إشكال وجوابه:
إذا قيل :
ثبت أن الله قضى كونا ما لا يحبه ، فكيف يقضي الله ما لايحبه؟
فالجواب: أن المحبوب قسمان:
1- محبوب لذاته. 2-محبوب لغيره.
فالمحبوب لغيره قد يكون مكروها لذاته ، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة ؛ فيكون حينئذ محبوبا من وجه ، مكروها من وجه آخر. مثال ذلك : الفساد في الأرض من بنى اسرائيل في حد ذاته مكروه إلى الله ؛ لأن الله لا يحب الفساد والمفسدين ، ولكن للحكمة التي يتضمنها يكون بها محبوبا إلى الله – عز وجل – من وجه آخر. ومن ذلك القحط ، والجدب ، والمرض، والفقر ؛ لأن الله رحيم لايحب أن يؤذي عباده بشئ من ذلك ، بل يريد بعباده اليسر ، لكن يقدره للحكم المترتبه عليه؛ فيكون محبوبا إلى الله من وجه ، مكروها من وجه آخر.
* * * *
فإن قيل : كيف يتصور أن يكون الشي محبوبا من وجه ومحروما من وجه آخر؟
فيقال: هذا الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مرة كريهة الرائحة واللون ، فيشربها ، وهو يكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة ، ويحبها لما فيها من الشفاء ، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار ، ويتألم منها ؛ فهذا الألم مكروه له من وجه ، محبوب من وجه آخر.
* * * *
فإن قيل : لماذا لم يكن قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) من باب القضاء القدري؟
أجيب: بأنه لا يمكن ؛ إذ لو كان قضاء قدريا لعبد الناس كلهم ربهم ، لكنه قضاء شرعي قد يقع وقد لا يقع .
والخطاب في الآيه للنبي صلى الله عليه وسلم ، لكن قال (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) ، ولم يقل : ( أن لاتعبد ) ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء) ، فالخطاب الأول للرسول صلى الله عليه وسلم ، والثاني عام ؛ فما الفائدة من تغير الأسلوب؟
أن الفائده من ذلك:
1- التنبيه إذ تنبيه المخاطب أمر مطلوب للمتكلم ، وهذا حاصل هنا بتغيير الأسلوب .
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم زعيم أمته والخطاب الموجه إليه موجه لجميع الأمه.
3- الإشارة إلى أن ما خوطب به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فهو له ولأمته ؛ إلا ما دل الدليل على أنه مختص به.
4- وفي هذه الآيه خاصة الإشارة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو له ولأمته ، إلا ما دل الدليل على أنه مختص به . في قوله (تَعْبُدُواْ) ،وكفى به شرفا أن يكون عبدا لله – عز وجل – ولهذا يصفه الله تعالى بالعبودية في أعلى مقامه ؛ فقال في مقام التحدي والدفاع عنه (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) ، وقال في مقام إثبات نبوته ورسالته إلى الخلق (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) ، وقال في مقام الإسراء والمعراج : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى),,,
المرجع السابق,,,ص 24-25