عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 25-10-2007, 05:24PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
الجهة الثانية: أن في وقت الشيخ رحمه الله تعالى كان العثمانيون يدعون إلى الشرك الأكبر وإلى الطرق الصوفية ويحببون ذلك وينفقون على القبور وعلى عبادتها ينفقون عليها الأموال، فمن هذه الجهة لو كانت نجد داخلة تحت الولاية لما كان لهم طاعة لأنهم دعوا إلى الشرك وأقروه في عهودهم الأخيرة، أما في المائتين سنة الأولى (250 سنة الأولى) كانوا على منهج، يعني كانوا في الجملة جيدين، لكن لما في كان في سنة 1100 تقريبا وما بعدها لما كثر الشرك في المسلمين هم كانوا ممن يؤيدون ذلك تأييدا وينفقون عليه، وقد وجد من أقوال الخلفاء العثمانيين –حسب التسمية الشائعة- ولاة بني عثمان وجد منهم من يكتب أدعية في استغاثة بالرسول  أو استغاثة بالأولياء ونحو ذلك.
فالجهة الأولى هي المعتمدة التي ذكرتُ لك، والثانية فرع عنه.
10/ هل أن نقول أن أهل الجاهلية الأولين في عهد الرسول  كانوا يعلمون أنهم على باطل؟
هذا [ليس] بصحيح كما يقول إمام الدعوة ليس كفر من كفر منهم عن عناد واستكبار بل بعضهم كفر عن تقليد؛ تقليد الأكابر وبعضهم من أجل عدم العلم، قال جل وعلا ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنبياء:24]. فلم يكونوا يعلمون أنهم على باطل، ذلك القلة منهم كانوا يعلمون لكنهم كانوا مستكبرين لكن الأكثرون كانوا لا يعلمون بين لهم البيان العام، أزل القرآن، دعا النبي  الناس فمن صد فهو كافر مشرك.
نختم بهذا ونسأل الله جل وعلا أن ينفعني وإياكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. ( )
[المتن]
(المسألة الثامنة) الاستدلال على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء كقوله ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾[الشعراء:111]، وقوله ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾[الأنعام:53] فرده الله بقوله ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾[الأنعام:53]
(المسألة التاسعة) الإقتداء بفسقة العلماء فأتى بقوله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[التوبة:34]، وبقوله ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[المائدة:77].
(المسألة العاشرة) الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهله وعدم حفظهم كقوله ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27].
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأَرِنَا الباطل باطلا ومُنَّ عليما باجتنابه، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، نعوذ بك من شرور أنفسنا، نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
في المعنى العام للمسائل التي قبلها وذلك أن المسائل التي قبلها كانت في ذكر الاستدلال؛ استدلال المشركين وأهل الجاهلية على ما هم عليه من الباطل بأنواع من الأدلة.
فذكر من تلك الأدلة أنهم يستدلون بالأثر على الصواب، وأنّ الشيء يعرف بأنه حق إذا كان أتباعه هم الأكثرين.
وذكر من أدلتهم أنهم يحتجون بالأولين والمتقدمين.
وذكر من استدلالاتهم أنهم استدلوا بقوم أعطوا قوى، أعطوا أفهاما، وأعطوا علوما، يستدلون بهم وبأحوالهم على بيان صلاح ما هم عليه وبطلان ما جاءت به المرسلون.
وهذه المسألة هي تلك المسائل، وهي أنهم يستدلون على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، يستدلون على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، وهذا تنوع من الأدلة التي يستدل بها أهل الجاهلية في الماضي، ويستدل بها كل من كان فيه شعبة من شعب أهل الجاهلية في كل زمان ومكان، يستدلون على بطلان أمر من الأمور بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، وذلك أنه في ظاهر أفهامهم أن أهل الشرف والسيادة وأهل الرفعة والريادة وأهل الوجاهة والمال هم أحرى بأن يكونوا أوصل للحق وأعرف للحق وأحسن استدلالا عليه، فكيف يكون الضعفاء الذين هم أضعف عقولا، وأضعف أفهاما عندهم، كيف يصلون إلى الحق دونهم؟ فاستدلوا بذلك على أن أولئك الضعفاء عقولهم ليست صائبة، وأفهامهم ليست مستنيرة، وأنهم هم أهل الأفهام وأهل العقول، وإذا كان كذلك تم لهم الدليل بأن جاءت به المرسلون إنما اقتنع به الذين ليس لهم عقول صائبة، وليس لهم عقول مستنيرة، وليس لهم أفهام جيدة وقرائح قوية، فاستدل ذلك على بطلانه، إذْ لم يقتنع به أهل الفهم، يقنع به أهل العلو، لم يقتنع به أهل الجاه، أهل المال، الرؤساء، الأشراف، الملأ، ونحو ذلك.
وهذا الاستدلال في أصله صحيح شرعا، ولكنهم هم استدلوا به، فخلطوا ولم يزنوه بالميزان الشرعي الصحيح، وكيف ذلك؟ صحيح أن كل من كان أوفر عقلا وأجود ذهنا وأصح قريحة أنه يصل إلى الحق، وأنّ من كان دونه في الفهم، ودونه في العقل، ودونه في إتيان اللب والفهم، هذا يكون أبعد من الذي قبله في الوصول إلى الحق، ولهذا ذكر الله جل وعلا المشركين بأنه أعطاهم ألبابا وأعطاهم عقولا، لكن هذا الأصل لما كان صحيحا كان حال المشركين معه منقلبة ومنعكسة؛ لأنه يثبت بذلك أنّ من استجاب للحق وتبِع المرسلين أنهم هم أهل العقول وهم أهل الألباب وهم أهل الفهم، قال جل وعلا ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، والمشركون لم يعقلوها فثبت أن من عقلها هم العالمون، وإن كانوا عند أولئك أقل فهما، كذلك قال جل وعلا ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾( ) فالذين يتذكرون ويتبعون الرسل هم أولوا الألباب وهم أولوا العقول.
إذن فهؤلاء المشركون وأولئك المشركون كيف لم يتم لهم هذا الاستدلال، مع أنه في أصله صحيح؟ ذلك أنهم إن ظنوا أنهم هم أهل العقول، وهم أهل الأفهام، وهم أهل الألباب، فذلك قد يكون صحيحا في نفسه لكن العقل يصرفه عن فهم الحجة ويصرفه عن اتباع الحق أنواعا من الصوارف كانت متوافرة في أولئك المشركين، متكاثرة فيهم، ظاهرة بادية في حالهم وشأنهم:
 وأعظم تلك الصوارف الاستكبار والهوى: ذلك أن الهوى يغطي العقل عن الحق وهم كانوا أهل هوى فالهوى كان صارفا لاستعمال عقولهم فيما كان ينفع ﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾[الفرقان:43]،﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ﴾[القصص:50].
 من الصوارف أيضا التي جعلت عقولهم ضعيفة وأفهامهم كليلة، وهم يضنون أنهم يحسنون صنعا وأنهم هم أولوا الألباب من الصوارف الغنى، و الله جل وعلا بين أن الإنسان يصرفه المال عن رؤية الحق فقال جل وعلا ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى(6)أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾[العلق:6-7]، فالإنسان إذا رأى نفسه غني، غني وكثر ماله كان ذلك في الأكثرين صارفا لهم عن رؤية الحق وعن اتباع الحق؛ لأن للمال بهرج وله زينة، فيحتاج صاحب المال إلى التجرد العظيم و الإخلاص الأعظم الذي يصرفه عن الركون إلى تلك اللذة وذلك الإغراء حتى يقبل الحق، فكان هذا صارفا لأذهانهم لقبول الحق ومن رؤيتهم الحق حقا، ومن استعمالهم ما أعطاهم الله جل وعلا من الألباب في إبصار الهدى وإتباع المرسلين.
 من الصوارف أيضا ما هم فيه من الجاه فكانوا أهل جاه، إما في نسب كشرف النسب غير كسبي، وإما في رئاسة وترفع وسؤدد بين الناس، ونحو ذلك من أنواع الجاه، الجاه صاحبه يغطَّى عقله إذا لم يكن مبصرا البصر الشرعي، فلهذا ردوا الحق لأنهم كانوا على جاه امتنعت عقولهم من رؤية الصواب لأجل غطاء الجاه وغطاء السؤدد.
ومن الصوارف أيضا العجب بالنفس واعتقاد رفعتها، فإذا اعتقد المرء في نفسه أنه أرفع من غيره فإنه يصده ذلك عن قبول الحق إذا جاء به غيره، ولهذا فإن المشركون قالوا ما قالوا حيث قال طائفة منهم ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾[الزخرف:31] أرادوا أن تكون الرسالة في العظماء الذي هم أعلى منهم رتبة وشرف حتى لا يكون في صدورهم حرج من أتباعه، ومن لأنواع الصوارف كثيرة.
هذه المسألة ذكر فيها إمام الدعوة وحمه الله نوعا من أنواع الصوارف وحجة واستدلالا لهم يستدلون به، ذلك الاستدلال أنهم يستدلون على بطلان الشيء المراد إثبات أنه حق لأنه ما اتبعه إلا الضعفاء، والضعفاء يشمل -يعني هذا الاسم- كل ضعيف مالا وجاها ونسبا وفير ذلك من أنواع الضعف الذي يكون بين الناس.
احتجوا بهذا على أنه لو كان الحق لو كان هذا الذي جاء به الرسول حقا لكنا أحرى به ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني عن الذين آمنوا ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾[الأحقاف:11] فهذا نوع، كذلك ما قص الله جل وعلا في قصة نوح من الآيات التي استدل بها المصنف رحمه الله تعالى حيث قال الملأ من قوم نوح ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27] هذه الآية في سورة هود، أو الآية التي استدل بها المؤلف ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾[الشعراء:111] (الْأَرْذَلُونَ) جمع أرذل، أصلها في اللغة لشيء الدون، ذلك أن هذه المادة رَذَلَ أصلها في اللغة لشيء الدون يعني إذا كان شيئان عال ودون، فالدون هو الأرذل من الأمرين؛ يعني أنهم قسموا الناس إلى فريقين: أشراف وسادة وملأ، وآخرون هم الضعفاء وهم الأراذل، وقال جل وعلا في هذه الآية مخبرا عن قيل قوم نوح (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، (أَنُؤْمِنُ لَكَ) يعني أنصدق بما جئت به(وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، وفي قراءة أخرى (وأَتْبَاعك الْأَرْذَلُونَ) وهي ليست سبعية؛ يعني كيف يكون الصواب مع أولئك مع أنهم الضعفاء وهم الأرذلون، وقد قال المفسرون أن أكثر أتباع نوح كانوا من أهل الصناعات بعضهم أهل حياكة، وبعضهم أهل نجارة، وبعضهم أهل بيع وشراء، ونحو ذلك، فاستدلوا بنوع المتبعين لنوح عليه السلام استدلوا بذلك على بطلان ما جاء به (أَنُؤْمِنُ لَكَ) الإيمان هاهنا لغوي يعني التصديق. وضابط ذلك:
أن الإيمان في القرآن عُدِّي تارة بالباء وعدي تارة باللام.
والغالب فيما عدي بالباء أنه الإيمان الشرعي، المعروف تعريفه.
وما عدي باللام يراد به المعنى اللغوي، قال جل وعلا ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾[يوسف:17]، فلما عُدي الإيمان باللام علمنا أنه لغوي، وهو التصديق الجازم الذي لا يخالط صاحبه شك فيما خوطب به، أو في الشيء.
هنا (أَنُؤْمِنُ لَكَ) يعني أنصدق لك تصديقا جازما لا امتراء فيه والذين اتبعوك هم الأرذلون (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، فمنعهم هذا النوع من تصديقه ومن اتباعه.
ولم يكن هذا في قوم نوح فحسب بل كان هذا في العرب وفي قريش بخاصة، فلما اتبع النبي  أولئك الصحب الكرام والصفوة المنتخبون، قال المشركون ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾[الأنعام:53] كيف يكون؟ هدى الله يهدي به أولئك الذين هم ضعاف، الذين هم موالي، الذين هم صغار السن ونحو ذلك، فأجابهم الله جل وعلا بقوله ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾[الأنعام:53]، الله أعلم حيث يجعل هداه وحيث يجعل توفيقه،فهل أنتم تتحكمون في فعل الله جل وعلا.
إذن لو استعملوا عقولهم لوصلوا إلى الصواب، لو لم تكن على قلوبهم أنواع من الغشوات لوصلوا إلى الصواب والحق، ولكن عقولهم لم تكن نافعة ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾[الأحقاف:26]، فأولئك لم ينفعهم العقل ولم ينفعهم ما أوتوه من الفهم، فكان حقا أن يكون أولئك الأقوام الضعفاء فيهم هم أهل العقل، وهم أهل الفهم، وهم أهل الإدراك لهذا قال بعض السلف: كم من لبيب ولا لب له، وكم من عاقل ولا عقل له. كم من لبيب أعطاه الله جل وعلا لبا يفهم به الأشياء ولكنه في الواقع لا لب له، لم؟ لأنه انصرف عما ينجيه في الآخرة هل يكون من عقل العاقل أن يقتحم الردى ويضع نقسه على دكادك من نار هل هذا من العقل ؟هل هذا من اللب؟ هل يكون العاقل الذي يجحد الحق الذي سيوصله لو اتبعه إلى الجنة ويرضى بزينة الحياة الدنيا القاصرة الفانية الهالكة عن الجنة؟ يرضى بأن يكون من أهل النار أو بأن يتعرض في الآخرة إلى العذاب وهو في الجنة يتبع عرضا زائلا؟ ليس هذا بعاقل ولهذا اعقل العقلاء أكملهم إيمانا، ولو كان في الناس ضعيف العقل، إذا كان أكمل إيمانا، وكمل إيمانه ولو كان في الناس وضيعا لا مال له، فقيرا ليس بذي سؤدد ليس بذي شرف، وليس بذي جاه لكنه هو لو أقسم على الله لأبره، وهو صاحب العقل، وصاحب اللب، فما أحسن قول القائل: كم من ذي لب ولا لب له، وكم من ذي عقل ولا عقل له.
هذه المسألة التي هي من صور أهل الجاهلية ومن شعبهم ومن مسائلهم، ومما اختصوا به، هذه المسألة جاءت إلى المسلمين وكانت فيهم لأنها من سنن أهل الجاهلية والنبي  قال «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال «فمن» وفي رواية أخرى قالوا: يا رسول الله فارس والروم؟ قال «فمن الناس إلا أولئك».
فهذه الأمة جاءت فيها هذه الشبهة وذلك الاستدلال، وذلك في أصناف من هذه الأمة:
الصنف الأول: هم أهل الرئاسة بأنواع من الرئاسات، وأولئك إذا رأوا المتبعين للهدى وللحق تنقصوهم وتنقصوا عقولهم، وقادهم ذلك التنقص إلى أنّ هذا الذي هم عليه ليس هو الصواب، فإذا رأوا من يتمسك بالسنة احتقروه، واستدلوا بأنه من أهل الفقر والمسكنة، من الموالي، من غير أشراف الناس، على أنه إنما اختار هذا الطريق، وهذا النحو لأجل ضعف عقله وهم أهل العقول الكاملة وهم الكَمَلَة الذين هم عند أنفسهم أصحاب فهْم، فيستدلون بفهْمهم ومعرفتهم وعقولهم على أن هذا ليس هو المراد بالشريعة، وهذا كان في كثيرٍ من أصحاب الرياسات، فكانت تلك الرياسات معطلة لعقولهم عن رؤية الصواب.
الصنف الثاني قوم من العقلانيين الذين درسوا الفلسفة، وعرفوا المنطق، وكانت لهم عقول وأفهام وذكاء، لكنهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: أُوتوا عقولا ولم يؤتوا فهوما، وأوتوا ذكاء ولم يؤتوا ذكاء. أولئك أهل الفلسفة ينظرون إلى من يسمونهم بالحشوية، ينظرون إليهم وما هم عليه بأنهم هم الأراذل هم الضعفاء، الضعفاء في العقل، الضعفاء في الفهم، فيقودهم ذلك لأن أولئك الذين وسموهم بالضعف والرذالة بأن أولئك لم يعتنوا بعقولهم -يعني عقول أولئك الفلاسفة-، لم يعتنوا بمنطق اليونان، لم يعتنوا بالفلسفة، لم يعتنوا بتلك الدلائل التي يسمونها عقلية ليس لهم سعة في العلوم، إنما مدارهم على النقل، ليس عندهم فهم إنما هم ينقلون قال الله وقال رسوله، لم يدخلوا في الفهم بعقولهم، يستدلون بضعفهم عن المشاركة على بطلان هذا النوع، فيقولون: لو كان ذلك صوابا لكان وصل إليه فلاسفة الأمة طالب الحكمة منهم، هؤلاء هم أهل العقول العالية وهم أهل الفهوم السامية، فلا بد أن يكون هناك تقديم لطريقة أولئك على طريقة أولئك الحشوية. هذه كانت في قرون، ثم وصل بطائفة من الفلاسفة الجمع بين الطريقتين، لم يصدعوا بالحق ولم يروه تماما، حيث إنه من اتبع الكتاب والسنة ولم يدخل في ذلك بعقله يعني العقل المعارض للكتاب والسنة، لم يدخل في ذلك بعقله، حاولوا أن يجمعوا بين الطريقتين، كما جمع بينها ابن رشد ونحوه، فحاول أن يجمع بين طريقة المتكلمين الذين يحتقرون الناس ممن عداهم وبين طريقة أهل الأثر في عدة مصنفات لهم، لهذا سموهم الحشوية ما ذا يعنون بكلمة الحشوية؟ يعني أنهم حَشْوِ الوجود، ليسوا هم النخبة، ليسوا هم المتميزين، إنما هم حشوية لا قيمة لهم، كما قال أولئك: إن أتباع الرسل هم الأراذل وهم الضعفاء. كذلك قال من ورِثهم من هذه الأمة إنّ من اتبع الكتاب والسنة واتبع الحديث والأثر وأثبت ما أثبت فيهما إنما هم حشوية يعني حشو في الوجود، حشو في هذه الأمة ليسوا معتبَرين مهما قالوا ومهما فعلوا.
أيضا دخلت تلك المسألة في أهل الغِنى من هذه الأمة أهل الأموال، فأهل الأموال من هذه الأمة غرهم غناهم، يعني من غره منهم غناه فكان إذا أتاهم بالحق من ليس بأهل غنى تراه لا يسمع، تراه يجد في نفسه صدودا عنه، إذا جالسه من ليس من أهل المال، وليس من أهل الغنى، وليس من أهل الزينة في لباسه وفي مركبه، وفي بيته ونحو ذلك، تراه لا يعير لقوله اهتماما، وذلك أنه يستدل بضعفه على أن ما جاء به وما قاله ليس بحق، كما قال أولئك.
أيضا دخل ذلك في الأمة وهذا يتجلى في هذا العصر بالذات دخل فيمن يسمونهم العصريين من الإسلاميين يعني ممن اهتموا بالفكر، اهتم بالفكر طائفة من أهل هذه الأمة، ورأوا أن عرض الإسلام عن طرق الفكر وعن طريق الجمع بين منتجات الحضارات من الأفكار وما جاء في هذه الشريعة أنه يُخرج للناس ما يقتنعون به، فإذا كان الحق رأواه عند من ليس مفكرا ومن لم يعتنِ بهذه الفكريات احتقروه؛ لأنه عنده ناقص العقل، ناقص الفهم، بليد الذهن، وهذا كثير وتجد أن كثيرين ممن كتبوا الكتابات الإسلامية إذا خاطبهم من يعتني بعلم الكتاب والسنة وبعلم الأثر الذي هو أعلى العلوم وصفوة العلوم وأصوب العلوم، رأيت عندهم في أنفسهم وقد يُظهرون احتقارا له وردا لما جاء به لِمَ؟ لأنه ضعيف عندهم بتلك العلوم الفكرية، ولهذا واجهنا كما واجه ربما كثيرون منكم أنه يعاب على من يكثر النفقة في الكتاب والسنة في هذا العصر، يعاب عليه؛ لأنه ليس عنده علم بهذه الأمور الفكرية الجديدة بأنواع من الفلسفات الفكرية وأنواع من الدراسات الإسلامية الحديثة، يعيبون عليه، وهذا ليس بعيب؛ لأن الله جل وعلا جعل أهل اللب وأهل الفهم إنما هم أهل الإتباع لكتابه ولسنة نبيه .
أهل التذكر هم أُلُوا الألباب، فكلما كان الرجل أطوع لله وأتبع لسنة النبي  كلما كان هو ذو اللب، وكلما كان هو ذا اللب كان ذا الفهم؛ لأن هذه الأمور لم يطالب بها الشرع، وهذا داء سرى في طوائف في هذه الأمة، وأخشى أن يتسرب إلى هذه البلاد التي هي خلاصة في دعوتها اتباع الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح.
أيضا دخل في طائفة نختم بها هذه الطوائف دخل في طوائف من الدعاة والدعوات، ذلك أن طوائف من أولئك الذين يعتنون بالدعوة –مشكورين- رأوا أنهم كلما كان عندهم معرفة أعظم بالواقع على اختلاف صنوفه وأحواله من قياسات ومن فكريات، ومن أحوال، ومن تقلبات، ومن دراسات، كلما كانوا أقرب إلى الصواب، ويرون أن من لم يعتني بتلك العلوم من العلماء ومن طلبة العلم أنهم هم أضعف منهم فهما وأقل منهم نظرا وأقل منهم تسديدا وصوابا، وهذا أيضا من آثار أولئك، لأنه فيه اعتناء بفهومهم، واحتقار للآخرين باقتصارهم على النقول على الكتاب والسنة، ليست معرفة تلك الأمور مرذولة ومردودة بل العلم بتلك الأشياء مطلوب شرعا –بحده المطلوب شرعا على ما يقرره أهل العلم-؛ لكن الاستدلال بفهومهم ومعرفتهم لتلك الأمور على أن غيرهم ليس على الصواب لأجل أنه ما فهم تلك الأمور، هذا من جنس احتجاجات الأولين، فيرى أن المفتي إذا لم يكن عالما بالواقع يكون ذاك الذي علم أفهم منه وأرفع، فتكون فتوى العالم مردودة يستدل على بطلانها بقلة فهمه لتلك الأمور، وهذا ليس بأمر مؤصل شرعا، إنما الأمر المؤهل شرعا العمدة هو الدليل، فإذا كان للعالم استدلال وفهم فإنه يكون هو الصواب، إذا كان للعامل اتباع للكتاب والسنة فليس عليه أن يعرف كل ذلك، من علم هذه الأشياء علما صوابا فإنه قد يكون ذلك العلم نافعا وقد يكون ضارا له.
المقصود من ذلك أن طائفة في العالم الإسلامي عموما اعتنوا بتلك العلوم، ورأوا أن من لم يعتنِ بها أنه هو الأضعف وهذا من مداخل الشيطان على القلوب؛ لأن هذه الأمة لن يصلحها إلا شيء واحد ألا وهو التربية على كتاب الله وسنة رسول الله  والسعي في انجاء الناس في الدار الآخرة، ولا شك أنه بالإجماع أن تلك العلوم ليست منجية لعامة الناس في الدار الآخرة وليست بنافعة في الدار الآخرة؛ لكنها قد تنفع الأمة، فيكون المخاطب بها طائفة قليلة من هذه الأمة، وأما نشرها على العوام فهذا ليس بحد شرعي.
إذا كان كذلك، فإن هذه الحجة من أنه من كان أقل فهما في تلك الأمور فيدل على بطلان ما جاء به وعلى بطلان ما قاله هذا من جنس حجج أهل الجاهلية، ودخل هذا في الأمة بنوع من تلبيسات الشيطان على النفوس.
إذن فنخلص من هذا إلى أن أهل الجاهلية يستدلون على بطلان الشيء لأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، والواجب أن نظر إلى الحق مجردا عن من أتى به، فربما يأتي بالحق شيطان، كما علّم أبى هريرة رضي الله عنه، الشيطان علمه دعاء معروفا لا يزال كل منا يدعو به، وإنما علم أبى هريرة شيطان، كما قال النبي  لأبي هريرة بعد أن ذكر له ما قال «صدقك وهو كذوب».
فإذن يُنظر إلى الحق وتكون غاية المؤمن طلب الحق، ومن جاء به فهذا لا يهم من جاء به ليس بمقصود، قد يجيء به الصغير، قد يجيء به الضعيف، قد يجيء به المولى، قد يجيء به الرفيع، قد يجيء به من لم يكن عنده جاه، ونحو ذلك.
المقصود أن يكون الحق إذا جاء به جاءٍ أن يكون مقبولا دون نظر في حال من جاء به، يعني من حيث رفعته ووضاعته، لكن تارات تلتبس هذه المسألة بما إذا كان الذي يجيء به من أهل البدع، من أهل الأهواء ونحو ذلك، هذا له مقام آخر.
هذا ملخص لهذه المسألة وهي كما ترى مسألة مهمة.
التاسعة: الإقتداء بفسقة العلماء والعباد.
أهل الجاهلية جاهلية العرب سألوا اليهود وسألوا النصارى عمّا هم عليه فاقتدوا بهم لمّا أجابوهم بأنهم على صواب، كما قال جل وعلا ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِن الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾[النساء:51]، (يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِن الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) يعني أن اليهود لما سألهم المشركون من أهدى نحن أو أتباع محمد؟ أجابوهم بأنهم هم أهدى، وهذا نوع إقتداء؛ بل هو اتباع لأولئك بل سماه الله جل وعلا إيمانا بالجبت والطاغوت، كانوا يقتدون بالفسقة من العلماء الذين يأكلون أموال الناس ظلما، وصفهم الله جل وعلا بقوله ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[التوبة: 34] أولئك الفسقة من العلماء لَبَسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون، وهذا جار في كل زمان... ( )
كذلك اقتدوا باليهود مع أن اليهود كانوا أهل أكل للأموال بالباطل، هذا دليل الفسق (إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، الواجب أن يكون الإقتداء بأهل الصلاح والطاعة، أما الذي يشتري هذه الدنيا بالآخرة، فيدفع الآخرة ثمنا لهذه الدنيا، هذا فاسق، يشتري الدنيا ويدفع ثمن الآخرة ويصد عن سبيل الله، هذا دليل الفسق، أولئك المشركون كان من خصائصهم أنهم يذهبون إلى من علموا فسقه، ومن علموا ضعف ديانته، ومن علموا مخالفاته، فيقتدون بهم في الدين، وهذه ظاهرة سواءً في مشركي العرب، أو في أهل اليهودية، أو في النصارى، أو في غيرهم من أصحاب الملل، كلهم كانوا عندهم هذه الخصلة؛ لأنّ المرء يحب من يسهِّل عليه ومن يرضيه بواقعه، الأصل في هذا أنّ المرء يحب من يقول له إنك على صواب، ويأنف ممن يقول له إنك على غير الصواب والهدى، فإذا قال له قائل: إنك على صواب وهدى فرح به. ولو كان يعلم أنه ضال ولو كان يعلم أنه فاسق، لأن تحري الصواب والبراءة من غيره من الضلال، هذا لا يؤتاه إلا طالب الحق، لا يؤتاه إلا من رغب في الحق وسعى إليه، فأولئك يسألون أهل الضلال من اليهود والنصارى فإذا أجابوهم قبلوا ذلك، وهذه كما ترون سَرَتْ في هذه- الإقتداء بفسقة العلماء- في أنواع كثيرة؛ في طوائف كثيرة من الأمة، وهي واضحة ظاهرة.
فمن الناس من يقتدي أو يرضى بحكم قاضٍ يعلم أنه جائر فيه، يعلم أن هذا القاضي قبل رِشوة، قبل مالا، ومع ذلك يرضى ويقتدي به في ما قال, يأتي بعض القضاة ويستدل ببعض القضاة الذين يأخذون الرشاوي، وكان هذا في الزمن القديم كثيرا خاصة في القرون ما بين الثالث إلى الحادي عشر، كَثُرَ هذا جدا، وكان الحكام يعني القضاة يأخذون الرشاوي على المال، وكل قاض يستدل ويستشهد بفعل من سبقه، ويقول أنا أحكم بهذا للحاجة، ونحو ذلك، فيقتدي بالفاسق الذي يعلم فسقه، من أنه الرشوة في الحكم كفر وهذا أعظم من مجرد الفسق، كذلك العلماء الذين يعلم من حالهم أنهم فسقة, يعلم من حالهم أنهم لا يصلون كما هو موجود في كثير من الأمصار.
وقد سئل بعض أهل العلم في غير هذه البلاد عن حال علماء مصره وبلده عن أنهم لا يؤدون الصلوات، يفعلون ما يفعلون من المنكرات، كيف يكون علمهم؟ قال: صنعة. يعني اتخذوا العلم مهنة وصنعة من الصنائع، فكانوا فسقة بذلك, الناس اقتدوا بهم؛ فيستفتونهم فيفتون ويرشدونهم ويبينون لهم في وسائل البيان المختلفة، ويقبلون، وهذا نوع من آثار الجاهلية في النفوس، والواجب أن يسعى إلى من يعلم أنه أصلح وأنه أبر وأنه أتقى و يأخذ الدين منه؛ لأنه هو الذي لا يحابي، إذا كان الطالب يطلب الحق فيذهب إلى من يقول له الحق ولو كان مُرا، هذا طالب الحق والهدى، أما الذي يطلب من يصحح له وضعه، فإنه يذهب إلى فسقة أهل العلم الذين يتكسبون بالدين ويتكسبون بالعلم فيجيبون كل واحد بما يناسبه. ومن صنوف أولئك:
طائفة كان في ما مضى من الزمان كانوا يفتون على المذاهب الأربع؛ يأتي ذلك المستفتي إلى ذلك العالم، فيستفتيه المستفتي، فيُفتي العالم بالمذهب الذي عليه ذلك المستفتي، يقول أنا على مذهب فلان فيفتيه، غالب أولئك كما وصفهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بعض رسائله متأكلون بالعلم.
بعض أولئك العلماء لا يفتي إلا بمال، يقول: أنا لا أفتيك إلا أن تعطيني شيء.
بعض أولئك العلماء فيما مضى من الزمان يعلمون أنه على فسق في حاله، ولكنهم يقتدون به في أموره الخاصة، يعني يرون حاله في بيعه يرون حاله في شرائه ويقتدون به، يقولون فعله العالم الفلاني، طيب ذلك العالم غير متحر للصواب، وربما كان فاسقا.
بعض أولئك العلماء يفتي الناس بما يناسبهم برخص من رخص أهل العلم إذا استفتاه بعض أهل الوجاهة، بعض أهل المال، لا يريد أن يكدر خاطره، فيذهب يفتي له برخصة من رخص الفقهاء ليست صوابا، يعلم أنها ليست صوابا، أو بقول مهجور من الأقوال في الفقه إرضاء له، وهذا يكثر عند المخالطين للكبراء وللأمراء في كل زمان وكل مكان، فإذا لم يكن المرء على –يعني العالم الذي يسأل فيجيب- إذا لم يكن على تحر في دينه، لا يهمه في تبليغه دينه أن يرضى ذلك السائل أو لا يرضى، فإنه لا يقتدى به، إذا كان هذا المستفتى أو المسؤول يُهِمه رضي ذاك هذا يجب أن لا يقتدى به ولا يؤخذ العلم منه.
اليوم ربما خالط طائفة من الناس من أهل العلم الأغنياء أصحاب الأموال الباهرة أصحاب الشركات أو العقارات أو المؤسسات أو نحو ذلك، فيأتيه ويكون ذلك أو يكون له مصلحة منه، فإذا سأله أفتاه بما يريح ذاك، وهذا من أنواع الإقتداء بفسقة العلماء الذين كانوا من قبل، ذلك أن الله جل وعلا وصفهم بقوله ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[آل عمران:99]،قل﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾[آل عمران:70]، (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾[آل عمران:71]، ﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[آل عمران:99]، هذه في آل عمران كما ذكرت وهنا وصفهم بأنهم يصدون عن سبيل الله، يعلمون أنهم يصدون عن سبيل الله ومع ذلك يقتدون بهم، كانوا يفرحون بأنهم سيجيء نبي يتبعونه، فلما جاء النبي كفروا به وأعرضوا عنه، وهذا نوع من الصد عن سبيل الله، فكانوا بذلك فسقة، كان الناس يعلمون أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل، ومع ذلك كانوا يقتدون بهم، وهل أولئك أصحاب إقتداء؟ هل يجوز الإقتداء بهم؟ لا.
رد مع اقتباس