عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 25-10-2007, 07:05PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
ب- فعلـي: وهو ما كان بأعمال الجوارح، ويدخل فيه ما يأتي:
التطير

قال ابن الأثير: "الطيَرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن: هي التشاؤم بالشيء. وهي مصدر تطيّر، وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر"[1].
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل))[2].
قال ابن تيمية: "وأما الطيرة بأن يكون قد فعل أمراً متوكّلاً على الله أو يعزم عليه، فيسمع كلمة مكروهة: مثل ما يتم، أو ما يفلح، ونحو ذلك فيتطيّر ويترك الأمر، فهذا منهي عنه"[3].
وقال سليمان آل الشيخ: "قوله: ((الطيرة شرك)) صريح في تحريم الطيرة، وأنها من الشرك لما فيها من تعلّق القلب على غير الله"[4].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك))، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك))[5].
قال سليمان آل الشيخ: "قوله: ((من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك)) وذلك أن التطير هو التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع، فإذا استعملها الإنسان فرجع بها عن سفره وامتنع بها عمّا عزم عليه، فقد قرع باب الشرك بل ولجه وبرئ من التوكل على الله، وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله، وذلك قاطع له عن مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيصير قلبه متعلقاً بغير الله، وذلك شرك، فيفسد عليه إيمانه، ويبقى هدفًا لسهام الطيرة، ويقيّض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه ودنياه، وكم ممن هلك بذلك وخسر الدنيا والآخرة"[6].

----------------

[1] النهاية في غريب الحديث (3/152).

[2] أخرجه أحمد في المسند (1/389)، وأبو داود في الطب، باب: في الطيرة (3910)، والترمذي في السير، باب: ما جاء في الطيرة (1614)، وابن ماجه في الطب، باب: من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة (3538)، وصححه الترمذي، والحاكم (1/17-18)، وأقره الذهبي، والألباني في السلسلة الصحيحة (429).

[3] مجموع الفتاوى (23/67).

[4] تيسير العزيز الحميد (438).

[5] أخرجه أحمد في المسند (2/220)، قال الهيثمي في المجمع (5/105): "رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات"، لكن رواه عن ابن لهيعة عبد الله بن وهب كما في جامعه (1/110)، ومن طريقه أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (293)، وحسن الحديث شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (11/623)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1065).

[6] تيسير العزيز الحميد (439).
إتيان الكهان والعرافين

عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))[2].
قال الخطابي: "الكاهن هو الذي يدّعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن... وكان منهم من يسمّى عرافاً، وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالشيء يُسرق فيعرف المظنون به السرقة"[3].
وقال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: " وأكثر ما يقع في هذه الأمة ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبار فيظنه الجاهل كشفاً وكرامة، وقد اغترّ بذلك كثير من الناس، يظنون المخبِر لهم بذلك عن الجن ولياً لله، وهو من أولياء الشيطان"[4].
قال الشيخ سليمان آل الشيخ: "وظاهر الحديث[5] أنَّ هذا الوعيد مرتّب على مجيئه وسؤاله، سواء صدّقه أو شكّ في خبره، لأن إتيان الكهان منهي عنه كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي قلت: يا رسول الله، إن منا رجلاً يأتون الكهان، قال: ((فلا تأتهم))[6]، ولأنه إذا شكّ في خبره فقد شكّ في أنّه لا يعلم الغيب، وذلك موجب للوعيد، بل يجب عليه أن يقطع ويعتقد أنه لا يعلم الغيب إلا الله"[7].
وقال الشيخ أيضاً: "وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان لاعتقاده أنه يعلم الغيب، وسواء كان ذلك من قبل الشياطين، أو من قبل الإلهام، لا سيما وغالب الكهان في وقت النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين"[8].
وقال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "وهل الكفر في هذا الموضع كفر دون كفر، فلا ينقل عن الملة، أم يتوقف فيه، فلا يقال: يخرج عن الملة ولا يخرج؟ وهذا أشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى"[9].
وقال ابن قاسم: "الأحاديث التي فيها الكفر مقيّدة بتصديقه"[10].
وقال ابن عثيمين: "وظاهر الحديث أن مجرّد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوماً، ولكنه ليس على إطلاقه، فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالاً مجرّداً فهذا حرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً...)) إلخ، فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه، إذ لا عقوبة إلا على محرّم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قولَه، فهذا كفر، لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن.
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب؟ لا لأجل أن يأخذ بقوله، فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمُور، وهذا قد يكون واجباً أو مطلوباً"[11].
وقال ابن عثيمين أيضاً: "قوله: ((كفر بما أنزل على محمد)) وجه ذلك: أن ما أنزل على محمد قال الله تعالى فيه: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ?لسَّمَـ?و?تِ و?لأرْضِ ?لْغَيْبَ إِلاَّ ?للَّهُ} [النمل:65]، وهذا من أقوى طرق الحصر، لأن فيه النفي والإثبات، فالذي يصدق الكاهن في علم الغيب، وهو يعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله، فهو كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، وإن كان جاهلاً ولا يعتقد أن القرآن فيه كذب فكفره كفر دون كفر"[12].
------------------

[1] أخرجه مسلم في السلام (2230).

[2] أخرجه أحمد في المسند (2/408، 476)، وأبو داود في الطب، باب: في الكاهن (3904)، والترمذي في الطهارة، باب: في كراهية إتيان الحائض (135)، والنسائي في الكبرى (9017)، وابن ماجه في الطهارة، باب: النهي عن إتيان الحائض (339)، والدارمي (1136)، وابن الجارود (107)، والحاكم (1/8)، وقال الترمذي: "وضعف محمد ـ يعني: البخاري ـ هذا الحديث من قبل إسناده"، ونقل المناوي في الفيض (6/24) تضعيف البغوي وابن سيد الناس والذهبي لهذا الحديث، ووافقهم على ذلك. وله شاهد من حديث جابر أخرجه البزار (9045- كشف الأستار)، وجوده المنذري في الترغيب (3/619)، وقال الهيثمي في المجمع (11715): "رجاله رجال الصحيح خلا عقبة بن سنان وهو ضعيف"، وصححه الألباني في غاية المرام (285).

[3] معالم السنن (4/211-212).

[4] فتح المجيد (255).

[5] أي: حديث ((من أتى عرافاً فسأله...)) الخ.

[6] أخرجه مسلم في المساجد (537).

[7] تيسير العزيز الحميد (406-407).

[8] تيسير العزيز الحميد (409).

[9] فتح المجيد (257).

[10] حاشية كتاب التوحيد (204).

[11] القول المفيد (2/49).

[12] القول المفيد (2/55).
رد مع اقتباس