عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 29-10-2010, 03:34AM
الصورة الرمزية أم العبدين الجزائرية
أم العبدين الجزائرية أم العبدين الجزائرية غير متواجد حالياً
مفرغة صوتيات - وفقها الله -
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 848
افتراضي

ثامنا: والأدلة على جواز الغيبة إذا قصد بها التحذير كثيرة، ورد ذلك في الكتاب والسنة، وقرره سلف ا لأمة من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة الأثر، وحماة الدين:
فمن الكتاب: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73]، وهذا شامل للمنافقين شفافا اعتقادنا، ونفس في عمليا، ومنهم المبتدعة.
وأما من السنة: فما رواه البخاري برقم (6032) عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة. فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة: متى عهدتني فحاشا؛ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)).
وكذلك حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: ((أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته. فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. فقال: ليس لك عليه نفقة. فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني. قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاملة بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به)).
ومثل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك، ويكفي بنيك)).
ومن حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: ((رأى رجلا يخيف، فقال له: لا تخلف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، أو كان يكره الخوف، وقال: إنه لا يصاد به صيد، ولا ينكى به عدو، ولكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين. ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف، أو كره الخذف، وأنت تخذف؟! لا أكلمك كذا وكذا)). ومثل ذلك عن أبي بكرة رضي الله عنه.
وأما ما ورد عن السلف فهو شيء كثير، من ذلك ما حكي عن شعبة بن الحجاج أنه قال: تعالوا حتى نغتاب في الله عز وجل.
وكذلك ما حكي عن عاصم الأحول رحمه الله، قال: كان قيادة يقصر بعمرو بن عبيد، فجثوت على ركبتي. فقلت: يا أبا الخطاب، هذه الفقهاء ينال بعضها من بعض؟ فقال: يا أحول، رجل ابتدع بدعة فيذكر خير من أن يكف عنه لا.
وقال الحسن بن الربيع: قال ابن المبارك: المعلى بن هلال هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب. قال: فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ قال: اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟!
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله يكون مرجئا أوشيعيا، أوفيه شيء من خلاف السنة؟ أيسعني أن أسكت عنه أم أحذر عنه؟ فقال أبي: إن كان يدعو إلى بدعة، وهو إمامهم فيها، ويدعو إليها قال: نعم تحذر منه.
وقال الحسن البصري رحمه الله: ليس لأهل البدعة غيبة.
وقال عفان رحمه الله: كنا عند إسماعيل بن علية جلوسا فحدث رجل عن رجل، فقلت: إن هذا ليس بثبت، فقال الرجل: اغتبته، فقال إسماعيل: ما اغتابه، ولكنه حكم أنه ليس بثبت.
وقال ابن تيميه رحمه الله في الفتاوى (ج 28/ 17 2): وأما إذا أظهر الرجل المنكرات، وجب الإنكار عليه علانية، ولم يبق له غيبة، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره.
وقال ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد بن حنبل (ص 185): وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين. اهـ
وبالجملة؛ فالآثار عن السلف كثيرة، ولا يتسع هذا الجواب المختصر لبسطها، وهناك آثار عنهم تدعو إلى الإنكار على من ظهر منه ما يخالف ظواهر الشرع، وما يحتمل حقا وباطلا، أو يخلط بين سنة وبدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) (ج1/ ص 254): فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضا الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل.
وقال في الفتاوى (ج 28/ ص 22): وجماع الدين شيئان:
أحدهما: ألا نعبد إلا الله وحده.
والثاني: أن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]. وقال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة...
إلى أن قال: فإذا كان المشايخ والعلماء في أحوالهم وأقوالهم المعروف والمنكر، والهدى والضلال، والرشاد والغي؛ عليهم أن يردوا ذلك إلى الله والرسول، فيقبلوا ما قبله الله ورسوله، ويردوا ما رده الله ورسولهم. اهـ
علما بأن ديننا قام على ثلاثة أمور:
أولها: الإيمان بالله.
ثانيا: الأمر بالمعروف.
وثالثا: النهي عن المنكر.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
وفي صحيح مسلم من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جده قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثره علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)).
وفي رواية بعد قوله: ((وألا ننازع الأمر أهله)): ((إلا أن تروا كفرا بواحا معكم
من الله فيه برهان)).
ومن هذه ا لأدلة يتبين أن الله عز وجل أمر عباده أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، وأن يقولوا بالحق أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، وهذا هو الذي دفعني أن أقول بالحق الذي أعلمه، وهو أني قلت: إن الشيخ عبد المحسن من أهل السنة لا نقول فيه شيئا؛ ولكنه أساء بتأليف هذا الكتاب، ولهذا فرح أهل البدع وجعلوا يوزعونه بكميات كبيرة.
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رد مع اقتباس