عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-01-2015, 07:41PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




القول المفيد على كتاب التوحيد

لفضيلة الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين
-رحمه الله-




ج / 1 ص -7- القول المفيد على كتاب التوحيد
شرح فضيلة الشيخ، محمد بن صالح العثيمين



المجلد الأول:


المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

فقد سبق أن طبع لنا كتاب ((القول المفيد على كتاب التوحيد))، وكان منقولا من الأشرطة المسجلة من الدرس، وقد حصل فيه بعد خروجه تعديل بزيادة أو حذف تدعو الحاجة إليه، وها نحن نعيد طبعه لأول مرة بعد مراجعته في دار (ابن الجوزي).
فلتكن هذه هي النسخة المعتمدة؛ ولذا جرى التنبيه والله الموفق.
حرر في 29/10/1417 ?
أملاه الفقير إلى الله


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد :


فقد سبق لنا- ولله الحمد والمنة- أن قمنا بشرح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب على الطلبة، أثناء جلساتنا في الجامع الكبير بعنيزة، وقام بعض الطلبة بتسجيل ما تكلمنا به.


وقد بادر الأخوان الكريمان/ الدكتور سليمان العبد الله أبا الخيل، والدكتور: خالد العلي المشيقح بتفريغ المسجل كتابة، وقاما بطبعه، وسمياه: القول المفيد على كتاب التوحيد. فأسأل الله تعالى أن يجزل لهما المثوبة وينفع بذلك.


ومن المعلوم أن ما نقل تسجيلا من الشرح على الطلاب لا يساوي ما كتب تحريرا، بل سيكون فيه نقص أو زيادة، أو تقديم أو تأخير أو تكرار، أو نحو ذلك من الخلل.
ولما ظهرت طبعته الأولى وجد فيها شيء من ذلك، فحرر ونقح، ثم أعيد طبعه مرة ثانية، فاحتاج إلى إعادة النظر؛ لخلل يسير غالبه في الطباعة.
وها هو يعاد للمرة الثالثة، وقد رأيت أن يحذف من الكتاب جميع الحواشي، ما عدا عزو الآيات والأحاديث، أسأل الله تعالى أن يكون خالصا لوجهه، موافقا لمرضاته، نافعا لعباده، إنه جواد كريم.
وهذا أوان الشروع في المقصود مستعينين بالله تعالى.


قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب التوحيد.


أما التوحيد فهو في اللغة: مصدر وحَّد الشيء إذا جعله واحدا.
وفي الشرع: إفراد الله- تعالى- بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.

ج / 1 ص -12- أقسامه:

ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
1. توحيد الربوبية

2. توحيد الألوهية.
3. توحيد الأسماء والصفات
.


وقد اجتمعت في قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: الآية 65].


* القسم الأول: توحيد الربوبية: هو إفراد الله -عز وجل- بالخلق، والملك، والتدبير. فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله.
قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر}
[ الأعراف: من الآية54] فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر، إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض}[فاطر: من الآية3] فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.

ج / 1 ص -13- أما ما ورد من إثبات خالق غير الله; كقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: من الآية14] وكقوله صلى الله عليه وسلم في المصورين يقال لهم: ((أحيوا ما خلقتم))1.


فهذا ليس خلقا حقيقة، وليس إيجادا بعد عدم، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضا ليس شاملا، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة; فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق.


وأما إفراد الله بالملك:

فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} [آل عمران: من الآية198]، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْء} [المؤمنون: من الآية88].


وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله; كقوله تعالى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:6]، وقال تعالى: { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}
[النور: من الآية61]؛ فهو ملك محدود لا


1 من حديث ابن عمر, أخرجه: البخاري في "صحيحه" (كتاب اللباس, باب عذاب المصورين يوم القيامة, 10/283), ومسلم في "صحيحه" (كتاب اللباس والزينة, باب تحريم تصوير صورة الحيوان, 3/1670).


ج / 1 ص -14- أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعا; لأن العاجز لا يصلح أن يكون ربا.
القسم الثاني: توحيد الألوهية: ويقال له: توحيد العبادة باعتبارين; فباعتبار إضافته إلى الله يسمى: توحيد الألوهية، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة. وهو إفراد الله- عز وجل- بالعبادة. فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِل} [لقمان: من الآية30].


والعبادة تطلق على شيئين:
الأول: التعبد بمعنى التذلل لله- عز وجل- بفعل أوامره واجتناب نواهيه; محبة وتعظيما.
الثاني: المتعبد به; فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
مثال ذلك: الصلاة; ففعلها عبادة، وهو التعبد.


ج / 1 ص -15- ونفس الصلاة عبادة، وهو المتعبد به.
فإفراد الله بهذا التوحيد: أن تكون عبدا لله وحده تفرده بالتذلل; محبة وتعظيما، وتعبده بما شرع. قال تعالى: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً} [الإسراء:22].


وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له; فهو الإله لأنه رب العالمين، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: من الآية21] فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة.


إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلها تعبده; فهو في الحقيقة لن ينفعك، لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميما تدعوه وتعبده، وهو بحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه; فهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فكيف يملكه لغيره؟!


وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى: {وَمَا

ج / 1 ص -16- أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].


ومع هذا، فأتباع الرسل قلة، قال عليه الصلاة والسلام: " فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد" 1.

تنبيه:
من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية، وكأنما يخاطبون أقواما ينكرون وجود الرب -وإن كان يوجد من ينكر الرب- لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة!!
ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد؛ حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون ولا يعلمون.


القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله- عز وجل- بما له من الأسماء والصفات.

وهذا يتضمن شيئين:

1 من حديث ابن عباس, أخرجه: البخاري (كتاب الطب, باب من اكتوى أو كوى غيره, 10/155), ومسلم (كتاب الإيمان, باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب, 1/199).

ج / 1 ص -17- الأول: الإثبات، وذلك بأن نثبت لله- عز وجل- جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

الثاني: نفي المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلا في أسمائه وصفاته، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: من الآية11].
فدلت هذه الآية على أن جميع صفاته لا يماثله فيها أحد من المخلوقين; فهي وإن اشتركت في أصل المعنى، لكن تختلف في حقيقة الحال، فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه; فهو معطل، وتعطيله هذا يشبه تعطيل فرعون، ومن أثبتها مع التشبيه؛ صار مشابها للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ومن أثبتها بدون مماثلة صار من الموحدين.


وهذا القسم من التوحيد هو الذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية، وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة:
فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل ونفى الصفات زاعما أنه منزه لله، وقد ضل؛ لأن المنزه حقيقة هو الذي ينفى عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلا، فإذا قال: إن الله ليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا قدرة، لم ينزه الله، بل وصمه بأعيب العيوب، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل; لأن الله يكرر

ج / 1 ص -18- ذلك في كلامه ويثبته، {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} {عَزِيزٌ حَكِيمٌ} {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فإذا أثبته في كلامه وهو خال منه؛ كان في غاية التعمية والتضليل، والقدح في كلام الله- عز وجل-.


ومنهم من سلك مسلك التمثيل، زاعما بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا؛ لأنهم لم يقدروا الله حق قدره، إذ وصموه بالعيب والنقص; لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه.


وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره; كما قيل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
فكيف بتمثيل الكامل بالناقص؟ ! هذا أعظم ما يكون جناية في حق الله- عز وجل-، وإن كان المعطلون أعظم جرما، لكن الكل لم يقدر الله حق قدره.
فالواجب: أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.


هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم.
فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة، إلا أنه أخص من التكييف; فكل ممثل. مكيف، ولا عكس.


ج / 1 ص -19- فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه الأمور الأربعة.
ونعني بالتحريف هنا: التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات، لأنهم سموا أنفسهم أهل التأويل، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه، لأن النفوس تنفر من كلمة تحريف، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس، حتى لا ينفروا منه.


وحقيقة تأويلهم: التحريف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره، فنقول: هذا الصرف إن دل عليه دليل صحيح، فليس تأويلا بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير.
وإن لم يدل عليه دليل، فهو تحريف، وتغيير للكلم عن مواضعه، فهؤلاء الذين ضلوا بهذه الطريقة، فصاروا يثبتون الصفات لكن بتحريف، قد ضلوا، وصاروا في طريق معاكس لطريق أهل السنة والجماعة.


وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة، لأن الإضافة تقتضي النسبة، فأهل السنة منتسبون للسنة; لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف.


وأيضا الجماعة في الأصل: الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم; ففي كتبهم التداخل، والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلل بعضا، ويتناقض هو بنفسه.


ج / 1 ص -20- وقد نقل شارح "الطحاوية" عن الغزالي- وهو ممن بلغ ذروة علم الكلام- كلاما إذا قرأه الإنسان تبين له ما عليه أهل الكلام من الخطأ والزلل والخطل، وأنهم ليسوا على بينة من أمرهم1.

وقال الرازي وهو من رؤسائهم:
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلالُ
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا


ثم قال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية; فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طـه:5]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: من الآية10] يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: من الآية11]، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طـه: من الآية110]، يعني: فأنفي المماثلة، وأنفي الإحاطة به علما، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي2.


1"شرح الطحاوية" (1/245). وانظر أيضا: "درء تعارض العقل والنقل" (1/162), و"الإحياء" (1/94-97).
2 انظر: "درء تعارض العقل والنقل" (1/ 159, 160), و "الفتاوى" (4/71), و "شرح الطحاوية" (1/244), و "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/82).


ج / 1 ص -21- فتجدهم حيارى مضطربين، ليسوا على يقين من أمرهم، وتجد من هداه الله الصراط المستقيم مطمئنا منشرح الصدر، هادئ البال، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات؛ فيثبت، إذ لا أحد أعلم من الله بالله، ولا أصدق خبرا من خبر الله، ولا أصح بيانا من بيان الله; كما قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}[النساء: من الآية26]، { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: من الآية176]، { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء} [النحل: من الآية89]، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: من الآية122]، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: من الآية87].


فهذه الآيات وغيرها؛ تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق التي توصلهم إليه، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى، وبأسماء الله وصفاته، حتى يعبدوا الله على بصيرة؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته، أو من ليس له صفة: أمرٌ لا يتحقق أبدا، فلا بد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه وتعبده حقا.


ولا يتجاوز الإنسان حده إلى التكييف أو التمثيل; لأنه إذا كان عاجزا عن تصور نفسه التي بين جنبيه; فمن باب أولى أن

ج / 1 ص -22- يكون عاجزا عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه، ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال ب "لم" و "كيف" فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته. وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية.


وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيرا، وهذه حال السلف رحمهم الله، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طـه:5]، كيف استوى؟ فأطرق برأسه وقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا".


أما في عصرنا الحاضر، فنجد من يقول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا; لأن الليل يمشي على جميع الأرض، فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر! وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن; لبينه الله إما ابتداء أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو يقيض من يسأله عنه فيجاب، كما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فأجابهم1.


1 من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما, وفيه: "جئنا نسألك عن هذا الأمر. قال: كان الله ولم يكن شيء غيره, وكان عرشه على الماء". رواه البخاري (كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى :{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ }، 1/418). ومن حديث أبي رزين قال : قلت يا رسول الله ! أين ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء ". رواه الترمذي (التفسير، رقم 3108) - وقال : " حديث حسن " -، وابن ماجه في (المقدمة، رقم 13)، وأحمد في المسند " (4/11، 12).


ج / 1 ص -23- فهذا السؤال العظيم يدل على أن كل ما يحتاج إليه الناس فإن الله يبينه بأحد الطرق الثلاثة.

والجواب عن الإشكال في حديث النزول1 أن يقال: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقيا، فالنزول فيها محقق، وفي غيرها لا يكون نزول قبل ثلث الليل الأخير أو النصف، والله عزوجل ليس كمثله شيء، والحديث يدل على أن وقت النزول ينتهي بطلوع الفجر.


وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعنا، وأطعنا، واتبعنا، وآمنا; فهذه وظيفتنا لا نتجاوز القرآن والحديث.


1 من حديث أبي هريرة، أخرجه : البخاري في " صحيحه " (كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة آخر الليل، رقم 1145، 3621، 7494)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل، 1/521).



المصدر :


كتاب
القول المفيد على كتاب التوحيد

رابط التحميل المباشر


http://waqfeya.com/book.php?bid=1979






التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 28-01-2015 الساعة 07:05AM
رد مع اقتباس