عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18-10-2010, 06:01PM
الغريبة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

ثانيا :

ننصح لكل من أراد الحج أن يدرس مناسك الحج على ضوء الكتاب والسنة قبل أن يباشر أعمال الحج ليكون تاما مقبولا عند الله تبارك وتعالى .
وإنما قلت : على الكتاب والسنة لأن المناسك قد وقع فيها من الخلاف - مع الأسف - ما وقع في سائر العبادات من ذلك مثلا : هل الأفضل أن ينوي في حجه التمتع أم القران أم الإفراد ؟ على ثلاثة مذاهب والذي نراه من ذلك إنما هو التمتع فقط كما هو مذهب الإمام أحمد وغيره بل ذهب بعض العلماء المحققين إلى وجوبه إذا لم يسق معه الهدي منهم ابن حزم وابن القيم تبعا لابن عباس وغيره من السلف وتجد تفصيل القول في ذلك في كتاب ( المحلى ) و( زاد المعاد ) وغيرهما .
ولست أريد الآن الخوض في هذه المسألة بتفصيل وإنما أريد أن أذكر بكلمة قصيرة تنفع إن شاء الله تعالى من كان مخلصا وغايته اتباع الحق وليس تقليد الآباء أو المذهب فأقول :
لا شك أن الحج كان في أول استئنافه صلى الله عليه وسلم إياه جائزا بأنواعه الثلاثة المتقدمة وكذلك كان أصحابه صلى الله عليه وسلم منهم المتمتع ومنهم القارن ومنهم المفرد لأنه صلى الله عليه وسلم خيرهم في ذلك كما في حديث عائشة رضي الله عنها :
( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من أرد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل . . . ) الحديث رواه مسلم .
وكان هذا التخيير في أول إحرامهم عند الشجرة [ 1] كما في رواية لأحمد ( 6/245 ) ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستمر على هذا التخيير بل نقلهم إلى ما هو أفضل وهو التمتع دون أن يعزم بذلك عليهم أو يأمرهم به وذلك في مناسبات شتى في طريقهم إلى مكة فمن ذلك حينما وصلوا إلى ( سرف ) وهو موضع قريب من التنعيم وهو من مكة على نحو عشرة أميال فقالت عائشة في رواية عنها :
( . . . فنزلنا سرف فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا . قالت : فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه [ ممن لم يكن معه هدي ] . . . ) الحديث متفق عليه والزيادة لمسلم .
ومن ذلك لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى ( ذي طوى ) وهو موضع قريب من مكة وبات بها فلما صلى الصبح قال لهم :
( صحيح ) ( من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة ) أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس ولكنا رأيناه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة وطاف هو وأصحابه طواف القدوم لم يدعهم على الحكم السابق وهو الأفضلية بل نقلهم إلى حكم جديد وهو الوجوب فإنه أمر من كان لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى عمرة ويتحلل فقالت عائشة رضي الله عنها :
( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل قالت : فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه لم يسقن فأحللن . . . ) الحديث متفق عليه وعن ابن عباس نحوه بلفظ :
( فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : الحل كله ) متفق عليه . وفي حديث جابر نحوه وأوضح منه كما يأتي فقرة ( 33 - 45 ) .
قلت : فمن تأمل في هذه الأحاديث الصحيحة تبين له بيانا لا يشوبه ريب أن التخيير الوارد فيها إنما كان منه صلى الله عليه وسلم لإعداد النفوس وتهيئتها لتقبل حكم جديد قد يصعب ولو على البعض تقبله بسهولة لأول وهلة ألا وهو الأمر بفسخ الحج إلى العمرة لا سيما وقد كانوا في الجاهلية - كما هو ثابت في ( الصحيحين ) - يرون أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج وهذا الرأي وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبطله باعتماره صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ثلاث سنوات كلها في شهر ذي القعدة فهذا وحده وإن كان كافيا في إبطال تلك البدعة الجاهلية فإنه ولا قرينة هنا بل لا يكفي - والله أعلم - لإعداد النفوس لتقبل الحكم الجديد فلذلك مهد له صلى الله عليه وسلم بتخييرهم بين الحج والعمرة مع بيان ما هو الأفضل لهم ثم أتبع ذلك بالأمر الجازم بفسخ الحج إلى العمرة كما تقدم .

فإذا عرفنا ذلك فهذا الأمر للوجوب قطعا ويدل على ذلك الأمور التالية :
الأول : أن الأصل فيه الوجوب إلا لقرينة ولا قرينة هنا بل والقرينة هنا تؤكده وهي الأمر التالي وهو :
الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم لما أمرهم تعاظم عندهم كما تقدم آنفا ولو لم يكن للوجوب لم يتعاظموه ألم تر أنه صلى الله عليه وسلم قد أمرهم من قبل ثلاث مرات أمر تخيير ومع ذلك لم يتعاظموه فدل على أنهم فهموا من الأمر الوجوب وهو المقصود .
الثالث : أن في رواية في حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
( . . . فدخل علي وهو غضبان فقلت : من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار قال : أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه ثم أحل كما حلوا ) . رواه مسلم والبيهقي وأحمد ( 6/175 ) .
ففي غضبه صلى الله عليه وسلم دليل واضح على أن أمره كان للوجوب لا سيما وأن غضبه صلى الله عليه وسلم إنما كان لترددهم لا من أجل امتناعهم من تنفيذ الأمر وحاشاهم من ذلك ولذلك حلوا جميعا إلا من كان معه هدي كما يأتي في الفقرة ( 44 ) .
الرابع : قوله صلى الله عليه وسلم : لما سألوه عن الفسخ الذي أمرهم به :
( ألعامنا هذا أم لأبد الأبد ؟ ) فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في أخرى وقال :
( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لا بل لأبد أبد لا بل لأبد أبد ) . كما يأتي في الفقرة ( 24 ) .
فهذا نص صريح على أن العمرة أصبحت جزءا من الحج لا يتجزأ وأن هذا الحكم ليس خاصا بالصحابة كما يظن البعض بل هو مستمر إلى الأبد . [2]
خامسا : أن الأمر لو لم يكن للوجوب لكفى أن ينفذه بعض الصحابة فكيف وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكتفي بأمر الناس بالفسخ أمرا عاما فهو تارة يأمر بذلك ابنته فاطمة رضي الله عنها كما يأتي ( فقرة 48 ) وتارة يأمر به أزواجه كما في ( الصحيحين ) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع قالت حفصة : فقلت : ما يمنعك أن تحل ؟ قال : ( إني لبدت رأسي . . . ) الحديث . ولما جاء أبو موسى من اليمن حاجا قال له صلى الله عليه وسلم : ( بم أهللت ) ؟ قال : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل سقت من الهدي ؟ قال : لا. قال : ( فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل . . . ) الحديث .
فهل هذا الحرص الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ أمره بالفسخ إلى كل مكلف لا يدل على الوجوب ؟ اللهم إن الوجوب ليثبت بأدنى من هذا .
ولوضوح هذه الأدلة الدالة على وجوب الفسخ بله التمتع لم يسع المخالفين لها إلا التسليم بدلالتها ثم اختلفوا في الإجابة عنها فبعضهم ادعى خصوصية ذلك بالصحابة وقد عرفت بطلان ذلك مما سبق .
وبعضهم ادعى نسخه ولكنهم لم يستطيعوا أن يذكروا ولو دليلا واحدا يحسن ذكره والرد عليه اللهم إلا نهي عمر رضي الله عنه وكذا عثمان وابن الزبير كما في ( الصحيحين ) وغيرهما .
والجواب من وجوه :
الأول : أن الذين يحتجون بهذا النهي عن المتعة لا يقولون به لأن من مذهبهم جوازها فما كان جوابهم عنه فهو جوابنا .
الثاني : أن هذا النهي قد أنكره جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي وعمران بن حصين وابن عباس وغيرهم .
الثالث : أنه رأي مخالف للكتاب فضلا عن السنة قال الله تعالى : ( فمن تمتع بالعمر إلى الحج فما استيسر من الهدي ) البقرة : 196 . وقد أشار إلى هذا المعنى عمران بن حصين رضي الله عنه بقوله :
( قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل فيه القرآن ( وفي رواية : نزلت آية المتعة في كتاب الله - يعني متعة الحج - وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ,و لم ينه عنها رسول الله صلى الله عيه و سلم حتى مات ) قال رجل برأيه بعد ما شاء ) . رواه مسلم .
وقد صرح عمر رضي الله عنه بمشروعية التمتع وأن نهيه عنه أو كراهته له إنما هو رأي رآه لعلة بدت له فقال :
( قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن[3] في الأراك[4] ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم ) رواه مسلم وأحمد .
ومن الأمور التي تستلفت نظر الباحث أن هذه العلة التي اعتمدها عمر رضي الله عنه في كراهته التمتع هي عينها التي تذرع بها الصحابة الذين لم يبادروا إلى تنفيذ أمره صلى الله عليه وسلم بالفسخ في ترك المبادرة فقالوا :
( خرجنا حجاجا لا نريد إلا الحج حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني من النساء . . . ) انظر الفقرة ( 40 ) وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : ( أبالله تعلموني أيها الناس ؟ قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم افعلوا ما آمركم به فإني لو لا هديي لحللت كما تحلون ) ( فقرة 42 ) .
فهذا يبين لنا أن عمر رضي الله عنه لو استحضر حين كره للناس التمتع قول الصحابة هذا الذي هو مثل قوله وتذكر معه رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم لما كره ذلك ونهى الناس عنه .
وفي هذا دليل على أن الصحابي الجليل قد تخفى عليه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول من أقواله فيجتهد برأيه فيخطئ وهو مع ذلك مأجور غير مأزور والعصمة لله وحده ثم لرسوله .
وقد يقول قائل : إن ما ذكرته من الأدلة على وجوب التمتع وعلى رد ما يخالفه واضح مقبول ولكن يشكل عليه ما يذكره البعض أن الخلفاء الراشدين جميعا كانوا يفردون الحج , فكيف التوفيق بين هذا و بين ما ذكرت ؟
والجواب : أنه سبق أن بينا أن التمتع إنما يجب على من لم يسق الهدي وأما من ساق الهدي فلا يجب عليه ذلك بل لا يجوز له وإنما عليه أن يقرن وهو الأفضل وأو يفرد فيحتمل أن ما ذكر عن الخلفاء من الإفراد إنما هو لأنهم كانوا ساقوا الهدي . وحينئذ فلا منافاة والحمد لله .
وخلاصة القول : أن على كل من أراد الحج أن يلبي عند إحرامه بالعمرة ثم يتحلل منها بعد فراغه من السعي بين الصفا والمروة بقص شعره . وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج فمن كان لبى بالقران أو الحج المفرد فعليه أن يفسخ ذلك بالعمرة إطاعة لنبيه صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يقول : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) - النساء : 80 وعلى المتمتع بعد ذلك أن يقدم هديا يوم النحر أو في أيام التشريق وهو من تمام النسك وهو دم شكران وليس دم جبران وهو - كما قال ابن القيم - بمنزلة الأضحية للمقيم وهو من تمام عبادة هذا اليوم فالنسك المشتمل على الدم بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية وهو من أفضل الأعمال فقد جاء من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأعمال أفضل ؟
( العج والثج ) وصححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي وحسنه المنذري والعج رفع الصوت بالتلبية والثج إراقة دم الهدي . وعليه أن يأكل من هديه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه ( فقرة 90 ) ولقوله عز وجل فيما يذبح من الهدي في منى ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) - الحج : 28 .
وقد اتصلنا بكثير من الحجاج فعرفنا منهم أنهم مع كونهم يعلمون أن التمتع أفضل من الإفراد فكانوا يفردون ثم يأتون بالعمرة بعد الحج من التنعيم وذلك لئلا يلزمهم الهدي.
وفي هذا من المخالفة للشارع الحكيم والاحتيال على شرعه ما لا يخفى فساده فإن الله بحكمته شرع العمرة قبل الحج وهم يعكسون ذلك وأوجب على المتمتع هديا وهم يفرون منه وليس ذلك من عمل المتقين ثم هم يطمعون أن يتقبل الله حجهم وأن يغفر ذنبهم هيهات هيهات ف ( إنما يتقبل الله من المتقين ) - المائدة : 27 وليس من البخلاء المحتالين
.
فكن أيها الحاج متقيا لربك متبعا لسنة نبيك في مناسكك عسى أن ترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك .

يتبع..>>

رد مع اقتباس