عرض مشاركة واحدة
  #31  
قديم 20-01-2015, 09:01PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

بابُ ما جاء في النُّشرة

ج / 1 ص -377- [الباب السابع و العشرون:]
* بابُ ما جاء في النُّشرة

عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النُّشرة؟ فقال: "هي من عمل الشيطان" رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود، وقال: سئل أحمد عنها؟، فقال: "ابن مسعود يكره هذا كله".


مناسبة هدا الباب لما قبله:
أن الشَّيخ لَمّا ذكر في الأبواب السابقة السّحر وما جاء فيه، وذكر أنواعاً من السحر، وذكر ما يعمّ السحر وغيره من أعمال الشياطين؛ وهو الكِهانة والعِرافة وكل ما هو من هذا القبيل من الشعوذات؛ انتقل إلى بيان حكم النُّشرة، فقال:
"باب ما جاء في النُّشرة" يعني: من الأحاديث والآثار التي تدلّ على حكمها في الشرع.


وهذا في غاية المناسبة؛ لأن النّاس في حاجة إلى معرفة ذلك، لأن السحر موجود، ومن النّاس من يُبتلى به ويقع عليه السحر ويتضرّر به، والله تعالى ما أنزل داء إلاَّ أنزل له شفاء، علِمه مَنْ علِمه وجهله مَن جهِله، فلابد أن نعرف ما هو الدواء الصحيح للسحر، الدواء الذي لا يمس العقيدة، ونعرف- أيضاً ما يخالف العقيدة فنتجنّبه، وأيضاً: هناك من السحرة من يقول للناس: أنا أُعالج السحر، وأنا.. وأنا؛ فهذا أمرٌ واقع لابد من معرفته وبيان حكمه للناس.
والنُّشرة- بضم النون وسكون الشين- مأخوذة من (النّشر) وهو التفريق؛ وهي - كما فسّرها الإمام ابن القيم-: حلّ السحر عن المسحور. وهي ضرب من العلاج، سمي نشرة: لأنه يُنشر به، أي: يزال ما أصاب المريض وما خامره من الداء.


وقوله في حديث جابر: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن النُّشرة" أي: النُّشرة المعهودة في الجاهلية، وهي التي كانت من عمل الشيطان.
"فقال: "هي من عمل الشيطان""، لأنها سحر، والسحر من عمل الشيطان- كما مرّ في الأبواب السابقة-.

ج / 1 ص -378- وفي البخاري عن قتادة: قلت لابن المسيّب: رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته؛ أَيُحَلُّ عنه أو يُنْشَر؟، قال: "لا بأس به؛ إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنَه عنه".


"رواه" الإمام "أحمد" في مسنده بسند جيِّد، وأبو داود" في سننه.
"وقال" أي: أبو داود، لأن أبا داود من تلاميذ الإمام أحمد، وروى عنه كثيراً من المسائل في المذهب، ويوجد الآن مجلّد مطبوع اسمه "مسائل أبي داود" وهي المسائل التي رواها أبو داود من أجوبة الإمام أحمد على الأسئلة التي تَرِدُ عليه.


"قال: سُئل أحمد عنها" يعني: عن النُّشرة؛ ما حكمها؟ "فقال: "ابن مسعود يكره هذا كله"" أي: يحرم النُّشرة، لأن السلف يريدون بالكراهة التحريم، والمراد النُّشرة التي هي من عمل الجاهلية.
قال: "وفي البخاري" أي: في "صحيح البخاري".
عن قَتادة هو: قتادة بن دِعامة السدوسي، نسبةً إلى جده سَدوس، وكان من أكبر علماء التابعين، ويُقال: إنه وُلد أكْمه يعني: ليس له عينان. وكان نادراً في الحفظ والذّكاء والفقه رحمه الله، حتى كان من كبار التّابعين.
"قلت لابن المسيّب" المراد به: سعيد بن المسيّب، أحد أعلام التّابعين وأحد الفقهاء السبعة الذين اتتهت إليهم الفتوى في زمانهم، وهو عالِم المدينة وفقيهها.


"رجلٌ به طِب" يعني: أنّ قتادة بن دِعامة سأل شيخه سعيد بن المسيّب عن رجل به طبّ.
والطِّبّ معناه: السحر، يقال: مطبوب يعني: مسحور، قالوا: وهذا من باب التّفاؤل، لأنّ الطب معناه العلاج، كما يقولون للديغ: سليم، من باب التفاؤل بالشّفاء.
"أو يؤخّذ عن امرأته" يؤخّذ: معناه: يُمنع عن جماع امرأته فلا يستطيع جماعها بسبب السّحر.
"أَيُحَلُّ عنه أو يُنشر" يُحَل وينشَّر بمعنىً واحد، يعني: هل يجوز أن يحلّ عن هذا المطبوب أو هذا المؤخَّذ ما أصابه؟.

فأجابه ابن المسيّب رحمه الله بقوله: "لا بأس" لا بأس أن يحلّ عنه أو ينشّر.

ج / 1 ص -379- ورويَ عن الحسن؛ أنه قال: "لا يحل السحر إلاَّ ساحر".
قال ابن القيم: "النُّشرة: حلّ السحر عن المسحور، وهي نوعان:
حلٌّ بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. وعليه يحمل قول الحسن. فيتقرّب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب؛ فيبطل عمله عن المسحور.


وقوله: "إّنما يريدون به الإصلاح" أي: حلّ السحر يراد به ا الإصلاح، بخلاف السحر نفسه فإنّما يُراد به الضّرر، أما حلّه فيُراد به الإصلاح وإزالة المرض عن الإنسان.
"فأمّا ما ينفع فلم يُنْهَ عنه" أي: أنّ الشارع جاء بإباحة ما ينفع وتحريم ما يضرّ، والنُّشرة من القسم الثني، أي: من الشيء النّافع.
قوله: "ورويَ عن الحسن" الحسن هو: ابن أبي الحسن البصري، أحد أعلام التّابعين بالفقه والعلم والوَرع والعبادة- رحمه الله.
وقوله: "لا يحلّ السحر إلاَّ ساحر" هذا يتّفق مع الحديث ومع قول ابن مسعود، ويختلف مع قول ابن المسيب.


قوله: "قال ابن القيم: "النُّشرة حلّ السحر عن المسحور، وهي نوعان".
جمع ابن القيم- رحمه الله- بين هذا الحديث وهذه الآثار في كتابه: "زاد المعاد" فقال: "وهي نوعان: أحدهما: حلٌّ بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يُحمل قول الحسن" يعني: في قوله السابق: "لا يحلّ السحر إلاَّ ساحر" وقصده: حلّ السحر بسحر مثله، وهذه هي النُّشرة التي سُئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
"قوله: "فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب" النّاشر هو: الذي يعمل النُّشرة. والمنتشر هو: الذي تُعمل له النُّشرة، كلٌّ منهما- المريض والساحر- يتقرّب إلى الشيطان بما يحبّه، فيخضعان له، فيطيعانه فيما يريده منهما من الشرّك والكفر بالله عزّ وجلّ، وفعل المحرّمات، فيبطل الشيطان عمله عن المسحور، لأنّ السحر من عمل الشيطان، وذلك في مقابل إفساد دينهم وعقيدتهم. فهذا هو الممنوع.


فلا يجوز لمن أصابه السحر أن يذهب إلى السحرة، لأنّه إذا ذهب إلى السّحرة
ج / 1 ص -380- والثاني: النُّشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة. فهذا جائز".


فإنه حينئذ يتقرّب إلى الشيطان بما يحبّ، وحينئذ يُزيل الشيطان عمله عن المسحور، لكن بعدما يفسد عقيدته ودينه، فيخسر الدّنيا والآخرة.
قال الإمام ابن القيم: "والثاني: النُّشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة؛ فهذا جائز" أي: النّوع الثّاني من النُّشرة: حلّ السحر بغير السّحر ممّا أباحه الله عزّ وجلّ، فالله ما أنزل داء إلاَّ أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، والسحر داء ولابد أن الله أنزل له شفاء والرقية المباحة أنواع:
النوع الأول: حلُّ السحر "بالرقية" بأن يُقرأ على المسحور من كتاب الله عزّ وجلّ، فتُقرأ عليه الفاتحة التي هي أعظم الرقى، ويقرأ عليه الآيات التي تتعلّق بذكر السحر وإبطاله، مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ(117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ(119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(122)}، وفي سورة يونس: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(82)}، وفي سورة طه: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى(69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى(70)}.


هذه الآيات من سورة الأعراف ومن سورة يونس ومن سورة طه، يقرأها الرّاقي على المسحور بقلب حاضر وتوكّل على الله سبحانه وتعالى، وحسن ظنّ بالله، واعتقاد أنّ الله يشفي هذا المريض.
ثم على المقروء عليه أن يعتقد هذه العقيدة؛ فيرجو الشفاء من الله، ويثق بالله عزّ وجلّ، ويتوكّل عليه، ويعتقد أنّ كلام الله جل وعلا فيه الشّفاء.
فإذا حصل هذا التوجه إلى الله والتوكّل عليه من الرّاقي والمرقي حصلت النتيجة بلا شكّ ولا رَيْب.



وإنّما تتخلّف النتيجة إذا تخلّف اعتقاد الإنسان، أو غفل عن ذلك.
النوع الثاني: حلّ السِّحر "بالتعوذات"، وهي الأدعية التي وردت عنج / 1 ص -381- النبي صلى الله عليه وسلم، فإننا نذكر بعضاً منها: "أعيذك بكلمات الله التامّات من شرّ ما خلَق"، أُعيذك بكلمات الله التامّة من كلّ شيطان وهامّة ومن كلّ عين لامّة"، "أُعيذك بكلمات الله التّامّات التي لا يجاوزهنّ بَرّ ولا فاجر، من شرّ ما خلق وذَرَأ وبرأَ، ومن شرّ طوارق اللّيل والنهار، إلاَّ طارقاً يطرق بخير يا رحمن"، "باسم الله أرقيك، من كلّ داء يؤذيك، من شر كلّ نفس وعين حاسد، الله يشفيك"، "باسم الله، أذهب البأس ربّ النّاس، واشفه أنت الشّافي لا شفاء إلاَّ شفاءُك، شفاء لا يغادر سقماً"، "ربّنا الله الذي في السّماء، تقدّس اسمك، أمرُك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت ربّ الطيّبين، أنزل رحمةً من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا المرض. فيبرأ بإذن الله". هذه هي التعوّذات.


النوع الثالث: الرقية بـ "الأدوية المباحة" فهناك أدوية مباحة يُذهب الله بها السّحر، يعرفها الحُذّاق وأهل التجربة وأهل العقيدة السليمة تنفع بإذن الله في إزالة السحر، مع ذكر الله، ومع التعوّذ، ومع الرّقية، ومع قراءة القرآن، فإذا اجتمعت هذه الأمور المباحة نفع الله بها، لكن بشرط حسن الظنّ بالله عزّ وجلّ واعتقاد أن الشّفاء من الله سبحانه وتعالى.


فالحاصل؛ أنّ النشرة كما ذكر ابن القيِّم: منها شيء محرّم، وهي النّشرة التي كانت تُعمل في الجاهليّة، وهي ما يعمله السحرة.
ومنها شيء مباح وهي النشرة الشرعية، لكن يشترط لها أن يتولاها من يوثق بعلمه ودينه، لا أن يتولاها أصحاب المطامع الدنيوية، أو المشعوذين الذين يفسدون عقائد الناس، ويرهبونهم بالكذب والتدجيل.
انتهى الجزء الأول
ويليه بإذن الله تعالى الجزء الثاني، وأوله:
"باب ما جاء في التطيّر"




المصدر :

كتاب :
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

رابط تحميل الكتاب

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/.../mostafeed.pdf







رد مع اقتباس