عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18-10-2010, 06:35PM
الغريبة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

خامسا :

وعلى أهل العلم والفضل أن يغتنموا فرصة التقائهم بالحجاج في المسجد الحرام وغيره من المواطن المقدسة فيعلموهم ما يلزم من مناسك الحج وأحكامه على وفق الكتابة السنة وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى أصل الإسلام الذي من أجله بعثت الرسل وأنزلت الكتب ألا وهو التوحيد فإن أكثر من لقيناهم حتى ممن ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة التوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وكثرة أحزابهم إلى العمل الثابت في الكتاب والسنة في العقائد والأحكام والمعاملات والأخلاق والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من شؤون الحياة وأن أي صوت يرتفع وأي إصلاح يزعم على غير هذا الأصل القويم والصراط المستقيم فسوف لا يجني المسلمون منه إلا ذلا وضعفا والواقع أكبر شاهد على ذلك والله المستعان .
وقد تتطلب الدعوة إلى ما سبق شيئا قليلا أو كثيرا من الجدال بالتي هي أحسن كما قال الله عز وجل : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) - النحل : 125 . فلا يصدنك عن ذلك معارضة الجهلة بقوله تعالى : ( . . . فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) - البقرة : 196 . فإن الجدال المنهي عنه في الحج هو كالفسق المنهي عنه في غير الحج أيضا وهو الجدال بالباطل وهو غير الجدال المأمور به في آية الدعوة قال ابن حزم رحمه الله ( 7/196 ) :
( والجدال قسمان : قسم واجب وحق وقسم في باطل فالذي في الحق واجب في الإحرام وغير الإحرام قال تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك . . . ) ومن جادل في طلب حق له فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى وسعى في إظهار الحق والمنع من الباطل وهكذا كل من جادل في حق لغيره أو لله تعالى والجدال بالباطل وفي الباطل عمدا ذاكرا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج لقوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) البقرة : 196 ) .
وهذا كله على أن ( الجدال ) في الآية بمعنى المخاصمة والملاحاة حتى تغضب صاحبك . وقد ذهب إلى هذا المعنى جماعة من السلف وعزاه ابن قدامة في ( المغني ) ( 3/296 ) إلى الجمهور ورجحه . وهناك في تفسيره قول آخر : وهو المجادلة في وقت الحج ومناسكه واختاره ابن جرير ثم ابن تيمية في ( مجموعة الرسائل الكبرى ) ( 2/361 ) وعلى هذا فالآية غير واردة فيما نحن فيه أصلا . والله أعلم .
ومع ذلك فإنه ينبغي أن يلاحظ الداعية أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالفة له لتعصبه لرأيه وأنه إذا صابره على الجدل فلربما ترتب عليه ما لا يجوز فمن الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله صلى الله عليه وسلم :
( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ) . رواه أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة وللترمذي نحوه من حديث أنس وحسنه .
وفقنا الله والمسلمين لمعرفة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع هديه .

وهذه الأمور يتحرج منها بعض الحجاج وهي جائزة :

1 - الاغتسال لغير احتلام ودلك الرأس ففي ( الصحيحين ) وغيرهما :
عن عبد الله بن حنين عن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهمااختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس : يغسل المحرم رأسه وقال المسور : لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني ا بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله عن ذلك فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب فسلمت عليه فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه : اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر وقال : هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل . زاد مسلم : ( فقال المسور لابن عباس : لا أماريك أبدا ) .
وروى البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال :
( ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون ) .
وعن عبد الله بن عمر ( أن عاصم بن عمر وعبد الرحمن بن زيد وقعا في البحر يتمالقان ( يتغاطسان ) يغيب أحدهما رأس صاحبه وعمر ينظر إليهما فلم ينكر ذلك عليهما ) .

2 - حك الرأس ولو سقط بعض الشعر وحديث أبي أيوب المتقدم آنفا دليل عليه وروى مالك ( 1/358/92 ) عن أم علقمة بن أبي علقمة أنها قالت :
سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم : أيحك جسده ؟ فقالت : نعم فليحكه وليشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت . وسنده حسن في الشواهد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموعة الكبرى ) ( 2/368 ) :
وله أن يحك بدنه إذا حكه وكذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره ) .


3 - الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم لحديث ابن بحينة رضي الله عنه قال :
( احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم ب ( لحي جمل ) - موضع بطريق مكة - في وسط رأسه ) . متفق عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مناسكه ) ( 2/338 ) :
( وله أن يحك بدنه إذا حكه ويحتجم فى رأسه وغير رأسه وإن احتاج أن يحلق شعرا لذلك جاز فإنه قد ثبت في ( ثم ساق هذا الحديث ثم قال ) ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر وكذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره وإن تيقن أنه انقطع بالغسل ) .
وهذا مذهب الحنابلة كما في ( المغني ) ( 3/306 ) ولكنه قال : ( وعليه الفدية ) .
وبه قال مالك وغيره . ورده ابن حزم بقوله : ( 7/257 ) عقب هذا الحديث :
( لم يخبر عليه السلام أن في ذلك غرامة ولا فدية ولو وجبت لما أغفل ذلك وكان عليه السلام كثير الشعر أفرع (7) وإنما نهينا عن حلق الرأس في الإحرام ) .


4 - شم الريحان وطرح الظفر إذا انكسر . قال ابن عباس رضي الله عنه :
( المحرم يدخل الحمام وينزع ضرسه ويشم الريحان وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول : أميطوا عنكم الأذى فإن الله عز وجل لا يصنع بأذاكم شيئا ) .
رواه البيهقي ( 5/62 - 63 ) بسند صحيح . وإلى هذا ذهب ابن حزم ( 7/246 ) وروى مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم ؟ فقال سعيد : اقطعه .


5 - الاستظلال بالخيمة أو المظلة ( الشمسية ) وفي السيارة ورفع سقفها من بعض الطوائف تشدد وتنطع في الدين ولم يأذن به رب العالمين . فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنصب القبة له ب ( نمرة ) ثم نزل بها كما سيأتي في الكتاب فقرة ( 57 - 58 ) وعن أم الحصين رضي الله عنه قالت :
( حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة ) .
وأما ما روى البيهقي عن نافع قال :
( أبصر بن عمر رضي الله عنه رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال له : ضح لمن أحرمت له ) .
وفي رواية من طريق أخرى أنه رأى عبد الله بن أبي ربيعة جعل على وسط راحلته عودا وجعل ثوبا يستظل به من الشمس وهو محرم فلقيه ابن عمر فنهاه ) .
قلت : فلعل ابن عمر رضي الله عنه لم يبلغه حديث أم الحصين المذكور وإلا فما أنكره هو عين ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال البيهقي :
هذا موقوف وحديث أم الحصين صحيح ) . يعني فهو أولى بالأخذ به وترجمه له بقوله :
( باب المحرم يستظل بما شاء ما لم يمس رأسه ) . (8)


6 - وله أن يشد المنطقة والحزام على إزاره وله أن يعقده عند الحاجة وأن يتختم وأن يلبس ساعة اليد ويضع النظارة لعدم النهي عن ذلك وورد بعض الآثار بجواز شيء من ذلك .
فعن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الهيمان للمحرم ؟ فقالت : وما بأس ؟ ليستوثق من نفقته . وسنده صحيح . وعن عطاء : يتختم - يعني المحرم - ويلبس الهيمان . رواه البخاري تعليقا .
قلت : ولا يخفى أن الساعة والنظارة في معنى الخاتم والمنطقة مع عدم ورود ما ينهى عنهما ( وما كان ربك نسيا ) مريم : 64 .
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) .


دمشق في 15 شوال 1384 هـ .
محمد ناصر الدين الألباني .


ـــــــــــــــــــــ
1) أي عند ذي الحليفة . .
2) وقد رددنا على القائلين بالخصوصية في التعليق على الفقرة المشار إليها من الكتاب الصفحة ( 63 .
3) أي ملمين بنسائهم . .
4) أي في حجر الأراك كناية عن التستر به وهو شجر من الحمض يستاك به . وهو أيضا موضع بعرفة وليس مرادا هنا خلافا لبعض المعلقين على مسلم فإن الحجاج في هذا الموضع يكونون محرمين لا يجوز لهم وطأ نسائهم . .
5) حديثان صحيحان مخرجان في " صفة الصلاة " لنا ( 51 / 53 الطبعة الثالثة .
6) وهو تحت الطبع في مطابع المكتب الإسلامي . .
7) الأفرع : التام من الشعر . .
8) قلت : فقول شيخ الإسلام : " والأفضل للمحرم أن يضحي لمن أحرم له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحجون " فيه نظر بين لا يخفى على القارئ ..

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



رد مع اقتباس