عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 30-05-2015, 06:22PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -





باب أفضــل الصيـام وغيره



[195] الحديث الأول :

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أخبر رسول الله ﷺ أني أقول :والله لأصومن النهار
ولأقومن الليل ما عشت فقال رسول الله ﷺ : (( أنت الذي قلت ذلك ؟ )) فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي
قال : (( فانك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك
مثل صيام الدهر)) قلت : إني لأطيق أفضل من

ذلك قال : (( فصم يوماً وأفطر يومين )) قلت : أطيق أفضل من ذلك قال : ((فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك
مثل صيام داود وهو أفضل الصيام)) فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال : ((لا أفضل من ذلك )).

وفي رواية قال : ((لا صوم فوق صوم أخي داود - شطر الدهر - صم يوماً وأفطر يوماً))


موضوع الحديث :

أفضل الصيام وهل الأفضل هو كثرة العمل أو إصابة السنة



المفردات :

قوله أخبر رسول الله صلى أني أقول ...الخ المخبر لرسول الله صلى هو أبو عبدالله وهو عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
قوله والله لأصومن النهار ولأقومن الليل هذا قسم يؤكد به على نفسه صيام النهار وقيام الليل ما عاش فهذا يكون كالنذر .
قوله أنت الذي قلت ذلك : هذا خطاب من رسول الله صلى لعبدالله بن عمرو .
قوله قد قلته : هذا إعتراف من عبدالله بن عمرو بما بلغ النبي صلى .
قوله بأبي أنت وأمي : أي أفديك بأبي وأمي
قوله فانك لا تستطيع ذلك : أي لا تستطيع الوفاء به .
فصم وأفطر : الفاء لعلها تعليلية أي فمن أجل عدم الاستطاعة على ما ألتزمت به صم وأفطر
قوله فإن الحسنة بعشر أمثالها : الفاء هنا تعليلية وذلك مثل صيام الدهر أي بدون تضعيف قلت فإني أطيق أفضل
من ذلك أي أتحمله وأقدر عليه .

قوله وهو أفضل الصيام : يدل على تفضيله على غيره
فقلت إني أطيق أفضل من ذلك : قال لا أفضل من ذلك نفي للأفضلية وأكده بقوله لا صوم فوق صوم أخي داود أي
لا صوم أفضل .


المعنى الإجمالي :

أخبر النبي ﷺ بأن عبدالله بن عمرو ألزم نفسه بقيام الليل وصيام النهار ما عاش فذهب إليه وقبل أن ينهاه قرره
بما قال فأقر وبعد أن أقر وجهه إلى ما هو أفضل لأنه إنما فعل ذلك طلباً للأفضل .


فقه الحديث :

المسالة الأولى : يؤخذ من هذا الحديث النهي عن صيام الدهر وقد اختلف فيه أهل العلم فمنعته الظاهرية أي
قالت بتحريمه للأحاديث الواردة في ذلك كقوله ﷺ ( لا صام من صام الأبد ) أو (من صام الأبد فلا صام
ولا أفطر) وقال بجوازه مالك والشافعي والمسألة فيها خلاف وأخذ ورد بين الفريقين وكل يحتج على قوله بحجج
ربما كانت مقنعة في نظره والذي ظهر لي : بعد قراءة أقوالهم وأدلتهم أن صوم الدهر منهي عنه وما نهى عنه متردد
بين الكراهة والتحريم فقول النبي ﷺ لما سئل عن صيام الدهر قال لا صام ولا أفطر أو ما صام ولا أفطر
وقول النبي ﷺ لعبدالله بن عمرو لما حصلت بينهما المراجعة والمحاورة إلى صيام يوم وإفطار يوم فقال عبدالله
بن عمرو وأطيق أفضل من ذلك فقال له النبي ﷺ لا أفضل من ذلك ومن هنا يقال هل الأفضلية معتبرة بكثرة
الصوم أو معتبرة بإصابة الحق ومتابعة الشارع ﷺ الذي وصفه الله بقـوله تعـالى(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : 128] والحق أن الأفضلية هي في متابعة النبي
ﷺ ليست بكثرة العمل ولا شك أن الشارع حكيم في إيراده وإصداره وأمره ونهيه وأن الخير هو فيما أمر به
ودل عليه وإن التشديد على النفس في فضائل العبادات منهي عنه في الشرع ففي الحديث ( المنبت لا سيراً قطع
ولا ظهراً أبقى) ‏


ولما جاء النبي ﷺ إلى بيت عائشة ووجد عندها امرأة فقال من هذه قالت فلانه تذكر من صلاتها قال
( مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا …) وبهذا يتبين أن الأفضلية ليست في كثرة العمل
ولكن في إصابة السنة والله تعالى أعلم وقد تبين من ما ذكرت أن الشارع حكيم في النهي عن صوم الدهر وأن
من صام الدهر استفرغ قوته في جانب واحد وأخل بالجوانب الأخرى وقد قال النبي ﷺ لعبدالله بن عمرو
( فإنك لا تستطيع ذلك ...) وذلك أن من قام الليل وصام النهار لا بد له من سهر الليل كله ويحتاج إلى جزء
كبير من النهار ينام فيه وبذلك ستتعطل مصالح الشخص والله قد جعل النهار للمعاش والليل للراحة فإن فعل ذلك
شخص تتوفر له الراحة بسبب الغنى فانه لا يستطيع الآخرون على فعله وأحب الدين إلى الله أيسره وأفضل العمل
ما دوم عليه وإن قل . ثم إن هذا الغنى المخدوم لو أراد أن يفعل ذلك فانه سيخل بالسنن فيجعل الليل يقظة
والنهار نوماً وانقطاعاً . وستأتي عليه أزمنة يحتاج فيها إلى الشغل في النهار ولو كان جهاداً في سبيل الله فقول
النبي ﷺ ( فإنك لا تستطيع ذلك) إخبار عن المشقة الحاصلة على من فعل ذلك مشقة ليست بهينة ودين الله
الذي أوحاه إلى رسله هو ما جمع فيه العبد بين عبادة ربه وحظوظ نفسه وذلك يحصل بثلاثة أيام من الشهر وقيام
جزء من الليل وقد أنكر النبي ﷺ على الرهط الذين قال بعضهم إني أصوم فلا أفطر وقال بعضهم إني أصلي
فلا أنام وقال بعضهم إني لا أتزوج النساء أو لا أنام على فراش أو لا آكل اللحم فلما بلغه ﷺ قام في أصحابه
خطيباً فقال ما بال أقوام يتنزهون عن العمل أعمله فوالله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له وإني لأصلي وأنام وأصوم
وأفطر وأتزوج النساء وفي رواية وأنام على الفراش وفي رواية وآكل اللحم ومن رغب عن سنتي فليس مني وبهذا يتبين
على أن الأفضلية هي بمتابعة هديه ﷺ. والتأسي بسنته وليست بكثرة العمل هذا هو القول الفصل فيما أرى
في هذه المسالة التي اختلفت فيها أنظار العلماء وكثر فيها الأخذ والرد وأرجو أن ذلك هو الصواب لما يحتف به
من الأدلة وبالله التوفيق




المسألة الثانية : قال ابن دقيق العيد كره جماعة قيام كل الليل لرد النبي ﷺ. ذلك على من أراده وأقول
إن النبي ﷺ رد ذلك على عبدالله بن عمرو في هذا الحديث وما في معناه وأيضاً إن رده على الرهط الذين قال
أحدهم إنه يصلي فلا ينام وقال بعضهم أنه يصوم فلا يفطر ..الحديث فقام النبي ﷺ خطيباً فحمد الله وأثنى
عليه فقال (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) .


وفي حديث عائشـة قــالت ( دخل علىّ النبي ﷺ وعندي امرأة فقال من هذه قلت فلانه وسميت في بعض
الروايات الحولاء بنت تويت تذكر من صلاتها فقال النبي ﷺ مه عليـكـم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا )


وفي قصة سلمان مع أبي الدرداء إلى غير ذلك كل هذا يدل على أن التشديد على النفس زيادة على اللازم أنه لا
ينبغي للمسلم وكما تقدم أن العبد مطالب بواجبات أخرى فلنفسه عليه حق الراحة ولعياله عليه حق طلب الرزق
ولزوجته عليه حق المعاشرة ولزواره عليه حق الانبساط والجلوس معهم وكل هذه الحقوق لا يستطيع الإنسان على
أدائها إذا أخذ نفسه في العبادة بالشدة المتناهية التي تقطعه عما يجب عليه ولهذا قال النبي ﷺ لعبدالله بن
عمرو( إنك إذا فعلت ذلك نفهت النفس وهجمـت العين ) وإن الله سبحانه وتعالى عاب الرهبانية على أهل الكتاب
فلا ينبغي للمسلمين أن يكونوا كذلك وقد تبين أن أخذ الإنسان نفسه بشيء من الجد حيث يجمع بين قيام جزء
من الليل لا يمنعه عن الوظائف الأخرى وبين أداء ما يجب عليه هذا هو الحق إن شاء الله وبالله التوفيق.



المسألة الثالثة :قوله إنك لا تستطيع ذلك يطلق عدم الاستطاعة بالنسبة إلى الشاق على الفاعل في قوله وعليها
ذكر الاحتمال في قوله ( وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) [البقرة : 83] فحمله بعضهم على المستحيل حتى أخذ
منه جواز تكليف المحال وحمله بعضهم على ما يشق وهو الأقرب أهـ .


قلت : إن نفي الاستطاعة هنا إما أن يقصد به المحال الذي لا يتصور وقوعه كتكليف الإنسان بأن يطير في
الهواء بدون آلة تحمله والأمر الثاني التكليف بما يشق فأما التكليف بالمحال مطلقاً فالظاهر أنه لا يجوز في
الشرع لأن الله أرحم بعباده من أن يكلفهم بالمحال وأما الثاني فإن الله عز وجل قد استجاب لأصحاب نبيه لما
حصل منهم من الإيمان فأنزل الرحمـة في قوله ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) [البقرة :



قوله ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) [البقرة : 83 ]ومن هنا يتبين أن الله عز وجل رحم أمة محمد ﷺ
فلم يكلفهم بما يشق عليهم مشقة تؤثر في حياتهم فمثلاً التكليف بما فيه مشقة أو عدم استطاعة تارة تكون
عدم الاستطاعة ذاتية كتكليف المريض أن يصلي قائماً وتارة تكون عدم الاستطاعة مالية فلم يكلف الله الفقير
بالحج عند العجز عن أدائه لعدم وجود المال الذي يستطيع به الأداء وتارة تكون عدم الاستطاعة لوجود المعارض
الذي تحصل به المشقة الكبيرة على العبد وهذا أي ما هو مقصود هنا وهو قيام الليل كله منع لوجود المشقة
فيه وعدم الاستطاعة عليه باعتبار أن الله سبحانه وتعالى جعل الناس مختلفين فهذا يحتاج إلى كسب وهذا يحتاج
إلى النوم في الليل ليتقوى به فمن أجل ذلك أنكر النبي ﷺ على من كلف نفسه بهذه المشقة التي قد
عوفي منها ويكفي فيها قيام جزء من الليل ولو قليلاً وصيام جزء من الزمن وليس هناك أفضل مما أرشد إليه
بصيام ثلاثة أيام وقيام ما لا يمنع العبد عن متطلباته الأخرى وبالله التوفيق



المسألة الرابعة:يؤخذ منه استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر .

المسألة الخامسة :في قوله إن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر هذا متأول على التضعيف وهو تضعيف
الحسنة بعشر أمثالها وهو أن التضعيف في حق أمة محمد ﷺ فيحصل للإنسان ثواب صيام الدهر من
دون أن يكلف نفسه بما يشق عليها



المسالة السادسة :أن من ترك رخصة النبي ﷺ فلا بد أن يندم فهذا عبدالله بن عمرو مع إصراره على الإكثار
من الصلاة والصيام وعدم قبوله للرخصة التي عرضها له النبي ﷺ فإنه قد ندم على ذلك حين كبرت سنه
وضعف جسمه فينبغي للمسلم أن يقبل رخصة الله عز وجل التي جعلها لعباده
وبالله التوفيق





--------



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ]

[ المجلد الثالث ]


رابط تحميل الكتاب :

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf







رد مع اقتباس