لزمه حد واحد مثلاً، وعلى التداخل في الأيمان، ولها نظائر، فقالوا: مادام لم يكفر عن الأول كفاه كفارة عن الجميع، لاسيما إذا قلنا: إن شهر رمضان عبادة واحدة، وأن أيامه كأجزاء العبادة،

فهذا القول من حيث النظر قوي، ولكن من حيث التربية ضعيف؛ لأن بإمكان كل واحد - لاسيما الشاب حديث العهد بالزواج - أن يجامع كل يوم ويدع الكفارة لآخر يوم، ويأتي بكفارة واحدة، وهذا يؤدي إلى الفوضى والتلاعب بحدود الله وأحكام الله، فإبقاء الناس على المشهور من المذهب من أن يلزمه كفارة لكل يوم هو الموافق من حيث التربية، وعدم التهاون بالإفطار في نهار رمضان.



(254) الصحيح أنه لا كفارة إلا بالجماع، وعلى هذا فإن كل هذه التفريعات لا داعي لها.
(255) والصواب ما في «الصحيحين» في هذه المسألة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطعم ستين مسكيناً إذا لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين [سبق تخريجه.]، وما سواهما فشاذ أو ضعيف، فلا يعتد به.


(256) والصواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسقطها؛ لأنه لما قال له: «أطعم ستين مسكينا» قال: لا أجد. جلس، ولما يَسَّر الله له هذا التمر أمكنه أن يكفر به؛ لأنه صار واجداً في حينه، ثم لما ذكر أنه محتاج، قال: أطعمه أهلك، ولم يقل: ومتى استطعت فكفر، والفرق: أنه إذا أعطي ما يكفر به في حينه صار واجداً، فيلزمه أن يكفر به،

فلما بين للنبي صلى الله عليه وسلم أنه محتاج، قال له: «أطعمه أهلك»، ولم يقل: ومتى وجدت فأطعم، فالصواب أنها تسقط بالعجز، وأن بقية الكفارات تسقط بالعجز؛ لعموم قول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، وقوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286]، والقاعدة الأصولية أنه لا واجب مع العجز.



(257) يعني: أن أدلتها تعم حال الإعسار، ولكن أجابوا عن هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين الكفارة بقطع النظر عن الإلزام بها، والاستدلال أنها تجب مع العجز من أجل أن الأحاديث تعم، فيه نظر؛ لأن الأحاديث في بيان الكفارة، ثم تُنَزَّلُ كل حال على ما يقتضيه صاحبها.


(258) قوله: «عنه» يعني: الإمام أحمد رحمه الله، وقوله: «تسقط» أي: جميع الكفارات تسقط بالعجز، وهذا هو الصواب، فإذا قال قائل: أليس الرجل إذا أعسر بالدين للآدمي يبقى في ذمته ولا يسقط؟

فالجواب: بلى، لكن هذا حق آدمي، أما الله عز وجل فقد عفا عن حقه عليه السلام ، فقال: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286]، وقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]، فالصواب أن جميع الكفارات تسقط بالعجز، وأن جميع الواجبات تسقط بالعجز أيضاً، إذا لم يكن لها بدل، وبناءاً على ذلك لو ولد للإنسان ولد، وكان فقيراً ولم يعق عنه، ثم أغناه الله فهل نقول عُق عنه؟ الجواب: في هذا نظر، فقد يقال: إنه يعق عنه؛ لأن العقيقة ليس لها وقت، وقد يقال: لا يعق عنه؛ لأنه وقت سبب مشروعية العقيقة كان غير واجد، فلا يطالب بها، وهذا أقرب إلى القياس.



(259) معناه: لو كفر شخص عنه وهو في حاجة، فهل يجوز أن يأكل كفارة نفسه؟ هذه المسألة من العلماء من قال: إنه يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المجامع التمر ليكفر به، فلما بين له حاجته قال: «أطعمه أهلك»، وهذا قد يقال: إنه ظاهر النص، لكن يعارضه أن الواجب إطعام ستين مسكيناً، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، أي: لم يقل له: هل أهلك ستون مسكيناً؟ فأطعمهم، والظاهر أن أهله لا يبلغون ستين مسكيناً، فلذلك نقول: إن أَكْلَ المُجامعِ كفارةَ جماعه ليس لأنه مَحَلٌ تُصرف الكفارة إليه، ولكن لأنها سقطت بالعجز، وهو في حاجة، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.


المصدر:

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18305.shtml






رد مع اقتباس
  #25  
قديم 04-05-2015, 02:47AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-


باب
حكم قضاء الصوم وغيره




باب حكم قضاء الصوم وغيره
وما يتعلق بذلك

يستحب التتابع في قضاء رمضان (و)، قال البخاري: قال ابن عباسٍ: لا بأس أن يفرَّقَ؛ لقول الله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184]. وعن ابن عمر مرفوعاً: «قضاء رمضان؛ إن شاء، فرَّقَ، وإن شاء، تابَعَ». رواه الدارقطني، وقال: لم يسنِدْه غير سفيان بن بشر. قال صاحب «المحرر»: لا نعلم أحداً طعن فيه، والزيادة من الثقة مقبولة. وللدارقطني من رواية الواقدي - وهو ضعيف - عن عبدالله بن عمروٍ: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قضاء رمضان، قال: «يقضيه تِباعاً، وإن فرَّقَه، أجزأ».


وله أيضاً، وقال: إسناد حسن عن ابن المنكدر مرسلاً قال: «ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدهم دَينٌ فقضى الدرهم والدرهمين، ألم يكن قضاءً؟ فالله أحق أن يعفو، ويغفر». وخبر أبي هريرة: «فليَسرُدْهُ ولا يَقْطعْهُ». رواه ابن المنذر، والدارقطني من رواية عبد الرحمن بن إبراهيم القاص، ضعَّفَه ابن معينٍ والدارقطني، وقواه أحمد وغيره، فإن صح فللاستحباب. وقول عائشة: نزلت: (فعدة من أيام أخر متتابعات)، فسقَطَتْ «متتابعات». رواه الدارقطني، وقال: إسناد صحيح يصلُحُ لسقوط الحكم والتلاوة، فيحمل عليهما، ولأنه وقت موسَّعٌ له كصوم المسافر أداءً، وإنما لزم التتابع فيه صوم مقيم، لا عذر له؛ للفور وتعيّنِ الوقت، لا لوجوب التتابع في نفسِهِ، فنظيره: لو لم يبق من شعبان إلا ما يتَّسِعُ له، وفي التتابع خروج من الخلاف، وهو أنجز لبراءة الذِّمةِ، وأشبه بالأداء، فكان أولى(260).


وذكر القاضي في «الخلافِ» في الزكاة على الفور: أن قضاء رمضان على الفور، واحتج بنصه في الكفارة، ويجوز أن يُقالَ: القضاء على التراخي، واحتج بنصه فيه. كذا ذكر، وقال صاحب «المحرر»: يجوز تأخير قضاء رمضان بلا عذرٍ ما لم يُدرِكْ رمضان ثانٍ، ولا نعلم فيه خلافاً. وعند أكثر الشافعية: إن أفطر بسببٍ محرم، حَرُمَ التأخير. قال في «التهذيبِ» لهم: حتى بعذْرِ السفر، وأوجب داود المبادرة في أول يومٍ بعد العيد، وهل يجب العزم على فِعلِهِ؟ يتوجه الخلاف في الصلاة، ولهذا قال ابن عقيلٍ في «الفصولِ» في الصلاة: لا ينتفي إلا بشرط العزم على الفعل في ثاني الوقت. قال: وكذا كل عبادةٍ متراخيةٍ. قال في «شرح مسلم»: الصحيح عند محققي الفقهاء، وأهل الأصول فيه، وفي كل واجبٍ موسَّعٍ، إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعلِه. وعن علي، وابن عمر، وعروة، والحسن، والشعبي، والنخعي: يجب التتابع، وكذا قال داود، والظاهرية: يجب، ولا يشترط للصِّحِة، كأدائه، وأجاز جماعة من الصحابة وغيرهم الأمرين. قال الطحاوي: لا فضل للتتابع على التفريق؛ لأنه لو أفطر يوماً من رمضان، يقضيه بيومٍ، ولا يستحب له قضاء شهرٍ.



ومن فاته رمضان تامّاً أو ناقصاً؛ لعذرٍ أو غيره، قضى عدد أيامه مطلقاً، اختاره جماعة منهم: صاحب «المحررِ»، و«المغني»، و«المستوعب» (و هـ ش) كأعداد الصلوات، وعند القاضي: إن قَضَى شهراً هلالياً، أجزأه مطلقاً، وإلا تمَّمَ ثلاثين يوماً. وهو ظاهر الخرقي، وذكره صاحب «المحررِ» ظاهر كلام أحمد. وقاله الحسن بن صالحٍ، وبعض الشافعية، وحكي عن مالكٍ(261). فعلى الأول: من صام من أول شهرٍ كاملٍٍٍ، أو من أثناء شهرٍ، تسعةً وعشرين يوماً، وكان رمضان الفائت ناقصاً، أجزأه عنه؛ اعتباراً بعدد الأيام. وعلى الثاني: يقضي يوماً تكميلاً للشهر بالهلال، أو العدد ثلاثين يوماً.


ويحرم تأخير رمضان إلى رمضان آخر بلا عذرٍ (و) نص عليه، واحتج بقول عائشة رضي الله عنها: ما كنت أقضي ما علي من رمضان إلا في شعبان؛ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما لا تُؤخَّرُ الصلاة الأولى إلى الثانية، فإن فعل أطْعَمَ عن كل يوم مسكيناً (و م ش)، رواه سعيد بإسنادٍ جيدٍ عن ابن عباسٍ. ورواه الدارقطني عن أبي هريرة، وقال: إسناد صحيح، ورواه مرفوعاً بإسنادٍ ضعيفٍ، وذكره غيره عن جماعةٍ من الصحابة، ولا أحسبه يصح عنهم. ويتوجه احتمال: لا يلزمه إطعام (و هـ)؛ لظاهر قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184]، وكتأخير أداء رمضان عن وقتِهِ عمداً، وذكر الطحاوي من رواية عبدالله العمري - وفيه ضعف - عن عبدالله بن عمر: يُطعِمُ بلا قضاءٍ (262).


ويطعِمُ ما يجزئ كفارةً (و)، ويجوز قبل القضاء، ومعه وبعده؛ لقول ابن عباس: فإذا قضى أطْعَمَ. رواه سعيد بإسناد جيد. قال صاحب «المحررِ»: الأفضل تقديمه عندنا، مسارعةً إلى الخير، وتخلُّصاً من آفات التأخير، ومذهب (م): الأفضل معه.


وإن أخره بعد رمضان ثان فأكثر، لم يلزمه لكل سنة فدية؛ لأنه إنما لزمه؛
لتأخيره عن وقته، وقول الصحابة، وللشافعية وجهان.



ومن دام عذره بين الرمضانين فلم يقض، ثم زال، صام الشهر الذي أدركه، ثم قضى ما فاته، ولا يطعم. نص عليه (و). وعن ابن عباس، وأبي هريرة، وسعيد بن جبير، وقتادة: يطعم بلا قضاء. فعلى قولنا: إن كان أمْكَنَه قضاء البعض، قضى الكل، وأطْعَمَ عما أمْكَنَه صومه، وإن أخر القضاء حتى مات، فإن كان لعذر، فلا شيء عليه. نص عليه (و)؛ لعدم الدليل. وفي «التلخيص» رواية: يُطْعَمَ عنه، كالشيخ الهِم. والفرق أنه يجوز ابتداء الوجوب عليه، بخلاف الميت، وقال في «الانتصارِ»: يحتمل أن يجب الصوم عنه، أو التكفير، كمن نذر صوما. وقال في «الرعاية»: إن أخره الناذر لعذر حتى مات، فلا فدية، على الأصح. ذكره عقب الحج، وإنما مراده - والله أعلم – الصوم.


وإن كان تأخير قضاء رمضان لغير عذر، فإن مات قبل أن أدْرَكَه رمضان آخر أُطْعِمَ عنه، لكل يوم مسكين (و)، رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعا بإسناد ضعيف، وقال: الصحيح عن ابن عمر موقوف. وسئلت عائشة عن القضاء، فقالت: لا، بل يطعم. رواه سعيد بإسناد جيد. وكذا قال ابن عباس، وأنه إن نذر قضى عنه وليه، فالراوي أعلم بما روى. قال الأصحاب: ولأنه لا تدخله النيابة في الحياة، فكذا بعد الموت، كالصلاة، وقال في «الانتصار» في مسألة صحة الإستنابة في الحج عند طريان العضب والكبر على من وجب عليه: وأنه إذا حج النائب، وقع الحج عن المستنيب (و م ش)، ومذهب (هـ) يقع الحج عن الحاج تطوعا، ولا يقع عن المستنيب إلا ثواب النفقة، فنحن نقول: أقيم حج نائبه مُقام حجة، ففِعْلُ الغير للحج بدل عن فِعْلِهِ فيما يُبْدَلُ، إلا المؤدي وهو الفاعل، وعندهم: البدل هو سعيه بماله في تحصيل حج الغير، فالبدل عنده متبدل، ليس هو فعل الحج، وإنما هو بذل المال لتحصيل حج النائب، حتى لو تبرع أجنبي وحج عنه بإذنه، لم يجز عنه؛ لأن السعي ببذل المال مفقود،


فالواجب المؤدى هو المُبْتَذَلُ، واحتج لهم بأن سائر العبادات لا تصح النيابة فيها، وقال: فأما سائر العبادات، فلنا رواية: أن الوراث ينوب عنه في جميعها من الصوم والصلاة، ولا يختلف المذهب في نيابة الوارث في الزكاة، ثم الصوم يقابل فائته عند العجز بالموت بالإطعام، والصلاة لا يتصور العجز فيها عندنا، بخلاف الحج، ولأن الزكاة مقصودها تحصيل المال للفقراء مواساة، وتعاطي التكليف مقصود للامتحان، فعند العجز يستقل بأحد المقصودين، ويلتحق بالدَّيْنِ، والحج الامتحان فيه مقصود، وفيه مقصود آخر سوى الفعل، فإنه وُضِعَ على مثال حضره الملوك وحُرَمِهم، وقد يقصد الملك أن تكون عتبته مخدومة بأصحابه، فإن عجزوا فبِنُوَّابِهم؛ لإقامة الخدمة، والصلاة لا مقصود فيها إلا محض التكليف بالفعل، امتحاناً، فإذا فعل غيره ذلك، فات كل المقصود، فلم يكن في معنى الدين.


يصحح ما ذكرنا أن الخصم أقام للحج بدلاً، وإن خالفنا في صفته، ولم يُقِمْ للصلاة بدلاً، واحتج لهم أيضاً بالقياس على الصلاة والصيام، وقال: قد تقدم الجواب بالمنع والتسليم، ثم هناك لا يلزم أن ينوي عن غيره، ولا يؤمر ببذل المال لتحصيل الصوم والصلاة. ثم ذكر بعدها من بلغ معضوباً تلزمه الإستبانة، واحتج للمخالف بالصلاة، وأجاب بأن الصلاة لا نسلمها، ونقول: يصلى عنه بعد الموت، ثم الصلاة لا يتصور عجزه عنها إلا أن يموت، أو يزول عقله، بخلاف الحج، ولو وصى بها لم تصل عنه؛ بخلاف الحج عندهم(263) ، ولا مدخل للمال في جبرانها، والبدل جبران، بخلاف الحج، ثم هو قياس يعارض النصوص. ثم ذكر بعدها: لا يصير مستطيعاً ببذل غيره، كسائر العبادات.


فقيل له: لا تدخلها النيابة بخلاف الحج، فقال: لا نسلم، بل النيابة تدخل الصلاة والصيام إذا وجبت وعجز عنها بعد الموت. فذكر في هاتين المسألتين النيابة في الصلاة والصيام بعد الموت، وكلامه في المسألة الأولى، والرواية المذكورة يقتضي: وفي الحياة أيضا كالحج، فعلى هذا: يتوجه إن عجز أن يكبر للصلاة، كبر عنه رجل. وقاله إسحاق، ونقله عن إبراهيم والحَكَمِ، والله أعلم(264).



وذكر في «عيون المسائل» ما ذكره غيره من قياس النيابة في الحج على الزكاة، ثم قال: ولا يلزم الصلاة والصيام، فإنا إن قلنا: تدخلهما النيابة، فإنهما كمسألتنا، وإن قلنا: لا تدخلهما النيابة، قلنا هناك: لم يؤمر أن ينويهما عن غيره، بخلاف مسألتنا، ومال صاحب «النظم» إلى صوم رمضان عنه بعد موته، فقال: لو قيل: لم أُبعِدْ، فعلى هذا: الظاهر أن المراد: ولا يطعم، كقول طاوس، وقتادة، ورواية عن الحسن، والزهري، والشافعي في القديم، وأبي ثور، وداود؛ لقوله عليه السلام: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه». متفق عليه من حديث عائشة، ومعناه من حديث ابن عباس، وقد يتوجه احتمال: إن المراد التخيير، قال في «شرح مسلم»: من يقول بالصيام، يجوز عنده الإطعام، وقد قال شيخنا: إن تبرع بصومه عمن لا يطيقه لكبر ونحوه، أو عن ميت وهما معسران، يتوجه جوازه؛ لأنه أقرب إلى المماثلة من المال(265). وكذا عن الأوزاعي والثوري رواية: يصومه عن الميت إذا لم يجد ما يُطعِمُ عنه.


وكذا ذكر القاضي في صوم النذر نحو قول شيخنا، فذكر ما ذكره الأصحاب: أن صوم النذر لا يفعل عن عاجز في حياته، بل يطعم، ثم جعل هذا حجة للمخالف في عدم فعله بعد الموت. قال: والجواب أنه لا يمتنع أن نقول: يصح الصوم عنه، كما نقول في الحج إذا عجز عنه في مجال الحياة: يحج عنه. وحكى القاضي عن داود: لا يصام عنه، ولا يُطعَمُ، خلاف ما سبق عنه. وذكر القاضي عياض والشافعية الإجماع أنه لا يصام عن أحدٍ في حياته، والله أعلم(266)، والإطعام من رأس ماله أوصى، أو لا (و ش)، لا أنه إنما يجب من الثلث إن أوصى (هـ م)، كالزكاة على أصلهما(267).



وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فأكثر، أجزأه إطعام مسكين لكل يوم. نص عليه، وقيل: لكل يوم فقيران؛ لاجتماع التأخير والموت بعد التفريط.
قال أحمد رحمه الله فيما رواه أبو هريرة مرفوعاً: «مَنْ أفطر يوماً من رمضان من غير عذرٍ، لم يجزئه صيام الدهر، ولو صامه»: لا يصح، وإنما يريد نفس يوم من رمضان لا يكون. وكذا ضعفه غير واحد.


ولا يلزمه عن يوم سوى يوم (و)، وعند شيخنا: لا يقضى متعمد بلا عُذْرٍ (خ) صوماً، ولا صلاة، قال: ولا يصح منه، وأنه ليس في الأدلة ما يخالف هذا، بل يوافقه، وضُعِّفَ أمره عليه السلام المجامع بالقضاء؛ لعدول البخاري ومسلم عنه (268).


ولا يجزئ صوم كفارة عن ميت، وإن أوصى به. نص عليه (و)، خلافاً لأبي ثور، وعلله القاضي بأنه يجب على طريق العقوبة؛ لارتكاب مأثم، فهي كالحدود، فإن كان موته بعد قدرته عليه - وقلنا: الاعتبار بحالة الوجوب - أُطْعِمَ عنه ثلاثة مساكين، لكل يوم مسكين ذكره القاضي(269).


ولو مات وعليه صوم شهر من كفارة، أُطعِمَ عنه أيضاً، نقله حنبل، ففيه جواز الإطعام عن بعض صوم الكفارة؛ لأن الإطعام هنا ليس هو بالمأمور به في الكفارة، لكنه بدل الصوم.


ولو مات وعليه صوم المُتْعَةِ يُطْعَمُ عنه أيضاً. نص عليه(270). قال القاضي:
لأن هذا الصوم وجَبَ بأصل الشرع، كقضاء رمضان.



وصوم النذر عن الميت كقضاء رمضان، على ما سبق عند الكل (و)، واختاره ابن عقيل، ونص أحمد - وعليه الأصحاب -: يفعله الولي عنه، بخلاف رمضان، وفاقا لليث، وأبي عبيد، وإسحاق. وسبق قول ابن عباس.


ويجوز أن يصوم غير الولي بإذنِهِ وبدونِهِ. جزم به القاضي والأكثر؛ لأنه عليه السلام شبهه بالدَّيْنِ، وقيل: لا يصح إلا بإذنِهِ (و ش)؛ لأنه خلاف القياس، فلا يتعدى النص، وذكر صاحب «المحررِ» أنه ظاهر نقل حرب، يصوم أقرب الناس إليه ابنه أو غيره، فيتوجه: يلزم من الاقتصار على النص: لا يصوم بإذنِهِ، وكذا الوجهان في الحج، واختار عدم الصحة فيه في «الانتصار»، كحال الحياة، واختار صاحب «الفصول»، و«المحرَّرِ» الصحة؛ لعدم استفصاله عليه السلام.


وهل يجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد، وبجزئ عن عِدَّتِهم من الأيام؟ نقل أبو طالب: يصوم واحد. قال في «الخلاف»: فمَنْعُ الاشتراك، كالحجة المنذورة، تصح النيابة فيها من واحد لا من جماعة. وحكى أحمد عن طاووس الجواز، وحكاه البخاري عن الحسن، وهو أظهر، واختاره صاحب «شرح المهذب» من الشافعية، وقال: لم يذكر المسألة، أصحابهم. واختاره صاحب «المحرر»، وحمل ما سبق على صوم شرطه التتابع، وتعليل القاضي يدل عليه، فإن ما جاز تفريقه، كُلُّ يوم كحجة مفردة، فدل ذلك أن من أوصى بثلاث حِجَجٍ، جاز صرفها إلى ثلاثة يحجون عنه في سنة واحدة، وجزم ابن عقيل بأنه لا يجوز، لأن نائبه مثله، وليس له أن يحج ثلاث حجات في عام واحد، وذكره في «الرعاية» قولا، ولم يذكر قبله ما يخالفه، ذكره في فصل استنابة المعضوب من باب الإحرام، وهو قياس ما ذكره القاضي في الصوم، وهو لم يفرق بينهما ولا فَرْقَ، ويأتي في تفريق الاعتكاف(271).


ويستحب للولي فعله عنه، ولا يجب (و)، خلافاً للظاهرية، كالدَّيْنِ، لا يلزمه إذا لم تكن له تَرِكةٌ، وله أن يصوم، وله أن يدفع إلى من يصوم عنه من تَرِكتِه عن كُلِّ يوم مسكينا(272)، فإن لم تكن له تركة، لم يلزمه شيء.


قال القاضي، وغيره: كالحج، الوارث بالخيار بين الحج بنفسه، وبين دَفْعِ نفقة إلى من يحج عنه(273). وقال صاحب «المحرر»: إن القاضي في «المجرد» لم يذكر أن الورثة إذا امتنعوا يلزمهم استنابة، ولا إطعام. وذكر في «المستوعب» وغيره أن مع عدم صوم الورثة يجب إطعام مسكين من ماله عن كل يوم، ومع صوم الورثة لا يجب. وجزم الشيخ في مسألة من نذر صوماً فعجز عنه، أن صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت، بخلاف رمضان ولم أجد في كلامه خلافه.


ولا كفارة مع الصوم عنه، أو الإطعام، واختار شيخنا أن الصوم عنه بدل مجزئ بلا كفارة، ويأتي كلامهم في الصلاة المنذورة، وسبق كلامه في «الانتصار» في تأخير قضاء رمضان لعذر، وأوجبها في «المستوعب»، قال: كما لو عيَّنَ بنذْرِهِ صوم شهر فلم يصمه، فإنه يجب القضاء والكفارة. وفي «الرعاية» كـ «المستوعب»، فإنه قال: إن لم يقضه عنه ورثته أو غيرهم، أُطعم عنه من تركته، لكل يوم فقير مع كفارة يمين، وإن قضى كَفَتْهُ كفارة يمين، وعنه: مع العذر المتصل بالموت، وهذه الرواية - والله أعلم - هي رواية حنبل، فإنه نقل: إذا نذر صوم شهر، فحال بينه وبينه مرض، أو علة حتى مات، صام عنه وليه، وأطعم لكل يوم مسكينا؛ لتفريطه. هذا كله فيمن أمكنه صوم ما نذره، فلم يصمه ومات، ولو أمكنه صوم بعض ما نذره، قضى عنه ما أمكنه صومه فقط (و م)، ذكره القاضي وبعض أصحابنا، ذكره صاحب «المحرر»، وذكره ابن عقيل أيضا؛ لأن رمضان يعتبر فيه إمكان الأداء، والنَّذْرُ يحمل على أصله في الفرض، وأجاب القاضي بأنا لا نسلم أن النذر المطلق يثبت في ذمته مطلقا، بل بشرط الإمكان، كالنذر المعلق بشرط، والنذر في حال المرض، وقضاء رمضان، ومذهب (هـ ش): يلزم أن يقضى عنه كله؛ لثبوته في ذمةٍ صحيحةٍ في الحال، كالكفارة، بخلاف من دام مرضه حتى مات؛ لأنه لا ذمة له يثبت فيها الصوم، وذكر القاضي في مسألة الصوم عن الميت، أن من نذر صوم شهر وهو مريض، ومات قبل القدرة عليه، يثبت الصيام في ذمته، ولا يعتبر إمكان الأداء، ويخير وليه بين أن يصوم عنه، أو يُنِفقَ على من يصوم.


وفرق بينهما بأن النذر محله الذمة، فلا يعتبر فيه إمكان الأداء كالكفارة، وذكَرَ نص أحمد في رواية عبدالله في رجل مرض في رمضان: إن استمر به المرض حتى مات، ليس عليه شيء(274)، وإن كان نذرا صام عنه وليه إذا هو مات. قال: وأومأ إليه في رواية الميموني، والفضل، وابن منصور. واختار صاحب «المحرر» أنه يقضى عن الميت ما تعذر فعله بالمرض دون المعتذر بالموت؛ لأن النذر وإن تعلق بالذمة، يتعلق بالأيام الآتية بعد النذر، فإذا مات قبل مضي المدة المقدرة، تبينا أن قدر ما بقي منها صادف نذره حالة موته، وهو يمنع الثبوت في ذمته، كما لو نذر صوم شهر معين، فمات قبله، أو جن ودام جنونه حتى انقضى، بخلاف القدر الذي أدركه حيا، وهو مريض؛ لأن المرض لا ينافي ثبوت الصوم في الذمة، بدليل أنه يقضي رمضان، ويقضي من نذر صوم شهر بعينه فلم يصمه لمرض، وإذا ثبت في ذمة المريض - والنيابة تدخله بعد الموت - فلا معنى لسقوطه به، وإنما سقط قضاء رمضان؛ لأن النيابة لا تدخله، ولم يجب الإطعام؛ لأنه وجب عقوبة للتفريط ولم يوجد. قال: ويؤيد ذلك أمره عليه السلام بقضائه عن الميت، ولم يستفصل هل تَرَكَه لمرض، أو غيره، هذا كله في النذر في الذمة، فأما إن نذر صوم شهر بعينه، فمات قبل دخولِهِ، لم يُصَمْ ولم يُقْضَ عنه.


قال صاحب «المحرر»: وهو مذهب سائر الأئمة، ولا أعلم فيه خلافا. وإن مات في أثنائه، سقط باقيه، فإن لم يَصُمْه لمرض حتى انقضى، ثم مات في مرضه، فعلى الخلاف السابق فيما إذا كان في الذمة، وسبق كلامه في «الانتصار»، و«الرعاية» فيما إذا أخر قضاء رمضان لعذر حتى مات، والله أعلم(275).



وإن مات وعليه حج منذور، فُعِلَ عنه. نص عليه (وش)، لصريح خبر ابن عباس، رواه البخاري وغيره من غير وجه، ومن اعتذر عن ترك القول بذلك هنا، أو في الصوم باضطراب الأخبار، فهو عذر باطل؛ لصحة ذلك عند أئمة الحديث، ومذهب (هـ م): كقولهما في الزكاة، وحج الفرض، وفي «الرعاية» قول: لا يصح. كذا قال، ولا يعتبر تمكنه من الحج في حياته؛ لظاهر الخبر، وكنذر الصدقة والعتق، وهذا مذهب (هـ)،

لكن الواجب عنده الإيصاء بقضائه، وقيل: يعتبر (وش) كحجة الإسلام. قال صاحب «المحرر»: هذه المسألة شبيهة بمسألة أمن الطريق، وسعة الوقت، هل هو في حجة الفرض شرط للوجوب، أو للزوم الأداء (276)؟ والله أعلم، وكذا العمرة، وإن مات وعليه اعتكاف منذور، فُعِلَ عنه، نقله الجماعة (وق)، ونقل ابن إبراهيم وغيره: ينبغي لأهله أن يعتكفوا عنه. قال سعد بن عبادة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها نَذْرٌ لم تقضه، فقال: «اقضه عنها».


حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي، من حديث ابن عباس، ومعناه متفق عليه، ولأنه يروى عن عائشة وابن عمر وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، وقاسه جماعة على الصوم، فلهذا في «الرعاية» قول: لا يصح (و)، فيتوجه على هذا أن يُخْرَجَ عنه كفارة يمين، ويحتمل أن يُطعَمَ عنه لكل يوم مسكينا (و)، ولو لم يوصِ به (هـ م)، ويكون من ثلثه (هـ م)، واعتبر بعض الشافعية اليوم بليلته، واستشكله بعضهم، فإن كل لحظة عبادة، وما قاله محتمل، وعلى الأول: إن لم يمكنه فعله حتى مات، فالخلاف كالصوم، قيل: يقضي، وقيل: لا، ويسقط إلى غير بدل (و)، فيسقط عندهم الإطعام الواجب مع التفريط، والله أعلم(277).



وإن مات وعليه صلاة منذورة، فنقل الجماعة: لا تفعل عنه (و)؛ لأنها عبادة بدنية محضة لا يخلُفُها مال، ولا يجب بإفسادها، ونقل حَرْبٌ تفعل عنه، اختاره الأكثر، قال القاضي: اختارها أبو بكر، والخرقي، وهي الصحيحة. رواه أحمد عن ابن عباس، وذكره البخاري عنه، وعن ابن عمر، وقال الأوزاعي: وعلى هذا تصح وصيته بها. وحيث جاز فِعْلُ غير الصوم، فلا كفارة مع فعله؛ لظاهر النصوص، ولأنه قائم مقام فاعله شرعاً، فكأنه أداه بنفسه، وإلا أخْرَجَ عنه كفارة يمين، لترك النذر، زاد صاحب «المحرر»: إن كان قد فرط، وإلا ففي الكفارة الروايتان فيمن نذر صوم شهر بعينه فلم يصمه؛ لأن فوات أيام الحياة فيما إذا أطلق كفوات الوقت المعين إذا عين، والله أعلم، ومذهب (هـ): يلزمه أن يوصي بأن يُطعَمَ عنه إن أمكنه فعلها، وقال البغوي الشافعي: لا يبعد تخريج الإطعام من الاعتكاف إلى الصلاة، فيطعم عن كل صلاة مُدّاً.


أما صلاة الفرض، فلا تفعل، وسبق الكلام فيها في قضاء رمضان، وقد قال القاضي عياض: والشافعية أجمعوا أنه لا يصلي عنه صلاة فائتة، والله أعلم. قال في «الإيضاح»: من نذر طاعة فمات، فعلت. وكذا في «المستوعب»: يصح أن يفعل عنه كل ما كان عليه من نذر طاعة، إلا الصلاة فإنها على روايتين. وقال في «منتهى الغاية»: إن قصة سعد بن عبادة المذكورة تدل على أن كل نذر يقضى. وكذا ترجم عليها أيضا في «المنتقى» بقضاء كل المنذورات عن الميت. وقال ابن عقيل وغيره: لا تفعل طهارة منذورة عنه مع لزومها بالنذر، ويتوجه في فعلها عن الميت ولزومها بالنذر ما سبق في صوم يوم الغيم، هل هي مقصودة في نفسها أم لا؟ مع أن قياس عدم فعل الولي لها، أن لا تلزم بالنذر، وإن لزمت، لزم فعل صلاة ونحوها بها، كنذر المشي إلى مسجد تلزم تحيته، صلاة ركعتين، كما يأتي في النذر.


وهل يُفعَلُ طواف منذور؟ ظاهر كلامهم أنه كصلاة.
وفي «الموطأ»، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عَمَّتِهِ أنها حدَّثَتْه: أنها كانت جعَلَتْ على نفسها مشيا إلى مسجد قباء، ولم تقضه، فأفتى عبدالله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها.



--------------------



(260) خلاصة هذا الكلام: أنه يستحب التتابع في قضاء رمضان؛ لأنه أسرع في إبراء الذمة، ولئلا يحدث ما يمنعه من القضاء في المستقبل، ولأنه أشبه بالأداء، والأداء – يعني: رمضان - كان متتابعاً، فيكون أقرب إلى المشابهة، ولا شك أن هذا أولى – أعني: التتابع في قضاء رمضان - ولكنه ليس بواجب، فها هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تقضي إلا في شعبان، قالت: «كان يكون علي الصوم فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» [أخرجه البخاري في الصوم/ باب متى يقضى قضاء رمضان (1950)؛ ومسلم في الصوم/باب قضاء رمضان في شعبان
(1146).] ، وإذا جاز تأخير الجميع جاز تأخير البعض، فالصواب أن التتابع في قضاء رمضان أفضل، فيبادر به بعد العيد، فهذا أحسن له وأفضل، ولأجل أن يدرك صيام ست أيام من شوال إن كان عليه دون الشهر.



(261) ولكن هذا القول ضعيف، ومعارض لظاهر القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {فعدة من أيام أخر} [البقرة:184]، ولم يقل: فشهر عوضٌ عنه مثلاً، فلو قال ذلك لكان هذا الخلاف متوجهاً، وأما أن القرآن نصه: { فعدة من أيام أخر } فلا يتوجه هذا الخلاف، فالصواب أن عليه عدة الأيام التي أفطرها، إن كان الشهر تسعة وعشرين فتسعة وعشرون، وإن كان ثلاثين فثلاثون.


(262) فالأقوال في مسألة:إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني، ثلاثة:
القول الأول: يلزمه القضاء مع الإطعام.
والثاني: القضاء بلا إطعام.
والثالث: الإطعام بلا قضاء.

فهذا نزاع، والمرجع في النزاع إلى الكتاب والسنة، فنجد أن الله تعالى لم يوجب على من أفطر بعذر إلا القضاء: {فعدة من أيام أخر}، وهذا الذي ذكره المؤلف احتمالاً أنه لا يلزمه إلا القضاء هو الصواب؛ لأنه لا يمكن أن نوجب الأصل والبدل، فالإطعام بدل عن الصيام، فإذا تعذر فيمن مرضه غير مرجو الزوال، فكيف نلزمه بالأصل والبدل، فالصواب أنه لا يلزمه إلا القضاء، لكنه يأثم بالتأخير، وأما القول بالإطعام بلا قضاء فهذا ضعيف جداً، وكأن هؤلاء مأخذهم: أن هذه عبادة خرج وقتها، فلو صامها في غير وقتها لكان أتى بما لم يؤمر به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم في كتاب البيوع/ باب النجش , ووصله مسلم في الأقضية/ باب الأحكام الباطلة (1718).] وإذا لم يقبل الصوم رجعنا إلى بدله، وهو الإطعام، لكن الصواب أنه يصوم بلا إطعام، ولكنه يأثم فعليه أن يتوب.


(263) المريض إذا أخر الصوم – يعني: القضاء -: فإن كان في وقت رمضان مريضاً بمرض يرجى زواله فالواجب عليه القضاء، لكن إذا عجز واستمر به المرض حتى مات فهذا لا يُقضى عنه، ولا يطعم عنه؛ لأن الواجب هو القضاء، وقد عجز عنه.


والثاني: إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى زواله، فالواجب الإطعام، فإذا أطعم ثم
برئ بعد ذلك فلا قضاء عليه، وإذا مات لم يُقْضَ عنه.



الثالث: مريض مرضاً يرجى زواله، عوفي بعد رمضان، وتمكن من القضاء، ثم عاد إليه المرض فمات، فهذا هو الذي فيه الخلاف: هل يقضى عنه أو لا يقضى؟ فجمهور العلماء على أنه لا يقضى، وهو المذهب، وحملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» [أخرجه البخاري في الصوم/باب من مات وعليه صوم (1952)؛ ومسلم في الصيام/باب قضاء الصوم عن الميت (1147).] على صيام النذر، ولكن هذا قول ضعيف، ولكنه وسط بين قول من يقول: لا يصام عن الميت مطلقاً، لا نذر ولا فرض، ومن يقول: يصام عنه النذر دون الفرض، والصواب أنه يصام عنه النذر والفرض؛ لأنه لما قدم على القضاء ولم يفعله ثبت في ذمته، فإذا ثبت في ذمته ومات صام عنه وليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وَحَمْلُ الحديث على النذر ضعيف جداً؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم كلام معصوم يعلم ما يقول، ويعلم الحال التي يتنزل عليها هذا القول، فهل يمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد النذر، وهو نادر، ويترك قضاء رمضان، وهو الكثير؟ لا يمكن هذا أبدا، ولذلك القول الراجح في هذه المسألة أن الميت يقضى عنه صوم النذر، والصوم الواجب بأصل الشرع؛ لعموم هذا الحديث: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، وفي النذر ورد ذلك بخصوصه في المرأة التي ذكرت أن أمها نذرت أن تصوم، فلم تصم حتى ماتت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقضي الصوم عن الميت [أخرجه أحمد (1/224).]. فكل التفريعات والامتناعات التي ذكرها المؤلف - رحمه الله - مبنية على أنه لا يصوم أحد عن أحد، لا في الفريضة ولا في النذر.


(264) ولا شك أن هذا القول ضعيف جداً، وهو أن ينوب الإنسان عن غيره إذا عجز عن العبادة، وعلى طرد هذه القاعدة: إذا عجز عن الوضوء فإنه يتوضأ واحد، ويصلي المحدث، فلا يتصور أحد أن يقال هذا القول، فالصواب أن الإنسان إذا عجز عن العبادة سقطت عنه، ولا يمكن أن يقوم بها أحد، لكن إن كان لها بدل أتى ببدلها، وإن لم يكن لها بدل، أو عجز حتى عن بدلها سقطت.


(265) مسألة: إذا قال الولي لن أصوم فماذا نصنع؟ الجواب: نرجع إلى بدل الصيام، وهو الإطعام، إذا كان في تركته شيء، وإن لم يكن فإن تبرع أحد بالإطعام عنه كفى، وإلا سقط.


(266) وهذا هو الصواب، أنه لا يصام، واختيار شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذا ضعيف، أنه إذا تبرع بالصيام عمن لا يطيقه يجزئ، ضعيف جداً، فيقال: من لا يطيقه إن كان عجزه مستمراً فعليه الإطعام، وإلا فينتظر حتى يعافيه الله.


(267) قوله: «من الثلث إن أوصى به ...» أي: إن أوصى به فمن الثلث، وإن لم يوص به فمن رأس المال، والصواب أنه من رأس المال، سواء أوصى أم لم يوصِ، فيطعم عنه، ثم الباقي بعد الإطعام يخرج ثلثه بالوصية.


(268) كلام شيخ الإسلام هو الصواب بلا شك، وأن من أخر صوم يوم من رمضان بلا عذر فإنه لا يقضي عنه صوم الدهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، لكن عليه أن يتوب إلى الله ويستغفر، ويكثر من الأعمال الصالحة، والحسنات يذهبن السيئات، وظاهر كلام الشيخ - رحمه الله - أنه لو تعمد الفطر في أثناء النهار لم يقضِ؛ لأنه تعمد إفساد الصوم فهو كالذي تعمد تأخيره إلى ما بعد رمضان، وفي هذا نظر، والصواب أنه إذا تعمد الفطر في رمضان فهو آثم، وعليه القضاء وليس كالذي لم يصم أصلاً، والفرق: أن الذي شرع في الصوم التزمه، فصار في حقه كالنذر، وهو صوم واجب، فيجب عليه القضاء، وأما الذي لم يشرع فيه أصلاً فقد اعتمد أن لا يصوم، فلا ينفعه القضاء،

والمذهب أنه يلزمه القضاء، ولو تعمد الفطر، لكنه يكون آثما، والأدلة تدل على أنه لا ينفعه القضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [سبق تخريجه].



وأما قوله رحمه الله: «ليس في الأدلة ما يخالف هذا، بل يوافقه» وضعف أمره صلى الله عليه وسلم المجامع بالقضاء، وعلل هذا التضعيف بعدول البخاري ومسلم عنه، فهل نأخذ من هذا قاعدة أن كل شيء لم يكن في البخاري ومسلم فهو ضعيف ؟ الجواب: لا، فالشيخ رحمه الله لا يريد هذا، لكن الحديث ورد في البخاري ومسلم وغيرهما، وجاءت الزيادة في غير ما رواه البخاري ومسلم، فتكون هذه الزيادة في غير ما رواه البخاري ومسلم شاذة، والشاذ من قسم الضعيف، هذا وجه كلام الشيخ رحمه الله.


فإن قال قائل: الزيادة لا تكون شاذة إلا إذا لم يمكن الجمع؟
فالجواب: أن يقال: لما عدل البخاري ومسلم عن ذكر القضاء مع أنه من تمام القصة، ومما تتوافر الدواعي على نقله لو صح، دل على أنه لم يصح عندهما، فهذا وجه التضعيف في هذه المسألة خاصة، ولا يؤخذ من الكلام أن شيخ الإسلام - رحمه الله - يرى أن كل ما عدل عنه البخاري ومسلم فهو ضعيف، بل في هذه المسألة بخصوصها وأشباهها؛ لأن القصة واحدة، والمقام مقام بيان الواجب، فلو كانت هذه الزيادة صحيحة ما تركها البخاري ومسلم.


(269) قوله رحمه الله: «ولا يجزئ صوم كفارة عن ميت وإن أوصى به» كونه أوصى به هذه لا أثر له، لكن الصواب أنه يصح لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» [سبق تخريجه].
وأما قول القاضي - رحمه الله -: إن هذا عقوبة، والعقوبة لا ينبغي أن تكون على غير فاعل، ففيه نظر؛ لأنه يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، والصواب أن كل صوم واجب يموت عنه الإنسان فوليه مأمور أن يصوم عنه، ووليه هو وارثه، فإن لم يفعل أُطعم عن كل يوم مسكين.


(270) هذه المسألة في النفس منها شيء، أنه إذا مات الإنسان وعليه صوم كفارة أنه يطعم عنه؛ لأنه إذا كان حياً وعجز عن الصوم فلا إطعام إلا في الظهار والجماع في نهار رمضان، أما في القتل فليس فيه إطعام، ولعله أراد هذا فيما إذا كانت الكفارة عن ظهار أو جماع في نهار رمضان.


(271) الصحيح أنه يجوز أن يصوم جماعة عن الأيام ولو في يوم واحد، إلا ما شرطه التتابع فإن ذلك لا يمكن؛ لأن كل واحد منهم لم يصم شهريين متتابعين، فعلى هذا إذا كان على شخص خمسة أيام من رمضان، وله خمسة أبناء، فصاموها في يوم واحد أجزأ؛ لأنهم أدوا ما يجب عليه، وهو واجب عليه بغير تتابع، وأما إذا كان عليه صيام كفارة يمين وصام عنه ثلاثة في يوم واحد لم يجزئ؛ لأنه يشترط في صيام الثلاثة أيام في كفارة اليمين التتابع، وكذلك في صيام شهرين متتابعين في كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان، والمهم أنه يجوز أن يصوم جماعة عن شخص أياماً، إلا ما يشترط فيه التتابع فلا يصح، وعلى هذا فالذي يشترط فيه التتابع لا يمكن إلا من شخص واحد، والحج يصح أن يحج عنه ثلاثة في سنة واحدة، بل يصح أن يحج عنه اثنان في سنة واحدة، أحدهما في الفرض، والثاني في النفل، ويكون السابق بالإحرام هو الفريضة.


(272) هذه المسألة فيها نظر، وهي أن له أن يدفع إلى من يصوم؛ لأنه إذا فعل ذلك صار كأنه أجير، والأجرة لا تصح على فعل الطاعات.
(263) الفرق بينهما أن الحج تجوز فيه النيابة، ودفع أجرة للنائب خلاف الصواب.


(274) بشرط أن يكون المرض مما يرجى برؤه، فإذا مرض في رمضان مرضاً يرجى برؤه، ولكنه استمر به المرض حتى تضاعف ومات، فإنه ليس عليه شيء، أما لو كان في رمضان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه فالواجب الإطعام.


(275) الصواب أنه إذا نذر شهراً معيناً ومات قبله فلا شيء عليه، وإن بقي لكنه كان مريضاً لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الواجب بالنذر يحذى به حذو الواجب بأصل الشرع، وأما إذا كان مريضاً مرضاً يرجى برؤه، ثم استمر به المرض حتى مات، فلا شيء عليه، يعني: أننا نحكم على النذر حكم الصوم الواجب بأصل الشرع.


(276) الصحيح أنه شرط للوجوب؛ لقوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلاً} [آل عمران :97]، وهذا لم يستطع والآية عامة، سواء لم يستطع هو بنفسه، أو لم يستطع لخوف الطريق، أو لغير هذه الأسباب، فهو شرط للوجوب، ولو مات في هذه الحال لم يلزم القضاء عنه؛ لأنه كان يستطيع ببدنه وماله لكن الطريق مخوف، فلا يلزم القضاء عنه؛ لأن هذا لم يستطع إليه السبيل.


(277) والصحيح أن نذر الاعتكاف لا يقضى؛ لأن مراده بالاعتكاف هو التفرغ لطاعة الله عز وجل ، والميت انتهى وذهب، فكيف يقضى عنه؟!

وقياسه على الصوم فيه نظر من وجيهن:

الوجه الأول: أنه لا قياس في العبادات.
والوجه الثاني: أن النوع هنا يختلف، فإن المقصود من الاعتكاف حبس النفس على التزام المسجد لطاعة الله عز وجل ، لكن لو قيل: يكفر عنه كفارة يمين، فهو جيد، كما ذكره هنا.


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18306.shtml





رد مع اقتباس
  #26  
قديم 04-05-2015, 03:05AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



باب
صوم التطوع وذكر ليلة القدر



باب صوم التطوع وذكر ليلة القدر

وما يتعلق بذلك

أفضل صوم التطوع صيام داود. نص عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: «صم يوما وأفطر يوما، فذلك داود، فذلك صيام داود - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الصيام». قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك. فقال: «لا أفضل من ذلك». متفق عليه. ويستحب صوم ثلاث أيام من كل شهر (و)، وأيام البيض أفضل (وش)، نص على ذلك؛ للأخبار الصحيحة في ذلك، وأنه «صوم الدهر»، وفي بعضها: «كصوم الدهر»، قال شيخنا وغيره: مراده أن من فعل هذا، حصل له أجر صيام الدهر، بتضعيف الأجر من غير حصول المفسدة، والله أعلم.


وأيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة(278)، سُمِّيَتْ بذلك لابيضاض ليلها. وذكر أبو الحسن التميمي أن الله تاب فيها على آدم، وبيض صحيفته. وعن مالك: يكره صومها (279).
ويستحب صوم الاثنين والخميس. نص عليه.


ويستحب إتباع رمضان بست من شوال، ولمسلم وغيره، من رواية سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعا: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال، فذلك صيام الدهر». سعد مُختَلفٌ فيه، وضعفه أحمد، ورواه أبو داود، عن النفيلي، عن عبد العزيز - وهو الداروردي - عن صفوان بن سليم، وسعد بن سعيد عن عمر. فذكره، وهو إسناد صحيح، وكذا رواه النسائي عن خلاد بن أسلم، عن الداروردي. ورواه أيضا من حديث يحيى بن سعيد عن عمر، لكن فيه عتبة بن أبي حكيم، مُخْتَلفٌ فيه، ورواه أحمد أيضا من حديث جابر مرفوعا، وكذا من حديث ثوبان، وفيه: «وستة أيام بعد الفطر». فلذلك استحب أحمد، والأصحاب رحمهم الله، لمن صام رمضان أن يُتبِعَه بصوم ستة أيام من شوال.


قال جماعة منهم صاحب «المغني»، و«المحرر»: وإنما كُرِهَ صوم الدهر؛ لما فيه من الضَّعْفِ والتشبه بالتَّبَتُّلِ، ولولا ذلك لكان فيه فضل عظيم؛ لاستغراق الزمان بالطاعة والعِبَادةِ، والمراد بالخبر: التشبيه به في حصول العبادة به على وجه لا مشقة فيه، كما قال عليه السلام في أيام البيض، وهي مستحبة، قال في «المغني»: بغير خلاف. قال: ولذا نُهِيَ عبدالله بن عمرو عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث، وقال: «من قرأ: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] فكأنما قرأ ثلث القرآن»، أراد التشبيه بثلث القرآن في الفضل، لا في كراهة الزيادة عليه.


وتحصل فضيلتها متتابعة ومتفرقة، ذكره جماعة، وهو ظاهر كلام أحمد، وقال: في أول الشهر وآخره، واستحب بعضهم تتابعها، وهو ظاهر الخرقي وغيره، وبعضهم: عقب العيد، واستحبهما ابن المبارك والشافعي وإسحاق، وهذا أظهر(280)، ولعله مراد أحمد والأصحاب؛ لما فيه من المسارعة إلى الخير، وإن حصلت الفضيلة بغيره، وسمى بعض الناس الثامن عيد الأبرار، واختار شيخنا الأول؛ لظاهر الخبر، وذكره قول الجمهور، وقال: ولا يجوز اعتقاد ثامن شوال عيدا، فإنه ليس بعيد، إجماعا، ولا شعائره شعائر العيد، والله أعلم(281).


ويتوجه احتمال: تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال، وفاقاً لبعض العلماء، ذكره القرطبي؛ لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها، كما في خبر ثوبان، ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم لاعتباره رخصة، والرخصة أولى، ويتوجه تحصيل فضيلتها لمن صامها وقضاء رمضان، وقد أفطره لعذر، ولعله مراد الأصحاب، وما ظاهره خلافه خُرِّجَ على الغالب المعتاد، والله أعلم(282).
وكره أبو حنيفة ومالك صوم ستة أيام من شوال، وذكر مالك أن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه. قال أصحابنا وغيرهم: يوم الفطر فاصل، بخلاف يوم الشك(283).


ويستحب صوم عشر ذي الحجة(284). وآكده التاسع - وهو يوم عرفة - إجماعا، قيل: سمي بذلك للوقوف بعرفة فيه. وقيل: لأن جبريل حج بإبراهيم - عليهما السلام -، فلما أتى عرفة قال: قد عرفت؟ قال: قد عرفت. وقيل: لتعارف آدم وحواء بها. ثم الثامن، وهو يوم التروية، قيل: سمي بذلك لأن عرفة لم يكن بها ماء، فكانوا يتروون من الماء إليها، وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام رأى ليلة التروية الأمر بذبح ولده، فأصبح يتروى؛ هل هو من الله، أو حُلْمٌ؟ فلما رآه الليلة الثانية عرف أنه من الله (285). ولا وجه لقول بعضهم: آكده الثامن ثم التاسع، ولعله أخذه من قوله في «الهداية» وغيرها: آكده يوم التروية وعرفة.


ولا يستحب للحاج بعرفة صوم يوم عرفة (و م ش)، وفطره أفضل، وكرهه جماعة؛ لفطره صلى الله عليه وسلم بعرفة، وهو يخطب الناس. متفق عليه. ولأحمد وابن ماجه النهي عنه من حديث أبي هريرة، من رواية مهدي الهجري - وفيه جهالة، ووثقه ابن حبان -، وليتقوى على الدعاء. وعن عقبة مرفوعا: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب». رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه. قال صاحب «المحرر»: والمراد به؛ كراهة صومه في حق الحاج، واستحبه أبو حنيفة، وإسحاق، إلا أن يضعفه عن الدعاء، واختاره الآجري، قال صاحب «المحرر»: وحكى الخطابي عن إمامنا نحوه، وجزم في «الرعاية» بما ذكره بعضهم؛ أن الأفضل للحاج الفطر يوم التروية، ويوم عرفة بهما (286).


ويستحب صوم المحرم، قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم». رواه مسلم وغيره، من حديث أبي هريرة. ولعله عليه السلام لم يكثر الصيام فيه لعذرٍ، أو لم يعلم فضله إلا أخيراً.


قال ابن الأثير: إضافته إلى الله تعظيما وتفخيما، كقولهم: بيت الله، وآل الله، لقريش. قال: والشهر: الهلال، سُمِّيَ به؛ لشهرته وظهوره. وأفضله عاشوراء، وهو العاشر، وفاقا لأكثر العلماء، ثم تاسوعاء، وهو التاسع – ممدودان، وحُكِيَ قصرهما -، وعن ابن عمر: يكره صوم عاشوراء، وعن بعض السلف: فرض، وهما آكده، ثم العشر، روى مسلم عن أبي قتادة مرفوعا، في صيام يوم عرفة: «إني لأحتسب على الله أن يُكَفِّرَ السنة التي قبله والسنة التي بعده». وقال في صيام عاشوراء: «إني أحتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله».


والمراد به الصغائر، حكاه في «شرح مسلم» عن العلماء، فإن لم تكن صغائر، رُجِيَ التخفيف من الكبائر(287)، فإن لم تكن رفعت درجات، وعن الحسن، عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء، يوم العاشر، من المحرم. إسناده ثقات، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وقال ابن المديني: لم يسمع الحسن من ابن عباس، وقال: مرسلات الحسن التي رواها عنه الثقات صحاح. وعن معقل بن يسار، وغيره: يوم عاشوراء هو اليوم التاسع؛ لأن الحكم بن عبدالله الأعرج سأل ابن عباس عن صومه: أي يوم؟ قال: إذا رأيت هلال المحرم، فاعدد، فإذا أصبحت من تاسعه، فأصبح منها صائما، قلت: أكذلك كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. رواه مسلم.


ومعناه: أهكذا كان يأمر بصيامه أو يحث عليه؟ جمعا بينه وبين غيره، ذكره صاحب «المحررِ»، وعن ابن عباس القولان، واختارت طائفة صوم اليومين، صح عن ابن عباس. وقال: خالفوا اليهود. وعن أبي رافع - صاحب أبي هريرة - وابن سيرين، وقاله الشافعي، وأحمد وإسحاق، وقول ابن عباس: لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى - وفي لفظ أبي داود: تصومه اليهود والنصارى - فقال: «فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع». فلم يأت العام المقبل حتى توفي. رواه مسلم وأبو داود. وهو يدل على أنه لم يكن يصوم التاسع بل العاشر، وأنه عاشوراء، وقصد صوم التاسع مع العاشر؛ مخالفة لليهود، وليس يدل على اقتصاره على التاسع.


وقد روى الخلال في «العلل»: حدثنا محمد بن إسماعيل، أنبأنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن القاسم بن عباس، عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس مرفوعا: «لئن بقيت إلى قابل، لأصومن التاسع والعاشر». إسناده جيد. واحتج به أحمد في رواية الأثرم، وبقول ابن عباس: صوموا التاسع والعاشر. ولا يكره إفراد العاشر بالصوم، وقد أمر أحمد بصومهما، ووافق شيخنا المذهب أنه لا يكره. وقال: مقتضى كلام أحمد: يكره، وهو قول ابن عباس (وهـ)، ولم يجب صوم عاشوراء، اختاره الأكثر، منهم القاضي، قال صاحب «المحررِ»: وهو الأصح من قول أصحابنا (وش).


وعن أحمد: وجب ثم نُسِخَ، اختاره شيخنا، ومال إليه الشيخ (و هـ)؛ للأمر به، وقد روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ من أكل بالقضاء، ثم لا يلزم من عدم القضاء عدم وجوبه، بدليل الخلاف فيمن صار أهلا للوجوب في أثناء يوم من رمضان، وحديث معاوية: «لم يكتب عليكم صيامه»، فمعاوية أسلم عام الفتح، وقيل: في عمرة القضية، وقيل: زمن الحديبية، فإنما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك بعد هذا، وعاشوراء إنما وجب في العام الثاني للهجرة، فوجب يوما ثم نُسِخَ برمضان ذلك العام، والأخبار في ذلك مشهورة، ومن اختار الأول حمل الأمر قبل رمضان على تأكيده وكراهة تركه، فلما فُرِضَ رمضان بقي أصل الاستحباب، والله أعلم.



سأل ابن منصور أحمد: هل سمعت في الحديث أن: «من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة»؟ فقال: نعم، رواه سفيان بن عيينة، عن جعفر الأحمر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر - وكان من أفضل أهل زمانه - أنه بلغه: أن من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته. قال ابن عيينة: قد جربناه منذ خمسين أو ستين فما رأينا إلا خيرا. وذكره ابن الجوزي في «العلل المتناهية» من حديث ابن عمر، قال الدارقطني: منكر، ومن حديث أبي هريرة، والإسناد ضعيف، وعن جابر مرفوعا مثله، وفيه: «على نفسه وأهله». ذكره ابن عبد البر في «الاستذكار»: قال جابر: جربناه فوجدناه كذلك. وقال أبو الزبير مثله، وقال شعبة مثله. وعن الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مثله، ولفظه: «من وسع على أهله».


قال يحيى بن سعيد: جربنا ذلك فوجدناه حقا. وكره شيخنا ذلك وغيره سوى صومه، قال: وقول إبراهيم بن محمد بن المنتشر أنه بلغه، لم يذكر عمن بلغه، وبعض الجهال والنواصب ونحوهم، وضع في ذلك قبالة الرافضة. قال: ولم يستحب أحد من الأئمة فيه غسلا ولا كحلا ولا خضابا، ونحو ذلك، والخبر بذلك كذب اتفاقا، وغلط من صحح إسناده، واستحب ذلك صاحب «التلخيص» في كتابه «الخطب»، والله أعلم (288).




-----------------------



(278) أفضل الصيام: صوم يوم وإفطار يوم، وصيام ثلاثة أيام من الشهر، وهي تعدل صوم الدهر، لكن الأفضل أن تكون في الأيام البيض، وإن صامها في أول الشهر، أو في وسطه، أو في آخره، حصل المقصود، كما نقول - مثلاً - في الصلاة: صَلِّ الصلاة في كل الوقت، لكن تقديمها أفضل، فيكون فضل صيام الأيام البيض فضل الزمن فقط، وأما الأجر وأنه يحصل له صيام الدهر كله فحاصل سواء صام الثلاثة في الأيام البيض، أو في غيرها، وسواء صامها متتابعة، أم متفرقة، فلو صام في العشر الأول يوماً، وفي العشر الأوسط يوماً، وفي العشر الثالث يوماً، حصل المقصود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط التتابع، ولو كان التتابع شرطاً لبينه.


(279) قول الإمام مالك - رحمه الله - ضعيف ؛ لأن ذلك جاءت به السنة.
(280) وهذا هو الصحيح أنه يبادر بها ويتابعها، أي: الست من شوال؛ لأنه أسبق إلى الخير وأسرع في فعله فكان أولى، ولكن لو أخرها إلى آخر الشهر فلا بأس، أو فرقها في أيام فلا بأس.


(281) هذا أدركناه، يسمون اليوم الثامن: عيد الأبرار؛ لأن يوم الثامن يصادف يوم العيد، وهذا غير صحيح؛ لأن مفهوم هذا الكلام لو أخذناه بظاهره أن من لم يصم ستة أيام من شوال غير بار، وهذا كذب.


(282) وعلى هذا فنقول: إن صامها في غير شوال لعذر حصل له الأجر، وإن صامها في غير شوال لغير عذر كما لو أخرها، فإنه لا تحصل له فضيلة صيام الستة.


مثال الأول: لو صادف أنه بعد الانتهاء من رمضان مرض، وطال به المرض حتى خرج الشهر، ثم شُفي وصامها، فإنه يحصل له ذلك، وكذلك يحصل ثوابها إذا كان على الإنسان شهر رمضان كاملاً، فإنه يلزم من ذلك أن لا يصوم الست إلا في ذي القعدة، فيحصل له الأجر؛ لأنه أخرها لعذر.


ومثال الثاني: لو فَرَّط وتهاون، وقال: هذا الشهر شهر نزهة وسفر، وسوف أصوم في ذي القعدة، فإنه لا يحصل له ثوابها، ونعلم مما سبق أنه لو صامها قبل أن يتم رمضان فإنها لا تنفعه، حتى لو قلنا بجواز صوم النفل قبل القضاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان»، ومن عليه قضاء لا يقال: إنه صام رمضان، بل صام بعضه.


مثاله: إنسان عليه سبعة أيام من رمضان، وانتهى الشهر، فقال: أصوم الست؛ لئلا يفوت الشهر، فصام الست، ثم صام الأيام الباقية في ذي القعدة، فإنه لا يحصل له ثوابها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط شرطين:
الأول: أن يصوم رمضان؛ لقوله: «من صام رمضان ثم أتبعه».
والثاني: أن يكون من شوال.


ولأن صيامها بعد شوال بمنزلة الراتبة بعد الفريضة، ولو قدم الراتبة على الفريضة لم يحصل له ثوابها، كما لو قدم راتبة المغرب مثلاً، أو راتبة العشاء، أو الراتبة التي بعد صلاة الظهر، فإنه لا يحصل له ذلك الأجر، أما صوم التطوع غير الست فهل يجوز أو لا يجوز، كما لو صام يوم عرفة مثلاً، أو يوم عاشوراء، أو صام تطوعا قبل أن يقضي ما عليه من رمضان؟ فيه خلاف، فالمشهور من المذهب أن ذلك لا يصح، والقول الثاني: أنه يصح ما دام الوقت واسعاً للقضاء، فإن ضاق الوقت بحيث لم يبق عليه إلا مقدار ما عليه من الأيام، فإن النافلة لا تصح، وهذا أقيس، بدليل أن صلاة الفريضة موسع وقتها، ويجوز للإنسان أن يتنفل بما شاء قبل أن يصليها.


(283) لاوجه للكراهة، وكما قال الأصحاب وأجابوا عن اشتباه الفرض بالنفل بأنه يفصل بينهما بيوم فطر واجب، وهو يوم العيد.
(284) قوله: «ويستحب صوم عشر ذي الحجة» هذا هو الصواب بلا شك، وأما قول عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصومها [أخرجه مسلم في الصيام/باب في صوم عشر ذي الحجة (1176).]. فقد عورض بحديث حفصة رضي الله عنها وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصومها [أخرجه أبو داود في الصيام/باب في صوم العشر (2437)؛ والنسائي في الصيام/باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/220).] ، ثم يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» [أخرجه البخاري في العيدين/باب فضل العمل في أيام التشريق (969).]، وكونه لا يصومها - على تسليم أنه لا يصومها - قد يكون تركها لعذر أو خاف أن لا يشق على أمته، وإلا فمن يستطيع أن يقول: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر إلا الصوم؟ لا أحد يستطيع أن يقول هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم عَمَّمَ، والصواب: أن صومها مستحب بلا شك.


(285) الصواب أن عرفة سميت بذلك؛ لأنها مرتفعة، وكل شيء مرتفع يسمى: عرف، ومنه الأعراف وهو المكان المرتفع بين الجنة والنار، وقيل: لأن الناس يتعارفون فيها، وهذا يحتمل، أما قوله: «وقيل: لأن جبريل حج بإبراهيم - عليهما السلام -، فلما أتى عرفة قال: قد عرفت؟ قال: قد عرفت» فهذا لا أصل له، أما التروية فصحيح؛ لأنهم كانوا يتروون الماء لأن عرفة ومنى ليس فيهما ماء، فكان يتزودون بالماء قبل أن يقدم الحجاج إليهم.


(286) الصواب أنه لا يستحب صوم يوم عرفة للحاج، ولو قيل بالكراهة استئناساً بالحديث الذي فيه ضعف، واحتجاجاً بكون الرسول صلى الله عليه وسلم: دعا بالإناء ضحى يوم عرفة وشرب والناس ينظرون [أخرجه البخاري في الصوم/باب صوم يوم عرفة (1988)؛ ومسلم في الصيام/باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة (1123).]، مما يجعل ذلك تأكيداً في فطره، أقول: لو قيل بالكراهة لكان له وجه، وإذا قلنا بالكراهة فإنه لا يثاب على صوم هذا اليوم.


(287) قوله: «فإن لم تكن له صغائر » هذا بعيد جداً أن يكون إنسان ليس له كبائر ولا صغائر، ولكن على فرض أنه حصل فإنه يرفع درجاته، ويمكن أن يحصل بما إذا وجدت الأسباب في كفارة الذنوب، ثم تعددت هذه الأسباب، فما زاد يكون رفعة في الدرجات، مثل: الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، والصلوات الخمس كفارة لما بينهما، فهذا يكون زيادة في رفعة الدرجات، لكن من يجزم أن صلاته تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟! لأن أكثر الناس الآن صلواتهم تجزئ فقط، بسبب كثرة الوساوس وانشغال القلب.


(288) والصواب ما قاله شيخ الإسلام - رحمه الله - أنه يوم كالأيام، لا يسن فيه التوسعة، وإنما يسن فيه الصيام، أما غيره فلا، ولكن هذا الذي حصل؛ حصل مصادفة - إن صح الخبر - فهؤلاء الذين قالوا: جربناه فوجدنا خيراً، أو فوجدناه كذلك، حصل مصادفة، ثم من فعله أراد بذلك مقابلة الرافضة؛ لأن الروافض في يوم عاشوراء يجعلونه يوم أحزان وهموم وغموم، ويعذبون أنفسهم في ذلك اليوم.


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18307.shtml







رد مع اقتباس
  #27  
قديم 04-05-2015, 03:34AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
يُكْرَهُ صوم الدهر



يُكْرَهُ صوم الدهر إذا أدخل فيه يومي العيدين، وأيام التشريق، ذكره القاضي وأصحابه، والكراهة كراهة تحريم. ذكره صاحب «المغني»، و«المحررِ»، وغيرهُما، وهو واضح(289).، وإن أفطر أيام النهي جاز، خلافاً للظاهرية، وسبق كلام ابن عقيل في إعادة الصلاة، ولم يكره، والمراد ما ذكره صاحب «المحررِ» وغيره، إذا لم يترك به حقا، ولا خاف منه ضررا. نقل حنبل: إذا أفطر أيام النهي فليس ذلك صوم الدهر. ونقل صالح: إذا أفطرها رجوت أن لا بأس به. وهذا اختيار القاضي وأصحابه، وصاحب «المحررِ» والأكثر (و م ش)، وذكر مالك أنه سمع أهل العلم يقولونه؛ لقول حمزة بن عمرو: يا رسول الله، إني أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: «إن شئت فصم». متفق عليه؛ ولأن أبا طلحة، وغيره من الصحابة، وغيرهم فعلوه،


ولأن الصوم مطلوب للشارع إلا ما استثناه، وأجابوا عن حديث عبدالله بن عمرو، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صام من صام الدهر». رواه البخاري؛ بأنه عليه السلام خشي عليه ما سبق، ولذلك قال: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعدما كَبِرَ. واختار صاحب «المغني»: يكره، وهو ظاهر رواية الأثرم، وللحنفية قولان. وقال شيخنا: الصواب قول من جعله تركا للأولى، أو كرهه، فعلى الأول: صوم يوم وفطر يوم أفضل منه، خلافا لطائفة من الفقهاء والعباد.


ذكره شيخنا، وهو ظاهر حال من سرده، ومنهم أبو بكر النجاد من أصحابنا؛ حملا لخبر عبدالله بن عمرو عليه، وعلى من في معناه؛ لأنه - عليه السلام - لم يرشد حمزة بن عمرو إلى يوم ويوم. قال أحمد: ويعجبني أن يفطر منه أياما. يعني: أنه أولى؛ للخروج من الخلاف، وجزم به جماعة، وقاله إسحاق، وليس المراد الكراهة، فلا تعارض(290).




-----------------------------------



(289) والصواب كما قال المؤلف: أنه يكره صوم الدهر كراهة تحريم إن دخل فيه الأيام التي يحرم صيامها.
(290) والذي يظهر من ذلك أنه مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن قوم اجتمعوا، فقال بعضهم: أنا أصوم ولا أفطر، والثاني: أنا أقوم ولا أنام، والثالث قال: لا أتزوج النساء، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا رغبة عن سنته، فقال: «من رغب عن سنتي فليس مني» [أخرجه البخاري في النكاح/باب الترغيب في النكاح (4776)؛ ومسلم في النكاح/باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم (1401).] ، فالصواب أنه مكروه على الأقل، ولأنه في الغالب إذا صام الدهر كله لابد أن يحصل منه تقصير فيما يجب أو يستحب،


وحينئذ لا يوظف البدن في الوظائف الدينية المتعددة، فمثلاً: قد يكسل عن طلب العلم، وقد يكسل عن إعانة المحتاج، وقد يكسل عن طلب الرزق لأهله، وما أشبه هذا، فالصواب أن نقول: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم: كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال لا يصوم [أخرجه البخاري في الصيام/باب صوم شعبان (1969)؛ ومسلم في الصوم/باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان واستحباب أن لا يخلي شهرا عن صوم (1156).]. تبعاً للمصلحة، أو يقال: صم يوماً، وأفطر يوماً.




المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18308.shtml







رد مع اقتباس
  #28  
قديم 04-05-2015, 03:43AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-


فصل:
يكره الوصال



يكره الوصال، وهو أن لا يفطر بين اليومين؛ لأن النهي رفقٌ ورحمةٌ؛ ولهذا واصل صلى الله عليه وسلم بهم، وواصلوا بعده، وقيل: يحرم، واختاره ابن البناء، وحكاه ابن عبدالبر عن الأئمة الثلاثة وغيرهم، وللشافعية وجهان. قال أحمد: لا يعجبني. وأومأ أحمد أيضا إلى إباحته لمن يطيقه، روي عن عبدالله بن الزبير، وابنه عامر، وغيرهما،


فنقل حنبل أنه واصل بالعسكر ثمانية أيام ما رآه طعم فيها، ولا شَرِبَ حتى كلمه في ذلك فشرب سويقا، قال أبو بكر: يحتمل أنه فعله حيث لا يراه، لأنه لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم ، كذا قال، قال صاحب «المحررِ»: لا خلاف أن الوصال لا يبطل الصوم؛ لأن النهي ما تناول وقت العبادة؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين واصلوا بالقضاء، وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها؛ لأن الأكل مظنة القوة، وكذا بمجرد الشرب، على ظاهر ما رواه المروذي عنه أنه كان إذا واصل شرب شربة ماء، خلافاً للشافعية.



ولا يكره الوصال إلى السحر. نص عليه، وقاله إسحاق؛ لقوله عليه السلام في حديث أبي سعيد: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر». رواه البخاري. لكن تَرَكَ الأولى؛ لتعجيل الفطر، وذكر القاضي عياض المالكي أن أكثر العلماء كرهه(291).



------------------------



(291) الوصال إذا لزم منه إضاعة الواجب فهو حرام؛ لأن كل ما يبطل الواجب حرام، كما أن ما يوقع في المحرم يكون حراماً، أما إذا كان الإنسان نشيطاً وسيقوم بكل وظائف العبادة الواجبة عليه فأقل أحواله الكراهة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولما قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل؟ قال: «إني لست كهيئتكم». فواصلوا، ثم واصل بهم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى هَلّ هلال شوال، فقال: «لو تأخر الهلال لزدتكم».

كالمنكل لهم [أخرجه البخاري في الصوم/باب التنكيل لمن أكثر الوصال


(1965)؛ ومسلم في الصيام/باب النهي عن الوصال (1103).]. وهذا يدل على أن أقل أحواله الكراهة، لكن إذا تضمن إسقاط واجب أو فعل محرم صار حراماً، والوصال من الأمثلة التي تدل على أن الشيء من العبادات قد يكون مباحاً وليس بمسنون؛ لأنهم سيبقون إلى الفجر مثلاً، أو إلى السحر، تعبداً لله، فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لم يعجبه ذلك،


وهناك أمثلة كثيرة، وأما من فعله من الصحابة رضي الله عنهم كعبد الله بن الزبير وغيره فهم تأولوا النهي على أن المقصود بذلك الرفق، وأنه لا يشق عليهم، ففعلوا.



المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18309.shtml







رد مع اقتباس
  #29  
قديم 04-05-2015, 03:49AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
يُكْرَهُ استقبال رمضان بيوم أو يومين




يُكْرَهُ استقبال رمضان بيوم أو يومين، ذكره الترمذي عن أهل العلم، وجزم به الأصحاب، مع ذكرهم في يوم الشك ما يأتي، وقد قال أحمد - رحمه الله تعالى - في رواية أبي داود وغيره: إنه إذا دخل لم يَحُلْ دونه سحاب أو قتر يوم شك، ولا يصام. وكذا نقل الأثرم: ليس ينبغي أن يصوم إذا لم يَحُلْ دون الهلال شيء من سحاب، ولا غيره، فهذا من أحمد للتحريم،


على ما سبق في خطبة الكتاب (وش)، ولم أجد عن أحدٍ خلافه، إلا ما حكاه الترمذي في يوم الشك عن أكثر أهل العلم - منهم أحمد – الكراهة، والأظهر أنه لا تعارض، وأن قوله في رواية أبي داود يوم شك، فيه نظر، إلا أن يكون المراد: لم يَحُلْ دونه شيء، وتقاعدوا عن الرؤية، وفيه نظر، فإن كان أراده، فيوم الشك محرم عنده؛ لقول عمار: «من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم».


فتَقَدُّمُه باليوم واليومين أولى عنده بالتحريم؛ لصحة النهي فيه، ولا معارض، ووجه تحريم يوم الشك فقط أن قول عمار صريح، والنهي يحتمل الكراهة، ووجه تحريم استقباله فقط النهي، وفيه زيادة على المشروع، وصوم الشك احتياط للعبادة، وقول عمار في إسناده أبو إسحاق، وهو مدلس، وروي من غير طريقه، بإسنادٍ أثبت منه موقوف. والله أعلم(292)..



ولا يكره التقديم بأكثر من يومين. نص عليه؛ لظاهر حديث أبي هريرة: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه». وقيل: يكره بعد نصف شعبان، وحرمه الشافعية؛ لحديث أبي هريرة: «إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا». رواه الخمسة، وضعفه أحمد وغيره من الأئمة، وصححه الشيخ، وحمله على نفي الفضيلة، وحمل غيره على الجواز.


قال في «المستوعب»: آكده يوم النصف. قال شيخنا: وليلة النصف لها فضيلة في المنقول عن أحمد، وقد روى أحمد وجماعة من أصحابنا وغيرهم في فضلها أشياء مشهورة في كتب الحديث (293).



----------------------------



(292) والصحيح أن يوم الشك هو يوم الغيم إذا حال دون الهلال غيم أو قتر، فصباح تلك الليلة هو يوم الشك، وأما إذا كانت السماء صحواً فأين الشك؟ لأن الناس سوف ينظرون ولا يجدون الهلال، فالصواب أن يوم الشك يوم ليلة الثلاثين إذا حال دون رؤية الهلال الغيم أو القتر.


(293) الصحيح أن ما بعد النصف من شعبان لا يكره صومه؛ لأن الحديث
أولاً: ضعيف، وهو النهي عن الصوم بعد النصف من شعبان،
والثاني: أنه مخالف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في «الصحيحين»: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين » [أخرجه البخاري في الصوم/باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين (1914)؛ ومسلم في الصيام/باب «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» (1082).] فإن صح الحديث فإنه محمول على الكراهة، ويكون النهي في قوله: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين» محمولاً على من فعل ذلك احتياطاً.



المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18310.shtml







رد مع اقتباس
  #30  
قديم 04-05-2015, 03:59AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
يكره إفراد رجب بالصوم




يكره إفراد رجب بالصوم (خ)، نقل حنبل: أنه يكره، رواه عن عمر وابنه، وأبي بكرة. قال أحمد: يروى فيه عن عمر أنه كان يضرب على صومه، وابن عباس قال: يصومه إلا يوما أو أياماً.


وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب. رواه ابن ماجه، وأبو بكر من أصحابنا من رواية داود بن عطاء، ضعفه أحمد وغيره؛ ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه؛ ولهذا صح عن عمر أنه كان يضرب فيه، ويقول: كلوا، فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية. وتزول الكراهة بالفطر، أو بصوم شهر آخر من السنة. قال صاحب «المحررِ» : وإن لم يَلِهِ. قال شيخنا: من نذر صومه كل سنة، أفطر بعضه وقضاه، وفي الكفارة الخلاف. قال: ومن صامه معتقدا أنه أفضل من غيره من الأشهر أثم وعُزِّرَ، وحَمَلَ عليه فعل عمر. وقال أيضا: في تحريم إفراده وجهان. ولعله أخذه من كراهة أحمد، وفي «فتاوى ابن الصلاح» الشافعي: لم يؤثمه أحد من العلماء فيما نعلمه (294).


ولا يكره إفراد شهر غير رجب، قال صاحب «المحرر» : لا نعلم فيه خلافا؛ للأخبار، منها أنه كان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان ورمضان. وأن معناه: أحيانا، ولم يداوم كاملا على غير رمضان.


ولم يذكر الأكثر استحباب صوم رجب وشعبان، واستحبه في «الإرشاد». وقال شيخنا: في مذهب أحمد وغيره نزاع، قيل: يستحب، وقيل: يكره، فيفطر ناذرهما بعض رجب. واستحب الآجري صوم شعبان، ولم يذكر غيره. وسبق كلام صاحب «المحررِ»، وكذا قال ابن الجوزي في كتاب «أسباب الهداية»: يستحب صومُ الأشهر الحرم وشعبان كله، وهو ظاهر ما ذكره صاحب «المحررِ» في الأشهر الحُرُمِ وشعبان كله، وقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما من رواية مجيبة الباهلي - ولا يعرف - عن رجل من باهلة أنه عليه السلام أمره بصوم الأشهر الحرم.


وفي الخبر اختلاف، وضعفه بعضهم، ولهذا - والله أعلم - لم يذكر استحبابه الأكثر، وصومُ شعبان كلهِ إلا قليلا في «الصحيحين» عن عائشة. وقيل: قولها: كله، قيل: غالبه، وقيل: يصومه كله في وقت، وقيل: يُفرِّقُ صومه كله في سنتين، ولأحمد، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، عن عائشة: لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال في «شرح مسلم»: قال العلماء: إنما لم يستكمل غيره؛ لئلا يظن وجوبه.

وعنها أيضا: والله إن صام(295) شهرا معلوما سوى رمضان حتى مضى لوجهه، ولا أفطره حتى يصيب منه. ولمسلم: منذ قدم المدينة. وعن ابن عباس: ما صام شهرا كاملا قط غير رمضان. ولمسلم: منذ قدم المدينة. متفق عليهما. وصوم شعبان كله في «السنن» عن أم سلمة، ورواهما أحمد. ولعل ظاهر ما ذكره الآجري أنه أفضل من المحرم وغيره؛ ووجهه قول أسامة بن زيد: لم يكن صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر ما يصوم من شعبان، وقال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه». رواه أبوبكر البزار، وأبو بكر بن أبي شيبة. وفي لفظة: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: «ترفع فيه أعمال الناس، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم».


وروى اللفظين أحمد والنسائي، والإسناد جيد. وروى سعيد: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، عن يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد، قال: أظنه عن محمد بن إبراهيم التيمي، أن أسامة بن زيد كان يصوم شهر المحرم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام شوال، فما زال أسامة يصومه حتى لقي الله. إسناده جيد، إلا أنه قال: أظنه. ورواه ابن ماجه، عن محمد بن الصباح عنه، ولم يشك، وفيه أنه كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له: «صم شوالا». فتركه؛ ولم يزل يصومه حتى مات. وللترمذي - وقال: غريب - وأبي يعلى الموصلي، وابن حبان، من رواية صدقة الدقيقي - وهو ضعيف - عن ثابت عن أنس، سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصيام، قال: «شعبان تعظيما لرمضان». أي الصدقة أفضل؟ قال: «صدقة في رمضان».


وذكرت امرأة لعائشة أنها تصوم رجباً، فقالت: إن كنت صائمة شهرا لا محالة، فعليك بشعبان، فإن فيه الفضل. رواه حميد بن زنجويه الحافظ وأبو زرعة الرازي. وسأل رجل عائشة عن الصيام، فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله. رواه أحمد في «مسنده». وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، فقلت: أرأيت أحب الشهور إليك الصوم في شعبان؟ فقال: «إن الله يكتب في شعبان حين يقسم، من يميته تلك السنة، فأحب أن يأتي أجلي وأنا صائم». رواه أبو الشيخ الأصبهاني من رواية مسلم بن خالد الزنجي عن طريف، قال العقيلي في طريف: لا يتابع على حديثه. وروى يحيى بن صاعد، وابن البناء من أصحابنا هذا المعنى من حديث عائشة. والله أعلم. وقد قال ابن هبيرة في كون أكثر صومه - عليه السلام - في شعبان قال: ما أرى هذا إلا من طريق الرياضة؛ لأن الإنسان إذا هجم بنفسه على أمر لم يتعوده صعب ذلك عليها، فدرجها بالصوم في شعبان لأجل شهر رمضان. كذا قال.



وذكر في «الغنية» أنه يستحب صوم أول يوم من رجب، وأول خميس منه والسابع والعشرين، وآخر السنة وأولها، وصوم أيام الأسبوع، وصلاة في لياليها، وذكر أشياء، واحتج بأخبار ليست بحجة، واعتمد على ما جمعه أبو الحسن المذكور عن أبيه، وذكر ابن الجوزي ذلك أو بعضه في بعض كتبه - ككتابه «أنس المستأنس في ترتيب المجالس» - وذكر أخبارا وآثاراً واهية، وكثير منها موضوع، والعجب أنه يذكر في كتابه «الموضوعات» ما هو أمثل منها، ويذكرها بصيغة الجزم، فيقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، وقال فلان الصحابي كذا!! والموضوع لا يحتج به بالإجماع، ولهذا لم يذكر الأصحاب شيئا من ذلك، وقال في كتابه هذا: إنه يثاب على صوم عاشوراء ثواب صوم سنة ليس فيها صوم عاشوراء، والله أعلم (296).



-----------------------



(294) وهذا لا يعارض ما ذكره الشيخ تقي الدين - رحمه الله -؛ لأن شيخ الإسلام إنما أثَّمَهُ إذا اعتقد أنه أفضل من غيره، وأما مجرد صومه فابن الصلاح -رحمه الله- يقول: لم يؤثمه أحد من العلماء.


(295) قوله: «والله إن صام» إن: هنا نافية، يعني: والله ما صام.
(296) الصحيح أنه لا يُخص شهر بصوم، وأن الصيام جائز في كل وقت، ولكن بدون تخصيص، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في شعبان، حتى كان يصومه إلا قليلاً [أخرجه مسلم في الصوم/باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان واستحباب أن لا يخلي شهرا عن صوم (1156).]. فمنهم من قال: الحكمة في هذا من أجل أن يمرن نفسه على الصيام، فإذا دخل رمضان فإذا هو قد تمرن، فيسهل عليه، ومنهم من قال: إن هذا بمنزلة الراتبة القبلية للصلاة، وصيام ستة أيام من شوال بمنزلة الراتبة البعدية، والأولى أن يقال: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق، سواء علمنا حكمته أم لا، وأنه ينبغي الإكثار من الصيام في شهر شعبان.


المصدر :

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18311.shtml







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] معطلة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحكام الصيام - خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ أبو محمد أحمد بوشيحه منبر الرقائق والترغيب والترهيب 0 12-09-2010 03:42PM
الدليل الطبى للمرض فى شهر الصيام ام اروى منبر طب الأسرة المسلمة 0 18-08-2010 12:42AM
شرح رسالة حقيقة الصيام ابن تيمية للعلامة ابن عثيمين رحمه الله احمد الشهري منبر أصول الفقه وقواعده 2 18-10-2007 03:58PM




Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd