عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 04-05-2015, 01:02AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه


لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-



فصل:
من جامَعَ في صوم رمضان بلا عذر




من جامَعَ في صوم رمضان بلا عذرٍ، لزمه القضاء والكفارة (و)، ومرادهم: ما صرَّحَ به غير واحدٍ بذَكَرٍ أصلي(245)، في قُبُلٍ أصلي، أنْزَلَ أم لا؛ لأنه مَظنَّةُ الإنزال، أو لأنه باطن كالدُّبرِ، كما سبق في الاستنجاء، وأنه لو أولج خنثى مشكِلٌ ذَكَرَه في قُبُلِ خنثى مثله، أو قُبُل امرأة، أو أولج رجل ذكَرَه في قبل خنثى مشكل، لم يَفْسُدْ صوم واحد منهما إلا أن ينزل، كالغسل، وأن الخَصِيَّ كغيره إن أولَجَ، وللشافعي قول: لا يقضي مَنْ جامع كجماع زائد، أو به بلا إنزال. وعن سعيد بن جبير، والنخعي: لا كفارة أيضاً. وقال الأوزاعي: إن كفر بالصوم لم يقض، وإلا قضى. ويأتي قول شيخنا في فصل القضاء.


والناسي كالعامد، نقله الجماعة، واختاره الأصحاب (و م) والظاهرية، وعنه: لا يكفِّرُ، اختاره ابن بطة (و م ر). وعنه: لا يقضى. اختاره الآجري، وأبو محمد الجوزي، وشيخنا (و هـ ش)، وذكره في «شرح مسلم» قول جمهور العلماء(246).


وكذا من جامَعَ يعتقده ليلاً، فبان نهاراً، يقضي، جزم به الأكثر، وجعله جماعة أصلاً للكفارة.
وفي «الرعاية» رواية: لا يقضي. واختاره شيخنا، وتأتي رواية ابن القاسم، وهل يكفِّرُ - كما اختاره أصحابنا - قاله صاحب «المحررِ»، وأنه قياس من أوجبها على الناسي وأولى، أم لا يكفِّرُ (و)؟ فيه روايتان، وعلى الثانية: إن علم في الجماع أنه نهاراً، ودام عالماً بالتحريم، لزمته الكفارة؛ بناء على من وطئ بعد إفساد صومه، على ما يأتي.


وإن أكل ناسياً، واعتقَدَ الفطر به، ثم جامع، فكالناسي والمخطئ، إلا أن يعتقد وجوب الإمساك، فيكفر في الأشهر، كما يأتي(247). وكذا من أتى بما لا يفطر به، فاعتقد الفطر، وجامع (و م ش) خلافاً للحنفية في الاحتلام، وذرع القيء، لا يكفِّرُ؛ للاشتباه بنظيرهما، وهو إخراج القيء والمني عمداً.


والمُكرَهُ كالمختار (وم) في ظاهر المذهب، ونقل ابن القاسم: كل أمر غُلبَ عليه الصائم، فليس عليه قضاء ولا كفارة. قال الأصحاب: وهذا يدل على إسقاط القضاء مع الإكراه والنسيان. قال ابن عقيلٍ في «مفرداته»: الصحيح في الأكل والوطء إذا غُلبَ عليهما، لا يفسدان، فأنا أخرِّجُ في الوطء روايةً من الأكل، وفي الأكل روايةً من الوطء. وقيل: يقضي من فعل، لا من فعل به من نائمٍ وغيره (وق). وقيل: لا قضاء مع النوم فقط، وذكره بعضهم نص أحمد فيه؛ لعدم حصول مقصوده. وإن فسد الصوم بذلك؛ فهو في الكفارة كالناسي (وش). وقيل: يرجِعُ بالكفارة على من أكْرهه، وقيل: يكفِّرُ من فعل بالوعيد.


والمرأة المطاوعة يفسُدُ صومها، وتكفِّرُ (و هـ م ق) كالرجل، وعنه: لا كفارة عليها (وش)؛ لأن الشارع لم يأمرها بها، ولفطرها بتغييب بعض الحشفة، فقد سبق جماعها المعتبر، ومنع هذا صاحب «المحرر»؛ لأنه ليس لهذا القدر حكم الجوف والباطن، ولذلك يجب، أو يستحب غسله من حيض وجنابة ونجاسة، وعنه: تلزمه كفارة واحدة عنهما (وق)، خرجهما أبو الخطاب من الحج، وضعفه غير واحد؛ لأن الأصل عدم التداخل.


وإن طاوعته أم ولده، صامَتْ، وقيل: يكفِّرُ عنها، ويفسُدُ صوم المكرهة على الوطء. نص عليه (و هـ م). وعنه: لا (وق). وقيل: يفسد، إن فعَلَتْ، لا المقهورة والنائمة (وق). وأفسد ابن أبي موسى صوم غير النائمة؛ لحصول مقصود الوطء لها، ولا كفارة في حق المكرهة إن فسد صومها، في ظاهر المذهب. نص عليه(و)، وذكر القاضي روايةً: تكفِّرُ، وذكر أيضاً أنها مخرَّجةٌ من الحج (و م) في المستيقظة، وعنه: ترجع بها على الزوج؛ لأنه الملجِئُ لها إلى ذلك. وقال ابن عقيلٍ: إن أُكرِهَتْ حتى مكَّنَتْ، لزمَتْها الكفارة، وإن غُصِبَتْ، أو كانت نائمةً، فلا.


وإن جامَعَتْ ناسيةً، فكالرجل (و) ذكره القاضي؛ لأن عُذْرَها بالإكراه أقوى. وقال أبو الخطاب وجماعة: لا كفارة عليها، وهو أشْهَرُ (و)؛ لقوة جَنَبَةِ الرجل. ويتخرَّجُ: أن لا يفسُدَ صومها مع النِّسيانِ، وإن فسَدَ صومه؛ لأنه مُفْسِدٌ لا يوجب كفارةً، كالأكل. وكذا الجاهلة ونحوها، وعنه: يكفَّرُ عن المعذورة بإكراهٍ، أو نسيانٍ، وجَهْلٍ، ونحوها، كأم ولده إذا أكْرَهها. والمراد: وقلنا: تلزمها الكفارة.


ولو أكره الزوجة على الوطء دفَعَتْهُ بالأسهل فالأسهل، ولو أفضى إلى نَفْسِهِ،
كالمار بين يدي المصلي، كذا ذكَرَه في «الفنون».



والوطء في الدبر كالقُبُلِ، يقضي، ويكفِّرُ (و)، ويتوجه فيه تخريج من الغُسْلِ، ومن الحَدِّ، وقد قاس جماعة عليهما،
لكن يفسُدُ صومه، إن أنزَلَ (و)، وعن أبي حنيفة رواية: لا كفارة.



وإن أولَجَ في بهيمة فكالآدمية. نص عليه، احتج الأصحاب بوجوب الغسل، وسواء وجب الحد كالزنا، أو لا، كالزوجة والأمة، وخرَّجَ أبو الخطاب في الكفارة وجهين، بناءً على الحد، وكذا خرجه القاضي رواية، بناءً على الحد، ويأتي قول ابن شهابٍ: لا يجب بمجرَّدِ الإيلاج فيه غُسْلٌ (و هـ)، ولا فطْرٌ (و هـ)، ولا كفَّارةٌ (و هـ). كذا قال، وإن أولَجَ في ميت، فكالحي، وسبق وجه في الغُسْل، وقيل هنا: في آدمي حي، أو ميت، أو بهيمٍ حي، وقيل: أو ميت، كذا قيل. وفي «المستوعب»: إن أولَجَ في بهيمة، أو آدمي ميت، ففي الكفارة وجهان(248).


ومن طَلَعَ عليه الفجر وهو مجامع، فاستدام، فعليه القضاء (و)، والكفارة (هـ)؛ لأنه مَنَعَ صحة الصوم بجماع أثم فيه؛ لحرمة الصوم، كمن وَطئَ في أثناء النهار، ولأنه لو جامع في النهار ناسياً، ثم ذكَرَ، واستدام، قضى، وكفَّرَ، وإنما أفسد صومه بالاستدامة دون الابتداء عند الحنفية، ولم يوجبوا عليه كفارة، وأما الحد على مجامع طلَّقَ ثلاثاً ودام فإنه يَجبُ في وجه، ثم الحد عقوبة محضة يسقط بالشبهة، بخلاف الكفارة، وقاس غير واحد على من استدام الوطء حال الإحرام، وإن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر، فكذلك عند ابن حامد، والقاضي؛ لأن النَزْعَ جماع يلتذ به كالإيلاج، بخلاف مجامع حلف لا يجامع، فنزع؛ لتعلق اليمين بالمستقبل، أول أوقات الإمكان، وقال أبو حفص: لا قضاء عليه، ولا كفارة (و هـ ش).


وذكر القاضي: أن أصل ذلك اختلاف الروايتين في جواز وطء من قال لزوجته: إن وطِئْتُك، فأنت علي كظَهْر أُمِّي، قبل كفارة الظهار، فإن جاز، فالنَّزْعُ ليس بجماع، وإلا كان جماعاً. وقال ابن أبي موسى: يقضي قولاً واحداً، وفي الكفارة عنه خلاف. قال صاحب «المحررِ»: وهذا يقتضي روايتين: إحداهما: يقضي فقط، قال: وهو أصح عندي (و م)؛ لحصوله مجامعاً أول جزء من اليوم أُمرَ بالكَفِّ عنه بسبب سابق من الليل، فهو كمَنْ ظنه ليلاً، فبان نهاراً، لكن لما كان ذلك على وجه فيه عذر، صار كوطء الناسي، ومن ظنه ليلاً(249)، وفي الكفارة بذلك روايتان، كذا هذا.



ومن جامَعَ وهو صحيح، ثم مرض، لم تَسْقُط الكفارة عنه. نص عليه (هـ ق)، أو جُنَّ (هـ ق)، أو حاضت المرأة (هـ ق)، أو نَفسَتْ (هـ ق)؛ لأمره عليه السلام الأعرابي بالكفارة، ولم يسأله، وكما لو سافر (و)، وقولهم: لأنه لا يبيح الفطر ممنوع، ويؤثِّرُ عندهم في منع الكفارة، ولا يُسقطُها بعد وجوبها، تفرقةً بين كونه مقارناً وطارئاً، ولا يقال: تبينا أن الصوم غير مستحق عند الجماع؛ لأن الصادق لو أخبره أنه سيمرض، أو يموت، لم يَجُزْ الفطر، والصوم لا تتحرى صحته، بل لزومه، كصائم صح، أو أقام. وفي «الانتصار» وجه: تسقط بحيض ونفاس (و ق)؛ لمنعهما الصحة، ومثلهما موت، وكذا جنون إن منع طَرَآنُه الصحة، وأشهر أقوال الشافعي كقولنا (و م)(250).


ومن وطئ ثم كفر ثم عاد فوطئ في يومه، فعليه كفارة ثانية. نص عليه، لما سبق فيمن استدامه وقت طلوع الفجر، كالحج، وذكر الحلواني روايةً: لا كفارة عليه (و). وخرَّجَه ابن عقيل(251) من أن الشهر عبادة واحدة، وذكره ابن عبد البَرِّ (ع) بما يقتضي دخول أحمد فيه، وإن لم يكفر عن الأول، فكفارة واحدة على الأصح، وذكره الشيخ بغير خلاف، فعلى الأول: تعدد الواجب وتداخل موجبه، ذكره صاحب «الفصول» و«المحرر» وغيرهما، وعلى الثاني: لم يجب بغير الوطء الأول شيء، وكذا كُلُّ واطئٍ يلزمه الإمساك (و)، ونص أحمد في مسافر قدم مُفْطراً، ثم جاَمَع، لا كفارة عليه. قال القاضي، وأبو الخطاب: هذا على رواية أنه لا يلزمه الإمساك.


واختار صاحب «المحرر» حمله على ظاهره، وهو وجه في كتاب «المُذْهب»؛ لضعف هذا الإمساك؛ لأنه سنة عند أكثر العلماء، وفي «تعليق
القاضي» وجه فيمَنْ لم ينو الصوم: لا كفارة عليه؛ لأنه لم يلتزمه.



وألزمه مالك بالكفارة بمجرد ترك نية الصوم عمداً، بلا أكل، ولا جماع، وإن أكَلَ ثم جامع، فالخلاف (252)، وسبق: هل تجب الكفارة بأكلٍ؟
وإن جامَعَ في يومين، فإن كفَّرَ عن الأول، كفَّرَ عن الثاني (و)، وذكره ابن عبد البر (ع)، وفيه رواية عن (هـ)، وكذا إن لم يكفِّرَ عن الأول في اختيار ابن حامدٍ، والقاضي وغيرهما، وحكاه ابن عبد البر عن أحمد (و م ش)؛ لأن كل يوم عبادة، وكيومين من رمضانين، وفيه رواية عن (هـ)، وظاهر كلام الخرقي كفارة واحدة، واختاره أبو بكرٍ، وابن أبي موسى (و) كالحدود.


قال صاحب «المحررِ»: فعلى قولنا بالتَّداخلِ، لو كفَّرَ بالعِتْقِ في اليوم الأول عنه، ثم في اليوم الثاني عنه، ثم استُحِقَّت الرَّقبةُ الأولى، لم يلزمه بدلها وأجزأتْهُ الثانية عنهما، ولو استُحِقَّت الثانية وحدها، لزمه بدلها، ولو استحِقّتا جميعاً، أجزأه بدلهما رقبة واحدة؛ لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجِبِ الأول، ونية التعيين لا تعتبر، فتلغو، أوتصير كنيةٍ مطلقةٍ، هذا قياس مذهبنا، وقاله الحنفية، وهو مذهب المالكية في نظيره، وهو: كُلُّ موضعٍ قُضِيَ فيه بتداخل الأسباب في الكفارة، إذا نوى التكفير عن بعضها، فإنه يقع عن جميعها، مثل من قال لزوجاته: أنتُنَّ علي كظهر أُمِّي، ثم وطئ واحدةً، وكفَّرَ عنها، أجزأه عن الكُلِّ ونحو ذلك (253)، ووجدت أنا في كلام الحنفية: لو أطْعَمَ إلا فقيراً، فوطِئَ، أطْعَمَه فقط عنهما، كحد القذف عندهم.


وإن جامَعَ دون الفرج، فأمْنَى - وعبارة بعضهم: فأفْطَرَ، وفيها نظر – فعنه: يكفِّرُ. اختاره الخرقي، وأبو بكرٍ، وابن أبي موسى، والأكثر (و م)، كالوطء في الفرج. والفرق واضح، وعنه: لا كفارة عليه (و هـ ش)، اختاره جماعة، منهم صاحب «النصيحة»، و«المغني»، و«المحرر»، وهي أظهر. وعلى الأول: الناسي كالعامد، ذكره في «التبصرة». ويدل عليه اعتباره بالفَرْجِ. وقال صاحب «المغني»، و«الروضةِ»، وغيرهما: عامداً.


وكذا إذا أنزَلَ المجبوب بالمساحقة، وكذا امرأتان إن قلنا: يلزم المطاوعة كفارة، وإلا فلا كفارة، والقُبلةُ، واللمس ونحوهما، كالوطء دون الفرج، في روايةٍ اختارها القاضي (و م). وفي رواية: لا كفارة، اختارها الأصحاب (و).
ونص أحمد: إن قبَّلَ فمذى، لا يكفِّرُ، وإن كرَّرَ النظر فأمنى، فلا كفارة (م)، كما لو لم يُكَرِّرْهُ (و). وعنه: بلى، كاللَّمْس. وأطلق في «الهداية» وغيرهما الروايتين، وقيل: إن أمنى بفكره، أو نَظْرة واحدة عمداً، أفطَرَ، وفي الكفارة وجهان.


وسبق حكم من جامع في يوم رأى الهلال في ليلته، وردَّتْ شهادته، وجماع المسافر، والمريض(254).
ويختص وجوب الكفارة برمضان (و)؛ لأن غيره لا يساويه، خلافاً لقتادة في قضائه فقط. وفي «الرعاية» قول: يكفِّرُ إن أفسَدَ قضاء رمضان. وسبق أول الباب هل تختص بالجماع؟
والكفارة على الترتيب، فيجب عتق رقبةٍ، فإن لم يجد، صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطِعْ أطعم ستين مسكيناً، مثل كفارة الظهار، في ظاهر المذهب (و هـ ش)، ويأتي فيها اعتبار سلامة الرقبة، وكونها مؤمنةً.


ولا يحرم هنا الوطء قبل التكفير، ولا في ليالي صوم الكفارة، ذكره في «الرعاية» وأظنه في «التلخيص» وغيره، ككفارة القتل، ذكره فيها القاضي وأصحابه، وحرَّمَه ابن الحنبلي في كتابه «أسباب النزول» عقوبةً، وعنه: إنها على التخيير بين العتق، والصيام، والإطعام، فبأيها كفَّرَ، أجزأه (و م)؛ لأن في «الصحيحين»، من حديث مالك، عن الزُهريِّ، عن حميد بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، أن رجلاً أفطَرَ في رمضان، فأمَرَه النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة. وفيهما من حديث ابن جُريجٍ، عن ابن شهاب، عن حميد، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطَرَ في رمضان أن يُعتقَ رقبةً، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يُطعمَ ستين مسكيناً، وتابعهما أكثر من عشرة.


وخالفهم أكثر من ثلاثين، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد: أن إفطار ذلك الرَّجلِ كان بجماعٍ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «هل تجد ما تُعْتقُ رقبةً؟» قال: لا، قال: «هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، قال: «هل تجد ما تُطْعِمُ ستين مسكيناً؟» قال: لا. ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر، فقال: «تصدَّقْ بهذا» قال: على أفقر منا؟ قال: «اذهب فأطِعمْهُ أهلك» وفي أوله: هلَكْتُ يا رسول الله، قال: «وما أهلكَكَ؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان. متفق عليه. وهو أولى؛ لأنه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ومشتمل على زيادة، ورواه الأكثر. وللدارقطني: هلكت وأهلَكْتُ. وضعَّفَ هذه الزيادة البيهقي، وصنف الحاكم ثلاثة أجزاء في إبطالها، ولأبي داود بإسناد جيد من حديث هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة عنه: «وصُمْ يوما مكانه». وقال: فأتي بعَرَق فيه تمر قدْرَ خمسة عشر صاعاً. وله من حديث عائشة: فيه عشرون صاعاً. وهشام تُكُلِّمَ فيه، وروى له مسلم، وتابعه عبد الجبار بن عمر في الصوم، وهو ضعيف، رواه ابن ماجه، وتابعه أبو أُويسٍ، عن الزهري، عن حميد، وفيه كلام، وروى ذلك الدارقطني.


وتابعه إبراهيم بن سعدٍ، عن الليث، عن الزهري، وبَحْرُ بن كنيز، عن الزهري، ذكرَهُ البيهقي، وأشار هو وغيره إلى صحة هذه الزيادة، والله أعلم. وعن ابن عباسٍ: عتق رقبة، أو صوم شهرٍ، أو إطعام ثلاثين مسكيناً. وعن الحسن: عتق رقبة، أو إهداء بدنه، أو إطعام عشرين صاعاً أربعين مسكيناً. وعن عطاء نحوه، ولمالكٍ في «الموطأ» عن عطاء الخراساني، عن ابن المسيب مرسلاً نحوه، ولم يذكر عدد المساكين، وفيه: «وصُمْ يوماً». ومذهب (م): هذه الكفارة إطعام فقط، كذا قال، والإطعام كما يأتي في كفارة الظهار إن شاء الله تعالى.

وإن قدَرَ على العتق في الصيام، لم يلزمه الانتقال. نص عليه، ويلزم من قدَرَ قبله، ويأتي ما يتعلَّقُ بذلك في الظهار (255).


وتسقط هذه الكفارة بالعجز، في ظاهر المذهب. نص عليه (وق)، زاد بعضهم: بالمال، وقيل: والصوم، كذا قال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابي بها أخيراً، ولم يذكر له بقاءها في ذمتِهِ، وكصدقة الفطر، وعنه: لا تسقط (و هـ ش)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها الأعرابي لما جاءه العَرَقُ بعد ما أخبَرَه بعُسْرتِهِ، ولعل هذه الرواية أظهر.


قال بعضهم: فلو كفَّرَ غيره عنه بإذنه – وقيل: أو دونها - فله أخذها، وعنه: لا يأخذها. وأطلق ابن أبي موسى: هل يجوز له أكلها، أم كان خاصا بذاك الأعرابي؟ على روايتين، ويتوجه احتمال أنه صلى الله عليه وسلم رخَّصَ للأعرابي فيه لحاجته، ولم تكن كفارةً(256).


ولا تسقُطُ غير هذه الكفارة بالعجز، مثل كفارة الظهار، واليمين، وكفارات الحج، ونحو ذلك. نص عليه. قال صاحب «المحررِ» وغيره: وعليه أصحابنا؛ لعموم أدلَّتِها حالة الإعسار(257) ، ولحديث سلمة بن صخرٍ في الظهار، ولأنه القياس، خُولِفَ في رمضان؛ للنص - كذا قالوا: للنص - وفيه نظر، ولأنها لم تجب بسبب الصوم، قال القاضي وغيره: وليس الصوم سبباً للكفارة، وإن لم تجب إلا بالصوم والجماع؛ لأنه لا يجوز اجتماعهما، وعنه: تسقط(258).


ومذهب (ش): هي كرمضان، إلا جزاء الصيد؛ لأن فيه معنى العقوبة والغرامة. وذكر غير واحدٍ أنه تسقط كفارة وطء الحائض بالعَجزِ، على الأصح، وعنه: بالعجز عن كلها؛ لأنه لا بَدَل فيها. وقال ابن حامدٍ: تسقط مطلقاً، كرمضان. وأكله الكفارات بتكفير غيره عنه كرمضان، وعنه: تختص بالوطء في رمضان. اختاره أبو بكر(259).



وإن ملكه ما يكفر به، وقلنا: له أخذه هناك، فله هنا أكله، وإلا أخرَجَه عن
نفسِهِ، وقيل: هل له أكله، أو يلزمه التكفير به؟ على روايتين.




------------------------



(245) قوله: «ذَكَرٌ أَصلِي» احترازاً من ذكر الخنثى؛ لأن الخنثى لا يعلم أذكر هو أم أنثى؟ فإن كان رجلاً فذكره أصلي، وإن كان أنثى فذكره غير أصلي؛ لأن الذكر غير الأصلي مثل الأصبع، والأصبع إذا أدخله الإنسان في فرج امرأته لم يجب عليه الغسل، ولم يفسد الصوم.


(246) وهذا هو الصحيح، أنه ليس عليه قضاء ولا كفارة.
(247) هذه مسألة نادرة، ولكنها مفيدة جداً، وهي: إذا أكل الإنسان ناسياً واعتقد الفطر به، ثم جامع، فليس عليه شيء؛ لأنه إنما جامع جهلاً منه أن صومه فسد.


(248) هذه المسالة محل خلاف بين العلماء، ولكن لو قال قائل: المرأة ليس عليها كفارة؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للذي جامع: وعلى زوجتك الكفارة.



فالجواب عن هذا: أن يقال: إن المرأة لم تقر بأنها جامعت حتى يلزمها النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، أو يقال: لعله أكرهها؛ لأن في بعض ألفاظ الحديث: «هلكت وأهلكت» [رواه الدارقطني (2/209)؛ والبيهقي (4/227).] ، يعني: هلك هو وأَهلَكَ امرأته،

فالمهم أن هذا لا يستدل به على عدم وجوب الكفارة على المرأة، ثم يقال: لا فرق بين الرجال والنساء في انتهاك الحرمة، فإذا جامع في نهار رمضان، والمراد: من يجب عليه الصوم، وأما من لا يجب عليه الصوم فلا بأس أن يجامع، وسبق هذا، فالمسافر - مثلاً - لو كان مسافراً هو وأهله وكانا صائمين في رمضان، وأراد منها ما يريد الرجل من امرأته، فلا حرج؛ لأن الصوم في هذه الحال ليس بلازم، إذ أنه يجوز للمسافر أن يفطر، وهذا قد يحتاج الإنسان إليه فيما إذا ذهب إلى عمرة ومعه أهله، ثم أراد منها بعد التحلل ما يريد الرجل من امرأته فلا حرج، ولو كانا صائمين.



(249) والصواب: أنه إذا نزع في الحال فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، وهذا الرجل امتثل أمر الله ( لما علم أن الفجر لم يطلع، ثم شرع في الجماع، ثم طلع الفجر، فينزع في الحال، ولا شيء عليه.


(250) والصحيح الأول: أنه إذا جامع وهو معافى أو مقيم، ثم حصل ما يبيح الفطر، فإنه يجب عليه الكفارة اعتباراً لحال المخالفة، فإنه في حال المخالفة يجب عليه الصوم.


(251) ابن عقيل رحمه الله من الذين يتساهلون بنقل الإجماع، فيستغرب أن ينقل الإجماع مع أن مذهب الإمام احمد - رحمه الله – خلافه، لكن لعله لبعده عن مناطق المتبعين للإمام أحمد أو المقلدين له صار يجهله أحيانا ويحكي الإجماع، وعلى كلٍّ فهو من الذين يتهاونون بنقل الإجماع، غفر الله له، وتتبعنا هذا في مواضع كثيرة من كلامه.


(252) قول الإمام أحمد - رحمه الله - فيمن قَدِمَ مفطراً ثم جامع أنه لا كفارة عليه،

تبين أن له مأخذين:


المأخذ الأول: أنه على رواية أنه لا يلزمه الإمساك، فيكون جامع مفطراً ولا إشكال.
والمأخذ الثاني: حتى على القول بالإمساك، فالقول بالإمساك ضعيف؛ لأن أكثر العلماء على خلافه، فلذلك ضعف القول بإيجاب الكفارة، أما المذهب فتلزمه الكفارة في كل يوم يلزمه الإمساك، فإذا جامع فإنه تلزمه الكفارة.


(253) هذه المسألة مهمة، وهي: إذا كرر الجماع في يومين، فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية عن الثاني بلا إشكال؛ لأن التداخل ممتنع، وإن لم يكفر فإن عليه كفارة ثانية على المذهب؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول بفساد صوم اليوم الثاني، ولا العكس، فلزمه لكل يوم كفارة، وعلى هذا فلو جامع في كل يوم، والشهر ثلاثون يوماً، لزمه ثلاثون كفارة، وقيل: إذا لم يكفر عن الأول كفاه كفارة واحدة، بناءاً على التداخل في الحدود؛ لأنه لو زنى بامرأتين لزمه حد واحد مثلاً، وعلى التداخل في الأيمان، ولها نظائر، فقالوا: مادام لم يكفر عن الأول كفاه كفارة عن الجميع، لاسيما إذا قلنا: إن شهر رمضان عبادة واحدة، وأن أيامه كأجزاء العبادة،

فهذا القول من حيث النظر قوي، ولكن من حيث التربية ضعيف؛ لأن بإمكان كل واحد - لاسيما الشاب حديث العهد بالزواج - أن يجامع كل يوم ويدع الكفارة لآخر يوم، ويأتي بكفارة واحدة، وهذا يؤدي إلى الفوضى والتلاعب بحدود الله وأحكام الله، فإبقاء الناس على المشهور من المذهب من أن يلزمه كفارة لكل يوم هو الموافق من حيث التربية، وعدم التهاون بالإفطار في نهار رمضان.



(254) الصحيح أنه لا كفارة إلا بالجماع، وعلى هذا فإن كل هذه التفريعات لا داعي لها.
(255) والصواب ما في «الصحيحين» في هذه المسألة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطعم ستين مسكيناً إذا لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين [سبق تخريجه.]، وما سواهما فشاذ أو ضعيف، فلا يعتد به.


(256) والصواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسقطها؛ لأنه لما قال له: «أطعم ستين مسكينا» قال: لا أجد. جلس، ولما يَسَّر الله له هذا التمر أمكنه أن يكفر به؛ لأنه صار واجداً في حينه، ثم لما ذكر أنه محتاج، قال: أطعمه أهلك، ولم يقل: ومتى استطعت فكفر، والفرق: أنه إذا أعطي ما يكفر به في حينه صار واجداً، فيلزمه أن يكفر به،

فلما بين للنبي صلى الله عليه وسلم أنه محتاج، قال له: «أطعمه أهلك»، ولم يقل: ومتى وجدت فأطعم، فالصواب أنها تسقط بالعجز، وأن بقية الكفارات تسقط بالعجز؛ لعموم قول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، وقوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286]، والقاعدة الأصولية أنه لا واجب مع العجز.



(257) يعني: أن أدلتها تعم حال الإعسار، ولكن أجابوا عن هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين الكفارة بقطع النظر عن الإلزام بها، والاستدلال أنها تجب مع العجز من أجل أن الأحاديث تعم، فيه نظر؛ لأن الأحاديث في بيان الكفارة، ثم تُنَزَّلُ كل حال على ما يقتضيه صاحبها.


(258) قوله: «عنه» يعني: الإمام أحمد رحمه الله، وقوله: «تسقط» أي: جميع الكفارات تسقط بالعجز، وهذا هو الصواب، فإذا قال قائل: أليس الرجل إذا أعسر بالدين للآدمي يبقى في ذمته ولا يسقط؟

فالجواب: بلى، لكن هذا حق آدمي، أما الله عز وجل فقد عفا عن حقه عليه السلام ، فقال: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286]، وقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]، فالصواب أن جميع الكفارات تسقط بالعجز، وأن جميع الواجبات تسقط بالعجز أيضاً، إذا لم يكن لها بدل، وبناءاً على ذلك لو ولد للإنسان ولد، وكان فقيراً ولم يعق عنه، ثم أغناه الله فهل نقول عُق عنه؟ الجواب: في هذا نظر، فقد يقال: إنه يعق عنه؛ لأن العقيقة ليس لها وقت، وقد يقال: لا يعق عنه؛ لأنه وقت سبب مشروعية العقيقة كان غير واجد، فلا يطالب بها، وهذا أقرب إلى القياس.



(259) معناه: لو كفر شخص عنه وهو في حاجة، فهل يجوز أن يأكل كفارة نفسه؟ هذه المسألة من العلماء من قال: إنه يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المجامع التمر ليكفر به، فلما بين له حاجته قال: «أطعمه أهلك»، وهذا قد يقال: إنه ظاهر النص، لكن يعارضه أن الواجب إطعام ستين مسكيناً، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، أي: لم يقل له: هل أهلك ستون مسكيناً؟ فأطعمهم، والظاهر أن أهله لا يبلغون ستين مسكيناً، فلذلك نقول: إن أَكْلَ المُجامعِ كفارةَ جماعه ليس لأنه مَحَلٌ تُصرف الكفارة إليه، ولكن لأنها سقطت بالعجز، وهو في حاجة، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.


المصدر:

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18305.shtml






رد مع اقتباس