عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 02-02-2015, 09:29PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





القول المفيد على كتاب التوحيد

باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

ج / 2 ص -523- باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}1 الآية


قوله: "وَمَا قَدَرُوا": الضمير يعود على المشركين، و"قدروا": عظموا; أي: ما عظموا الله حق تعظيمه حيث أشركوا به ما كان من مخلوقاته.
قوله: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}2 يحتمل أن تكون الواو للحال; أي: ما قدروا الله حق قدره في هذه الحال. ويحتمل أن تكون للاستئناف; لبيان عظمة الله عز وجل وهذا أقوى; لأنه يعم هذه الحال وغيرها. والقبضة: هي ما يقبض باليد، وليس المراد بها الملك كما قيل، نعم، لو قال: والأرض في قبضته; لكان تفسيرها بالملك محتملا.


قوله: "جميعا": حال من الأرض، فيشمل بحارها وأنهارها وأشجارها وكل ما فيها، الأرض كلها جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات على عظمها وسعتها مطويات بيمينه، قال الله عز وجل {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}3.
قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}4 هذا تنزيه له عن كل نقص وعيب، ومما ينزه عنه هذه الأنداد، ولهذا قال: "وتعالى"; أي: ترفع.



1 سورة الزمر آية: 67.
2 سورة الزمر آية: 67.
3 سورة الأنبياء آية: 104.
4 سورة يونس آية: 18.


ج / 2 ص -524- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم......


{عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: عن كل شرك يشركونه به، سواء جعلوا الخالق كالمخلوق أو العكس.
قوله: "حبر": الحَبْر: هو العالم الكثير العلم، والحبر يشابه البحر في اشتقاق الحروف، ولهذا كان العالم أحيانا يسمى بالحبر وأحيانا بالبحر.
قوله: "إنا نجد": أي: في التوراة.
قوله: "فضحك النبي صلى الله عليه وسلم": ولولا ما بعدها لاحتملت أن تكون إنكارا; لأن من حدثك بحديث لا تطمئن إليه ضحكت منه، لكنه قال: "تصديقا لقول الحبر"; فكانت إقرارا لا غير، ويدل لذلك قوله: ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}1 الآية; فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أقره واستشهد لقوله بآية من كتاب الله، فضحكه واستشهاده تقرير لقول الحبر، وسبب الضحك هو سروره، حيث جاء في القرآن ما يصدق ما وجده هذا الحبر في كتبه; لأنه لا شك أنه إذا جاء ما يصدق القرآن; فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يسر به، وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين أن القرآن من عند الله، لكن تضافر البينات مما يقوي الشيء، أرأيت أسامة بن زيد وأباه زيد بن حارثة؟ هل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم شك في أن أسامة ابن لزيد؟



1 سورة الزمر آية: 16.


ج / 2 ص -525-


الجواب: ليس عنده في ذلك شك، ولما مر بهما مجزز المدلجي -وهو من أهل القيافة- وقد تغطيا بقطيفة لم يبد منهما إلا أقدامهما، فنظر إلى أقدامهما، فقالت: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر النبي صلى الله عليه وسلم سرورا عظيما حتى دخل على عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه، وقال: "ألم تري إلى مجزز المدلجي نظر إلى أسامة بن زيد وإلى زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض1 "; فالمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل تبرق أسارير وجهه; لأن في ذلك تأييدا للحق، وكان المشركون يقدحون في أسامة بن زيد وأبيه لاختلاف ألوانهما، فكان أسامة أسود شديد السواد وأبوه زيد شديد البياض، لكن الأمر ليس كما قالوا، بل هم كاذبون في ذلك، واختلاف اللون لا يوجب شبهة إلا لذي هوى; فلعل المخالف في اللون نزعه عرق.


قوله: "أصبع": واحدة الأصابع، وهي مثلثة الأول والثالث; ففيها تسع لغات، والعاشر أصبوع، وفي هذا يقول الناظم:

وهمز أنملة ثلث وثالثة التسع في أصبع واختم بأصبوع
قوله: "أنا الملك": هذه الجملة تفيد الحصر، لأنها اسمية معرفة الجزئين; ففي ذلك اليوم لا ملك لأحد، قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}2 وكل الناس الملوك منهم والمملوكون على حد سواء يحشرون حفاة عراة غرلا، وبهذا يظهر ملكوت الله عز وجل في ذلك اليوم ظهورا بينا،



1 أخرجه: البخاري في (الفرائض, باب القائف, 4/244), ومسلم في (الرضاع, باب العمل بإلحاق القائف الولد, 2/1081); عن عائشة رضي الله عنها.
2 سورة غافر آية: 16.


ج / 2 ص -526- حتى بدت نواجذه; تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}1") الآية.2


لأنه -سبحانه- ينادي: لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه: {الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}3.
وقوله: "الملك": أي: ذو السلطان، وليس مجرد المتصرف، بل هو المتصرف فيما يملك على وجه السلطة والعلو، وأما "المالك" فدون ذلك، ولهذا يمتدح نفسه تعالى بأنه الملك، وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}4 فيها قراءتان: "ملك، ومالك"; ليتبين بذلك أنه ملك مالك. فملك الله تعالى متضمن لكمال السلطان والتدبير والملك، بخلاف غيره، فإن من ملوك الدنيا من يكون ملكا لا يملك التصرف، ومنهم المالك وليس بملك.


قوله: "حتى بدت نواجذه": أي: ظهرت، ونواجذ: جمع ناجذ، وهو أقصى الأضراس. وهذا الضحك من النبي صلى الله عليه وسلم تقرير لقول الحبر، ولهذا قال ابن مسعود: "تصديقا لقول الحبر"، ولو كان منكرا ما ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم ولا استشهد بالآية، ولقال له: كذبت كما كذب الذين ادعوا أن الذي يزني لا يرجم، ولكنه ضحك تصديقا لقول الحبر وسرورا بأن ما ذكره موافق لما جاء به القرآن الذي أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.


قوله: ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ}5 الآية: هذا معنى الآية التي لا تحتمل غيره، وأن السماوات مطويات كطي السجل للكتب بيمينه; أي: يده تبارك وتعالى; لأن ذلك



1 سورة الزمر آية: 67.
2 أخرجه: البخاري في (تفسير سورة الزمر, باب قول الله تعالى: وما قدروا الله حق قدره, 3/285, وفي التوحيد, (7414, 7415, 7451, 7513), ومسلم في (صفات المنافقين, باب صفة القيامة, 4/2147).
3 سورة آية: 16.
4 سورة الفاتحة آية: 4.
5 سورة الزمر آية: 67.


ج / 2 ص -527-


تفسيره صلى الله عليه وسلم وتفسيره في الدرجة الثانية من حيث الترتيب، لكنه كالقرآن في الدرجة الأولى من حيث القبول والحجة. وأما تفسير أهل التحريف، فيقول بعضهم: "قبصته"; أي: في قبضته وملكه وتصرفه، وهو خطأ; لأن الملك والتصرف كائن يوم القيامة وقبله. وقول بعضهم: "السماوات مطويات"; أي: تالفة وهالكة; كما تقول: انطوى ذكر فلان، أي: زال ذكره.
و"بيمينه"، أي: بقسمه، لأنه قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}1 فجعلوا المراد باليمين القسم... إلى غير ذلك من التحريفات التي يلجأ إليها أهل التحريف، وهذا لظنهم الفاسد بالله، حيث زعموا أن إثبات مثل هذه الصفات يستلزم التمثيل، فصاروا ينكرون ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته رسوله وسلف الأمة بشبهات يدعونها حججا. فيقال لهم: هل أنتم أعلم بالله من الله؟ إن قالوا: نعم كفروا، وإن قالوا: لا، قلنا: هل أنتم أفصح في التعبير عن المعاني من الله؟ إن قالوا: نعم، كفروا وإن قالوا: لا، خصموا، وقلنا لهم: إن الله بين ذلك أبلغ بيان بأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحبر على ما ذكر فيما يطابق الآية، وهل أنتم أنصح من الرسول صلى الله عليه وسلم لعباد الله؟ فسيقولون: لا فإذا كان كلامه تعالى أفصح الكلام، وأصدقه، وأبينه، وأعلم بما يقول، لزم علينا أن نقول مثل ما قال عن نفسه، ولسنا بمذنبين، بل الذنب على من صرف كلامه عن حقيقته التي أراده الله بها.


ومن فوائد الحديث:
إثبات الأصابع لله-عز وجل- لإقراره صلى الله عليه وسلم هذا الحبر على ما قال.



1 سورة آية: 26-27.


ج / 2 ص -528-


والإصبع إصبع حقيقي يليق بالله عز وجل كاليد، وليس المراد بقوله: "على إصبع" سهولة التصرف في السماوات والأرض، كما يقوله أهل التحريف، بل هذا خطأ مخالف لظاهر اللفظ والتقسيم، ولأنه صلى الله عليه وسلم أثبت ذلك بإقراره، ولقوله صلى الله عليه وسلم "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن"12 وقوله: "بين أصبعين" لا يلزم من البينية المماسة، ألا ترى قوله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}3 والسحاب لا يمسك الأرض ولا السماء وهو بينهما، وتقول: عنيزة بين الزلفي والرس، ولا يلزم أن تكون متصلة بهما، وتقول: شعبان بين ذي القعدة وجمادى، ولا يلزم أن يكون مواليا له، فتبين أن البينية لا تستلزم الاتصال في الزمان أو المكان، وكما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الله -سبحانه وتعالى- يكون قبل وجه المصلي4 ولا يلزم من المقابلة أن يكون بينه وبين الجدار أو السترة التي يصلي إليها، فهو قبل وجهه وإن كان على عرشه، ومثال ذلك: الشمس حين تكون في الأفق عند الشروق أو الغروب، فإن من الممكن أن تكون قبل وجهك وهي في العلو.


فتبين بهذا أن هؤلاء المحرفين على ضلال، وأن من قال: إن طريقتهم أعلم وأحكم، فقد ضل. ومن المشهور عندهم قولهم: طريقة



1 مسلم: القدر (2654) , وأحمد (2/168 ,2/173).
2 أخرجه: مسلم في (القدر, باب كل شيء بقدر, 4/2545), عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, وتمامه: "كقلب واحد يصرفه حيث يشاء. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم! مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك".
3 سورة البقرة آية: 164.
4 أخرجه: البخاري في (الصلاة, باب حك البزاق باليد في المسجد, 1/ 149); عن ابن عمر رضي الله عنه. وأخرجه: مسلم في (الزهد, باب حديث جابر الطويل, 4/ 2303); عن جابر رضي الله عنه.


ج / 2 ص -529-


السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهذا القول على ما فيه من التناقض قد يوصل إلى الكفر، فهو:
أولا: فيه تناقض، لأنهم قالوا: طريقة السلف أسلم، ولا يعقل أن تكون الطريقة أسلم وغيرها أعلم وأحكم، لأن الأسلم يستلزم أن يكون أعلم وأحكم، فلا سلامة إلا بعلم بأسباب السلامة وحكمة في سلوك هذه الأسباب.
ثانيا: أين العلم والحكمة من التحريف والتعطيل؟
ثالثا: يلزم منه أن يكون هؤلاء الخالفون أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه; لأن طريقة السلف هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.


رابعا: أنها قد تصل إلى الكفر; لأنها تستلزم تجهيل النبي صلى الله عليه وسلم وتسفيهه; فتجهيله ضد العلم، وتسفيهه ضد الحكمة، وهذا خطر عظيم. فهذه العبارة باطلة حتى وإن أرادوا بها معنى صحيحا; لأن هؤلاء بحثوا وتعمقوا وخاضوا في أشياء كان السلف لم يتكلموا فيها; فإن خوضهم في هذه الأشياء هو الذي ضرهم وأوصلهم إلى الحيرة والشك، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "هلك المتنطعون1 "، فلو أنهم بقوا على ما كان عليه السلف الصالح ولم يتنطعوا، لما وصلوا إلى هذا الشك والحيرة والتحريف، حتى إن بعض أئمة أهل الكلام كان يتمنى أن يموت على عقيدة أمه العجوز التي لا تعرف هذا الضلال، ويقول بعضهم: ها أنا أموت على عقيدة عجائز نيسابور. وهذا من شدة ما وجدوا من الشك



1 أخرجه: مسلم في (العلم, باب هلك المتنطعون, 4/ 2055); عن ابن مسعود رضي الله عنه.


ج / 2 ص -530-


والقلق والحيرة، ولا تظن أن العقيدة الفاسدة يمكن أن يعيش الإنسان عليها أبدا، لا يمكن أن يعيش الإنسان إلا على عقيدة سليمة، وإلا ابتلي بالشك والقلق والحيرة، وقد قال بعضهم: أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام، وما بالك -والعياذ بالله- بالشك عند الموت، يختم للإنسان بضد الإيمان.
لكن لو أخذنا العقيدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهولة وبما جرى عليه السلف، ونقول كما قال الرازي وهو من علمائهم ورؤسائهم: رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}1 يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}2 {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}3 ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي، لأنه أقر قبل هذا الكلام، فقال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن 4.


والحاصل أن هؤلاء المنكرين لما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل اعتمادا على هذا الظن الفاسد أنها تقتضي التمثيل قد ضلوا ضلالا مبينا، فالصحابة رضي الله عنهم هل ناقشوا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا؟ والذي نكاد نشهد به إن لم نشهد به أنه حين يمر عليهم مثل هذا الحديث يقبلونه على حقيقته، لكن يعلمون أن الله لا مثل له، فيجمعون بين الإثبات وبين النفي.


إذا موقفنا من هذا الحديث الذي فيه إثبات الأصابع لله عز وجل أن نقر به ونقبله، وأن لا نقتصر على مجرد إمراره بدون معنى فنكون



1 سورة طه آية: 5.
2 سورة الشورى آية: 11.
3 سورة طه آية: 110.
4 انظر: أول الجزء الأول (ص 21).


ج / 2 ص -531- وفي رواية لمسلم: "والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الله"1.



بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل نقرؤه ونقول: المراد به أصبع حقيقي يجعل الله عليه هذه الأشياء الكبيرة، ولكن لا يجوز أبدا أن نتخيل بأفهامنا أو أن نقول بألسنتنا: إنه مثل أصابعنا، بل نقول: الله أعلم بكيفية هذه الأصابع، فكما أننا لا نعلم ذاته المقدسة. فكذلك لا نعلم كيفية صفاته، بل نكل علمها إلى الله -سبحانه وتعالى-.
قوله: "ثم يهزهن": أي: هزا حقيقيا، ليبين للعباد في ذلك الموقف العظيم عظمته وقدرته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية ويقبض أصابعه ويبسطها، فصار المنبر يتحرك ويهتز2؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بهذا الكلام وقلبه مملوء بتعظيم الله تعالى.


فإن قلت: هل نفعل بأيدينا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: إن هذا يختلف بحسب ما يترتب عليه; فليس كل من شاهد أو سمع يتقبل ذهنه ذلك بغير أن يشعر بالتمثيل; فينبغي أن نكف لأن هذا ليس بواجب حتى نقول: يجب علينا أن نبلغ كما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، أما إذا كنا نتكلم مع طلبة علم أو مع إنسان مكابر ينفي هذا ويريد أن يحول المعنى إلى غير الحقيقة; فحينئذ نفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
فلو قال قائل: إن الله سميع بصير، لكن قال: سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام حين قرأ قوله



1 أخرج هذه الرواية: مسلم في (صفات المنافقين: باب صفة القيامة, 4/ 2147).
2 أخرجه: أحمد ومسلم بمعناه.


ج / 2 ص -532- وفي رواية للبخاري: "يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع"1 أخرجاه.


تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}2 وضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه وأبو هريرة حين حدث به كذلك3 فهذا الإنسان الذي يقول: إن الله سميع بلا سمع بصير بلا بصر نقول له هكذا. وكذلك الذي ينكر حقيقة اليد ويقول: إن الله لا يقبض السماوات بيمينه، وأن معنى قبضته، أي: في تصرفه، فهذا نقول له كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. فالمقام ليس بالأمر بالسهل، بل هو أمر صعب ودقيق للغاية، فإنه يخشى من أن يقع أحد في محذور كان بإمكانك أن تمسك عنه، وهذا هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع تصرفاته إذا تأملتها، حتى الأمور العملية قد يؤجلها إذا خاف من فتنة أو من شيء أشد ضررا، كما أخر بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفا من أن يكون فتنة لقريش الذين أسلموا حديثا4.


قوله: "والماء والثرى على إصبع": هذا لا ينافي قوله: "الأرضين على أصبع"; لأنه يقال: "الماء والثرى على إصبع"; أي: الأرض كلها على إصبع، ويراد بالإصبع الجنس، وإلا لتناقض مع معنى الحديث الذي قبله:



1 أخرجها: البخاري في (التفسير, باب وما قدروا الله حق قدره , 3/283).
2 سورة النساء آية: 58.
3 أخرجه: أبو داود في (السنة, باب في الجهمية, 5/96, 97), وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 42, 43), والحاكم (1/24)- وقال: "صحيح, ولم يخرجاه, وقد احتج مسلم بحرملة بن عمران وأبي يونس, والباقون متفق عليهم", ووافقه الذهبي على شرط مسلم, والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 179), وابن حبان (1732- موارد). وأورده السيوطي في "الدر المنثور", (2/175), وعزاه أيضا لابن المنذر وابن أبي حاتم; عن أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: "تحفة الأشراف" (11/95) (رقم 15467), و "جامع الأصول" (7/53).


4 أخرجه: البخاري في (الحج, باب فضل مكة وبنيانها, 1/488), ومسلم في (الحج, باب نقض الكعبة, 2/968); عن عائشة رضي الله عنها.


ج / 2 ص -533- ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: "يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع،.....


"الشجر على إصبع والماء على إصبع والثرى على إصبع" إذ النكرة إذا كررت بلفظ النكرة; فالثاني غير الأول غالبا، وإذا كررت بلفظ المعرفة; فالثاني هو الأول غالبا، فيقال: الماء والثرى كناية عن الأرض كلها، أو إن الماء والثرى على إصبع وسكت عن الباقي، إما اختصارا أو اقتصارا.
قوله: "ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: "يطوي الله السماوات...": سبق معنى هذا الحديث، وأن المراد بالطي الطي الحقيقي.


قوله: "ثم يقول: أنا الملك": يقول ذلك ثناء على نفسه - سبحانه-، وتنبيها على عظمته الكاملة وعلى ملكه الكامل، وهو السلطان، فهو مالك ذو سلطان، وهذه الجملة كلا جزأيها معرفة، وإذا كان المبتدأ والخبر كلاهما معرفة، فإن ذلك من طرق الحصر، أي: أنا الذي لي الملكية المطلقة والسلطان التام لا ينازعني فيهما أحد.


قوله: "أين الجبارون؟": الاستفهام للتحدي، فيقول: أين الملوك الذين كانوا في الدنيا لهم السلطة والتجبر والتكبر على عباد الله؟ وفي ذلك الوقت يحشرون أمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم.
قوله: "يطوي الأرضين السبع": أشار الله في القرآن إلى أن الأرضين سبع، ولم يرد العدد صريحا في القرآن، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}1 والمماثلة هنا لا تصح إلا في العدد، لأن الكيفية تتعذر المماثلة فيها، وأما السنة، فقد صرحت بعدة أحاديث بأنها سبع.



1 سورة الطلاق آية: 12.


ج / 2 ص -534- ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟"1.


قوله: "ثم يأخذهن بشماله": كلمة (شمال) اختلف فيها الرواة، فمنهم من أثبتها، ومنهم من أسقطها، وقد حكموا على من أثبتها بالشذوذ; لأنه خالف ثقتين في روايتها عن ابن عمر. ومنهم من قال: إن ناقلها ثقة، ولكنه قالها من تصرفه2. وأصل هذه التخطئة هو ما ثبت في "صحيح مسلم": أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين"3 وهذا يقتضي أنه ليس هناك يد يمين ويد شمال.


ولكن إذا كانت لفظة "شمال" محفوظة، فهي عندي لا تنافي "كلتا يديه يمين"، لأن المعنى أن اليد الأخرى ليست كيد الشمال بالنسبة للمخلوق ناقصة عن اليد اليمنى، فقال: "كلتا يديه يمين"، أي: ليس فيها نقص، ويؤيد هذا قوله في حديث آدم: "اخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة"4 فلما كان الوهم يذهب إلى أن إثبات الشمال، يعني: النقص في هذه اليد دون



1 أخرجه: مسلم في (صفات المنافقين, باب صفة القيامة, 4/ 2148).
2 قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 324): "ذكر الشمال فيه تفرد به عمر بن حمزة عن سالم, وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر, ولم يذكرا فيه الشمال, ورواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم; فلم يذكر أحد منهم الشمال, وروي ذكر الشمال في حديث آخر غير هذه القصة إلا أنه ضعيف بمرة, تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير, وبالآخر يزيد الرقاشي, وهما متروكان, وكيف يصح ذلك وصح عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه سمى كلما يديه يمين؟! وكأن من قال ذلك أرسله من لفظه على ما وقع له, أو على عادة العرب في ذكر الشمال في مقابلة اليمين". وانظر أيضا: "التذكرة" للقرطبي (ص 216), "فتح الباري" (13/396), "الأنوار البهية" (1/235).


3 أخرجه: مسلم في (الإمارة, باب فضيلة الإمام العادل, 3/1458); عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
4 أخرجه: الترمذي مطولا في (التفسير, باب الأمر بالكتابة والشهود, 9/88)- وقال: "حسن غريب"-, والحاكم مختصرا (4/263)- وصححه, ووافقه الذهبي-, وابن أبي عاصم في "السنة" (204, 205). وصححه الألباني; كما في تعليقه على "المشكاة" (3/1322).


ج / 2 ص -535- وروي عن ابن عباس، قال: "ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم"1.


الأخرى، قال: "كلتا يديه يمين"، ويؤيده أيضا قوله: "المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن"2 فإن المقصود بيان فضلهم ومرتبتهم، وأنهم على يمين الرحمن -سبحانه- وعلى كل، فإن يديه -سبحانه- اثنتان بلا شك، وكل واحدة غير الأخرى، وإذا وصفنا اليد الأخرى بالشمال، فليس المراد أنها أقل قوة من اليد اليمنى، بل كلتا يديه يمين. والواجب علينا أن نقول: إن ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن نؤمن بها ولا منافاة بينها وبين قوله: "كلتا يديه يمين" كما سبق، وإن لم تثبت، فلن نقول بها.


قوله: "في كف الرحمن": هكذا ساقه المؤلف والذي في ابن جرير: "في يد الله" ففيما ساقه المؤلف إثبات الكف لله تعالى إن كان السياق محفوظا وإلا ففيه إثبات اليد. أما الكف فقد ثبت في أحاديث أخرى صحيحة.
قوله: "إلا كخردلة": هي حبة نبات صغيرة جدا، يضرب بها المثل في الصغر والقلة، وهذا يدل على عظمته -سبحانه-، وأنه - سبحانه- لا يحيط به شيء، والأمر أعظم من هذا التمثيل التقريبي، لأنه تعالى لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفهام.



1 أخرجه: ابن جرير (24/17). وفي إسناده عمرو بن مالك النكري. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (8/96): "ذكره ابن حبان في الثقات, وقال: مات سنة تسع وعشرين ومائة, وقال: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه, يخطئ ويغرب". وقال الشيخ سليمان بن عبد الله; كما في "إبطال التنديد" (ص 170); "وهذا الإسناد في نقدي صحيح".


2 الترمذي: الحدود (1461) , وأبو داود: الجهاد (2713) , والدارمي: السير (2490).


ج / 2 ص -536- وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس".
قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين.....

ـ
قوله: "قال ابن جرير ": هو المفسر المشهور رحمه الله، وله تفسير أثري يعتمد فيه على الآثار، لكن آفته أنه لم يمحص هذه الآثار، وأتى بالصحيح والضعيف وما دون الضعيف أيضا، وكأنه رحمه الله أراد أن يقيد هذا وجعل الحكم بالصحة والضعف موكولا إلى القارئ، وربما كأن يريد أن يرجع إليه مرة ثانية ويمحصه، ولكن لم يتيسر ذلك.


قوله: "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس" الكرسي: موضع قدمي الله تعالى، هكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، والدراهم: جمع درهم، وهو النقد من الفضة، والترس: شيء من جلد أو خشب يحمل عند القتال يتقى به السيف والرمح ونحوهما.


قوله: "ما الكرسي في العرش": أي: بالنسبة إليه، والعرش هو المخلوق العظيم الذي استوى عليه الرحمن ولا يقدر قدره إلا الله عز وجل والمراد بالحلقة حلقة الدرع، وهي صغيرة وليست بشيء بالنسبة إلى فلاة الأرض.
وهذا الحديث يدل على عظمته عز وجل فيكون مناسبا لتفسير الآية التي جعلها المؤلف ترجمة للباب.


ج / 2 ص -537- ظهري فلاة من الأرض"1.
وعن ابن مسعود، قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وبين


قوله: "وعن ابن مسعود...": هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون له حكم الرفع، لأن ابن مسعود رضي الله عنه لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات.
قوله: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام"2 وعلى هذا تكون المسافة بين السماء الدنيا والماء أربعة آلاف سنة، وفي حديث آخر: "إن كثف كل سماء خمسمائة عام3 "، وعلى هذا يكون بين السماء الدنيا والماء سبعة آلاف وخمسمائة عام، وإن صح الحديث، فمعناه أن علو الله



1 أخرجه: ابن جرير (3/7, 8). وقال الشيخ سليمان بن عبد الله; كما في "إبطال التنديد" (ص 170): "رواه أصبغ بن الفرج بهذا الطريق واللفظ, وهو مرسل, وعبد الرحمن بن زيد ضعيف". وأخرجه: محمد بن أبي شيبة في "العرش" (58). وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي; كما في "السلسلة" (109), وهو متروك. وفيه أيضا: المختار بن غسان, مجهول لا يعرف بجرح ولا تعديل. انظر: "التهذيب" (10/ 68). وأخرجه: البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 404- 405). وفيه يحيى بن سعيد: قال ابن حبان في "المجروحين" 31/129): "يروي المقلوبات والملزقات, لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد". وفيه أيضا ابن جريج, وهو مدلس, وقد عنعنه. وأخرجه أيضا من طريق آخر, وفيه: إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني, كذبه أبو حاتم وأبو زرعة; كما في "الميزان" (1/72- 73). وأخرجه: ابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" (1/309, 310). وفيه مجهول, وضعيفان.


2 الترمذي: صفة الجنة (2540) , وأحمد (3/75).
3 هذا اللفظ قطعة من حديث الأوعال; كما هو في "المسند" (1/206), و"المستدرك " (2/412), وغيرهما. وانظر تخريج حديث الأوعال بكامله: (ص 544) مع بيان ضعفه.


ج / 2 ص -538- السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء،.....


- عز وجل- بعيد جدا. فإن قيل: يرد على هذا ما ذكره المعاصرون اليوم من أن بيننا وبين بعض النجوم والمجرات مسافات عظيمة؟ يقال في الجواب: إنه إذا صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا نضرب بما عارضها عرض الحائط، لكن إذا قدر أننا رأينا الشيء بأعيننا، وأدركنا بأبصارنا وحواسنا، ففي هذه الحال يجب أن نسلك أحد أمرين:
الأول: محاولة الجمع بين النص والواقع إن أمكن الجمع بينهما بأي طريق من طرق الجمع.


الثاني: إن لم يمكن الجمع تبين ضعف الحديث; لأنه لا يمكن للأحاديث الصحيحة أن تخالف شيئا حسيا واقعا أبدا، كما قال شيخ الإسلام في كتابه "العقل والنقل": "لا يمكن للدليلين القطعيين أن يتعارضا أبدا; لأن تعارضهما يقتضي إما رفع النقيضين أو جمع النقيضين، وهذا مستحيل، فإن ظن التعارض بينهما، فإما أن لا يكون تعارض ويكون الخطأ من الفهم، وإما أن يكون أحدهما ظنيا والآخر قطعيا".


فإذا جاء الأمر الواقع الذي لا إشكال فيه مخالفا لظاهر شيء من الكتاب أو السنة، فإن ظاهر الكتاب يئول حتى يكون مطابقا للواقع، مثال ذلك قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً}1 وقال تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}2 أي: في السماوات.
والآية الثانية أشد إشكالا من الآية الأولى; لأن الآية الأولى يمكن أن نقول: المراد بالسماء العلو، ولكن الآية الثانية هي المشكلة جدا،



1 سورة الفرقان آية: 61.
2 سورة نوح آية: 16.


ج / 2 ص -539- والله فوق العرش،.....


والمعلوم بالحس المشاهد أن القمر ليس في السماء. نفسها، بل هو في فلك بين السماء والأرض.
والجواب أن يقال: إن كان القرآن يدل على أن القمر مرصع في السماء كما يرصع المسمار في الخشبة دلالة قطعية، فإن قولهم: إننا وصلنا القمر ليس صحيحا، بل وصلوا جرما في الجو ظنوه القمر.
لكن القرآن ليس صريحا في ذلك، وليست دلالته قطعية في أن القمر مرصع في السماء، فآية الفرقان قال الله فيها: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً}1 فيمكن أن يكون المراد بالسماء العلو، كقوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}2 والماء ينزل من السحاب المسخر بين السماء والأرض، كما قال الله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}3 وهذا التأويل للآية قريب.


وأما قوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}4 فيمكن فيها التأويل أيضا بأن يقال: المراد لقوله: "فيهن": في جهتهن، وجهة السماوات العلو، وحينئذ يمكن الجمع بين الآيات والواقع.
قوله: "والله فوق العرش": هذا نص صريح بإثبات علو الله تعالى علوا ذاتيا،


وعلو الله ينقسم إلى قسمين:
أ- علو الصفة، وهذا لا ينكره أحد ينتسب للإسلام، والمراد به كمال صفات الله، كما قال تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}5.
ب- علو الذات، وهذا أنكره بعض المنتسبين للإسلام، فيقولون: كل العلو الوارد المضاف إلى الله المراد به علو الصفة، فيقولون في



1 سورة الفرقان آية: 61.
2 سورة الرعد آية: 17.
3 سورة البقرة آية: 164.
4 سورة نوح آية: 16.
5 سورة النحل آية: 60.


ج / 2 ص -540- لا يخفى عليه شيء من أعمالكم."1 أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله. ورواه بنحوه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: " وله طرق "2.

ـ
قوله صلى الله عليه وسلم "والله فوق العرش" أي، في القوة والسيطرة والسلطان، وليس فوقه بذاته. ولا شك أن هذا تحريف في النصوص وتعطيل في الصفات.


والذين أنكروا علو الله بذاته انقسموا إلى قسمين:
أ- من قال: إن الله بذاته في كل مكان، وهذا لا شك ضلال مقتض للكفر.
ب- من قال: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل عن الخلق، وهذا إنكار محض لوجود الله والعياذ بالله، ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا: صفوا العدم، ما وجدنا أبلغ من هذا الوصف. ففروا من شيء دلت عليه النصوص والعقول والفطر إلى شيء تنكره النصوص والعقول والفطر.
قوله: "لا يخفى عليه شيء من أعمالكم" يشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح المرئي منها والمسموع، وذلك لعموم علمه وسعته، وإنما أتى بذلك بعد ذكر علوه ليبين أن علوه لا يمنع علمه بأعمالنا، وهو إشارة واضحة إلى علو ذاته تبارك وتعالى.




1 الترمذي: صفة الجنة (2540) , وأحمد (3/75).
2 أخرجه: الدارمي في "الرد على الجهمية" (ص 26) وفي "النقض على المريسي" (ص 73, 90, 105), وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 1051, 106, 376, 377), والطبراني في "الكبير" (8987), والبيهقي في "الأسماء" (ص 401), والخطيب في "الموضح" (2/47). وقد صححه ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 100), والذهبي في "العلو" (ص 64). وقال الهيثمي (1/68) بعدما عزاه للطبراني: "رجاله رجال الصحيح".


ج / 2 ص -541- وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل تدرون كم بين السماء والأرض؟...


قوله: "العباس": يقال: العباس، وعباس، (أل) هنا لا تفيد التعريف، لأن عباس معرفة لكونه علما، لكنها للمح الأصل، كما يقال: الفضل لفضله، والعباس لعبوسه على الأعداء، قال ابن مالك:

وبعض الأعلام عليه دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا1
قوله: "هل تدرون": "هل": استفهامية يراد بها أمران:
أ- التشويق لما سيذكر.


ب- التنبيه إلى ما سيلقيه عليهم. وهذا كقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}2 هذا تنبيه وتشويق إلى شيء من آيات الله الكونية.
وقوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}3 هذا تنبيه وتشويق على شيء من آيات الله الشرعية وهو الإيمان والعمل الصالح.
وقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}4 تنبيه وتحذير.
وقوله: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً}5 تنبيه وتحذير، واختلاف هذه المعاني بحسب القرائن والسياق، وإلا، فالأصل في الاستفهام أنه طلب العلم بالشيء.
قوله: "كم": استفهامية.



1 "ألفية ابن مالك" (ص 15).
2 سورة الغاشية آية: 1.
3 سورة الصف آية: 10.
4 سورة الكهف آية: 103.
5 سورة المائدة آية: 60.


ج / 2 ص -542- قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله تعالى فوق ذلك،......


قوله: "قلنا: الله ورسوله أعلم": جاء العطف بالواو، لأن علم الرسول من علم الله، فهو الذي يعلمه بما لا يدركه البشر. وكذلك في المسائل الشرعية يقال: الله ورسوله أعلم، لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بشرع الله، وعلمه به من علم الله، وما قاله صلى الله عليه وسلم في الشرع فهو كقول الله، وليست هذا كقوله: "ما شاء الله وشئت1 "، لأن هذا في باب القدر والمشيئة، ولا يمكن أن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم مشاركا لله في ذلك، بل يقال: ما شاء الله، ثم يعطف ب (ثم)، والضابط في ذلك أن الأمور الشرعية يصح فيها العطف بالواو، وأما الكونية، فلا. ومن هنا نعرف خطأ وجهل من يكتب على بعض الأعمال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}2 بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وتعذر رؤيته، فالله يرى، ولكن رسوله لا يرى، فلا تجوز كتابته لأنه كذب عليه صلى الله عليه وسلم.


قوله: "خمسمائة سنة": الميم الثانية في خمسمائة مكسورة والألف لا ينطق بها.
قوله: "وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض"3 وذلك خمسمائة سنة.
قوله: "والله تعالى فوق ذلك": هذا دليل على العلو العظيم لله عز وجل وأنه -سبحانه- فوق كل شيء ولا يحيط به شيء من مخلوقاته،



1 سبق (1/ 58).
2 سورة التوبة آية: 105.
3 الترمذي: تفسير القرآن (3320) , وأبو داود: السنة (4723) , وأحمد (1/206).


ج / 2 ص -543-


لا السماوات ولا غيرها، وعليه، فإنه -سبحانه- لا يوصف بأنه في جهة تحيط به، لأن ما فوق السماوات والعرش عدم، ليس هناك شيء حتى يقال: إن الله أحاط به شيء من مخلوقاته. ولهذا جاء في بعض كتب أهل الكلام يقولون: لا يجوز أن يوصف الله بأنه في جهة مطلقا، وينكرون العلو ظنا منهم أن إثبات الجهة يستلزم الحصر. وليس كذلك" لأننا نعلم أن ما فوق العرش عدم لا مخلوقات فيه، ما ثم إلا الله، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته أبدا. فالجهة إثباتها لله فيه تفصيل، أما إطلاق لفظها نفيا وإثباتا فلا نقول به، لأنه لم يرد أن الله في جهة، ولا أنه ليس في جهة، ولكن نفصل، فنقول: إن الله في جهة العلو، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للجارية: "أين الله؟". وأين يستفهم بها عن المكان، فقالت: في السماء. فأثبتت ذلك، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وقال: "أعتقها، فإنها مؤمنة1 ".



وأهل التحريف يقولون: "أين" بمعنى "من"، أي: من الله، قالت: في السماء، أي: هو من في السماء، وينكرون العلو. وقد رد عليهم ابن القيم رحمه الله في كتبه ومنها "النونية" وقال لهم: اللغة العربية لا تأتي فيها "أين" بمعنى "من"، وفرق بين "أين" و"من". فالجهة لله ليست جهة سفل، وذلك لوجوب العلو له فطرة وعقلا وسمعا، وليست جهة علو تحيط به، لأنه تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو موضع قدميه، فكيف يحيط به تعالى شيء من مخلوقاته؟! فهو في جهة علو لا تحيط به، ولا يمكن أن يقال: إن شيئا يحيط به، لأننا نقول: إن ما فوق العرش عدم ليس ثم إلا الله -سبحانه-، ولهذا قال: "والله تعالى فوق ذلك".



1 أخرجه: مسلم في (المساجد, باب تحريم الكلام في الصلاة, 1/382); عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه.


ج / 2 ص -544- وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم" أخرجه أبو داود وغيره 1.


قوله: "وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم"2 وقوله: "أعمال" إن قرنت بالأقوال صار المراد بها: أعمال الجوارح، والأقوال للسان، وإن أفردت شملت أعمال الجوارح وأقوال اللسان وأعمال القلوب، وهي هنا مفردة، فتشمل كل ما يتعلق باللسان أو القلب أو الجوارح، بل أبلغ من ذلك أنه لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم في المستقبل، فهو يعلم ما يكون فضلا عما كان، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}3 أي: ما يستقبلونه وما مضى عليهم، ولما قال فرعون لموسى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى}4 أي: ما شأنها؟ قال: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ}5 أي: محفوظة، {لا يَضِلُّ رَبِّي} لا يجهل، {وَلا يَنْسَى} لا يذهل عما مضى -سبحانه وتعالى-.



1 أخرجه: أحمد (1/ 206, 207), وأبو داود في (السنة, باب في الجهمية, 5/ 93), والترمذي في (تفسير القرآن, سورة الحاقة, 9/ 60)- وقال: "حسن غريب"-, وابن ماجه في (المقدمة, باب فيما أنكرت الجهمية, 1/ 96), وعثمان الدارمي في "الرد على الجهمية" (ص 24): وفي "النقض على المريسي" (ص 90), وابن أبي عاصم في "السنة" (577), وابن خزيمة في "التوحيد" (101, 102), والآجري في "الشريعة" (292, 293), ومحمد بن أبي شيبة في "العرش" (9, 10), والحاكم (2/288, 412)- وصححه-, واللالكائي (651), وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/2), والبيهقي في "الأسماء" (ص 398), وابن عبد البر في "التمهيد" (7/140), وابن حزم في "الفصل" (2/100), وابن قدامة في "العلو" (ص 7), والمزي في "تهذيب الكمال" (2/ 719), والذهبي في "العلو" (49- 50); من طريق عبد الله بن عميرة, عن الأحنف بن قيس, عن العباس. وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 469): "فيه- أي: عبد الله- فيه جهالة". قال البخاري: "لا يعرف له سماع من الأحنف بن قيس". وهذا الحديث يعرف بحديث الأوعال, وقد قال ابن العربي في عارضته: "إن خبر الأوعال متلقف من الإسرائيليات". وانظر: "تهذيب السنن" لابن القيم (7/ 92, 93).
2 أحمد (1/206).
3 سورة طه آية: 110.
4 سورة طه آية: 51.
5 سورة طه آية: 52.


ج / 2 ص -545-


والنبي صلى الله عليه وسلم صدر هذا الأمر بهل الدالة على التشويق والتنبيه من أجل أن يثبت عقيدة عظيمة، وهو أنه تعالى فوق كل شيء بذاته، وأنه محيط بكل شيء علما، لقوله: "وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم"1 فإذا علمنا ذلك، أوجب لنا تعظيمه والحذر من مخالفته، لأنه فوقنا، فهو عال علينا، وأمره محيط بنا.


وفي الحديث صفتان لله:
ثبوتية، وهي العلو المستفاد من قوله: والله فوق ذلك. وسلبية، وهي المستفادة من قوله: "ليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم"2 ولا يوجد في صفات الله عز وجل صفة سلبية محضة، بل صفاته السلبية التي هي النفي متضمنة لثبوت ضدها على وجه الكمال، فينفى عنه الخفاء لكمال علمه، وينفى عنه اللغوب لكمال قوته، وينفى عنه العجز لكمال قدرته، وما أشبه ذلك. فإذا نفى الله عن نفسه شيئا من الصفات، فالمراد انتفاء تلك الصفة عنه لكمال ضدها، كما قال تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}3 السنة: النعاس، والنوم: الإغفاء العميق، وذلك لكمال حياته وقيوميته، إذ لو كان ناقص الحياة لاحتاج إلى النوم، ولو نام ما كان قيوما على خلقه، لأنه حين ينام لا يكون هناك من يقوم عليهم، ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم، ولأن النوم في الجنة يذهب عليهم وقتا بلا فرح ولا سرور ولا لذة، لأن السرور فيها دائم، ولأن النوم هو الوفاة الصغرى، والجنة لا موت فيها.


وليس في صفات الله نفي محض، لأن النفي المحض عدم لا ثناء فيه ولا كمال، بل هو لا شيء، ولأن النفي أحيانا يرد لكون المحل غير قابل له، مثل قولك: الجدار لا يظلم.
وقد يكون نفي الذم ذما، كما في قول الشاعر:



1 أحمد (1/206).
2 أحمد (1/206).
3 سورة البقرة آية: 255.



ج / 2 ص -546- فيه مسائل:
الأولى:
تفسير قوله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}1.
الثانية: أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم ينكروها ولم يتأولوها.


قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خرد
فنفي الغدر عنهم والظلم ليس مدحا، بل هو ذم ينبئ عن عجزهم وضعفهم.
وقال آخر:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا شنوا الإغارة ركبانا وفرسانا
فنفى أن يكون لهم يد في الشر وبين أن ذلك لعجزهم عن الانتصار لأنفسهم وتمنى أن يكون له قوم خير منهم وأقوى.


فيه مسائل:

الأولى:
تفسير قوله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}2 وقد تقدم من حديث ابن مسعود، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحبر على أن الله يجعل السماوات على إصبع... إلخ.
الثانية: أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في



1 سورة الزمر آية: 67.
2 سورة الزمر آية: 67.


ج / 2 ص -547- الثالثة: أن الحبر لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك.
الرابعة: وقوع الضحك من الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الحبر هذا العلم العظيم.
الخامسة: التصريح بذكر اليدين، وأن السماوات في اليد اليمنى والأرضين في الأخرى.


زمنه صلى الله عليه وسلم لم ينكروها ولم يتأولوها: كأنه يقول: إن اليهود خير من أولئك المحرفين لها، لأنهم لم يكذبوها ولم يتأولوها، وجاء قوم من هذه الأمة، فقالوا: ليس لله أصابع، وإن المراد بها القدرة، فكأنه يقول: اليهود خير منهم في هذا وأعرف بالله.


الثالثة: أن الحبر لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك: ظاهر كلام المؤلف بقوله: "ونزل القرآن" أنه بعد كلام الحبر، وليس كذلك، لأنه في حديث ابن مسعود قال: ثم قرأ قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}1 وهذا يدل على أن الآية نزلت من قبل، لكن مراد المؤلف أن القرآن قد نزل بتقرير ذلك.
الرابعة: وقوع الضحك من الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الحبر هذا العلم العظيم: ففيه دليل على جواز الضحك في تقرير الأشياء; لأن الضحك يدل على الرضا وعدم الكراهية.
الخامسة: التصريح بذكر اليدين، وأن السماوات في اليد اليمنى والأرضين في الأخرى: وقد ثبتت اليدان لله تعالى بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
وقوله: "في الأخرى" لا يعني أنه ينفي ذكر الشمال لما ذكره في المسألة التالية وهي:



1 سورة الزمر آية: 67.


ج / 2 ص -548- السادسة: التصريح بتسميتها الشمال.
السابعة: ذكر الجبارين والمتكبرين عند ذلك.
الثامنة: قوله: " كخردلة في كف أحدكم".
التاسعة: عظم الكرسي بالنسبة إلى السماء.
العاشرة: عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي.
الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء.


السادسة: التصريح بتسميتها الشمال: وقد سبق الكلام على ذلك.
السابعة: ذكر الجبارين والمتكبرين عند ذلك: ووجه ذكرهم أنه إذا كان لهم تجبر وتكبر الآن، فليقوموا بذلك.
الثامنة: قوله: "كخردلة في كف أحدكم": يعني بذلك قوله في الحديث: "ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في كف أحدكم" هكذا قال المؤلف رحمه الله في كف أحدكم وقد ساق الأثر بقوله: "كخردلة في يد أحدكم" انظر ص 535 وكلامنا على الأثر هناك.
التاسعة: عظم الكرسي بالنسبة إلى السماء: حيث ذكر أنها بالنسبة للكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس.
العاشرة: عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي: لأنه جعل الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض بالنسبة للعرش.
الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء: ولم أر من قال: إن العرش هو الماء، لكن هناك من قال: إن العرش هو الكرسي;



ج / 2 ص -549- الثانية عشرة: كم بين كل سماء إلى سماء.
الثالثة عشرة: كم بين السماء السابعة والكرسي.
الرابعة عشرة: كم بين الكرسي والماء.
الخامسة عشرة: أن العرش فوق الماء.
السادسة عشرة: أن الله فوق العرش.


لحديث: "إن الله يضع كرسيه يوم القيامة1 "، وظنوا أن هذا الكرسي هو العرش. وكذلك زعم بعض الناس أن الكرسي هو العلم، فقالوا في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}2 أي: علمه. والصواب: أن الكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن -سبحانه-، والعلم صفة في العالم يدرك بها المعلوم.


الثانية عشرة: كم بين كل سماء إلى سماء: وهو خمسمائة عام.
الثالثة عشرة: كم بين السماء السابعة والكرسي: وهو خمسمائة عام.
الرابعة عشرة: كم بين الكرسي والماء: وهو خمسمائة عام.
الخامسة عشرة: أن العرش فوق الماء: وهي ظاهرة.
السادسة عشرة: أن الله فوق العرش: وهي ظاهرة



1 في حديث ابن مسعود رضي الله عنه; قال: "... يوم ينزل الله فيه على كرسيه يئط به كما يئط الرحل من تضايقه كسعة ما بين السماء والأرض". أخرجه: الحاكم مطولا في "التفسير" (تفسير سورة بني إسرائيل, 2/364), وقال: "صحيح الإسناد, ولم يخرجاه", وتعقبه الذهبي: (قلت: لا والله; فعثمان ضعفه الدارقطني, والباقون ثقات".
2 سورة البقرة آية: 255.


ج / 2 ص -550- السابعة عشرة: كم بين السماء والأرض.
الثامنة عشرة: كثف كل سماء خمسمائة سنة.
التاسعة عشرة: أن البحر الذي فوق السماوات بين أسفله وأعلاه خمسمائة سنة، والله أعلم.


السابعة عشرة: كم بين السماء والأرض: وهو خمسمائة عام.
الثامنة عشرة: كثف كل سماء خمسمائة سنة.
التاسعة عشرة: أن البحر الذي فوق السماوات بين أسفله وأعلاه خمسمائة سنة. وقد سبق الكلام على جميع هذه المسائل بأدلتها.


ويستفاد من أحاديث الباب:

1- أن الله لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم.
2- التحذير من مخالفة الله عز وجل.
والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وأسأل الله أن يختم لنا ولكم بالتوحيد، آمين.






المصدر :

كتاب
القول المفيد على كتاب التوحيد

رابط التحميل المباشر


http://waqfeya.com/book.php?bid=1979





رد مع اقتباس