عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-01-2010, 03:44PM
أبو حمزة مأمون
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي ما هو السفر المجيز للقصر [بحث من صحيحة الألباني رحمه الله]

قال العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة :
163 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال ، أو ثلاثة
فراسخ ( شك شعبة ) قصر الصلاة . ( و في رواية ) : صلى ركعتين " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 257 :

أخرجه الإمام أحمد ( 3 / 129 ) و البيهقي 3 / 146 و السياق له عن محمد بن جعفر
حدثنا شعبة عن يحيي بن يزيد الهنائي قال :
" سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة ، و كنت أخرج إلى الكوفة فأصلي ركعتين حتى
أرجع ؟ فقال أنس ... " فذكره .
قلت : و هذا سند جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الهنائي فمن رجال مسلم
وحده ، و قد روى عنه جماعة من الثقات ، و قال ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 198 ) عن
أبيه : " هو شيخ " و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 257 ) و سمى جده مرة ،
و قال :
" و من قال : يزيد بن يحيى أو ابن أبي يحيى فقد وهم " .
و الحديث أخرجه مسلم ( 2 / 145 ) و أبو داود ( 1201 ) و ابن أبي شيبة
( 2 / 108 / 1 / 2 ) و عنه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 99 / 2 ) من طرق عن محمد
بن جعفر به دون قول الهنائي : " و كنت أخرج إلى الكوفة ... حتى أرجع " . و هي
زيادة صحيحة و من أجلها أوردت الحديث . و كذلك أخرجه أبو عوانة ( 2 / 346 ) من
طريق أبي داود ( و هو الطيالسي ) قال : حدثنا شعبة به . و لم يروه الطيالسي في
" مسنده " .
( الفرسخ ) ثلاثة أميال ، و الميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه
على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه ، و بذلك جزم الجوهري ، و قيل : حده أن ينظر إلى
الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة ، و هو ذاهب أو آت ، كما في
" الفتح " ( 2 / 467 ) و هو في تقدير بعض علماء العصر الحاضر يساوي 1680 مترا .
فقه الحديث
------------

يدل هذا الحديث على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخ ( و الفرسخ نحو ثمان
كيلو مترات ) جاز له القصر ، و قد قال الخطابي في " معالم السنن " ( 2 / 49 ) :
" إن ثبت الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدا فيما يقصر إليه الصلاة ، إلا أني لا
أعرف أحدا من الفقهاء يقول به " .
و في هذا الكلام نظر من وجوه :
الأول : أن الحديث ثابت كما تقدم ، و حسبك أن مسلما أخرجه و لم يضعفه غيره .
الثاني : أنه لا يضر الحديث و لا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من
الفقهاء ، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .
الثالث : أنه قد قال به راويه أنس بن مالك رضي الله عنه و أفتى به يحيى بن يزيد
الهنائي راويه عنه كما تقدم ، بل ثبت عن بعض الصحابة القصر في أقل من هذه
المسافة ، فروى ابن أبي شيبة ( 2 / 108 / 1 ) عن محمد بن زيد بن خليدة عن
ابن عمر قال :
" تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال " .
و إسناده صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " ( رقم 561 ) .
ثم روى من طريق أخرى عنه أنه قال :
" إني لأسافر الساعة من النهار و أقصر " .
و إسناده صحيح ، و صححه الحافظ في " الفتح " ( 2 / 467 ) .
ثم روى عنه ( 2 / 111 / 1 ) عنه :
" أنه كان يقيم بمكة ، فإذا خرج إلى منى قصر " .
و إسناده صحيح أيضا . و يؤيده أن أهل مكة لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه
وسلم إلى منى في حجة الوداع قصروا أيضا كما هو معروف مشهور في كتب الحديث
و السيرة و بين مكة و منى فرسخ كما في " معجم البلدان " .
و قال جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول :
" لو خرجت ميلا قصرت الصلاة " .
ذكره الحافظ و صححه .
و لا ينافي هذا ما في الموطأ و غيره بأسانيد صحيحة عن ابن عمر أنه كان يقصر في
مسافة أكثر مما تقدم ، لأن ذلك فعل منه ، لا ينفي القصر في أقل منها لو سافر
إليها ، فهذه النصوص التي ذكرناها صريحة في جواز القصر في أقل منها ، فلا يجوز
ردها ، مع دلالة الحديث على الأقل منها . و قد قال الحافظ في " الفتح "
( 2 / 467 - 468 ) :
" و هو أصح حديث ورد في بيان ذلك و أصرحه ، و قد حمله من خالفه على أن المراد
به المسافة التي يبتدأ منها القصر ، لا غاية السفر ! و لا يخفى بعد هذا الحمل ،
مع أن البيهقي ذكره في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد قال : سألت أنسا عن
قصر الصلاة ، و كنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة أصلى ركعتين ركعتين حتى
أرجع فقال أنس : فذكر الحديث ، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن
الموضع الذي يبتدئ القصر منه ، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل
بمجاوزة البلد الذي يخرج منها . و رده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به .
فإن كان المراد به أنه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم ، لكن لا
يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ ، فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها
فيؤخذ بالأكثر احتياطا . و قد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن
عبد الرحمن بن حرملة قال : قلت لسعيد ابن المسيب : أأقصر الصلاة و أفطر في بريد
من المدينة ؟ قال : نعم . و الله أعلم " .
قلت : و إسناد هذا الأثر عند بن أبي شيبة ( 2 / 15 / 1 ) صحيح .
و روي عن اللجلاج قال :
" كنا نسافر مع عمر رضي الله عنه ثلاثة أميال فنتجوز في الصلاة و نفطر " .
و إسناده محتمل للتحسين رجاله كلهم ثقات غير أبي الورد بن ثمامة روى عنه ثلاثة
و قال ابن سعد : " كان معروفا قليل الحديث " .
و قد دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث ،
و ذلك من فقه الصحابة رضي الله عنهم ، فإن السفر مطلق في الكتاب و السنة ، لم
يقيد بمسافة محدودة كقوله تعالى ( و إذا ضربتم في الأرض فلا جناح عليكم أن
تقصروا من الصلاة ) الآية .
و حينئذ فلا تعارض بين الحديث و هذه الآثار ، لأنه لم ينف جواز القصر في أقل من
المسافة المذكورة فيه ، و لذلك قال العلامة ابن القيم في " زاد المعاد في هدي
خير العباد " ( 1 / 189 ) :
" و لم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر و الفطر ، بل أطلق لهم
ذلك في مطلق السفر و الضرب في الأرض ، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر ، و أما
ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة ، فلم يصح عنه منها شيء
البتة ، و الله أعلم " .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" كل اسم ليس له حد في اللغة و لا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان سفرا
في عرف الناس ، فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم " .
و قد اختلف العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافا كثيرا جدا ، على
نحو عشرين قولا ، و ما ذكرناه عن ابن تيمية و ابن القيم أقربها إلى الصواب ،
و أليق بيسر الإسلام ، فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة
أيام و غيرها من التحديدات ، يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد
يطرقونها ، و هذا مما لا يستطيع أكثر الناس ، لاسيما إذا كانت مما لم تطرق
من قبل !
و في الحديث فائدة أخرى ، و هي أن القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة و هو
مذهب الجمهور من العلماء ، كما في " نيل الأوطار " ( 3 / 83 ) ، قال :
" و ذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين و لو كان في منزله .
و منهم من قال : إذا ركب قصر إن شاء . و رجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على
أنه يقصر إذا فارق البيوت ، و اختلفوا فيما قبل ذلك ، فعليه الإتمام على أصل ما
كان عليه حتى يثبت أن له القصر . قال : و لا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر
في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة " .
قلت : و الأحاديث في هذا المعني كثيرة ، و قد خرجت طائفة منها في " الإرواء "
من حديث أنس و أبي هريرة و ابن عباس و غيرهم فانظر رقم ( 562 ) .
رد مع اقتباس