عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 28-01-2015, 04:13PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






القول المفيد على كتاب التوحيد

باب الخوف من الشرك

ج / 1 ص -113- باب الخوف من الشرك

وقول الله عزوجل{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } 1.


مناسبة الباب للبابين قبله
في الباب الأول ذكر المؤلف رحمه الله تحقيق التوحيد، وفي الباب الثاني ذكر أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث بهذا الباب رحمه الله تعالى; لأن الإنسان يرى أنه قد حقق التوحيد وهو لم يحققه، ولهذا قال بعض السلف: " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص"، وذلك أن النفس متعلقة بالدنيا تريد حظوظها من مال أو جاه أو رئاسة، وقد تريد بعمل الآخرة الدنيا، وهذا نقص في الإخلاص، وقل من يكون غرضه الآخرة في كل عمله، ولهذا أعقب المؤلف رحمه الله ما سبق من البابين بهذا الباب، وهو الخوف من الشرك،

وذكر فيه آيتين:
·الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } 2 " لا ": نافية، " أن يشرك به ": فعل مضارع، مقرون بأن المصدرية; فيحول إلى مصدر تقديره: إن الله لا يغفر الإشراك به، أو لا يغفر إشراكا به; فالشرك لا يغفره الله أبدا; لأنه جناية على حق الله الخاص، وهو التوحيد.
أما المعاصي; كالزنى والسرقة; فقد يكون للإنسان فيها حظ نفس



1 سورة النساء آية : 48.
2 سورة النساء آية : 48.

ج / 1 ص -114- وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} 1.


بما نال من شهوة، أما الشرك; فهو اعتداء على حق الله تعالى، وليس للإنسان فيه حظ نفس، وليس شهوة يريد الإنسان أن ينال مراده، ولكنه ظلم، ولهذا قـال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وهل المراد بالشرك هنا الأكبر، أم مطلق الشرك؟ قال بعض العلماء: إنه مطلق يشمل كل شرك ولو أصغر; كالحلف بغير الله، فإن الله لا يغفره، أما بالنسبة لكبائر الذنوب; كالسرقة، والخمر; فإنها تحت المشيئة، فقد يغفرها الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية المحقق في هذه المسائل، اختلف كلامه في هذه المسألة; فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر. وعلى كل حال; فيجب الحذر من الشرك مطلقا; لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر; لأن قوله: " أن يشرك به " أن وما بعدها في تأويل مصدر، تقديره: إشراكا به; فهو نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم.


قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } المراد بالدون هنا: ما هو أقل من الشرك، وليس ما سوى الشرك.
الآية الثانية: قوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ}قيل: المراد ببنيه: بنوه لصلبه، ولا نعلم له من صلبه سوى إسماعيل وإسحاق. وقيل: المراد ذريته وما توالد من صلبه، وهو الأرجح، وذلك للآيات التي



1 سورة إبراهيم آية : 35.

ج / 1 ص -115- دلت على دعوته للناس من ذريته، ولكن كان من حكمة الله أن لا تجاب دعوته في بعضهم، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الله أن لا يجعل بأس أمته بينهم1 فلم يجب الله دعاءه.
وأيضا يمنع من الأول: أن الآية بصيغة الجمع، وليس لإبراهيم من الأبناء سوى إسحاق وإسماعيل. ومعنى: " اجنبني " ; أي: اجعلني في جانب والأصنام في جانب، وهذا أبلغ مما لو قال: امنعني وبني من عبادة الأصنام; لأنه إذا كان في جانب عنها كان أبعد.


فإبراهيم عليه السلام يخاف الشرك على نفسه، وهو خليل الرحمن وإمام الحنفاء; فما بالك بنا نحن إذن؟! فلا تأمن الشرك، ولا تأمن النفاق; إذ لا يأمن النفاق إلا منافق، ولا يخاف النفاق إلا مؤمن، ولهذا قال ابن أبي مليكـة: " أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه "2.


وها هو عمر بن الخطابرضي الله عنهخاف على نفسه النفاق; فقال لحذيفة بن اليمانرضي الله عنهالذي أسر إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء أناس من المنافقين; فقال له عمررضي الله عنه" أنشدك الله; هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من سمى من المنافقين؟ فقال حذيفةرضي الله عنهلا، ولا أزكي بعدك أحدا "3 أراد عمر بذلك زيادة الطمأنينة، وإلا; فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.



1 يأتي تخريجه (ص 471).
2 رواه: البخاري (كتاب الإيمان, باب خوف المؤمن أن يحبط عمله, 1/32).
3 انظر: "طريق الهجرتين" لابن القيم آخر الطبقة الخامسة عشرة.

ج / 1 ص -116- وفي الحديث:........
ولا يقال: إن عمررضي الله عنهأراد حث الناس على الخوف من النفاق ولم يخفه على نفسه; لأن ذلك خلاف ظاهر اللفظ، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، ومثل هذا القول يقوله بعض العلماء فيما يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه في بعض الأشياء، يقولون: هذا قصد به التعليم، وقصد به أن يبين لغيره، كما قيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: رب اغفر لي؛ لأن له ذنبا، ولكن لأجل أن يعلم الناس الاستغفار، وهذا خلاف الأصل، وقول بعضهم: إنه جهر بالذكر عقب الفريضة ليعلم الناس الذكر، لا لأن الجهر بذلك من السنة ونحو ذلك.


قوله: { أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ}أن والفعل بعدها في تأويل مصدر مفعول ثان لقوله: اجنبني.
والأصنام: جمع صنم، وهو ما جعل على صورة إنسان أو غيره؛ يعبد من دون الله. أما الوثن: فهو ما عبد من دون الله، على أي وجه كان، وفي الحديث: " لا تجعل قبري وثنا يعبد "1. فالوثن أعم من الصنم.
ولا شك أن إبراهيم سأل ربه الثبات على التوحيد; لأنه إذا جنبه عبادة الأصنام صار باقيا على التوحيد.


الشاهد من هذه الآية: أن إبراهيم خاف الشرك، وهو إمام الحنفاء، وهو سيدهم ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: "وفي الحديث"، الحديث: ما أضيف إلى الرسول من قول أو



1 يأتي (ص 423).

ج / 1 ص -117- " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. فسئل عنه؟ فقال: الرياء "1.


فعل أو إقرار أو وصف والخبر: ما أضيف إليه وإلى غيره والأثر: ما أضيف إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم أي: إلى الصحابي فمن بعده، إلا إذا قيد فقيل: وفي الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون على ما قيد به.
قوله: " أخوف ما أخاف عليكم ": الخطاب للمسلمين; إذ المسلم هو الذي يخاف عليه الشرك الأصغر، وليس لجميع الناس.
قوله: " الرياء ": مشتق من الرؤية، مصدر راءى يرائي، والمصدر رياء; كقاتل يقاتل قتالا.


والرياء: أن يعبد الله ليراه الناس؛ فيمدحوه على كونه عابدا، وليس يريد أن تكون العبادة للناس; لأنه لو أراد ذلك; لكان شركا أكبر، والظاهر أن هذا على سبيل التمثيل، وإلا; فقد يكون رياء، وقد يكون سماعا، أي يقصد بعبادته أن يسمعه الناس فيثنوا عليه، فهذا داخل في الرياء; فالتعبير بالرياء من باب التعبير بالأغلب. أما إن أراد بعبادته أن يقتدي الناس به فيها; فليس هذا رياء، بل هذا من الدعوة إلى الله عزوجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " فعلت هذا لتأتموا بي وتعلموا صلاتي "2.


و الرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:


1 من حديث محمود بن لبيد, رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/428). قال ابن حجر في "بلوغ المرام" (ص 302): "أخرجه أحمد بإسناد حسن", وقال المنذري في "الترغيب" (1/69): "إسناده جيد", وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/222): "رجاله رجال الصحيح; غير عبد الله بن شبيب بن خالد, وهو ثقة".
2 من حديث سهل بن سعد الساعدي, رواه البخاري (كتاب الجمعة, باب الخطبة على المنبر, 1/290), ومسلم (كتاب المساجد,
باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة, 1/386).



ج / 1 ص -118- الأول: أن يكون في أصل العبادة، أي ما قام يتعبد إلا للرياء; فهذا عمله باطل مـردود عليه لحديث أبي هريرة في "الصحيح" مرفوعا، قال الله تعالى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " 1.


الثاني: أن يكون الرياء طارئا على العبادة، أي: أن أصل العبادة لله، لكن طرأ عليها الرياء;

فهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يدافعه; فهذا لا يضره. مثاله: رجل صلى ركعة، ثم جاء أناس في الركعة الثانية، فحصل في قلبه شيء؛ بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دافعه; فإنه لا يضره لأنه قام بالجهاد.

القسم الثاني: أن يسترسل معه; فكل عمل ينشأ عن الرياء، فهو باطل; كما لو أطال القيام، أو الركوع، أو السجود، أو تباكى; فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟

نقول: لا يخلو هذا من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون آخر العبادة مبنيا على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها; فهذه كلها فاسدة. وذلك مثل الصلاة; فالصلاة مثلا لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، وحينئذ تبطل الصلاة كلها؛ إذا طرأ الرياء في أثنائها ولم يدافعه.

الحالة الثانية: أن يكون أول العبادة منفصلا عن آخرها، بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء; فهو صحيح، وما كان بعده; فهو باطل. مثال ذلك: رجل عنده مئة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم



1 سبق تخريجه (ص 49).

ج / 1 ص -119- تصدق بخمسين بقصد الرياء; فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة; لأن آخرها منفك عن أولها.
فإن قيل: لو حدث الرياء في أثناء الوضوء; هل يلحق بالصلاة فيبطل كله، أو بالصدقة فيبطل ما حصل فيه الرياء فقط.

فالجواب: يحتمل هذا وهذا; فيلحق بالصلاة لأن الوضوء عبادة واحدة ينبني بعضها على بعض، ليس تطهير كل عضو عبادة مستقلة، ويلحق بالصدقة لأنه ليس كالصلاة من كل وجه، ولا الصدقة من كل وجه; لأننا إذا قلنا ببطلان ما حصل فيه الرياء، فأعاد تطهيره وحده لم يضر; لأن تكرار غسل العضو لا يبطل الوضوء ولو كان عمدا، بخلاف الصلاة; فإنه إذا كرر جزءا منها كركوع أو سجود لغير سبب شرعي; بطلت صلاته، فلو أنه بعد أن غسل يديه رجع وغسل وجهه; لم يبطل وضوؤه، ولو أنه بعد أن سجد رجع وركع; لبطلت صلاته، والترتيب موجود في هذا وهذا، لكن الزيادة في الصلاة تبطلها، والزيادة في الوضوء لا تبطله، والرجوع مثلا إلى الأعضاء الأولى لا يبطله أيضا، وإن كان الرجوع في الحقيقة لا يعتبر وضوءا؛ لأنه غير شرعي، وربما يكون في الأولى غسل وجهه على أنه واحدة، ثم غسل يديه، ثم قال: الأحسن أن أكمل الثلاث في الوجه أفضل، فغسل وجهه مرتين، وهو سيرتب أي سيغسل وجهه ثم يديه; فوضوءه صحيح.


ولو ترك التسبيح ثلاث مرات في الركوع، وبعدما سجد قال: فوت على نفسي فضيلة، سأرجع لأجل أن أسبح ثلاث مرات; فتبطل صلاته; فالمهم أن هناك فرقا بين الوضوء والصلاة، ومن أجل هذا الفرق لا أبت فيها الآن حتى أراجع وأتأمل إن شاء الله تعالى.



ج / 1 ص -120- وعن ابن مسعودرضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من مات وهو يدعو من دون الله ندا؛....

قوله: " من ": هذه شرطية تفيد العموم للذكر والأنثى.
قوله: " يدعو من دون الله ندا ": أي: يتخذ لله ندا سواء دعاه دعاء عبادة أم دعاء مسألة; لأن الدعاء

ينقسم إلى قسمين:
الأول: دعاء عبادة، مثاله: الصوم، والصلاة، وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان أو صام; فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، وهذا في أصل الصلاة، كما أنها تتضمن الدعاء بلسان المقال. ويدل لهذا القسم قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } 1 ; فجعل الدعاء عبادة، وهذا القسم كله شرك، فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله؛ فقد كفر كفرا مخرجا له عن الملة، فلو ركع لإنسان، أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود; لكان مشركا، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من الانحناء عند الملاقاة؛ لما سئل عن الرجل يلقى أخاه ينحني له؟ قال: "لا"2.
خلافا لما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك; فيجب على كل مؤمن بالله أن ينكره; لأنه عظمك على حساب دينه.


الثاني: دعاء المسألة; فهذا ليس كله شركا، بل فيه تفصيل، فإن كان المخلوق قادرا على ذلك; فليس بشرك; كقولك: اسقني ماء لمن



1 سورة غافر آية : 60.
2 من حديث أنس, رواه: الترمذي (كتاب الاستئذان, باب ما جاء في المصافحة, 7/356)- وقال: "حديث حسن"-, وابن ماجه (كتاب الأدب, باب في المصافحة, 2/1220), وأحمد في "المسند" (3/198).

ج / 1 ص -121- دخل النار " رواه البخاري1.


يستطيع ذلك، قـال صلى الله عليه وسلم: " من دعاكم فأجيبوه "2 وقال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ } 3. فإذا مـد الفقير يده، وقال: ارزقني; أي: أعطني; فليس بشرك، كما قـال تعالى: { فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ }وأما إن دعا المخلوق بما لا يقدر عليه إلا الله; فإن دعوته شرك مخرج عن الملة. مثال ذلك: أن تدعو إنسانا أن ينزل الغيث معتقدا أنه قادر على ذلك.


والمراد بقوله الرسول صلى الله عليه وسلم " من مات وهو يدعو من دون الله ندا " المراد الند في العبادة، أما الند في المسألة; ففيه التفصيل السابق. ومع الأسف; ففي بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلانا المقبور الذي بقي جثة، أو أكلته الأرض؛ ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد لها، وهذا - والعياذ بالله - شرك أكبر مخرج من الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر، والزنا، واللواط، لأنه إقرار على كفر، وليس إقرارا على فسوق فقط.
قوله: " دخل النار ": أي: خالدا، مع أن اللفظ لا يدل عليه; لأن دخل فعل، والفعل يدل على الإطلاق.


وأيضا قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 4، وإذا حرمت الجنة; لزم أن يكون خالدا في النار أبدا، فيجب أن نخاف من الشرك ما


1 رواه: البخاري (كتاب التفسير, باب {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} , 3/ 196).
2 أخرجه: أحمد (2/68), وأبو داود (3/17), والنسائي (5/28), والحاكم (1/412), والبيهقي (4/99). وصححه الحاكم والحافظ في "تخريج الأذكار"; كما في "الفتوحات" (5/250).
3 سورة النساء آية : 8.
4 سورة المائدة آية : 72.

ج / 1 ص -122- ولمسلم عن جابر; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لقي الله


دامت هذه عقوبته; فالمشرك خسر الآخرة; لأنه في النار خالد، وخسر الدنيا أيضا; لأنه لم يستفد منها شيئا، وقامت عليه الحجة، وجاءه النذير، ولكنه خـسر - والعياذ بالله -، ما استفاد شيئا من الدنيا، قال تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ } 1، وقـال الله عزوجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} 2.


وقال تعالى: { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } 3. فخسر نفسه; لأنه لم يستفد منها شيئا، وخسر أهله; لأنهم إن كانوا من المؤمنين فهم في الجنة، فلا يتمتع بهم في الآخرة، وإن كانوا في النار فكذلك; لأنه كلما دخلت أمة لعنت أختها، والشرك خفي جدا; فقد يكون في الإنسان وهو لا يشعر إلا بعد المحاسبة الدقيقة، ولهذا قال بعض السلف4: " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص ".
فالشرك أمره صعب جدا ليس بالهين، ولكن ييسر الله الإخلاص على العبد، وذلك بأن يجعله الله نصب عينيه، فيقصد بعمله وجه الله، لا يقصد مدح الناس، أو ذمهم، أو ثناءهم عليه; فالناس لا ينفعونه أبدا، حتى لو خرجوا معه لتشييع جنازته؛ لم ينفعه إلا عمله، قال صلى الله عليه وسلم " يتبع الميت ثلاثة: فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله "5.


1 سورة فاطر آية : 37.
2 سورة آية : 11-12.
3 سورة الزمر آية : 15.
4 القائل هو سفيان الثوري -رحمه الله- انظر: "جامع العلوم" لابن رجب (ص 70).
5 من حديث أنس, رواه: البخاري (6514), ومسلم (2960).

ج / 1 ص -123- لا يشرك به شيئا; دخل الجنة،...


وكذلك أيضا من المهم: أن الإنسان لا يفرحه أن يقبل الناس قوله لأنه قوله، لكن يفرحه أن يقبل الناس قوله إذا رأى أنه الحق لأنه الحق، لا أنه قوله، وكذا لا يحزنه أن يرفض الناس قوله لأنه قوله; لأنه حينئذ يكون قد دعا لنفسه، لكن يحزنه أن يرفضوه لأنه الحق، وبهذا يتحقق الإخلاص. فالإخلاص صعب جدا، إلا أن الإنسان إذا كان متجها إلى الله اتجاها صادقا سليما على صراط مستقيم; فإن الله يعينه عليه، وييسره له.


قوله: " من ": شرطية تفيد العموم، وفعل الشرط: " لقي "، وجوابه قوله: " دخل الجنة "، وهذا الدخول لا ينافي أن يعذب بقدر ذنوبه إن كانت عليه ذنوب; لدلالة نصوص الوعيد على ذلك، وهذا إذا لم يغفر الله له; لأنه داخل تحت المشيئة.
قوله: " لا يشرك ": في محل نصب على الحال من فاعل "لقي".


قوله: " شيئا ": نكرة في سياق الشرط; فيعم أي شرك حتى ولو أشرك مع الله أشرف الخلق، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم دخل النار; فكيف بمن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من الله، فيلجأ إليه عند الشدائد، ولا يلجأ إلى الله بل ربما يلجأ إلى ما دون الرسول صلى الله عليه وسلم!


وهناك من لا يبالي بالحلف بالله صادقا أم كاذبا، ولكن لا يحلف بقوميته إلا صادقا، ولهذا اختلف فيمن لا يبالي بالحلف بالله، ولكنه لا يحلف بملته أو بما يعظمه إلا صادقا، فلزمته يمين; هل يحلف بالله أو يحلف بهذا؟
فقيل: يحلف بالله ولو كذب، ولا يعان على الشرك، وهو الصحيح.
وقيل: يحلف بغير الله; لأن المقصود الوصول إلى بيان الحقيقة،

ج / 1 ص -124- ومن لقيه يشرك به شيئا; دخل النار "1.


·فيه مسائل:

الأولى:
الخوف من الشرك.

وهو إذا كان كاذبا لا يمكن أن يحلف، لكن نقول: إن كان صادقا حلف ووقع في الشرك.

مسألة:
هل يلزم من دخول النار الخلود لمن أشرك؟
هذا بحسب الشرك، إن كان الشرك أصغر; فإنه لا يلزم من ذلك الخلود في النار، وإن كان أكبر; فإنه يلزم منه الخلود في النار، كما دلت على ذلك النصوص.
لكن لو حملنا الحديث على الشرك الأكبر في الموضعين في قوله: " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة "2 وفي قوله: " ومن لقي الله يشرك به شيئا دخل النار "3 لقلنا: من لقي الله لا يشرك به شركا أكبر دخل الجنة، وإن عذب قبل الدخول في النار بما يستحق; فيكون مآله إلى الجنة، ومن لقيه يشرك به شركا أكبر دخل النار مخلدا فيها، ولم نحتج إلى هذا التفصيل.


فيه مسائل:
·الأولى: الخوف من الشرك؛ لقوله:{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } 4 ولقوله:{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} 5.



1(كتاب الإيمان, باب من مات وهو لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة, 1/94).
2 البخاري : الجنائز (1237) , ومسلم : الإيمان (94) , والترمذي : الإيمان (2644) , وأحمد (5/166).
3 مسلم : الإيمان (93) , وأحمد (3/374).
4 سورة النساء آية : 48.
5 سورة إبراهيم آية : 35.

ج / 1 ص -125- الثانية: أن الرياء من الشرك.
الثالثة: أنه من الشرك الأصغر.
الرابعة: أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين.
الخامسة: قرب الجنة والنار.


·الثانية: أن الرياء من الشرك؛ لحديث: " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال: الرياء "1 وقد سبق بيان أحكامه بالنسبة إلى إبطال العبادة.

·الثالثة: أنه من الشرك الأصغر; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه قال:"الرياء"، فسماه شركا أصغر.
وهل يمكن أن يصل إلى الأكبر؟ ظاهر الحديث لا يمكن; لأنه قال: "الشرك الأصغر"، فسئل عنه; فقال: " الرياء ". لكن في عبارات ابن القيم رحمه الله أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال: كيسير الرياء; فهذا يدل على أن كثيره ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكمية; فنعم; لأنه لو كان يرائي في كل عمل؛ لكان مشركا شركا أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية; فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقا.


·الرابعة: أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين؛ وتؤخذ من قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر "؛ ولأنه قد يدخل في قلب الإنسان من غير شعور؛ لخفائه وتطلع النفس إليه، فإن كثيرا من النفوس تحب أن تمدح بالتعبد لله.
·الخامسة: قرب الجنة والنار؛ لقوله: " من لقي الله لا يشرك به شيئا; دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا; دخل النار ".



1 أحمد (5/429).

ج / 1 ص -126- السادسة: الجمع بين قربهما في حديث واحد.
السابعة: أنه من لقيه يشرك به شيئا; دخل النار، ولو كان من أعبد الناس.
الثامنة: المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام.
التاسعة: اعتبارة بحال الأكثر; لقوله:{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ } 1.


السادسة: الجمع بين قربهما في حديث واحد: " من لقي الله لا يشرك به شيئا "2 الحديث.
السابعة: أن من لقيه يشرك به شيئا دخل النار، ولو كان من أعبد الناس: تؤخذ من العموم في قوله: " من لقي الله " ; لأن "من" للعموم، لكن إن كان شركه أكبر; لم يدخل الجنة وإن كان أعبد الناس; لقوله تعالى:{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } 3، وإن كان أصغر; عذب بقدر ذنوبه ثم دخل الجنة.


·الثامنة: المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام؛ تؤخذ من قوله تعالى: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} 4.
·التاسعة: اعتباره بحـال الأكثر; لقـوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ } 5.
وفيه إشكال; إذ المؤلف يقول: بحال الأكثر، والآية: { كَثِيراً مِنَ



1 سورة إبراهيم آية : 36.
2 مسلم : الإيمان (93) , وأحمد (3/325 ,3/344 ,3/374 ,3/391).
3 سورة المائدة آية : 72.
4 سورة إبراهيم آية : 35.
5 سورة إبراهيم آية : 36.

ج / 1 ص -127- النَّاسِ } العاشرة: فيه تفسير (لا إله إلا الله) كما ذكره البخاري.
الحادية عشرة: فضيلة من سلم من الشرك.


، وفرق بين كثير وأكثر، ولهذا قـال تعالى في بني آدم: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} 1 ; فلم يقل على أكثر الخلق، ولا على الخلق; فالآدميون فضلوا على كثير ممن خلق الله، وليسوا أكرم الخلق على الله، ولكنه تعالى كرمهم.


·العاشرة: فيه تفسير لا إله إلا الله كما ذكره البخاري: الظاهر أنها تؤخذ من جميع الباب; لأن لا إله إلا الله فيها نفي وإثبات.
·الحادية عشرة: فضيلة من سلم مـن الشرك: لقوله: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } 2 وقوله: " من لقي الله لا يشرك به شيئا; دخل الجنة ".




1 سورة الإسراء آية : 70.
2 سورة النساء آية : 48.






المصدر :


كتاب
القول المفيد على كتاب التوحيد

رابط التحميل المباشر


http://waqfeya.com/book.php?bid=1979





رد مع اقتباس