عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-02-2009, 05:57AM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
أختنا أم ياسر وفقها الله تعالى لكل خير ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جاء في مشاركة أختنا أن أساس الحكم في أي قضيّةٍ هو أن يحكُمَ بعلمٍ، وعليه أن يتحرَّى الوسائلَ التي توصلُه إلى العلمِ بجوانبِ تلك القضيّة، فكذلك مما لابد أن يوضع في الحسبان أن لا يحكم أحد بين اثنين وهـو غضبــان كما جاء في الحديث النبـوي: فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كَتَبَ أَبِي وَكَتَبْتُ لَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ أَنْ لَا تَحْكُمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)[1].

وهـذا الحـديث يـدل على أمـور ذكرهـا العلَّامـة عبدالرحمن السِّعدي رحمه الله تعالى:

(أحدهـا: نهي الحاكم بين الناس أن يحكم في كل قضية معينة بين اثنين وهو غضبان، سواء كان ذلك في القضايا الدينية أو الدنيوية؛ وذلك لما في الغضب من تغير الفكر وانحرافه، وهذا الانحراف للفكر يضر في استحضاره للحق، ويضر أيضًا في قصد الحق، والفرض الأصلي للحاكم وغيره: قصد الحق علمًا وعملًا.

الثـاني: يدل على أنه ينبغي أن يجتهد في الأخذ بالأسباب التي تصرف الغضب أو تخففه: من التخلق بالحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيبه، وما يسمعه من الخصوم؛ فإن هذا عون كبير على دفع الغضب، أو تخفيفه.

الثـالث: يؤخذ من هذا التعليل: أن كل ما منع الإنسان من معرفة الحق أو قصده، فحكمه حكم الغضب، وذلك كالهم الشديد، والجوع والعطش، وكونه حاقنًا أو حاقبًا أو نحوها، مما يشغل الفكر مثل أو أكثر من الغضب.

الرابع: أن النهي عن الحكم في حال الغضب ونحوه مقصود لغيره، وهو أنه ينبغي للحاكم أن: لا يحكم حتى يحيط علمًا بالحكم الشرعي الكلي، وبالقضية الجزئية من جميع أطرافها، ويحسن كيف يطبقها على الحكم الشرعي.)[2]

وبعد هذا فمما لا يخفى على العقلاء أن الغضب جماع الشَّر والتحرز منه جماع الخير وكذلك صنوه ورديفه الاستعجال فكم من كلمة كُتِبَتْ أو قِيلتْ في لحظة غضب واستعجال اعقبها حسرة وندامة، فالغضب قد يدفع الإنسان إلى السب، والشتم، والانتقاص من المقابل، والغمز واللمز فيه وهذا الضرر واقع على المقابل أما الذي تحكم به الغضب فلم يسيطر على غضبه وجعل غضبه يسيره حيث شاء فعاقبة ذلك أن الغاضب قد يسقط من أعين الناس نتيجة تصرفاته التي جاءت وقت الغضب فكانت بعيدة عن الحكمة ومجانبة للصواب، فحين يأمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم بدواء عظيم لتجنب الآثار المضرة المترتبة على الغضب بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: (إذا غَضِبَ أحَدُكُمْ فَليَسْكُتِ)[3]
نجــد البعض في حياته عامة وفي الشبكة العنكبوتية الواسعة خاصة ـ غفر الله لنا ولهم ووفقنا جميعًا للخير ـ أطلق العنان للسانه وقلمه يمنه ويسرة في ظلم عباد الرحمن حين غضبه بدعوى الرد على المخطيء
فتارة ظلم وجور وبُعد عن مورد النزاع واضح ...
وتارة لمز وغمز فاضح ...
وتارة طعن في النيات والمقاصـد ...
وتارة آخرى إلزام المقابل بما هو ليس بلازم ...
وكُلَّ هذا بين أصحاب العقيدة والمنهج الواحـد والأخوة الكريمة الطيبة ـ وإلى الله المشتكى ـ.
فهـلا جميعنا وضعنا قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم نصب أعيننا فلا نحكم ولا نتكلم حين الغضب بما قد نندم عليه حال الرضى.
وقد يُستدرك على ما ذُكِرَ آنفًا ـ وبحق ـ فيُقال: كانت الغضبة لله ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم ولهذا المنهج القويم والدعوة السلفية المباركة، فأنقل لِمَن استدرك ـ جعلنا الله وإياه من أهل الحق ـ قول علمائنا رحمهم الله تعالى لنتذكره حينذاك:(ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر)[4].


ويعلم الله سبحانـه وتعالى أننـا جميعًا بحاجـة للتذكـر والتذكير
دون تخصيص شخص معين أو تعيين وجهة يُسـاء بها الظن؛
ولكنه حال مؤسف منتشر كثيرًا في الشبكة العنكبوتية
إلا من رحم ربنا من أهل الحق والحجة
والإقناع والرحمة والحلم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]صحيح البخاري: كِتَاب (الْأَحْكَامِ)، بَاب (هَلْ يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ يُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ)، رقم الحديث (7158)، صحيح مسلم: كِتَاب (الْأَقْضِيَةِ)، بَاب (كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ)، رقم الحديث (1717)، واللفظ له.
[2]بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخبار في شرح جوامع الأخبار: عبدالرحمن بن ناصر السِّعدي، الحديث (93)، ص 192، ط. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، 1424 هـ.
[3]سلسلة الأحاديث الصحيحة: محمد ناصر الدين الألباني، 3/363، رقم الحديث (1375)، ط. مكتبة المعارف 1415هـ.
[4] الاستقامة: تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية، 2/211، من النسخة الإلكترونية للكتاب.

التعديل الأخير تم بواسطة أم سلمة ; 17-02-2009 الساعة 06:01AM
رد مع اقتباس