عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 28-10-2011, 01:38PM
أبو همام فوزي أبو همام فوزي غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: لـيـبـيـا
المشاركات: 114
افتراضي يتبع

فكم من فقير وفق للاقتصاد والقناعة لا يغبط الأغنياء المترفين، ولا يتبرم بقلة ما عنده من الرزق اليسير.
فمتى اهتدى من أهل الفقر بإرشادات الدين من الصبر والتعلق بالله، والتحرر من رق المخلوقين، والجد والاجتهاد في الأعمال الشريفة النافعة، والاقتناع بفضل الله هانت عليهم وطأة الفقر وعناؤه،
ومع ذلك فهم لا يزالون يسعون في تحصيل الغنى ويرجون ربَّهُم، وينتظرون وعده، ويتقون الله،
فإنه: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( [الطلاق:2-3].
فهذه التعاليم الدينية والإرشادات من الله ورسوله لأهل الغنى والفقر تجلب لهم الخيرات، وتمنعهم من الشرور والمضرات، وتنتج لهم أجمل الثمرات العاجلة والآجلة.
فهذا الحل الوحيد من الرب المجيد لمشكلة الغنى والفقر، وما سوى ذلك فعناء وشقاء، وضرر وهلاك، والله الموفق.
ونظير هذه المسألة: مسألة الصحة والمرض، فإنَّ الشريعة الإسلامية جاءت بأكمل الأمور فيها؛ أمرت بكل ما يحفظ الصحة وينميها، وما يدفع الأمراض أو يخففها بحسب الإمكان، وفصلت في هذا الموضوع تفاصيل نافعة، تدور على حفظ الصحة وتنميتها، والحمية من جميع المؤذيات والأمور الضارة، وعلى الساعي التحرز من الأمراض قبل نزولها.
وأمرت مع ذلك: بالتوكل على الله بالاعتماد عليه، والعلم بأنه تعالى هو المعطي للنعم، الدافع للنقم
بلطفه وقدرته ورحمته، وبما جعله من الأسباب الكثيرة التي علمها الله العباد، وأمرهم بسلوكها، وأمر أيضًا بمقاومة الأمراض بأمور أخرى غير الأدوية الحسية، أمر بالصبر لله على المكاره إيمانًا به واحتسابًا لثوابه، فإنه بذلك تخف مشقة الأمراض بما يحصل للصابر المحتسب من الإيمان واليقين والثواب العاجل والآجل.
وكذلك أمر: بقوة الاعتماد على الله عند نزول المصائب والمكاره، وأن لا يخضع الإنسان ويضعف قلبه وإرادته، وتستولي عليه الخيالات التي هي أمراض فتاكة، فكم من مرض يسير بسيط عظمت وطأته بسبب ضعف القلب وخوره وانخداعه بالأوهام والخيالات، وكم من مرض عظيم هانت مشقته وسهلت وطأته حين اعتمد القلب على الله، وقوي إيمانه وتوكله، وزال الخوف منه، وهذا أمر مشاهد محسوس.
فالدين الإسلامي أمر بالأمرين في وقت واحد:
أمر بفعل الأسباب النافعة، وبالاعتماد على الله في نفعها، وتحصيل المنافع ودفع المضار، بحسب الاستطاعة، وكذلك النعم والمسار، والمكاره، والمصائب، جاءت شريعة الإسلام فيها بأكمل الحالات.أمر الله ورسوله بتلقي النعم وبالافتقار إلى الله فيها، والاعتراف التام بفضل الله بتقديرها وتيسيرها،
وشكر المنعم بِهَا شكرًا متتابعًا، وتصريفها فيما كان لأجله، والاستعانة بِهَا على عبادة الله، وأنَّ لا يكون العبد عندها أشرًا ولا بطرًا، بل متواضعًا شاكرًا.
وأمر العبد أن: يغتنم الفرصة النافعة في النعم، فيربح عندها أرباحًا عاجلة وآجلة، يغتنم فرصة العافية والصحة والقوة والجدة والجاه والأولاد، فلا يغبن فيها بحيث تكون نعمًا حاضرة مؤقتة، بل يستخرج منها نعمًا باقية، وخيرًا متسلسلاً ونفعًا مستمرًّا.
وفي الحديث: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ، شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمَك، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شغْلِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)).
فمتى عرف العبد المقصود من النعم، وأنَّهَا مجعولة وسائل إلى الخيرات والآخرة، اجتمع له الأمران:
التمتع بِهَا عاجلاً، والاستفادة من خيراتِهَا آجلاً، فيؤدي واجبها ومستحبها، وبذلك تكون نعمًا حقيقية دينية ودنيوية، عكس حالة المنحرفين عما جاءت به الشريعة الذين يتمتعون بِهَا كما تتمتع الأنعام السائمة، ويتناولونَهَا بمقتضى الشهوة البهيمية، فالنعم في حقهم سريعة الزوال وشيكة الانفصال، لا
تعقبهم إلا الحسرة والندامة، والأولون يشاركونَهُم في التمتع العاجل، وربما زادوا عليهم براحة
القلب، وطمأنينة النفس، والسلام من الهلع والجشع.
وأما المصائب: فلما كانت لابد منها للخلق، ولا أحد يسلم منها، أعد الشارع الحكيم لها عدتَهَا، وأرشد عباده إلى الصبر والتسليم والاحتساب لثوابِهَا، وأن لا يتلقاها العبد بجزع وخور وضعف نفس، بلبقوة وتوكل على الله وإيمان صادق؛ وبذلك تخف وطأتُهَا، وتَهُون مشقتها، ويحصل من الثواب
وزيادة الإيمان أضعاف أضعاف ما حصل من المصيبة، قال تعالى: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ( [البقرة:155
-157]. وقال تعالى: )إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ( [الزمر:10]. )إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ
فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ( [النساء:104].
رد مع اقتباس