عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 25-10-2007, 07:02PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: "فاعلم أن الشرك ينقسم ثلاثة أقسام بالنسبة إلى أنواع التوحيد، وكل منها قد يكون أكبر وأصغر مطلقاً، وقد يكون أكبر بالنسبة إلى ما هو أصغر منه، ويكون أصغر بالنسبة إلى ما هو أكبر منه"[1].
----------------------
[1] تيسير العزيز الحميد (ص43).

الشرك الأصغر

1- تعريفه:
قال ابن سعدي: "هو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسّل بها إلى الشرك كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة، كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك"[1].
وقال السلمان: "هو كلّ وسيلة وذريعة يتطرّق بها إلى الشرك الأكبر"[2].
وعرفه بعضهم بأنه تسوية غير الله بالله في هيئة العمل أو أقوال اللسان، فالشرك في هيئة العمل هو الرياء، والشرك في أقوال اللسان هو الألفاظ التي فيها معنى التسوية بين الله وغيره، كقوله: ما شاء الله وشئت، وقوله: اللهم اغفر لي إن شئت، وقوله: عبد الحارث، ونحو ذلك"[3].
واختار البعض أنه لا يعرف بل يذكر بالأمثلة، لأن تعريفه غير منضبط لكثرة أفراده وتنوعه، وذلك كما صنع ابن القيم[4].
2- مصدر تسميته بالشرك الأصغر:
جاء في بعض النصوص الشرعية تسمية هذا النوع من الشرك بالشرك الأصغر.
فعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء))[5].
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: كنا نعدّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرياء الشرك الأصغر[6].

أنواع الشرك الأصغر :
أنواع الشرك الأصغر كثيرة، ويمكن حصرها فيما يأتي:

أ- قـولـي: وهو ما كان باللسان ويدخل فيه ما يأتي:
الحلف بغير الله تعالى

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حلف بغير فقد كفر أو أشرك))[1].
قال ابن تيمية: "والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد، وقد حكي إجماع الصحابة على ذلك.
وقيل: هي مكروهة كراهة تنزيه، والأول أصح، حتى قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر: (لأن أحلفَ بالله كاذباً أحبّ إليَّ من أن أحلف بغير الله صادقاً)، وذلك لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكذب"[2].
وقال سليمان آل الشيخ: "قوله: ((فقد كفر أو أشرك)) أخذ به طائفة من العلماء فقالوا: يكفر من حلف بغير الله كفرَ شرك، قالوا: ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول: لا إله إلا الله، فلولا أنه كفرٌ ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك.
وقال الجمهور: لا يكفر كفراً ينقل عن الملة، لكنه من الشرك الأصغر، كما نصّ على ذلك ابن عباس وغيره، وأما كونه أمر من حلف باللات والعزى أن يقول: لا إله إلا الله، فلأنّ هذا كفارة له مع استغفاره، كما قال في الحديث الصحيح: ((ومن حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله))[3]، وفي رواية ((فليستغفر))، فهذا كفارة له في كونه تعاطى صورةَ تعظيم الصنم، حيث حلف به، لا أنه لتجديد إسلامه، ولو قُدّر ذلك فهو تجديد لإسلامه لنقصه بذلك لا لكفره، لكن الذي يفعله عبّاد القبور إذا طلبت من أحدهم اليمين بالله أعطاك ما شئت من الإيمان صادقاً أو كاذباً، فإذا طلبت منه اليمين بالشيخ أو تربته أو حياته ونحو ذلك لم يقدِم على اليمين به إن كان كاذباً، فهذا شرك أكبر بلا ريب، لأن المحلوف به عنده أخوف وأجلّ وأعظم من الله، وهذا ما بلغ إليه شرك عبّاد الأصنام، لأن جهد اليمين عندهم هو الحلف بالله كما قال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِ?للَّهِ جَهْدَ أَيْمَـ?نِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ?للَّهُ مَن يَمُوتُ} [النحل:38]"[4].

---------------

[1] أخرجه الترمذي في النذور والإيمان، باب: ما جاء في كراهية الحلف بغير الله (1535)، والحاكم في المستدرك (4/330)، والبيهقي في الكبرى (10/29)، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، والألباني في صحيح الترغيب (2952).

[2] مجموع الفتاوى (1/204).

[3] أخرجه البخاري في التفسير، باب: {أفرأيتم اللات والعزى} (4860)، ومسلم في الإيمان (1647) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] تيسير العزيز الحميد (ص593).
قول: "ما شاء الله وشئت"

عن قُتيلة امرأة من جهينة أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تندّدون وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقول أحدهم: ما شاء الله ثم شئت[1].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شئت))[2].
قال سليمان آل الشيخ: قوله: (إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت) هذا نص في أن هذا اللفظ من الشرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ اليهودي على تسمية هذا اللفظ تنديداً أو شركاً، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد إلى استعمال اللفظ البعيد من الشرك، وقول: ما شاء الله ثم شئت، وإن كان الأولى قول: ما شاء الله وحده كما يدل عليه حديث ابن عباس وغيره[3]. وعلى النهي عن قول: (ما شاء الله وشئت) جمهور العلماء"[4].
وقال أيضاً: "وفي الحديث من الفوائد: معرفة اليهود بالشرك الأصغر، وكثير ممن يدعي الإسلام لا يعرف الشرك الأكبر... وأن الحلف بغير الله من الشرك الأصغر لا يمرق به الإنسان من الإسلام"[5].

---------------

[1] أخرجه أحمد في المسند (6/371-372)، والنسائي في الأيمان (3773)، والحاكم (4/297)، والبيهقي في الكبرى (3/216)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، والألباني في السلسلة الصحيحة (136).

[2] أخرجه ابن ماجة في الكفارات، باب: النهي أن يقول: ما شاء الله وشئت (2117)، وقال الألباني في الصحيحة (1093): "إسناده حسن"، وذكر له شواهد أخرى بأرقام (136، 137، 139).

[3] هو حديث أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده)). أخرجه أحمد (1/214)، والبخاري في الأدب المفرد (783)، والنسائي في عمل اليوم والليلة، والطبراني في الكبير (13005)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (139).

[4] تيسير العزيز الحميد (599).

[5] تيسير العزيز الحميد (600-601) ، وانظر: مدارج السالكين (1/373).
رد مع اقتباس