عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 28-10-2011, 01:12PM
أبو همام فوزي أبو همام فوزي غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: لـيـبـيـا
المشاركات: 114
افتراضي يتبع

بسؤال أهل العلم.
وقد أمر بعبادات كثيرة، وعفا عن محرمات، والأمر بالشيء والنهي عنه لا يمكن امتثال الأمر واجتناب

النهي إلا بعد علمه ومعرفته، فجميع الأوامر الشرعية والنواهي تدل على وجوب تعلم العلم الذي

تتوقف عليه، كما أنه أباح معاملات، وحرَّم معاملات، لا يمكن تمييز الحلال والحرام منها إلا بالعلم،
وقد ذم من لَمْ يعرف حدود ما أنزل على رسوله من الكتاب والحكمة.
ومن ذلك أنه أمر بالجهاد في عدة آيات، وبإعداد المستطاع من القوة للأعداء، وأخذ الحذر منهم ولا

يتم ذلك إلا بتعلم فنون الحرب والصنائع التي تتوقف القوة والحذر منهم عليها.
وأمر بتعلم أمور التجارة والأصول الاقتصادية، حتى إنه أمر أن يبتلي الأولاد الصغار اليتامى،
ويعلموا التجارة وطلب المكاسب. قال تعالى: )وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ
رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ( [النساء:6]. فلم يأمر بدفع أموالهم إليهم حتى يعلم رشدهم، ومعرفتهم
لأمور المكاسب والتجارة.
فهذه الشريعة الكاملة أمرت بتعلم جميع العلوم النافعة: من العلم بالتوحيد، وأصول الدين، ومن علوم
الفقه والأحكام، ومن علوم العربية، ومن العلوم الاقتصادية والسياسية، ومن العلوم التي تصلح بِهَا
الجماعات والأفراد.
فما من علم نافع في الدين والدنيا إلا أمرت به هذه الشريعة، وحثت عليه، ورغبت فيه، فاجتمع فيها
العلوم الدينية، والعلوم الكونية، وعلوم الدين، وعلوم الدنيا، بل إنَّهَا جعلت العلوم الدنيوية التي تنفع
من علوم الدين.
وأما المتطرفون: فإنَّهُم اقتصروا على بعض علوم الدين، فقصروا وغلطوا غلطًا فاحشًا.
وأما الماديون: فإنَّهم اقتصروا على بعض علوم الكون، وأنكروا ما سواها، فألحدوا، ومرجت أديانُهُم
وأخلاقهم، وصارت علومهم حاصلها أنَّهَا صنائع جوفاء، لا تزكي العقول والأرواح، ولا تغذي
الأخلاق فكان ضررها عليهم أعظم من نفعها، فإنَّهُم ينتفعوا بِهَا من جهة ترقية الصنائع والمخترعات
وتوابعها، وتضرروا بِهَا من جهتين:
إحداهما: أنَّهَا صارت أكبر نكبة عليهم وعلى جميع البشر، لما ترتب عليها من الفناء والحروب
المهلكة والتدمير.
الثانية: أنَّهُم أعجبوا بِهَا واستكبروا، فحقروا لذلك علوم الرسل وأمور الدين: )إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي
آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
( [غافر: 56]. )وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ
سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُون( [الأحقاف:26]. )فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون( [غافر: 83].
تبين مما ذكرنا أنَّ العلوم النافعة في العاجل والآجل هي العلوم التي جاءت في كتاب الله وسُنَّة رسول
الله، وأنَّهَا احتضنت كل علم نافع ومعرفة صحيحة، لا فرق بين الأصول والفروع، ولا بين الدينية
والدنيوية، كما احتضنت عقيدتُها الإيمان بكل حق وحقيقة، وبكل كتاب أنزله الله، وكل رسول أرسله الله، والحمد لله.
المشكلة الثالثة: مشكلة الغنى والفقر
تنوعت مقاصد الخلق وسياساتُهم في مسألة الغنى والفقر، بحسب أغراضهم النفسية، لا بحسب
اتباعهم للحق ونظرهم للمصالح العامة الكلية، ولكنهم أخطئوا الطريق النافع، حيث لَمْ يتقيدوا
بهِدايات الدين الإسلامي، وتنوعت بِهِم الأفكار، وعملوا على مقتضى ذلك، فحصل بذلك شر مستطير،
ووقعت فتن كبرى بين من يدَّعي نصرة الفقر والفقراء والعمال، وبين من يتمسك التمسك المزري
بالثروات والأموال، ولهم في ذلك كلام طويل كله خطأ وضلال، وهدى الله المؤمنين إلى صراط
مستقيم في جميع أمورهم عامة، وفي هذه المسألة خاصة.
جاء الشرع -ولله الحمد- بصلاح الأغنياء والفقراء بحسب الإمكان، لما حكم الله تعالى قضاء وقدرًا
أنَّ الخلق درجات، فمنهم الغني ومنهم الفقير، ومنهم الشريف ومنهم الحقير؛ لحكم عظيمة، وأسرار
يضيق التعبير عن وصفها، فربط بعضهم ببعض بالروابط الوثيقة، وسخر بعضهم لبعض، وتبادلت
بينهم المصالح العادلة، واحتاج بعضهم إلى بعض.
رد مع اقتباس