عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 30-10-2011, 08:34AM
أبو همام فوزي أبو همام فوزي غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: لـيـبـيـا
المشاركات: 114
افتراضي يتبع

فانظر هذه الإرشادات الحكيمة في هداية الشريعة إلى تلقي النعم والمسار والمصائب والمضار، كيف ترى القلوب فيها مطمئنة، والحياة طيبة، والخير حاصلاً ومأمولاً، والربح مستمرًّا: ((عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ لِلْمُؤْمِنْ)). فأين هذه الحالة الجليلة العالية من حالةالمنحرفين عن الدين،
الذين إذا أصابتهم النعم بطروا ومرحوا مرح البهائم، وتجبروا على عباد الله، وطغوا وبغوا، وإذا
أصابتهم المكاره جزعوا وضعفوا، وربما أدت بِهِم الحال إلى الانتحار؛ لعدم الصبر، وللهلع والجزع
الذي لا يحتمل، نسأل الله العافية.






المشكلة الرابعة والخامسة:

السياسة الداخلية والخارجية وتوابعها

قد قررت شريعة الإسلام مسائل السياسة أكمل تقرير، وَهَدَتْ إلى جميع ما ينبغي سلوكه مع المسلمين

ومع غيرهم بأحسن نظام وأعدله، وجمعت فيه بين الرحمة والقوة، وبين اللين والشفقة، والرحمة

بالخلق، مهما أمكنت الأحوال، فإذا تعذر ذلك استعملت القوة بحكمة وعدل، لا بظلم وعنف، قال

تعالى: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ

لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ

كَفِيلاً( [النحل:90-91].

فأمر الله بالعدل مع كل أحد، وبالإحسان والرحمة لكل أحد، وخصوصًا القرابة ومن لهم حق على

الإنسان، ونَهَى عن الفحشاء والبغي على الخلق: في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم، وأمر

بوفاء العهود والمحافظة عليها، وحذر من نقضها، وهذه الأمور المأمور بِهَا والمنهي عنها، منها ما

هو واضح جلي عينت على المسلمين سلوكه، ولَمْ تجعل لهم في ذلك خيرة ولا معارضة، وهي التي

نص الشارع على أعيانِهَا ولَمْ يكل بيانَهَا إلى أحد.

فهذا النوع يدخل في قوله تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا( [الأحزاب:36]. )فَلا وَرَبِّكَ لا

يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(

[النساء: 65]. )فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ( [النساء:59]. )وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ

شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ( [الشورى:10].

وقد تتبع هذا النوع العظيم فوجد -ولله الحمد- مطابقًا للعدل والحكمة، موافقًا للمصالح، دافعًا للمفاسد.

والقسم الثاني: الأمور المشتبه في أصلها، أو في تطبيقها على الواقع، وإدخال الأمور الواقعة فيها

نفيًا وإثباتًا، وطلبًا وهربًا، فهذا قد أمروا أن يشاوروا فيه، وينظروا فيه من جميع نواحيه، ويتأملوا

ما يتوقف عليه من الشروط والقواعد، وما يترتب عليه من الغايات والمقاصد، ومقابلة المصالح

والمضار، وترجيح الأصلح منها، قال تعالى: )وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ( [آل عمران:159]. وقال تعالى عن

جميع المؤمنين: )وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ( [الشورى:38].

وهذا النوع قد وسع الشارع فيه الأمر، بعدما قرر القواعد والأسس الموافقة لكل زمان ومكان، مهما

تغيرت الأحوال وتطورت الأمور، فالقواعد الشرعية إذا سلكت في كليات الأمور وجزئياتِهَا صلحت

بِهَا الأمور، واستقامت الدنيا والدين، وصلحت أمور العباد، واندفعت الشرور والمضار عنهم، ولكنها

تحتاج إلى عقد مجالس تجمع الرجال العقلاء الناصحين أولي العقول الرزينة والأحلام الواسعة،

والرأي المصيب، والنظر الواسع، وتبحث فيها القضايا الداخلية واحدة بعد واحدة، بحثًا يشمل

نواحي القضية، وتصورها كما ينبغي، وتصور ما تتوقف عليه، وتتم به إن كانت مقصودًا تحصيلها،

وتصور ما يترتب عليها من الفوائد والمصالح الكلية والجزئية، وبحث أحسن طرق لتحصيلها

وأسهله، وبحث القضايا الضارة التي يطلب دفعها، بتتبع أسبابِهَا وينابيعها التي تسربت منها،

وحسمها بحسب الإمكان، ثم السعي في إزالتها بالكلية إن أمكن، وإلا بتخفيفها وتلطيفها، قال تعالى: )

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ( [التغابن:16]. وقال رسول الله r: ((إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)).
رد مع اقتباس